إن معركة “عدوة” وقعت في يوم 1 مارس 1896م عندما حاولت إيطاليا غزو إثيوبيا في محاولة للتحكم بمدخل البحر الأحمر، وقد كانت لهذه المعركة أهمية كبرى في الصراع بين القوى الإستعمارية على أفريقيا آنذاك، حيث أصبحت لبريطانيا سيادة شبه كاملة على البحر الأحمر وشرق إفريقيا، دون منافسة حقيقية من الدول الإستعمارية الأخري.
قد كفلت التوازنات السياسية بعد الحرب إستقلالاً فريداً من نوعه لإثيوبيا، إذ كانت الدولة الوحيدة بجانب (ليبيريا) المحافظة على إستقلالها في أفريقيا.
**ترجمة خاطئة تشعل فتيل الحرب
بعد مؤتمر برلين سنة 1885 سال لعاب القوى الاستعمارية الأوروبية على تقاسم التورتة الإفريقية، من أجل توسعاتهم الاستعمارية، وعليه وقعت إيطاليا مع ملك إثيوبيا اتفاقية أوتشيالي في الـ2 من مايو 1889 التي كانت تهدف لتعزيز أواصر التعاون بين البلدين لا سيما في المجالات العسكرية.
شهدت الاتفاقية حالة نادرة من الأخطاء اللغوية التي كانت بمثابة شرارة الحرب بين إيطاليا وإثيوبيا، حيث اشتملت على بند يتعلق بإمكانية استعانة الإمبراطورية الإثيوبية بروما في العلاقات الخارجية، إلا أن الإيطاليين ترجموها على أنها إلزام على إمبراطور إثيوبيا الاستعانة بالحكومة الإيطالية في علاقته مع الحكومات الأخرى وهو ما أثار غضبه ليعلن فسخ الاتفاقية نهائيًا عام 1893.
الانسحاب الإثيوبي من الاتفاقية جرح كبرياء الإمبراطورية الإيطالية التي حشدت قواتها على الفور من أجل التقدم إلى الداخل الحبشي بعدما كانت متمركزة في ساحل البحر الأحمر بإريتريا، لتقع بعدها العديد من المعارك الهامشية بين جيشي البلدين، على رأسها معركة امبالاجي (Amba Alaghe) التي وقعت في الـ7 من ديسمبر من نفس العام.
في تلك المعركة حاصر قرابة 30 ألف جندي إثيوبي وحدة عسكرية إيطالية صغيرة مكونة من نحو 2500 فرد، وقد تمكنوا من القضاء على نصفها تقريبًا فيما سقط النصف الآخر أسرى ورهائن، الأمر الذي أثار حفيظة الإيطاليين الذين استعانوا بحشود قوية إضافية استعدادًا لمعركة الثأر والانتقام.. وهنا كانت معركة عدوة الشهيرة.
**هزيمة عسكرية لقوات اوروبية
كانت معركة “عدوة” أول هزيمة عسكرية مؤثرة لقوة إستعمارية أوروبية على يد قوة غير أوروبية منذ بداية الإستعمار ، وقد أثرت كثيراً على معنويات سكان المستعمرات، حيث قضت على أسطورة أن الأوروبي لا يُقهر، مما ألهب الشعور الوطني لدى الشعوب المحتلة، ومنحها الثقة بأن المقاومة ممكنة والتحرير مستطاع. محمد عبد الرحمن الناير في مقالة تحت عنوان ” معركة عدوة وهزيمة الإيطاليين “
أظهرت معركة “عدوة” الحجم الحقيقي لإيطاليا كقوة إستعمارية مما دفعها للتخلي عن كثير من أحلامها في إفريقيا.
لقد إستقال رئيس الوزراء الإيطالي “فرانشيسكو كرسبي” بعد عشرة أيام فقط من سماعه أنباء الهزيمة الساحقة لقوات بلاده، وقد وثّقت كتب التأريخ أن معركة “عدوة” واحدة من أعظم المعارك بين إفريقيا وأوروبا الإستعمارية.
في تلك الفترة كان الإستعمار الأوروبي للقارة السمراء على أشده، فخاض الإثيوبيون معارك ضارية ضد كل من بريطانيا ومصر وإيطاليا، وحتى السودان الذي كانت تحكمه الثورة المهدية.
**في معركة “عدوة” سارت النساء الإثيوبيات جنباً إلى جنب مع الرجال إلى أرض القتال.
فقد كانت النساء الإثيوبيات ، مثل قومهن من الرجال ، على إستعداد تام للتضحية بأنفسهن لمنع المحتل من السيطرة على بلادهم.
إن الإمبراطورة (تايتو بيتول) “الزوجة الثالثة للإمبراطور منليك الثاني” تعتبر رمزاً لمقاومة الإثيوبيات للغزو الإيطالي ، وهي لم تكن إمرأة دبلوماسية وسيدة دولة وحسب ، بل كانت أيضًا قائدة بارعة على دراية كاملة بفنون الحرب والقتال ، وخبيرة تكتيكية بإمتياز.
لقد جمعت ما بين عشرة إلى اثني عشر ألف إمرأة إثيوبية في مخيم وأعطتهن أباريق الماء لنقله إلى الجنود في جبهات القتال، حتى أن الغزاة الإيطاليون قد ناشدوها نيابة عن قائدهم كي تسعفهم من العطش.
نسمع أن إثيوبيا قد إنتصرت في حروبها مع الطليان ، ولكن يتم تجاهل حقيقة أن المرأة الإثيوبية كان لها الدور الحاسم في هذه الإنتصارات، وكان هنالك عشرات الآلاف من النساء الإثيوبيات اللائي أجبرن وأعدن المتخاذلين من آبائهن وإخوانهن وأزواجهن وأبنائهن إلى أرض المعركة مرة أخرى، وفي معركة عدوة تحديداً قد كان للنساء الإثيوبيات الدور الأبرز وقوة الدفع الرئيسية وراء الإنتصار ، فهن يحضرن الطعام والماء ، ويقدمن الرعاية الطبية للجرحى ، ويتبعن الجنود بشعار “الحرية أو الموت”.
تاثير عدوة علي الافارقة
امتد تأثير أحداث 1896 خارج إثيوبيا، فقد أصبحت ألوان العلم الإثيوبي الأحمر والأخضر والأصفر راية جماعية للأفارقة ورمزًا للمقاومة الإفريقية الرائدة، وبعد نصف قرن اعتمدت الدول الإفريقية المستقلة حديثًا تلك الألوان كجزء من أعلامها الوطنية.
ولدت ثمار الإيديولوجية من البذور التي زرعتها معركة عدوا، هذه البذور نبتت وعبرت المحيط الأطلسي أيضًا حيث كان الأمريكيون الأفارقة يخضعون لقوانين جيم كرو وسيادة المؤسسة البيضاء.
استلهمت القوميات السوداء
استلهمت القوميات السوداء مما رأته صراعًا مشابهًا للمستضعفين من إثيوبيا ضد القوى الأوروبية، كان النشيد الرسمي للرابطة العالمية لتنمية الزنوج “إثيوبيا؛ أرض آبائنا” وقد حصل مؤلفه الموسيقي الشهير المقيم في هارلم جوسيا فورد على دعوة للهجرة إلى إثيوبيا.
لقد إستقال رئيس الوزراء الإيطالي “فرانشيسكو كرسبي” بعد عشرة أيام فقط من سماعه أنباء الهزيمة الساحقة لقوات بلاده، وقد وثّقت كتب التأريخ أن معركة “عدوة” واحدة من أعظم المعارك بين إفريقيا وأوروبا الإستعمارية.
في تلك الفترة كان الإستعمار الأوروبي للقارة السمراء على أشده، فخاض الإثيوبيون معارك ضارية ضد كل من بريطانيا ومصر وإيطاليا، وحتى السودان الذي كانت تحكمه الثورة المهدية.
وثقت كتب التاريخ تلك المعركة فيما بعد على أنها واحدة من أعظم المعارك بين إفريقيا وأوروبا، حيث شكلت وقتها صدمة كبيرة للرأي العام الأوروبي وللطبقة السياسية الحاكمة هناك، وأسقطت العديد من المعتقدات الواهية بشأن ضعف قدرات القارة السمراء في التصدي للقوى الاستعمارية البيضاء، فضلًا عن إلحاق الهزيمة بها وتجريدها من عتادها وقواتها.
شهادة للتاريخ
في شهادة للتاريخ استعرض سيف لوكاسا، عضو البرلمان الإثيوبي، ذكرياته مع جده الأكبر هاي لوكاسا الذي كان جنديًا تحت قيادة قائد الحرب منغيشا يوهنس في معركة عدوة التاريخية التي وضعت حدًا للتوغل الإيطالي في الأراضي الإثيوبية قبل أكثر من 120 عامًا.
لوكاسا في شهادته التي أدلى بها لقناة “الجزيرة” أشار إلى أن جده الكبير كان جنديًا شجاعًا، وأصيب برصاصتين في المعركة، لكنه رغم ذلك لم يتوقف عن القتال، وكان له دور كبير في أسر أحد الجنرالات الايطاليين الكبار، فضلًا عن الخسائر التي كبدها هو ورفاقه للجيش الإيطالي.
وفي حديثه أوضح أن عدوة لم تكن معركة متكافئة بين الإيطاليين المستعمرين بمدافعهم وأسلحتهم مقابل الإثيوبيين الذين لا يملكون إلا سيوف بدائية لكن عزيمتهم وشجاعتهم حرمت الاستعمار من دخول إثيوبيا، فكانوا رمزًا إفريقيًا للتحرر أشعل شرارة الحرب على الاستعمار في عموم القارة، على حد قوله.
ويوثق متحف عدوة أحداث المعركة الخالدة وخطة القتال، بجانب احتوائه على أسلحة وصور القادة من الجانبين، كما يشتمل كذلك على الأسلحة الإيطالية التي استولى عليها الجيش الإثيوبي، وفي الإطار ذاته يستعرض المتحف في وثائقه الدور الذي أداه الشيوخ والنساء في تمريغ أنف الإيطاليين الغزاة في التراب.
وكان لتلك المعركة على وجه الخصوص أهمية كبرى في الصراع بين القوى الاستعمارية على إفريقيا، حيث كفلت سيادة بريطانية شبه كاملة على أجزاء كبيرة من القارة دون منافسة، إضافة إلى أنها كفلت استقلالًا فريدًا من نوعه لإثيوبيا، إذ كانت الدولة الوحيدة المستقلة (إلى جانب ليبريا المحافظة على استقلالها في إفريقيا وقتئذ) إلى أن غزتها بريطانيا بعد ذلك بعقود.
وفي النهاية لعبت “عدوة” دورًا محوريًا في إظهار الحجم الحقيقي لإيطاليا كقوة استعمارية، ما دفعها للتخلى عن كثير من أحلامها الإفريقية والاكتفاء بفتات المائدة، لتترك الساحة خالية بعد ذلك للقوى الاستعمارية الأخرى التي كانت في مقدمتها بريطانيا، تلتها فرنسا وقوى أخرى فيما بعد.
Перетяжка мягкой мебели
https://freesmi.by/raznoe/411817 .