علماء الحبشة و تحصيل العلم في الخارج والداخل !!

تقرير سفيان محي الدين

إن من فضل الله تعالى على هذه الديار وحكمته البالغة  قد جعل الله  علماء الحبشة ،حماة ورعاة للدين الإسلامي في أثيوبيا ، فقد قام هؤلاء العلماء حق القيام باذلين قصارى جهودهم في الحفاظ على العلوم الإسلامية ونشره ،كما قاموا بتربية المجتمع والحفاظ على وحدته وترابطه وتعايشه السلمي مع أفراده ومع الآخرين من جيرانهم من النصارى والوثنيين ، فصار العلماء بحق أمراء البلد فكانوا سفينة المجتمع إلى جرهم  بعمل الخير مع الحفاظ على الوحدة والألفة والمحبة  والسلام. وحول هذا أجرى مراسل  صحيفة “العلم” مع العالم الكبير  الشيخ  محمد خضيرإسماعيل  الذي خدم الإسلام والمسلمين في أثيوبيا  وحتى الآن ظل ولايزال  عضوا في هيئة  كبار العلماء  ومشرف  الدعاة سابقا في أثيوبيا و جاء الحوار كالتالي: 

 العلم :   أرجو من سماحتكم السيرة الذاتية لحياتكم  المباركة؟.

وفي هذا الصدد قال العالم الكبير الشيخ  محمد  خضير إسماعيل  الذي ساهم في مجال تأسيس مجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مع الشيخ  محمد ثاني  الإمام  مسجد الأنور الكبير في أديس أبابا آنذك   وأيضا له دور كبير في تأسيس مدرسة الأولية  ، وهي أول مدرسة إسلامية  باللغة العربية والثقافة الإسلامية  بعد مدرسة  الأبادر الإسلامية  في أثيوبيا.

 وقال  الشيخ  محمد خضير إنني  ولدت  في منطقة سبهونا  التابعة لإقليم أروميا   من أب إسمه اسماعيل وأمه ميمونة كبير حسين  “الأتابي  ” بعام 1936بالتقويم الاثيوبي.  

وحين وصل من السابعة من عمره إلتحق الشيخ بزاوية القرآن الكريم وعند ذلك اجتمعت آهالي  القرية  وجرى الحوار بين القرويين  في المنطقة ، ونحن في حاجة ماسة لتجليس المعلم  للقرآن الكريم وتمت الإتفاقية  بينهم على تجليس معلم القرآن ومن هنا وجدوا معلما  جاء من “جما” لزيارة  الشيخ حسين بالي “الدري” وحال كونه راجعا  من تلك الزيارة وطلبوا من الشيخ  أن يعلم القرآن الكريم  لأولادهم ، وكان عددنا ما يفوق عن  خمسة عشر نفراو لم يمكث مدة طويلة، وبعد ذهابه أحضروا لنا معلما آخر ، وهو الشيخ محمود  كبير حسين  الذي علمنا  القرآن الكريم بعده الشيخ محمود انتقلت إلى جدي والد أمي  كبير حسين الشومي وختمت  القرآن الكريم  عنده،  ثم بدأت  تعلم العلوم الشرعية لدى جدي بداية من المختصرات  ،مختصر  الصغير على مذهب  الإمام  الشافعي محمد بن إدريس، ثم انتقلت من عنده  إلى الشيخ محمد شيمو وتعلمت عليه الفقه  بداية  من قاسمي إلى منهاج،  والطلاب، وفتح  الوهاب ، وفتح الجواد  وبعد ذلك ذهبت إلى  الشيخ اسماعيل  الأميني ،وكذلك عند زمليه الشيخ محمد الأميني .،وبعد ذلك  ذهبت  إلى الشيخ عبد  الفتاح المسرانجي  في منطقة عرسي ديدأ وبدأت قراءة الفقه  عنده أيضا وثم بعد ذلك إنتقلت إلى منطقة- سركا- لدى الشيخ عبد القادر الحدي  وقرأت أيضا الكتب الفقهية، وتفاسير القرآن الكريم، ثم إلى الشيخ صالح الفقيه العالم الكبير المتمكن في دراسة  المذهب الإمام الشافعي في منطقة طريتا السركي .

رحلة إلى دراسة  فن النحو :

بدأت جولة إلى الشيخ  عبد الرحمن  الأويو السودي  لدراسة فن  النحو بداية  من الإعراب  وعلى سبيل المثال دحلان ،وخالدي  والأزهري  وكشف النقاب  وحتى إلى ألفية إبن مالك ومكثت لدي الشيخ حوالي  مدة  ثماني سنوات ولم أذهب لدراسة  فن النحو إلى مجالس الحلقات العلمية الأخرى إلى عالم آخر .

وقال الشيخ لنا في خلق الأنشطة الثقافية أو بغرس رغابات  تعليم النحو في نفوس الطلاب وأنشد الشيخ  الشعر فقال : من لم يعرف النحو :     فذاك أخرس وفهمه في كل علم مفلس .

وقدره بين الورى موضوع :    وإن يناظر فهو المقطوع .

لا يهتدي لحكمة في الذكر :    وماله في غامض من فكري

كما قال  الشاعر  :-  

 اقتبس النحو ونعم المقتبس **  النحو زين وجمال الملتمس
صاحبه مكرم حيث جلس ** من فاته فقد تعمى وانتكـس
كأنما فيه من العين خرس ** شتان بين الحمار والفرس.

رحلة ثالثة إلى الفن الحديث :          

رحلة ثالثة:  في داخل البلاد لدراسة فن الحديث لدى الشيخ محمد في مدينة ديرا وهوعالم كبير الذي رجع  من السعودية  والسودان حيث بدأت  فن الحديث عنده الحلقات المسائية  في المسجد وفي النهار أدرس  المدرسة  النظامية  الحكومية حتى  الفصل الخامس الإبتدائي وكان الشيخ  محمد يقدم لي نصيحة وفكرة للخروج  للدراسة في  الخارج حيث رأى  وشاهد ذكائي في العلوم ، ومن هنا باتت عندي فكرة  الذهاب  إلى الخارج إثر صحبته لي وقررت  الذهاب  إلى الخارج  مع رفقائي وعددهم ثلاثة  .

وبدأنا  رحلة الذهاب من  العاصمة  “أديس أبابا ومنها إلى أسمرا  قاصدين إلى الأزهر الشريف ومن أسمرا قد ذهبنا إلى مدينة كرن ولكن مع الأسف الشديد لم نوفق ورجعنا إلى مدينة أسمرا  عاصمة إرتريا  وأيضا رجعنا  إلى عاصمة الوطن أديس أبابا مرة ثانية  ثم ذهبنا معا إلى منطقة  جما  في شهر رمضان المبارك ونحن مصممين  الذهاب إلى  الأزهر الشريف مرة ثانية ،ولكن سئمت  من المغادرة  مشيا على الأقدام ورجعت إلى أديس أبابا  تاركا رفقائي في منطقة جما وقررت العودة  إلى أديس أبابا.ومن ثم  ذهبت وحدي  إلى مدينة دسي  الولوية لأجل المحاولة الثانية بهدف الخروج من البلاد حيث نزلت  في مدينة  دسي بأحد الفنادق فيها ، وفي اليوم الثالث  وجدت مكتبة  للكتب الإسلامية  في تلك المدينة  وقابلت مسؤول  المكتبة والمرشد وأخبرته بأنني أريد الذهاب إلى مصر  بهدف  التعليم  بالأزهر الشريف  ولكنه قال لي ذلك الرجل  الأفضل لك  وأحسن أن تذهب إلى المملكة العربية السعودية عبر طريق اليمن  وهو أفضل لك من أن تذهب عبر طريق  أسمرا  للوصول  إلى مصر وأنا وافقت نصيحته الطيبة على ذلك وعزمت أن أذهب  عن طريق  اليمن إلى السعودية .

ومن هنا ذهبت  مباشرة  إلى ميناء عصب  وبعد ذلك  ذهبت إلى اليمن  في عهد  عبدالله  سلال وهو رئيس اليمني حيث وصلت اليمن عبر طريق البحر ومن ثم تم القاء القبض علينا من قبل  شرطة  حراس  البلد  وحبسونا لمدة  خمسة عشرة يوما وبعد ذلك رجعونا  إلى عصب وبعد مدة قليلة ذهبت  إلى “أسعيتا ” وقابلت هناك أمير سلطان على مرح بواسطة أحد العفريين حيث وصلت عنده وهو يجلس مع الوزراء  وسألني  من أين جئت  يا ولد ؟ وأخبرته بأني  جئت من عروسي  ورحب بي بحفاوة وسألني  هل تعلمت العلوم الشرعية والعربية ؟ فقلت له نعم .. الخ .

 وقالي إقرأ  ما تعرفه من النحو : وقرأت  شعرا  من لم يعرف  النحو.. الخ  وقد فرح فرحا شديدا وأمر من خدمائه  أن يقدم لي غرفة خاصة كما أعطانى ما يقدر ألف بر أثيوبي ونصح وزرائه بأن يعلم هذا الولد أولادكم   وقال لهم  أنظروا إلى هذا الولد  العالم وفقيه  ومتمكن في العلوم الشريعية  واللغة العربية .

وها أنا جلست لديه  لمدة شهرين  ونحن منتظرين  تلك القافلة  التي تأتي  من جيبوتي وترجع  إلى ميناء مدينة تاجورا  الجبيوتية وحين قدمت القافلة  ، قد جهز لي  خطابا وتوصية  خاصة  إلى  سلطان جيبوتي  السيد إبراهيم  سلطان  آنذاك وفي خلال هذا  قد قدم  حاكم جبيوتي  إلى تاجورا وقدمت له الخطاب الذي كتب لي رسالة سلطان  على مرح ، ومن هنا رفعني  ذلك السلطان إلى جيبوتي  وأجلسني  عنده كما أخرج لي  جواز السفر  تابع لحكومة جيبوتي و كذلك الهوية  العفرية ، ثم أرسلني إلى جدة  مع الحجاج العفريين  من  جيبوتي  إلى الارض المقدسة  مكة المكرمة  في موسم الحج وهكذا وصلت إلى السعودية .

العلم : وبعد إنهاء  أعمال الحج والعمرة  ماذا عملتم ؟

 قال الشيخ  محمد  إنني قد بدأت  لبحث أبناء البلاد بهدف أن يقدموا لي  تسهيلات  النزول  لديهم وطرق كيفية حصول التعليم في أرض المقدسة ووجدت  بعض أبناء البلاد  وهو الشيخ محمود  حامد رحمة الله  الذي كان طالبا  في دار الحديث  الخيرية  ثم ذهبت  من عنده  إلى المدينة  المنورة وقدمت  الطلب لأجل الإنتساب  إلى الجامعة الإسلامية في  المدينة المنورة  ، وذلك بهدف  الإلتحاق  بإحدى  المدارس  وقدموالنا  الإمتحان  القبول  ونجحت ذلك الإمتحان  وقبلوني في مستوى  المرحلة  الثانوية  تابع  للجامعة الإسلامية  ومن هنا درست  مرحلة  الثانوية  والجامعية  وتخرجت  بتخصص  عن اللغة  العربية  والدراسات  الإسلامية ” “البكالوريس” في عام 1493هـ وبعد تخرجي  مباشرة  رجعت  إلى  الوطن الغالي ورفضت  التعيين  إلى البلدان الأخرى  وتم  تعييني  وزملائي في أثيوبيا  .

العلم : ماهي الخدمات التي  قدمتم  لخدمة الإسلام والمسلمين  بعد التخرج من الجامعة الإسلامية  بالمدينة المنورة ؟

وذكر الشيخ محمد  بأنني  قد بدأت  التدريس  في الجالية  العربية  اليمنية  في أديس أبابا  لمدة ثماني  سنوات وبعدها إنتقلت إلى المدرسة  الأولية  وذلك إشارة  من السفارة  السعودية  نظرا هي الممولة  والمدعمة  تلك المدرسة آنذك واشتغلت فيها مدة  طويلة  بل تعتبر هي أول المدرسة  الأولية   وهي أول مدرسة  النظامية  الإسلامية  بعد مدرسة  أبادر  الإسلامية  في أثيوبيا.

 العلم : ماهي  الأعمال  الإخرى   في مجال  الدعوة الإسلامية ؟

وأشار الشيخ  محمد إلى أنني من الأعمال  التي قمت بها بعد  تخرجي  من الجامعة  الإسلامية  بالمدينة المنورة  (السعودية )  لقد كنت  مشرفا  على الدعاة  في أثيوبيا منتدبا من قبل إدارة  الدعوة  والإفتاء  في السعودية ،وكما كنت مشرفا  على دعاة  سماحة  الشيخ عبد الله  بن باز  رحمة الله عليه  لمدة ثلاثون سنة  تقريبا ، وكنت أيضا أقوم دائما بالدعوة  والإرشاد  وتدريس مادتي  اللغة العربية  والدراسات   الإسلامية في المساجد  المجودة  في أديس أبابا  وعلى سبيل  المثال  أقوم  بالدعوة  والإرشاد في جامع  الأنور ” مركاتو  ” وكذلك  جامع  النور (في بياسا أديس)وأيضا  في مسجد شوغولي   ” حي شوغولي ” وكنت  في تلك  المساجد  كلها  من ضمن اللجان  ولي يد عليا  في تنفيذ مشا ريع لبناء  الخدمات الإسلامية  حيث  أسعى  بالجد والإجتهاد  والإخلاص وخصوصا بالإتصالات  المستمرة إلى الإخوة  المحسنين  في السعودية  بواسطة  سفارة  المملكة  العربية  السعودية  في أديس أبابا . 

كما كنت  مفتاحا لبناء  المدارس  الإسلامية  وبناء المساجد  الموجودة  في العاصمة أديس أبابا  وليس فحسب بل  في أنحاء البلاد  وعلى سبيل المثال المدرسة  الأولية  الثانوية  في أديس أبا با ومركز الإسلامي  في سودي  وكذلك مركز رعاية  الإيتام  بأديس أبابا وأيضا بناء مسجد شوغلي  ومسجد معاذ بن جبل  في مدينة شغر ، ومسجد برايو ولعبت دورا بارزا ومساهما  في هذا المجال  وذلك بدءا  في عهد حاج محمد ثاني  حبيب  رحمة الله عليه إمام مسجد الأنور الكبير في أديس أبابا ومتعاونا  ومناصرا له وكما كنت  عضوا في هيئة  العلماء معهم ..

العلم : نبذة قصيرةعن العلماء  الحبشة  في مجال إقتطاف  وجني ثمار العلوم  الدينية والكونية ؟

ونوه  الشيخ  محمد  على إجتهاد علماء  الحبشة بالجد والإجتهاد : إن من نعم الله على علماء الحبشة بأنهم يحبون العلوم  الدينية والشريعة الإسلامية ، ويتلذذون بما ينالون في سبيله ويصبرون على المشاق والمتاعب التي ينالونها أثناء ذلك ،فاختاروا الفقر المدقع على الغنى واستبدلوا السفر والبعد عن الأوطان بدلا من الإقامة مع الآباء والأمهات ،وارتحلوا في طلبه فقطعوا الصحاري والفيافي ،وفارقوا في حبه الأوطان والأهل وكابدوا في تحصيله الصعاب والأخطار ،وتركوا لأجل التعليم  التنعم بلذة الطعام والشراب ،بل قللوا التلذذ من النوم وجعلوا راحتهم واستراحتهم في حضور مجالس العلم وحلقاته ودروسه ومذاكرته ومطالعته في نهارهم ،ومراجعة  كتابتهم ومقابلتهم مع زملائهم  في مجال الدروس  العلمية  في الليل والنهار.

العلم : وهل لديكم  من المؤلفات والمخطوطات  التي جمعتموها   ؟

 1_ذكر الشيخ  محمد إنني  قد جمعت  من الخطوطات كتاب شعر في تاريخ أورومو.

2_ العقيدة  الإسلامية  السلفية  باللغة  العربية .

3_وقد كتبت أيضا  كتابا من آل السعودي  الذين  خدموا الإسلام  والمسلمين  في الحرمين الشريفين .

وخلاصة  القول إن علماء الحبشة   قد انكبوا  على التفقه والتعمق في الدين والتخصص في آلاته وفنونه المختلفة ، رغم وجود العراقيل التي فرضها ومارسها الحكام السابقين  تجاه الدين الإسلامي لطمس معالمه والقضاء على علمائه ، فإن علماء الحبشة ظلوا مكافحين ومتفانين في التمسك بهذا الدين ونشر علومه جيلا بعد جيل ، وصاروا  أقوى علميا من كثير من الدول الإسلامية التي تعيش تحت الحكام المسلمين ،أو التي تشبه حالتها حال الحبشة ، ونجد هذا واضحا عند المقارنة بجيرانها السودان والصومال وكينيا وجيبوتي وإرتريا ، فالتخصص العميق في الحبشة في علم الفقه والنحو والصرف والبلاغة والمنطق لاتجد له مثيلا في هذه الدول،كما أن كثرة المشتغلين بالعلوم الشرعية في الحبشة أحسن وأفضل وهي بلاد إستقبلت الإسلام  والمسلمين  الحبشة  قبل العالم  وسجل فيه  تاريخ العالم!!!. 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *