الاحتفال بمهرجان شوال في مدينة هرر التاريخية

 


هاشم علي حامد

 

 

عبر بوابتها التاريخية القديمة تحتفل مدينة هرر الإثيوبية بتراث عالمي مادي وثقافي معنوي ممثل في مهرجان شوال، فإلى أي مدى يحكي التراث الإنساني قصته فيها عبر الأجيال وتمسكها بعادات وممارسات الأجداد؟

وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو” مهرجان شوال التقليدي الذي يحتفل به الشعب الهرري في إثيوبيا سنوياً، العام الماضي ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي العالمي غير المادي.

ويمثل مهرجان شوال التراثي مناسبة دينية ثقافية للقومية الهررية تجمع بين تقاليد ظلت تمارس مئات السنين، متجددة في تعاقب الأجيال بمزيد من الحرص، فضلاً عما تعكسه إضافات مؤصلة للمناسبة من مزيد من الثبات والتجديد على مدار الأعوام.

خليط أجناس

تقع مدينة هرر في شرق إثيوبيا، وهي موطن القومية الهررية التي تمثل خليطاً من الأجناس (الهرريين والصوماليين والأورومو والأمهرة) إلى جانب ذوي الوصول العربية، وعرفت المنطقة بتاريخ من العراقة جعلها في مقدمة المدن الأفريقية منذ زمان بعيد.

ارتبطت المدينة بحضور ثقافي وسياسي، وظلت إمارة إسلامية وحاضرة علمية خلال القرون الماضية حتى ضمتها إثيوبيا لأراضيها بواسطة الإمبراطور منليك الثاني عام 1887. 

يقول المؤرخ الإثيوبي آدم كامل، “تأسست هرر في القرن السابع الميلادي واستمرت حضارتها إلى القرن الـ18، وتمثل المدينة القديمة حالياً العاصمة السياسية لإقليم هررجي الواقع في شرق إثيوبيا، بالاتجاه المؤدي إلى الحدود الصومالية”.

ويضيف “يعتبر هررجي الإقليم الأصغر ضمن أقاليم إثيوبيا ولا يتجاوز تعداد سكانه حالياً نصف مليون نسمة (ضمن سكان البلاد البالغ 114.96 مليون نسمة وفق آخر إحصاء)، ويعيش معظمهم في مدينة هرر التي تبعد عن العاصمة أديس أبابا 500 كلم.

مركز للثقافة

يحكي المؤرخ الإثيوبي آدم كامل أن “هرر برزت مركزاً للثقافة الإسلامية في القرن الأفريقي، وكانت جزءاً من سلطنة عدل الإسلامية التي ازدهرت خلال القرون الماضية، وباتت ذات علاقة مميزة مع الإمبراطورية العثمانية، واشتهرت هرر ضمن تاريخها باسم مدينة (أبادر)، وهي من أقدم مدن شرق القارة السمراء”.

هنا يشير كامل إلى “أن اعتراف اليونيسكو بمهرجان شوال الهرري يمثل الاعتراف الثاني من المنظمة العالمية للتراث الإنساني، إذ حظيت المدينة من قبل بضم سورها التاريخي المعروف بسور جوقال إلى قائمة اليونيسكو”. وتضم المدينة معالم عديدة دالة على تاريخها العريق، لكن يظل هذا السور الذي شيد منذ القرن الـ13 أحد أهم المعالم.

ويروي أيضاً، “اكتمل بناء السور في عهد الأمير نوري (1559-1567)، وحافظ على هوية شعب الهرري الذي ظل يعيش بداخله محافظاً على عاداته”، مضيفاً “يضم السور خمس بوابات لا تزال قائمة حتى الآن كمعالم بارزة، وظلت تفتح وتغلق بمواعيد محددة في تلك الفترة، وترمز الأبواب الخمسة إلى الصلوات الخمس، وتحمل أسماء إسلامية هي (باب السلام، وباب النصر، وبدر، والرحمة، والبحر الأحمر)، وظل السور محتفظاً بـ24 برجاً للمراقبة خلال التاريخ القديم”.

وتابع “يمثل مهرجان شوال، الذي اعتبرته المنظمة الأممية أحد المعالم الثقافية، مناسبة رئيسة لأهل هرر يتجهزون للاحتفال به باكراً، وفي نهاية صيام رمضان من كل عام، والأيام الستة الأولى لشهر شوال تحل المناسبة ويخرج جموع المسلمين بأزيائهم المميزة في الجلباب الأبيض الذي يرتديه الرجال، وتتحلى النساء بأزيائهم القومية الفضفاضة المزركشة مع الحلي المتنوعة، وتمثل المناسبة تباري للأطفال في الملابس الجديدة بمختلف تقليعاتها”.

يضيف “هذا المهرجان الذي أعلنته اليونيسكو تراثاً إنسانياً معنوياً يجهز له كل الإقليم حكومة وشعباً، ويعتبر الوحيد الذي يجمع بين كونه مناسبة دينية وقومية يتميز بها أهل هرر”.

ويمضي في حديثه، “إدراج مهرجان شوال إلى قائمة التراث غير المادي يعتبر بادرة لإقليم هرر وكل إثيوبيا في الاهتمام العالمي الذي تحظى به مناسبة قومية، كتشجيع في الحفاظ على التراث المعنوي”.

وقال سفير السياحة في إقليم هرر، زاهد زيدان، -في حديثه لـ”بودكاست فانا عربي”- إن “احتفالية شوال بدأت في عام 1541 ميلادي، إبان سلطنة عدل، بعد عودة الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي من معركته مع إمبراطور الحبشة آنذاك لبنا دنقل”.

وأوضح أن أهالي هرر رغبوا حينها في إقامة احتفال بمناسبة النصر، غير أن الإمام فضّل تأجيله إلى ما بعد صيام الست من شوال، ليمنح الفرصة لمقاتلي جيشه الذين فاتتهم أيام من رمضان بسبب المعارك، وكذلك تضامناً مع النساء اللائي لم يكملن صيام الشهر الفضيل.

وأضاف: “بعد الانتهاء من صيام الست، أقيم الاحتفال، وتحول مع مرور الزمن إلى مهرجان ثقافي وتراثي، يشمل جميع أفراد المجتمع”.

وتحدث زاهد زيدان عن أحد التقاليد الراسخة لدى أهالي هرر، والمتمثل في البحث عن شريكة الحياة خلال مهرجان شوال، موضحًا أن من عادات الهرريين أن يكون المهرجان مناسبة للخطبة، على أن يتم عقد القران لاحقًا في شهر ربيع الأول، تزامنًا مع ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وأشار إلى أن هذا التقليد نشأ بناءً على رؤية الإمام أحمد بن إبراهيم الغاري، الذي اقترح أن يكون هذا اللقاء فرصة للخطبة، خاصة بعد استشهاد عدد كبير من مقاتليه في المعركة، ولتوفير مساحة اجتماعية لأهالي المنطقة المنهمكين في شؤون الحياة أو المبتعدين عن المدينة، ليكون المهرجان مناسبة جامعة للالتقاء والتواصل وبحثًا عن شريكة العمر.

وفي حديثه عن الجهود المبذولة لتوظيف مهرجان شوال في دعم القطاع السياحي، أوضح زاهد زيدان أن الحكومة الإثيوبية تعمل على أن يبقى الاحتفال محصورًا في مدينة هرر، بهدف الحفاظ على أصالته التاريخية والثقافية.

وأشار إلى أن هذا التوجه يهدف إلى توحيد الهرريين في مكان واحد، وتعزيز الدور السياحي للمدينة التاريخية، لما لذلك من أثر إيجابي في الترويج لإقليم هرر على المستويين المحلي والدولي.

وأضاف أن الحكومة تعمل على ترميم المعالم التاريخية في المدينة بأسلوب يحافظ على أصالتها، دون المساس بالقطع الأثرية، من خلال إدخال تحسينات جمالية مدروسة، مثل تعزيز الإضاءة العامة، وصيانة السور التاريخي المعروف بـ”سور جقل”، والاهتمام بنظافة المدينة.

ويشمل المهرجان فعاليات متنوعة، يتجول فيها الشبان والفتيات في ساحات المدينة، مرتدين أزياءهم التراثية، ويعكسن ثقافات تعود للقرن السابع الميلادي، إذ تأسست مدينة هرر التاريخية.

وفي غمرة المناسبة تزخر الشوارع بالفلكلور والأهازيج الشعبية مستقطبة الزوار والسياح، ويعتبر المهرجان فرصة للشباب والفتيان للبحث عن شريكة العمر، بحسب عرف التقليد الإسلامي لأهالي مدينة هرر.

وتصنف حكومة الإقليم الهرري مهرجان شوال مناسبة قومية مميزة، ويهدف ضمن إشاراته إلى تعزيز قيم التسامح والتضامن والسلام في البلاد، ويشكل حافزاً ثقافياً لقطاع السياحة وإظهار المدينة الأثرية بصورة جمالية ضمن دلالاتها الأثرية والمعنوية.

وتجري مراسم الاحتفال بمشاركة العرقيات المختلفة بإقليم هرر، إلى جانب مشاركة الأقاليم المجاورة كإقليم الصومال، وعفر وأوروميا والقوميات الأخرى بالإقليم كالسلطي وأرغوبا.

يشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو” سبق وأدرجت في يوليو (تموز) الماضي مدينة هرر ضمن قائمة التراث العالمي كأول مدينة جنوب الصحراء الكبرى تتمتع بتفرد معماري عريق وطابع عربي إسلامي يشير إلى تاريخ حضاري يمتد إلى أكثر من ألف عام.

وتحتضن المدينة ما يقارب 90 مسجداً أثرياً إلى جانب أضرحة علماء مؤسسين كالشيخ أبادر، والشيخ حاج علي، والشيخ عبدالرغاني والشيخ كبير أوتاد، ويطلق بعض عليها اسم “مدينة السلام والمحبة”.

وتصنف حكومة الإقليم الهرري مهرجان شوال مناسبة قومية مميزة، ويهدف ضمن إشاراته إلى تعزيز قيم التسامح والتضامن والسلام في البلاد، ويشكل حافزاً ثقافياً لقطاع السياحة وإظهار المدينة الأثرية بصورة جمالية ضمن دلالاتها الأثرية والمعنوية.

 

 

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai