بقلم نور طاهر
ضمن الخطة الإستراتيجية الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء التي اطلقها رئيس الوزراء الدكتور آبي احمد، يقوم إقليم عفر شرقي البلاد، بتنفيذ مشروع إنتاج القمح.
وحظيت التجربة التي انتشرت صورها في وسائل التواصل الإجتماعي بإعجاب الإثيوبيين وشعوب دول الجوار مع الإشادة بالإقليم وقيادته، وذلك بسبب إنتاج القمح المبشر بمحصولٍ وفير، والذي يتناقضْ مع السّردية المعروفة التي تزعُم استِحالة إنتاج القمح في المناطق المنخفضةِ ذات الأجواء الحارة، وأن القمح يُزرع وينْمو فقط في المناطق الباردة وفي درجات حرارة بين 10 – 25 مئوية مثل الهضبة الاثيوبية وروسيا وكندا وأوكرانيا والولايات المتحدة الأميركية.
وفي هذا السياق، قال أحد الناشطين منبهراً “قيل لنا إن مناطق إقليم العفر صحراوية قاحلة لا تصلح للزراعة، واقنعونا بتلك الرواية، بينما نرى الآن الإقليمُ ُمرشح ليكون سلة غذاء ليس لإثيوبيا فحسب بل لمنطقة القرن الافريقي”.
#تاريخ من البحوث والتجارب
وعلى عكس تلك السردية، يعتبر إقليم عفر أول منطقة تتم فيها تجارب زراعة القمح بالري في إثيوبيا عام 1980 ، في مركز ورار للبحوث الزراعية في محافظة حري رسو . و بدأ عمل الأبحاث بأصناف القمح المرسلة من المعهد الدولي لبحوث القمح والذرة من خلال مركز هوليتا للبحوث الزراعية.
أكدت البحوث الذي تم إجراؤه في ذلك الوقت، أن بعض أصناف القمح مناسبة لمناطق حوض نهر أواش الوسطى والسفلى.
وبالرغم من ذلك أدى اهتمام حكومة نظام الدرغ العسكري الاشتراكي ( ١٩٧٤- ١٩٩١) بزراعة القطن في المنطقة إلى توقف الأبحاث والتجارب على القمح.
وتمت التجربة الثانية في عام 2007 بمعهد ورار للبحوث الزراعية بمديرية عمي برا ، فيما اذا كان إنتاج القمح بالري في المناطق المنخفضة ذات الأجواء شديدة الحرارة، ممكناً أم لا. وتأكد بشكل قاطع مناسبة صنف القمح الشتوي للمناطق المنخفضة.
و لم يدخل المشروع مرحلة الانتاج لعدم اهتمام الحكومات الفيدرالية والإقليمية سابقا.
#التجربة الحالية
في عام 2019، وتأسيساً على تجربة عام 2007 الناجحة منحت الحكومة الفيدرالية، بمبادرة رئيس الوزراء الدكتور آبي أحمد، مشروع إنتاج القمح أولوية قصوى، ووضعته ضمن خطة الاكتفاء الذاتي من الغذاء.
وسجل الإقليم في السنوات الثلاثة التي تلت محصولًا جيدًا، رغم التحديات الجمة التي واجهته بما فيه الصراع في الجزء الشمالي من البلاد الذي امتد إلى إقليم عفر.
وفي هذا العام، يسعى المزارعون لزيادة إنتاجية القمح بالري في إقليم عفر، وعملوا طيلة الأشهر الماضية بجهد لضمان إنتاج القمح واستغلال الموسم بشكل أفضل، سيما موسم زراعة القمح في عفر هو موسم الشتاء.
وفي سباق مع الزمن، بذلت حكومة الإقليم جهودًا كبيرة من خلال القيام باصلاح قنوات الري واستصلاح الأراضي التي تضررت جراء الفيضانات، بغية استغلال الموسم بشكل أفضل لزيادة انتاجية القمح.
ويولي رئيس الإقليم الحاج أول عربا اهتماماً بالتنمية الزراعية، خاصة مشروع انتاج القمح لتحقيق أفضل النتائج، وظل يقوم بزيارات ميدانية لتفقد سير المشروع، وتشجيع المزارعين.
وبناءً على تعليماته، قدمت حكومة الإقليم الدعم اللازم للمزارعين من خلال إصلاح قنوات الري والأراضي الزراعية التي تضررت جراء الفيضانات وتوفير البذوروالأسمدة ومبيدات الحشرات، لتحفيز المزارعين لزيادة الانتاجية بشكل فعال.
#تحديات طبيعة
وتعتبر الفيضانات التي تضرب محافظات الإقليم الواقعة على حوض نهر أواش، العامل السلبي الذي يمنع استغلال الأراضي الزراعية الخصبة، إذ تتسبب الفيضانات بإغراق آلاف الهكتارات وتدمير قنوات الري التي تروي الأراضي الزراعية واتلاف المحاصيل سنويا.
ويحدث هذا نتيجة العامل الجغرافي، إذ تصب مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل في مرتفعات إقليمي أمهرا و أوروميا إلي الأراضي العفرية المنخفضة، وتتسبب السيول الجارفة بأضرار بشرية ومادية.
وغمرت مياه الفيضانات هذا العام أكثر من 26 الف هكتارًا من التي تم استصلاحها لزراعة القمح، ومثل تحديًا حال دون زراعته، إضافةً إلى شُح البذور الخاصة بالصنف الذي يناسب المناطق الحارة.
ورغم الحرب، والجراد الصحراوي والطيور التي تسببت في اتلاف المحاصيل، فقد حقق الإقليم محصولًا جيداً من القمح، في العام الماضي بمقدار 106الف طن من 7 ألف هكتار. ومن المتوقع أن يصل انتاج العام الحالي إلى 120الف طن من 8.5الف هكتار.
#أهمية مشروع إنتاج القمح
يتوفر الإقليم بشكل عام على مساحات شاسعة صالحة للزراعة تقدر 1.2 مليون هكتار، ولم يتم الاستفادة منها بسبب غياب الإمكانيات المادية وعدم توفر التكنولوجيا الزراعية الحديثة والإمكانات المتعلقةِ بالري واستعمال الآلات الزراعية وشح الاستثمارات في الزراعة.
ولا شك أن تطوير مشروع زراعة القمح بالري له فوائد عديدة للبلاد. فبالإضافة إلى تحقيق الأمن الغذائي للمزارع وللبلاد، يسد عجز السوق المحلي من القمح، ويحرر البلاد من الإعتماد على المساعدات الخارجية التي تُستخدم غالبا للضغوطات السياسية، وكأداة للاستعمار الجديد ضد بلدان العالم الثالث.
وتخطط اثيوبيا هذا العام تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتصديره إلى الأسواق الخارجية التي تواجه نقصًا حادًا في القمح وارتفاع أسعاره جراء الحرب الروسية الأوكرانية، فيما أعلنت دول الجوار رغبتها في إستيراد القمح الاثيوبي. المصدر : نيلوتيك بوست