جوهر أحمد
في عصر العولمة هذا، فإن السبيل الوحيد للخروج من الفقر والتخلف هو من خلال التعاون لتطوير الموارد المتاحة.
ولا تزال أفريقيا، مالكة الموارد الطبيعية غير المستغلة، تكافح للخروج من الفقر بسبب الافتقار إلى السلام الداخلي والتنسيق مع البلدان الأخرى في القارة.
وتحاول العديد من الحكومات في أفريقيا تغيير هذا الواقع، ولكن العمل بشكل مستقل غير فعال.
فبدلاً من التنسيق مع البلدان الأخرى في القارة، تسعى للحصول على المساعدة من المؤسسات الدولية لتطوير مواردها.
ومع ذلك، تهدف معظم المنظمات الدولية التي تأتي إلى أفريقيا إلى استغلال موارد القارة بمشاركة محلية محدودة، مما يقل عن توقعات البلدان الأفريقية.
وتفتقر البلدان الأفريقية إلى القدرة على استغلال مواردها الخاصة لصالح شعوبها. وبينما يحاول البعض تطوير مواردهم بمساعدة أجنبية، فإن التكلفة غالبًا ما تتجاوز قدراتهم المالية.
ونتيجة لذلك، ينتهي الأمر بالدول الأفريقية إلى الاعتماد على البلدان المتقدمة للحصول على القروض والمنح، والتي تأتي مع التزامات سياسية واقتصادية.
إثيوبيا، دولة يتجاوز عدد سكانها أكثر من 120 مليون نسمة، وهي واحدة من الدول الأفريقية التي تمر بهذه العملية.
وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها، فقد حافظت إثيوبيا على سيادتها ولم تستسلم للضغوط الأجنبية.
وعندما بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة الكبير، كانت تفتقر إلى رأس المال البشري والمالي لإكمال المشروع.
وبما أن البلاد لا تستطيع الحصول على قرض من المقرضين أو المانحين الدوليين بسبب معارضة الدول الواقعة على ضفاف النهر السفلي، فلم يتبق أمام إثيوبيا سوى خيار جمع الأموال من القاعدة الشعبية.
وعلى الرغم من أن الجمهور ساهم بشكل كبير في مشروع السد، إلا أن الدول الواقعة في مجرى النهر السفلي وضعت عقبات متمسكة باتفاقيات المياه الاستعمارية.
وللإجابة على هذا السؤال، من الضروري أن نتذكر الخلفية التاريخية للاتفاقية الاستعمارية. ففي عام 1880، غزت القوات الإيطالية إثيوبيا في أعقاب الخلاف بين البلدين فيما يتعلق باتفاقية ووتشال.
وبناءً على ذلك، تقول النسخة الإيطالية إن إثيوبيا لم يكن لديها سلطة التواصل مع الدول الأخرى دون موافقة إيطاليا.
وعندما فهم الإمبراطور منليك الثاني ملك إثيوبيا روح الرسالة المكتوبة باللغة الإيطالية، توسل إلى إيطاليا للموافقة عليها.
ولكن الأمور لم تتغير، وقرر الإمبراطور الدخول في حرب مع إيطاليا وإنهاء الحرب منتصراً.
في عام 1890، أعدت بريطانيا العظمى إعلاناً لتحقيق مصلحتها في التأثير على نهر النيل. وقبل أن تنهض إثيوبيا من حرب “عدوة”، توصلت الحكومة البريطانية إلى أجندة أخرى. ففي عام 1902، أعدت اتفاقية مكونة من خمس مواد لإجبار إثيوبيا على توقيع الاتفاقية الخاطئة من خلال ممثلها.
وخاصة المادة الثالثة من الاتفاقية التي تنص على أنه لا يجوز لأحد أن يعمل في أي مشروع على نهر النيل دون طلب موافقة البريطانيين.
وبصرف النظر عن هذا، أبرم البريطانيون في عام 1929 اتفاقية مع مصر ممثلة لأوغندا وكينيا، اللتين كانتا تحت مستعمرتها.
و أن هذه الاتفاقية هي التي همشت إثيوبيا وعليه، فإن مصر لديها حصة من مياه النيل تبلغ 48 مليار متر مكعب بينما السودان لديها أربعة مليارات متر مكعب فقط.
ومن المدهش أن هذه الاتفاقية منحت مصر الحق في السيطرة على روافد النيل ولم تعترف إثيوبيا بهذه الاتفاقية غير العادلة.
أما الاتفاقية الثالثة فقد عقدت بين السودان ومصر في عام 1959. وقد رفعت هذه الاتفاقية حصة مصر والسودان من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.
كما عملت هذه الاتفاقية على تهميش إثيوبيا وكان أساس كل هذه الاتفاقيات هو التدخل البريطاني.
وقد انخرطت إثيوبيا في جهود دبلوماسية لمعالجة هذه التحديات، وتوصلت في نهاية المطاف إلى اتفاقيات مع دول حوض النيل لاستخدام مياه النيل بشكل عادل.
ودخلت اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل حيز التنفيذ في 13 أكتوبر 2024، حيث تم إنشاء مفوضية حوض نهر النيل للإشراف على موارد المياه المشتركة.
وتؤكد إثيوبيا على حقها السيادي والمستقل في استخدام الأنهار، بما في ذلك نهر النيل “أباي”، مع الاعتراف باعتماد دول المصب على مياه النيل.
وقد دفع هذا الاعتراف إثيوبيا إلى الدعوة إلى مبدأ الاستخدام العادل والمنصف لهذه المياه. ويحكم القانون الدولي العلاقات بين الدول، وقد تطور منذ القرن السابع عشر لمعالجة الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، ومنح الدول في البداية حقوقًا مطلقة على المياه داخل أراضيها.
ومع ذلك، ومع اتضاح العواقب على دول المصب، تكيف القانون ليشمل مفاهيم الاستخدام العادل.
و لاشك اتفاق الإطار التعاوني يهدف إلى تصحيح الظلم التاريخي وتعزيز الاستخدام العادل لمياه النيل، وتعزيز التفاهم المتبادل والمسؤولية المشتركة بين دول حوض النيل.
وتعتقد إثيوبيا أن اتفاقية الإطار التعاوني ستفيد جميع دول الحوض وتؤدي إلى مستقبل مستدام.
وصادقت حاليا ستة من أصل إحدى عشرة دولة على اتفاقية الإطار التعاوني، والتي تؤكد على أهمية العمل الجماعي من أجل التكامل الاقتصادي.
وتؤكد إثيوبيا أن الاستخدام العادل والمنصف لمياه الانيل ” أباي” يمكن أن يلبي احتياجاتها بينما تشجع جميع دول حوض النيل على التصديق على اتفاقية الإطار التعاوني من أجل المنفعة المتبادلة.
ويُنظر إلى الوحدة بين هذه الدول على أنها ضرورية للقوة والفعالية في إدارة الموارد المشتركة.