دور  إثيوبيا في استضافة وحماية اللاجئين

سمراي كحساي

وصل محمد يوسف الى بلدة متما الإثيوبية منهكا بعد رحلة مضنية هربا من المعارك الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. لكن الراحة التي تحققت بعد بلوغه برّ الأمان، سرعان ما استحالت قلقاً حيال مستقبل غير واضح.

تبيّن للسوداني محمد أن خياراته شبه معدومة: عليه الانتظار لوقت يُرجَّح أن يكون طويلا، في مخيم عشوائي أقيم في البلدة الحدودية بشمال غرب إثيوبيا، وفي ظل نقص يطال كل شيء تقريبا.

فر الشاب السوري سلام كنهوش من بلاده في عام 2016 ولجأ إلى السودان. ولكن المعارك التي بدأت قبل شهر هناك أجبرته على النزوح مرة اخرى.

ويقول “هذه الحرب الثانية التي أهرب منها”. وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب

ووصل الطالب (30 عاما) إلى مدينة متما الحدودية شمال غرب اثيوبيا مع آلاف من الأشخاص الذين فروا من السودان اثر اندلاع معارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وكنهوش ليس اللاجىء الوحيد الذي اضطر للفرار مرة اخرى من السودان.

وفي ديسمبر الماضي اتهمت  اثيوبيا المجتمع الدولي بالتقصير في حق اللاجئين لديها، إذ قال نائب المدير العام لخدمة اللاجئين والعائدين مولو ألم دستا، إن بلاده تستضيف حالياً أكثر من مليون لاجئ من مختلف البلدان، معتبراً الدعم المقدم إلى هؤلاء من وكالات الإغاثة الدولية غير كاف.

مع وجود أكثر من مليون لاجئ مسجل، تعد إثيوبيا ثالث أكبر دولة مضيفة للاجئين في القارة الأفريقية.

و تواصل حكومة إثيوبيا توفير إمكانية الحصول على اللجوء في سياق سياسة الباب المفتوح التي حافظت عليها لسنوات عديدة، ويُسمح للمفوضية والوكالات الإنسانية الأخرى بتنفيذ الأنشطة ذات الصلة باللجؤ.

واعتمدت إثيوبيا إعلانها الخاص باللاجئين في عام 2004، وهو التشريع الوطني الرئيسي الذي يحكم قضية اللاجئين. ويستمر وصول اللاجئين الي اثيوبيا ومعظمهم من جنوب السودان والصومال والسودان وإريتريا واليمن.

 يُمنح معظم اللاجئين وضع اللاجئ مبدئيًا، ويتم إيواء غالبية اللاجئين في مخيمات، حيث يُسمح لنسبة صغيرة فقط من اللاجئين بالإقامة في المناطق الحضرية لأسباب طبية و/أو لأسباب تتعلق بالحماية أو لأسباب إنسانية.

وبالإضافة إلى ذلك، يقيم حوالي 16,000 لاجئ إريتري في أديس أبابا بموجب سياسة الخروج من المخيمات.

وتعتبر الهجرة بسبب الجفاف والفيضانات ظاهرة طبيعية تجبر المجتمع على ترك مناطقهم والعيش في الدول المجاورة كملجأ وخاصة في إثيوبيا.

وتم تصنيف الصومال على أنها دولة غير امنة منذ سقوط نظام زياد بري في عام 1991. وكانت الحرب والنزوح ظاهرتين شائعتين. وقد خلفت الحرب الأهلية التي اندلعت في التسعينيات بين أمراء الحرب في الصومال العديد من القتلى والإصابات الجسدية والصدمات النفسية، وأجبر مئات الآلاف على إيجاد طريقهم للعيش كملجأ في إثيوبيا.

ولاحقاً، زاد ظهور الارهابيين  المعروفين باسم “الشباب” الأمر سوءاً، وما زال النزوح والهجرة بسبب الحرب والخوف مستمرين.

وعلى الرغم من أن إثيوبيا نفسها لا تزال تعاني من الكوارث الطبيعية الناجمة عن الجفاف والفيضانات، إلا أنها استمرت في استضافة اللاجئين في أراضيها، ويمكن للمرء أن يلاحظ العديد من مخيمات اللاجئين في جنوب شرق البلاد، حيث يعيش اللاجئون في الخيام.

ولعبت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولجنة الوقاية من مخاطر الكوارث في إثيوبيا دورًا محوريًا في استضافة وتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين المقيمين في المخيمات.

أما الدول المجاورة الأخرى التي يهاجر سكانها إلى إثيوبيا فهي تأتي من جنوب السودان والسودان.

و قبل أن ينقسم السودان إلى دولتين في عام 2010، ويغرق في حرب أهلية لأكثر من 40 عامًا، وهربًا من الحرب، هاجر آلاف السودانيين إلى إثيوبيا لاعتبار البلاد ملاذًا آمنًا.

وما زال عدد اللاجئين يتزايد بسبب عدم الاستقرار السياسي والحرب الحالية في السودان و حصل جنوب السودان على استقلاله في عام 2011، وبعد خمس سنوات فقط من الاستقلال انغمست البلاد في حرب أهلية وهربًا من الحرب، هاجر مئات الآلاف من السودانيين الجنوبيين إلى إثيوبيا وسجلوا كلاجئين.

ويمكن للمرء أن يلاحظ المخيمات الموجودة في اقليم بني شنجول جوموز التي تستضيف اللاجئين من جنوب السودان الذين يعيشون في الخيام.

كما أدى اندلاع الحرب في الخرطوم بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال دقلو قبل أربعة أشهر إلى نزوح الآلاف وعبر العديد منهم الحدود عبر مدينة المتما في إثيوبيا وتمت استضافتهم كلاجئين.

وهناك أيضًا آلاف اللاجئين المقيمين في اثيوبيا جاءوا من إريتريا بسبب قلة الفرص والهروب من القمع السياسي ويعيش معظمهم في اقليم تجراي في المخيمات.

ويمكن القول أن عدم الاستقرار السياسي السائد في المنطقة هو العامل الأكثر مساهمة في ظهور اللاجئين والنزوح.

لا تستضيف إثيوبيا اللاجئين من البلدان المجاورة فحسب، بل تعمل أيضًا بمثابة معبر للدول الثالثة.

واستخدم اللاجئون من الصومال وإريتريا إثيوبيا كممر للذهاب إلى ليبيا عبر السودان وبعد عبور البحر الأبيض المتوسط يصلون إلى أوروبا. و تعامل إثيوبيا جميع اللاجئين بشكل صحيح باعتبارها بلدهم الثاني وتسهل جميع المساعدات الإنسانية.

ولدى إثيوبيا سياسة سخية وتقدمية للغاية فيما يتعلق باللاجئين، حيث تستوعب اللاجئين وتمنحهم الحق في الوصول إلى الخدمات وكسب العيش، وفقًا لنائبة ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وقالت نائبة الممثل مارغريت أنطونيو مؤخرًا إن سياسة اللاجئين في إثيوبيا تقدمية وسخية للغاية.

واضافت :”لقد كانت الحكومة الاثيوبية سخية للغاية من خلال فتح الحدود، و من خلال السياسات والقوانين التي وضعتها، والتي تستوعب حقًا اللاجئين وتمنحهم الحق في البقاء، والحصول على الخدمات، فضلاً عن الحق في كسب لقمة العيش”.

وأوضحت قائلة: “لقد رأينا مؤخراً أنه بدلاً من وضع اللاجئين في مخيمات حيث يتم احتجازهم وغير قادرين على التحرك، سمحت لهم الحكومة بالاستقرار بحرية داخل المجتمع حيث سيكونون قادرين على العيش بشكل طبيعي”.

وفي حديثها عن اللاجئين السودانيين الذين دخلوا إثيوبيا مؤخرًا، قالت إن الأعداد تتزايد حيث أجبر الصراع مئات الآلاف من الأشخاص على الفرار إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك إثيوبيا.

ويدخل اللاجئون السودانيون إثيوبيا عبر نقاط عبور حدودية متعددة في كل من اقاليم أمهرة، وبني شنجول-جوموز، وجامبيلا.

“قبل النزاع الحالي في السودان، كان هناك حوالي 15,000 لاجئ من السودان في إثيوبيا. منذ أن بدأ الصراع في أبريل، شهدنا ما يقرب من 25,000 لاجئ يأتون من السودان.

ووفقاً لتوقعات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قد يكون هناك حوالي 100,000 لاجئ سوداني قد يرغبون في طلب اللجوء في إثيوبيا بحلول نهاية هذا العام إذا لم يتغير الوضع.

وتعمل المفوضية بشكل وثيق مع حكومة إثيوبيا لدعم اللاجئين. ومنذ بدء النزاع، أنشأت خدمة اللاجئين والعائدين مرافق للفحص والتسجيل على حدود نقاط الدخول، بما في ذلك اقاليم أمهرة، وبني شنجول-جوموز، وجامبيلا.

ولدى الشعب الإثيوبي ثقافة عميقة في اعتبار اللاجئين إخوة وأخوات ولا يظهرون العداء تجاههم. اللاجئون ليس فقط من الدول المجاورة ولكن أيضًا من أماكن بعيدة يعاملون بشكل لائق ويسمح لهم بالعيش والعمل هنا. و يمكن للمرء أن يرى لاجئًا جاء من سوريا يتسول في شوارع أديس أبابا والناس يقومون بواجبهم من خلال تقديم المال كما بدأ بعض السوريين واليمنيين العمل في مجال المطاعم.

وإثيوبيا بالإضافة إلى سعيها لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فإنها تكرس جهودها لمعاملة اللاجئين بطريقة سليمة. ولذلك، ينبغي للمجتمع الدولي أن يولي الاهتمام الواجب لجهود إثيوبيا ويواصل دعمها للتوصل إلى حل طويل الأمد لأزمات اللاجئين.

ترحب إثيوبيا باللاجئين منذ عقود وتستضيف حالياً ما يقرب من مليون  لاجئ من الدول المجاورة مثل جنوب السودان والصومال وإريتريا والسودان وغيرها من الدول الشقيقة . بينما تستضيف العائلات الإثيوبية العديد من اللاجئين في منازلهم، يبقى آخرون ممن عبروا الحدود إلى إثيوبيا في مآوٍ مكتظة أو ينامون في العراء وهم بحاجة للحصول على مساعدات عاجلة.

بالنسبة للشاب السوري سلام كنهوش فإنه يحلم بالعودة إلى السودان يوما ما من أجل الحصول على شهادته و”المضي قدما” بحياته.

ويتابع “في حياتي الجديدة، اريد مكانا هادئا بعيدا عن الحرب”.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *