سد اباي سدٌّ ذو معنىً أعمق من مجرد محطة للطاقة الكهرومائية

 

جوهرأحمد

 

يُعدّد أي إثيوبي أسبابًا عديدة لأهمية سد النهضة الإثيوبي الكبير لشعب إثيوبيا. لكن السببين الأكثر شيوعًا هما توفيره للطاقة الكهربائية، وحلّه لمشكلة سعي الشعب المستمر منذ عقود لاستغلال موارده الخاصة وهو الماء لتحقيق تنميته.

وسيُمثّل توليد سد النهضة لأكثر من 5200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية إنجازًا كبيرًا، إذ سيُضاعف تقريبًا إجمالي إمدادات الطاقة الحالية. كما يُقدّم مثالًا يُحتذى به للإثيوبيين، إذ يجب عليهم اتخاذ موقف حازم لتسخير مواردهم المائية  وما إلى ذلك، لتحويل اقتصادهم الاجتماعي.

عند ذكر نهر النيل “أباي” يتبادر إلى أذهان الكثيرين أنه على الرغم من امتلاكهم نهرًا كبيرًا، وهو الأطول في العالم والثاني في أفريقيا من حيث حجم المياه، إلا أنهم فقراء ويعانون من الجفاف.

وفي الواقع، قامت الحكومات التي حكمت البلاد في عصور مختلفة ببناء سدود للطاقة الكهرومائية على أنهار مختلفة في جميع أنحاء البلاد. وهذه السدود قادرة على توفير طاقة بأسعار معقولة للشعب وكذلك لبعض الدول المجاورة. ولكن هذه السدود بُنيت على أنهار البلاد الأصغر من نهر النيل  “أباي”. فما الذي منع القيادات الإثيوبية إذن من بناء سدود للطاقة الكهرومائية أو الري على نهر “أباي”؟

وأي يشخص يتابع تاريخ البلاد بجدية، يتضح جليًا أن السبب الرئيسي للمشكلة المذكورة أعلاه هو عقلية الحقبة الاستعمارية لدى دول المنبع السفلي، التي تسعى إلى الاحتفاظ بكامل المياه لأنفسها من خلال استبعاد إثيوبيا، التي تساهم في الواقع بأكثر من 85% من مياه النيل.

وفي الواقع، تدرك الحكومات التي حكمت البلاد حتى الآن أن نهرالنيل “أباي” نهر عابر للحدود ويجب تقاسمه بين جميع دول المنبع. لذلك، كان سعيهم الدائم هو التقاسم والاستخدام العادل. ومع ذلك، وبسبب اتفاقية الفترة الاستعمارية الموقعة بين الدولتين المشاطئتين، مصر والسودان، لم تتمكن إثيوبيا من تأمين التمويل والمساعدة الفنية اللازمين لتسخير مياه نهر النيل”أباي” .

وبالطبع، لا تزال إثيوبيا دولة نامية تُعاني من قيود مالية وفنية لبناء مثل هذا المشروع الضخم المعروف عالميًا. وحتى سدود الطاقة الأخرى بُنيت بدعم مالي وفنيّ أو قروض من دول أو ممولين دوليين. لكن جميع محاولات الحصول على قروض وتعاون فني من مصادر مماثلة تعثرت لوضع  الدول المشاطئة للنهرعقبات دبلوماسية أمام إثيوبيا.

وأن هذا يُمثل قيدًا يُعيق إثيوبيا والدول الأفريقية أو النامية الأخرى عن بناء السدود، أو حتى مشاريع التنمية الضخمة الأخرى. وأصبحت هذه الدول أمام خيارين: إما العيش في فقر مُكتفيةً بالتأمل في مواردها الطبيعية، أو كسر القيود التي تُقيدها من استغلال مواردها المائية .

واختارت إثيوبيا الخيار الثاني واستغلال مواردها  المائية بوضع رئيس وزراء البلاد آنذاك السيد  ملس زيناوي حجرالأساس لسد النهضة رسميًا في 2 أبريل/نيسان 2011 والشروع في بنائه وخلال خطابه الافتتاحي، أدلى بتصريحٍ  ومقولة شهيرة لا تزال تتداول على نطاق واسع: “نحن مالكو السد وممولوه ومهندسوه“.

وبعد 16 عامًا من النضال الدؤوب، وصل شعب إثيوبيا وحكومته إلى يوم الافتتاح الرسمي للسد التاريخي العملاق. ورغم أن المشروع استغرق سنواتٍ وميزانيةً ضخمة مما كان مخططًا له في الأصل، إلا أن التكلفة الكاملة غطتها عبر مساهمة الشعب الإثيوبي .

وكما خالف انتصار الإثيوبيين في معركة “عدوة” الشهيرة الفكرة السائدة بأن الأفارقة عاجزون عن محاربة التوسعيين البيض وقهرهم، فإن إطلاق سد النهضة الإثيوبي الكبير حطم أيضًا الفكرة الخطيرة القائلة بأن القروض والتبرعات هي السبيل الوحيد لبناء مرافق أو بنية تحتية تنموية مهمة، وبالتالي انتشال البلاد والعباد من براثن الفقر والتخلف.

وأكثر ما ساهم في بناء هذا السد الضخم والجدير بالاهتمام هو رغبة الشعب القوية في إثبات حقه في استغلال موارده الطبيعية المائية وغيرها  من أجل تنميته مقاوما أي ضغوط. وبالتالي، لن يوفر السد الطاقة الكهربائية فحسب، بل سيعزز أيضًا دافعًا أفريقيًا قويًا مفاده أن أفضل طريقة للتحرر من قيود عقليات الحقبة الاستعمارية أو ابتزازات الاستعمار الجديد هي اتخاذ قرار برفضها ودحرها وتحطيمها  واتخاذ جميع الالتزامات اللازمة لتحقيق استغلال الموارد الطبيعية وتنميتها بهدف تنمية البلاد والعباد.

ويتعين على العديد من الدول الأفريقية تبني هذا الموقف وتذليل جميع العوائق التي تعيق تقدمها اقتصاديًا وسياسيًا. وعلى سبيل المثال، يُعتقد أن أفريقيا ستكون محور اهتمام في مجال استكشاف وتطوير المعادن في السنوات القادمة، حيث تمتلك حوالي 30% من احتياطي العالم من المعادن الأساسية للانتقال إلى الطاقة النظيفة. ولذا، يجب ألا تقف مكتوفة الأيدي في مفاوضات تطوير المعادن متذرعةً بالذرائع المعتادة، مثل نقص التمويل والقدرات التقنية. بل عليها أن تضمن أقصى استفادة اقتصادية وبيئية من خلال تعزيز قدرتها التفاوضية.

وبالإضافة إلى ذلك، تبذل أفريقيا جهودًا متضافرة لإطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي يُعتقد أنها أكبر سوق منفردة في العالم. ومع 1.4 مليار مشترٍ محتمل واقتصاد يزيد حجمه عن 3.4 تريليون دولار، تُعدّ هذه المنطقة بالفعل نقطة تحول في اقتصاد القارة.

ولاشك أن الأفارقة  يجب عليهم ألا يترددوا أبدا في تنفيذ  مثل هذا المشروع الرائد وألا ينتظروا حتى يظهر عامل المطالب. بل عليهم إظهار أقصى درجات الالتزام وإعلان استقلالهم الاقتصادي من خلال منطقة التجارة الحرة القارية.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai