حليفت آي محمد يوسف
باحثة أثيوبية في القانون وحقوق الإنسان
في 26 يوليو 2022، اخطرت إثيوبيا برسالة إلى وزارة الخارجية المصرية تفيد بأن أديس أبابا ستستمر في المرحلة الثالثة خلال موسم الفيضان الحالي لملء خزان سد النهضة الإثيوبي الكبير. وبعثت وزارة الخارجية المصرية في 29 يوليو 2022، برسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي للمرة الثالثة للتعبير عن رفض مصر لإستمرار إثيوبيا في ملء بحيرة سد النهضة، على الرغم من أن قرار إثيوبيا بتشغيل سد النهضة لن يكون أبدًا مسألة يمكن أن تؤدي إلى نزاع مسلح وتشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين كما هو منصوص عليه في المادة 34 من ميثاق الأمم المتحدة ورغم ان بيان مجلس الأمن العام الماضي اعاد القضية إلى الاتحاد الأفريقي.
أعلنت إثيوبيا في يوم 11 اغسطس 2022، تشغيل التوربين الثاني لسد النهضة لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة 375 ميغاوات، ليرتفع بذلك مقدار توليد الطاقة إلى 750 ميغاوات. ووفقاً للمعلومات التي أوردتها وكالة الأنباء الإثيوبية أعلنت الحكومة الإثيوبية في 12 أغسطس 2022، إكتمال عملية الملء الثالث لسد النهضة، بسعة 22,5 مليار متر مكعب، بعدما بلغ منسوب ارتفاع السد في الجانبين الأيسر والأيمن 611 متراً، وبينما ارتفع منسوب الممر الأوسط إلى 600 متر فوق سطح البحر.
سد النهضة الإثيوبي الذي سيكتمل خلال العامين وتصف العام القادمة، هو أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم، وهو مشروع تنموي ضروري للإثيوبيين، ليس فقط كمسألة تنمية لإثيوبيا، بل مشروع أساسيً للحياة الكريمة و تلبية الحاجات الإنسانية للملايين من الأفارقة. وفقاً لذلك، الحصول على الكهرباء يعتبر كنقطة انطلاق تهدف لإحراز تقدم في حقوق الإنسان في إثيوبيا وأفريقيا بشكل عام. ويتمتع سد النهضة بفوائد متعددة الأوجه نظرًا للكمية الكبيرة من الطاقة والتي يمكن الوصول إليها والتي سينتجها وسيكون له تأثير هائل على تعزيز حقوق الإنسان على المستوى الوطني والإقليمي.
التنمية في خدمة حقوق الانسان
وبناءً على ذلك، ستزداد فرص التنمية الهامة الذي تشمل الأمن الغذائي والوصول إلى المياه والتعليم وخدمات الرعاية الصحية والوظائف وكذالك التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتنص مادة 1 (2) من المعاهدات الدولية الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و المعاهدات الدولية الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، التي تعتبر إثيوبيا ومصر طرفًا فيها ان؟ “لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.”
دور التنمية في تعزيز المثاق الأفريقي لحقوق الانسان
وفيما يتعلق بالنظام القانوني الأفريقي، توضح وتقر مادة 21 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي تعد إثيوبيا والسودان ومصر طرفًا فيه، بحق إستخدام الثروة والموارد الطبيعية بهدف تقوية الوحدة الإفريقية والإتحاد الإفريقي وتنص ان جميع الشعوب لها الحق في التصرف بحرية في ثرواتها ومواردها الطبيعية لمصلحة السكان ولا يجوز حرمان الشعب هذا الحق بأي حال من الأحوال. بالإضافة إلى ذلك، المادة 22 (2) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تنص على ما يلي: “من واجب الدول، بصورة منفردة أو بالتعاون مع الآخرين، ضمان ممارسة حق التنمية.”
لذلك ، بصفتهما طرفين موقعين على الميثاق الأفريقي، فإن مصر والسودان ملزمتان بواجب دعم السد والامتناع عن إعاقة عملية بناء السد أو المفاوضات لأن لها تداعيات على حقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بحق الإثيوبيون في إستخدام ثرواتهم ومواردهم الطبيعية وحقهم في التنمية. وكما قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد: إن “إثيوبيا تبني السد لتوليد الطاقة الكهربائية ولتُخرج شعبها من الظلام. ويجب على السودان ومصر أن يفهما أن إثيوبيا تعمل لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وليست لديها نية لإلحاق الضرر بهما. ولقد أثبتت التعبئة الثالثة أن إثيوبيا تعمل بحذر في تحقيق مشروعها، مع مراعاة تدفق المياه إلى دول المصب”.
وتفرض المادة 10 من مشروع اتفاقية الحق في التنمية أيضًا نصًا قانونيًا للدول بالامتناع عن السلوك، سواء من خلال القانون أو السياسة أو الممارسة، الذي يلغي أو يعيق التمتع بالحق في التنمية وممارسته داخل أراضيها أو خارجها. ومن ثم، فإن إثيوبيا بحاجة إلى السد ونهر النيل الذي هو المورد الرئيسي لإثيوبيا ويمثل نصيب الأسد من مواردها المائية، لتعزيز حقوق الإنسان الأساسية بضمان الأمن الغذائي واحتياجات الطاقة وتلبية مياه الشرب الأساسية، والتي هي في صميم ضمان بقائها وبقاء شعبها. وكتحدي عالمي، تشترك جميع الدول المشاطئة للنيل في احتياجات بشرية أساسية مشتركة والنيل ليس ملكية حصرية لمصر ولا ينبغي معاملته على هذا النحو، كما ان ندرة المياه لا تقتصر على مصر فقط بل هي تعتبر تحدي إنساني مشترك يتطلب التعاون والتكامل بين جميع دول حوض النيل لتعظيم الموارد المائية وحماية الأمن المائي الإقليمي.
لكن الخلاف الجوهري الذي تواجهه دول حوض النيل ليس ندرة المياه أو فائضها، بل هو في عدم وجود إطار تنظيمي مستدام لتمكين الاستخدام الرشيدي للموارد الطبيعية لصالح الشعوب في جميع دول حوض النيل. ولكن بشكل عام، يعد كل من الحق في ملكية الموارد الطبيعية والحق في التنمية حقوق مشروعة، ويحق للشعب الأثيوبي وشعوب دول حوض النيل الأخرى المطالبة بها، بما في ذلك من خلال الإجراءات القانونية. ومن ثم ، فإن مفتاح الحل لصراع الدبلوماسية المائية حول سد النهضة وتقاسم المياه على اساس العدالة المائية يكمن في قبول وإعتماد إتفاقية الإطار التعاوني التي تسمى أيضًا باتفاقية عنتيبي لأنها تعترف وتقر بحقوق جميع الدول المتشاطئة على نهر النيل. لكن هذا الصراع حول الدبلوماسية المائية لن يتم حله ما لم تتنازل كل من مصر والسودان عن المطالبة بالحقوق التاريخية المزعومة والمكتسبة من خلال معاهدات مياه النيل في حقبة الإستعمار الأوروبي التى لا تعتمد بها في القانون الدولي كإتفاقية الأمم الممتحدة للإستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.