ياسين أحمد رئيس المعهد الأثيوبي للدبلوماسية الشعبية
دكتور عبدالرحمن أحمد الباحث الأثيوبي في العلاقات الدولية
مصطفى يونس يوسف الباحث الأثيوبي في العلاقات الدولية
يتوالى إنعقاد القمم تباعا دونما توقف، في ساحة عالمية تحول فيها الصراع والتنافس بين الدول العظمى الباحثة عن موضع قدم هنا وهناك، الى مؤتمرات وقمم، تحشد لها الأموال ويتحاور فيها الرؤساء والقادة والأكاديميون والفاعلون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، فضلا عن رجال الأعمال وأصحاب المشروعات العابرة للدول والقارات، مشهدا تفسره قمة دول البريكس الـ 15، والتي من المنتظر إنطلاق فعالياتها في الـ 22 من أغسطس الجاري وتمتد ليومين في جوهانسبرج، بتنظيم من حكومة جنوب أفريقيا التي تترأس الدورة الحالية للمجموعة.
وتأتي قمة دول البريكس، في وقت تراجعت فيه شهية كثير من دول العالم في الهرولة الى الغرب بقيادة أمريكا وظلت تسيطر على الاقتصادات النامية، لتفتح مجموعة البريكس نافذة أمل جديدة ومسارات هجرة نحو تكتل لم يمض على تجربته سوى عقد ونيف، خاضت خلالها تحديات ضد هيمنة الدولار والقطب الواحد .
وأعطى ظهور مجموعة “بريكس” ، رسالة مفادها أن عالم القطب الواحد اقتصاديا لن يستمر إلى الأبد، وهناك من يفكر في تغيير كبير على الساحة الإقتصادية بمختلف قنواتها، وإن كان الجانب السياسي هو الآخر لم يكن غائبا عن وعي تكتل البريكس الذي أعلن عن ميلاده في العام 2006 .
قمة مجموعة البريكس المنتظرة فتحت الباب على مصراعيه للكثير من الأسئلة الحيرة، من قبيل ماذا يعني إنعقاد قمة البريكس في هذا التوقيت … والى أي مدى يمكن أن تحقق طموحات عضويتها التي لم تتجاوز الخمسة دول حتى هذه اللحظة، في ظل تدافع أفريقي وآسيوي… ليكون السؤال الأهم ما سر نجاح المجموعة حتى توجهت نحوها الأنظار وشدت لها الركاب، وكأنها تبدو توجه مرسوم لسحب البساط أو كادت من تحت إقتصاد الدول الغربية التي تتزعمها واشنطن .
النشأة والتكوين والرؤية
بالبحث عن نشأت مجموعة الـ ” بريكس ” التي تضم روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند، نجدها رأت النور في العام 2006، في يكاترينبورغ الروسية قبل أن يتحول اسمها من “بريك” إلى بريكس في 2011، بعد انضمام جنوب أفريقيا، ضمن مساعي المجموعة الدولية إلى زيادة العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، ما يقلل الاعتماد على الدولار ، كاحدى أهم أهدافها العملية. وتلك قصة أخرى ستكون حاضرة في القمة .
ومن يومها اتفق أعضاء بريكس الـ 5 على تشجيع التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي في ما بينهم، أمر فسره المراقبون آنذاك رغبة من المجموعة لخلق تكتل موازٍ لمجموعة السبع ( ألمانيا وإيطاليا وفرنسا واليابان وكندا وبريطانيا والولايات المتحدة ) .
ومن المهم أيضا الإشارة الى الموارد البشرية لدول “بريكس” البالغ تعداد سكانها مجتمعين أكبر من 3 مليارات و200 مليون نسمة، فيما تعد اقتصاداتها من أكثر الاقتصادات النامية في العالم، ويتنبأ لها محللون ببلوغ نسبة نمو 40% بحلول 2025 ، قبل أن تترجمها الصين صاحبة المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد في العالم سنة 2020، وحلت الهند خامساً، والبرازيل ثامناً وروسيا في المرتبة 11.
ولعل ما يميز مجموعة البريكس عن بقية أشكال التجمعات والتحالفات والمنظمات التي شهدتها الساحة الدولية هو أن بينها رابط ثقافي مهم، بعيدا عن دائرة الحضارة الغربية، بل تشكل مزيجاً لحضارات متعددة، تبدأ بالحضارة الشرقية العريقة : الهندوسية في الهند والبوذية في الصين، والحضارة السلافية الأرثوذكسية المتميزة عن الشرق والغرب معاً في روسيا، مرورا بالحضارة الغربية اللاتينية في البرازيل التي يتميز شعبها بثقافة وفنون فريدة حتى عن الدول المحيطة بها، وانتهائا بالحضارة الأفريقية في جنوب أفريقيا.
لكن المؤكد، أن الرابط السياسي للدول الخمس لمجموعة البريكس، والذي على أساسه نشأت المجموعة، هو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، هيمنة تسببت في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات يعاني الكثير من أجل الخروج منها ولا يربطها نطاق جغرافي أو إقليمي، لذا يُمكن أن نسبغ على البريكس مصطلح المنظمة العابرة القارات، أو بالأحرى المنظمة المرنة وهو ربما الذي شجع الكثير من الدول في التوجه إليها.
ومن المتوقع أن تناقش القمة أجندات مثل تيسير التجارة والاستثمار، والتنمية المستدامة، والابتكار، وإصلاح الحوكمة العالمية، وستكون مناقشة إقتراح البريكس الحساس المتمثل بعملة جديدة مدعومة بالذهب إحدى النقاط الرئيسية في القمة، خاصة وأن ملف العملة الجديدة ملف مثير للجدل لعدم وضوحية الدوافع ورائه، حيث يرى البعض الخطة كخطوة تم تصميمها لترسيخ مكانة البريكس على رأس الاقتصاد العالمي .
البريكس.. هيمنة الدولار
ولا يمكن فصل نشاط البريكس عن محاولات تحدّي الهيمنة الغربيّة، وتحديدا واشنطن على النظام المالي العالمي، وهو ما تحاول مجموعة البريكس القيام به من خلال إنشاء وسيلة بديلة لسداد المدفوعات التجاريّة، باستخدام عملة موحّدة بديلة عن الدولار الأميركي، وسيكون هذا الهاجس إحدى أهم أجندات القمة المنتظرة، ويتوقع طرح هذه الفكرة .
وتراهن المجموعة على تطوير بنك التنمية الجديد متعدّد الأطراف والخاص بها بهدف تمويل المشاريع العامّة والخاصّة، من خلال القروض والمساهمات المباشرة، خطوة ستمنع الدول الغربيّة من عزل مصارف معيّنة عن نظام التداولات الماليّة العالميّة، كما فعلت مع بعض المصارف الروسيّة في بدايات الحرب في أوكرانيا.
وباختصار، تحاول دول مجموعة بريكس الإنتقال إلى نظام اقتصادي دولي رديف، عبر توفير بدائل عمّا تعتبره هذه الدول أدوات للهيمنة الماليّة الغربيّة، هدف يتقاطع اليوم ولأسباب مختلفة- مع أهداف دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تحاول الانضمام إلى المجموعة.
وفي حال نجاح هذه الخطوة، ستكون المجموعة قد تمكّنت ولأوّل مرّة من خلق أداة تداول جديدة، لا تخضع للقيود أو العقوبات الأميركيّة، ولا تمرّ بالضرورة بالمصارف المراسلة الأميركيّة، كما هو الحال مع الدولار اليوم.
وتعد مجموعة بريكس أكثر تطورا صناعيا من مجموعة السبع الكبار وهو ما يؤكد على أن قوة أخرى غير واشنطن تسيطر على كتلة اقتصادية عالمية مهمة وبالتالي نفوذ عالمي جديد.
وبالنظر الى الأرقام الاقتصادية التي صدرت أخيرا عن مجموعة “بريكس”، وإعلان دول عديدة رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، تؤكد أن هذه المجموعة التي بدأت من خلال 4 دول فقط، ستعمل على تغيير كبير في موازين القوة الاقتصادية والسياسية عالميا.
وكشفت الأرقام الأخيرة عن تفوق مجموعة “بريكس” لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدما في العالم، وذلك بعد أن وصل مساهمة “بريكس” إلى 31.5 بالمئة في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية.
طلبات الانضمام لـ”بريكس” تتوالى
ونتج عن نجاح مجموعة البريكس في تحقيق الكثير من أهدافها وعلى رأسها فك شفرة إنفراد القطب الواحد بأجندات العالم الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية، تحولات كبيرة وواسعة، تترجمها خارطة الطلبات المقدمة للإنضمام الى مجموعة البريكس، وهي الأخرى تطرح أيضا أسئلة لا تقل أهمية عن سابقتها، وفي مقدمتها ما هي هذه الدول من حيث الحجم والتوقيت والبعد الجغرافي مقارنة بدول البريكس التي أصبحت وجهتهم … وهل يعني هذا التوجه بحث عن طرق جديدة للخروج من هيمنة الغرب، كما ان الإقبال على المجموعة يعني أيضا البحث عن بديل جديد، لتبقى أسئلة محورية أخرى ربما تفرضها دول البريكس المواصفات والمعايير التي يتمتع بها الحليف الجديد والوجهة الحديثة لهذه الدول ، ؟؟؟؟؟.
في عام 2017، وخلال عقد قمة “بريكس” في مدينة شيامين الصينية، تم الحديث عن خطة “بريكس بلس BRICS plus” التوسعية، التي تهدف إلى إضافة دول جديدة إلى مجموعة “بريكس” كضيفة بصورة دائمة أو مشاركة في الحوار.
وقبل إنطلاقة القمة، قالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا في المجموعة ناليدي باندور، إن “44 دولة تريد الإنضمام الى مجموعة البريكس، بينهم 23 دولة تواصلت رسميا مع المجموعة لتصبح عضوا بشكل كامل، معتبرة الاهتمام المتزايد بالتكتل “ليس بالأمر الجديد” لكنه يشير إلى “الثقة” بالعمل الذي قامت به بريكس منذ نشأتها .
ويرى خبراء أن “بريكس” آخذة في الصعود، خصوصا بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة، وعدم مشاركة دول المجموعة في العقوبات المفروضة من الغرب على موسكو، وهو ما يعني مزيدا من الاستقلال والسيادة لهذه الدول التي “لا ترغب في العيش بعالم القطب الواحد” ، ويؤكد هؤلاء أن بريكس ليست مجرد “قوة سياسية عبر محاولتها تغيير خطوط الصدع في مجال السياسة العالمية، بل تغير أيضا ما يحدث في الفضاء الاقتصادي على مستوى العالم”.
ونظرا للتوسع الذي تعمل عليه “بريكس”، فقد تقدمت دول عدة بطلبات الإنضمام إلى المجموعة منها الأرجنتين والمكسيك ومصر وإثيوبيا والجزائر والسعودية والإمارات وفلسطين وبنغلاديش، وبيلاروسيا، وبوليفيا، وفنزويلا، وفيتنام، وكوبا، وهندوراس، وإندونيسيا، وإيران، وكازاخستان، ونيجيريا، والسنغال، وتايلاند ودول أخرى مثل تونس التي أعلنت أخيرا نيتها في الانضمام للمجموعة.
ولعل ما يدفع هذه الدول للانضمام للمجموعة، هو أن من بين أهدافها تحقيق التكامل الاقتصادي والتعاون مع الدول الأعضاء من أجل التجارة والتنمية ودعم المشاريع والبنية التحتية للأعضاء، ليكون التنوع الجغرافي والإمكانات المتعددة التي تتشكل منها الدول الراغبة في الإنضمام هو مصدر إلهام وقوة إضافية لمجموعة البريكس التي أصبحت وجهتهم كبديل للغرب .
ومن بين الدول المرشّحة للانضمام، تبرز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كل من المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة والكويت ومصر والجزائر والمغرب والبحرين وإيران، وهذا ما يطرح السؤال عن أسباب إهتمام كلّ من هذه الدول بالإنضمام إلى المجموعة، ونوعيّة المكاسب التي يمكن أن تتحقق .
ومن شرق القارة السمراء، أعلنت إثيوبيا تقديمها طلبا رسميا للانضمام إلى مجموعة “بريكس” ، وهي خطوة بلا شك سيكون لها ما بعدها على الجانبين في أديس أبابا تتمتع بثقل سياسي وثقافي كبيرين، كما أنها تتوجه نحو أن تصبح ضمن دول التصنيع الزراعي في خطوة تشير الى تطوير صناعاتها وهو ما ستكون له فرص واعدة مع مجموعة البريكس .ومن غرب القارة السمراء أعلنت نيجيريا، والسنغال تقديمهما طلبا رسميا إلي الإنضمام إلي المجموعة بريكس.
خلاصة الأمر يمكن القول : إن تكتل البريكس الإقتصادي لعب خلال العقد الماضي دورا حيويا في تشكيل الاقتصاد العالمي من حيث إجمالي الإنتاج ، وبدأ يثبت جدارته بخلق نظام سياسي عالمي جديد متعدد الأقطاب قد يكون بديلا للنظام العالمي القديم المبني على أساس القطب الواحد ، وهو ما سينتج عنه تحولا جيوسياسيا تمنح فيه الدول النامية الرائدة الجنوب صوتا أكبر في النظام الدولي وبالتالي تتحدى الهيمنة الغربية خاصة واشنطن.
وبلا شك أن قمة بريكس المرتقبة ، ستعد حدثا استثنائيا يعقد وسط أزمات سياسية واقتصادية دولية تمر بها دول العالم، وهزة تضرب النظام العالمي التقليدي وتطلع الدول النامية والفقيرة نحو البحث عن شركاء التنمويين الشموليين والتنمية والنهضة.
وعلى الرغم من الإنجازات الإقتصادية الهائلة للمجموعة ، وتحقيق أهدافها من تعزيز الحوار والتعاون بين قادة البريكس بطريقة تدريجية و استباقية وواقعية منفتحة وشفافة، إلا أن تباين في المواقف بين دول التكتل على بعض الملفات الحساسة المذكورة قد يخلق روح التنافس بدل روح التعاون ما يؤدي الى خلق فرصة لتوغل العدو التقليدي- أمريكا- داخل المجموعة.