أديس أبابا-الجزيرة – قبل سنوات، أطلقت إثيوبيا مشروع “البصمة الخضراء” لغرس 20 مليار شتلة حتى عام 2024، بهدف استعادة الغطاء النباتي في مناطق البلاد المتأثرة بتغير المناخ، وضمن جهود أديس أبابا لمواجهة التحديات البيئية والأخطار الناجمة عن الاحتباس الحراري العالمي، ومكافحة الجفاف الذي تعانيه مناطق واسعة في شرق القارة الأفريقية.
وتعدّ “البصمة الخضراء” من المشروعات الإثيوبية الواعدة التي شكلت حضورا وحققت نجاحات ترجمتها كلمة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في قمة المناخ الأخيرة بشرم الشيخ المصرية، قائلاً إن بلاده “حققت تقدماً سريعاً ومهماً في مكافحة تغير المناخ، من خلال العمل الطموح للمسار الأخضر للنمو والازدهار في ثلاثة مجالات رئيسية، منها البصمة الخضراء والأمن الغذائي”.
ويرى باحثون ومهتمون بأن مشروع “البصمة الخضراء” الإثيوبي نجح في تقليل الانبعاثات الحرارية، وزاد من كميات المياه، فضلا عن كونه ضمن التوجهات العالمية والإقليمية لمكافحة تغير المناخ وتعزيز الجهود الوطنية للحفاظ على البيئة.
ورأى الصحافي والباحث الإثيوبي كمال سليمان أن تجربة البصمة الخضراء تعزز الجهود الوطنية للحد من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، ووقف الأضرار السلبية التي أرهقت كاهل القارة السمراء.
وتأتي مبادرة “البصمة الخضراء” في ظل تفاقم تداعيات أزمة المناخ حول العالم، ولا سيما في ما يتعلق بالبلدان النامية التي تشارك بنسبة محدودة في الانبعاثات بينما تتكبد النسبة الكبرى من الخسائر والأضرار، مقارنة بالدول الكبرى المسؤولة عن 80% من الانبعاثات المسببة للتغير المناخي.
ووصف رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في إثيوبيا ميشيل سعد، المبادرة الإثيوبية بالخطوة الممتازة، وقال إنها “تحظى بتقدير كبير وتنسجم مع تطبيق اتفاق باريس حول التغير المناخي، ضمن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي”.
وأشار المسؤول الأممي -في تصريحات محلية- إلى أن غرس الأشجار يساعد في تقليل الصدمات المناخية في إثيوبيا التي تقع في القرن الأفريقي، معتبرا أن المبادرة تشكل إستراتيجية مثالية للدول الأفريقية والعالم أجمع، لارتباطها بين طموح جدول الأعمال للأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 وجدول أعمال الاتحاد الأفريقي لعام 2063.
البداية والنتائج
بدأت حكاية مشروع التشجير الأخضر في إثيوبيا عام 2019، عندما أطلق رئيس الوزراء آبي أحمد مبادرة “البصمة الخضراء” لمواجهة التحديات البيئية المختلفة، معلنا إنشاء لجنة وزارية برئاسته لتسهيل زراعة الشتلات والأشجار خلال موسم الأمطار الذي يبدأ في يونيو/حزيران من كل عام، ومؤكدا على أهمية تفاعل الجهود الرسمية والشعبية لإنجاح المشروع.
ووفق تقرير سابق لهيئة البيئة والغابات الإثيوبية، تفقد البلاد نحو 92 ألف هكتار من الغطاء النباتي سنويا، بفعل القطع الجائر واعتداءات تتعرض لها الغابات، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة في مدن كثيرة كانت تتميز باعتدال أجوائها.
وتشير تقارير إلى أن نسبة الغطاء النباتي الحالية في إثيوبيا تصل إلى 15%، فيما تسعى الحكومة لإيصالها إلى 25% خلال السنوات العشر المقبلة.
ولتحقيق خطة المبادرة، وزعت إثيوبيا ملايين الشتلات في أنحاء البلاد، وخُصِّص للمشروع مساحات واسعة من الأراضي وآلاف الأنواع من النباتات التي تتكيف مع تغيرات المناخ.
وتشارك “جمعية السلام والتنمية الإثيوبية” بأميركا في زراعة مليون شتلة نفذ منها أكثر من 200 ألف شتلة، ضمن شراكة القطاع الخاص وعلى رأسه البنوك والشركات الإثيوبية الخاصة.
وقال نائب رئيس الجمعية جمال بشير -للجزيرة نت- إن المشروع أصبح برنامجاً سنوياً في البلاد، لافتاً إلى خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي في “قمة المناخ” الأخيرة الذي أعلن فيه زرع 25 مليار شتلة بمعدل 250 شتلة لكل إثيوبي، مما يعادل في التأثير البيئي إزالة 64 مليون سيارة تعمل بالبنزين من الطريق لمدة عام كامل.
وأوضح أن عدد المشاتل زاد منذ بدء المشروع 3 مرات، إلى أكثر من 120 ألف مشتل، “ونخطط لاستعادة 22 مليون هكتار إضافية من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030، مشيرا إلى وجود 500 مليون نبتة مثمرة تنتج البابايا والمانغو والأفوكادو.
ومنذ انطلاقة مشروع “البصمة الخضراء” الذي بدأ بغرس 4 مليارات شتلة عام 2019، تمكّن القائمون عليه من غرس أكثر من 20 مليار شتلة، بواقع 5 مليارات شتلة سنوياً.
ومع تدشين الموسم الرابع منه في يونيو/حزيران الماضي لغرس 6.3 مليارات شتلة، قال آبي أحمد إن المشروع يهدف إلى معالجة آثار التلوث وتغير المناخ، وتوظيف الوسائل المتاحة لمنع الفيضانات وانعدام الأمن الغذائي والصراعات البيئية وغيرها من المخاطر.
وأضاف آبي أحمد: “أثبتنا منذ إطلاق المشروع أننا شعب يمكنه التفكير والتخطيط والإنجاز. فقد خططنا لـ20 مليار شتلة وحققنا 25 مليار شتلة، وسيتم إرسال مليار شتلة إلى دول الجوار للمساهمة في تعزيز التعاون الإقليمي لإدارة النظام البيئي العابر للحدود”.
المبادرة ترياق للجفاف والتصحر
ويستجيب مشروع “البصمة الخضراء” الإثيوبي لنداءات وتحذيرات تطلقها المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة من شبح مجاعة يخيم على مناطق في دول شرق أفريقيا، من بينها إثيوبيا وكينيا والصومال جراء الجفاف والتصحر.
وكان مركز التطبيقات والتنبؤات المناخية التابع للهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا “إيغاد” (IGAD)، ذكر أن الشهر الأول من موسم 2022 الزراعي (الذي يمتد من مارس/آذار إلى مايو/أيار) كان جافاً بشكل خاص، وأن المنطقة سجّلت درجات حرارة أعلى من معدل هطول الأمطار.
فيما حذّرت حكومة إقليم الصومال الإثيوبي من المخاطر الإنسانية جراء موجة الجفاف، وأصدرت مطلع العام الجاري تقريرا أعلنت فيه أن نحو 3.4 ملايين شخص من سكان الإقليم البالغ عددهم 9 ملايين، بحاجة إلى مساعدات إنسانية جراء الجفاف الذي تشهده مناطق بالإقليم، بالإضافة إلى تدهور الأمن الغذائي جراء فشل هطول أمطار العام الماضي، مما يؤدي إلى نقص الغذاء والأعلاف الحيوانية وندرة المياه.
وسجّلت أمطار العام الماضي في إثيوبيا معدلات متدنية وأقل من الطبيعية، في بلد يرتكز اقتصاده على الزراعة التي تسهم في أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي وبنسبة 60% من الصادرات، وفيها 80% من معدل إجمالي العمالة في البلاد.
وتشير تقديرات مجموعة العمل المعنية بالأمن الغذائي والتغذية -التي تشترك في رئاستها “إيغاد” ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” (FAO)- إلى أن أكثر من 29 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في أنحاء منطقة شرق أفريقيا.
واعتبر الباحث الإثيوبي كمال سليمان أن مشروع “البصمة الخضراء” يعطي أملا للدول الأفريقية، ويمثل إحدى الحلول الناجعة ضد الجفاف والتصحر.
Читайте реальные отзывы о бк 888 starz от игроков.