العلاقات الأثيوبية القطرية انموذج يحتذى به !

الجزء الاول

ياسين احمد رئيس المعهد الأثيوبي للدبلوماسية الشعبية

تعد العلاقات الإثيوبية القطرية نموذجا يحتذى به في منطقة القرن الأفريقي ، خاصة إذا ما قارنا علاقات الدوحة وعدد من عواصم منطقة القرن الأفريقي ، وربما يعزز هذا الإتجاه التجانس الثقافي والديني بين الدوحة وأديس أبابا، ودور كل بلد في منطقته واعتبار العلاقات الإثيوبية-القطرية تتميز بالرؤية الاستراتيجية بين قادة البلدين  .

وظلت العلاقات القطرية-الإثيوبية على المدى الطويل تزداد تماسكا بفضل رؤية قادة البلدين الهادفة لتعزيز التواصل وتمتين جسور هذه العلاقات ، وإن شابها فتور في فترة لا تتجاوز الأعوام ، عادت بعدها بأقوى ما يمكن ضمن مبادرة قادها رئيس الوزراء الإثيوبي السابق، هيلى ماريام دسالن، وردت عليها القيادة القطرية بأقوى ما يكون تعبيرا وتأكيدا على أهمية هذه العلاقة وهو ما حافظ عليه وزاد من وتيرته رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد .

وشكلت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد ، على رأس وفد كبير لدولة قطر مطلع مارس الجاري ، تحولا كبيرا في علاقات البلدين ، من حيث توقيتها وحجم الاهتمام الذي أولته الحكومة الإثيوبية للزيارة وجدول الأعمال الذي تضمنته الزيارة ووفدها المتنوع ، كما أن الجانب القطري هو الآخر إستقبل الزيارة بصورة تعبر عن أهميتها ، وهو ما دفع المعهد الإثيوبي الدبلوماسية الشعبية أن يسلط الضوء على الزيارة مدلولاتها في علاقات الشعبين القطري والإثيوبي ورؤية قيادات البلدين في تعزيز هذه العلاقات التاريخية.

والـ 5 من مارس الجاري شارك رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ، على رأس وفد كبير، في مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بأقل البلدان نموا ، الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة ، تحت شعار “من الإمكانات إلى الازدهار” ، بمشاركة نحو 6000 شخصية بينهم رؤساء دول وحكومات ومسؤولين رفيعي المستوى ، بهدف تعبئة التزامات المجتمع الدولي تجاه تنفيذ برنامج عمل الدوحة لأقل البلدان نموا (2022-2031)، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيسان/ أبريل 2022.

وكان الإهتمام الإثيوبي في إستثمار هذه الزيارة كبيرا ولافتا وقويا ، من حيث حجم الوفد المشارك والشخصيات الرفيعة التي قادها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي التقى بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، قائلا : استكشفنا علاقاتنا الثنائية وناقشنا القضايا الإقليمية ، وهناك العديد من الفرص للاستثمارات القطرية في مختلف القطاعات في إثيوبيا.

وعبر آبي أحمد ، عن سعادته بلقاء الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، الذي استقبله ،على ‏هامش المؤتمر الأمم المتحدة الخامس لدعم البلدان الأقل نموا، موضحا أن “الشراكات والاستثمارات ضرورية لأقل البلدان نموا، وخاصة الشراكات التي تدرك التأثير المنهك للديون على أقل البلدان النامية، والتي تلتزم بالتخفيف من هذه الأعباء، من خلال تقديم إطار عالمي سريع ويمكن التنبؤ به لإعادة هيكلة الديون”. .

ولم تقتصر الزيارة على اللقاءات بمستوياتها العليا وإنما كانت هناك لقاءات تفاكر وتبادل على مستوى الوزراء المشاركين كل فيما يليه ، لتكون زيارة آبي أحمد ، لوالد أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة أل ثاني ، في حد ذاتها تعبير صادق في الأخوة التي تربط الشعبين الإثيوبي والقطري ، حيث بحث معه العلاقات الثنائية وإمكانية دعم دولة قطر مجالات التنمية الاجتماعية والاستثمارات في إثيوبيا.

ووجدت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي لقطر إهتمام كبير وتفاعل ليس من الجانب الإثيوبي الذي شارك بوفد كبير قاده آبي أحمد ، وضم مستشار الأمن القومي السفير رضوان حسين ، ومستشار السياسة الخارجية السفير تاي أتسقيلاسي ، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبي، السفير مسغانو أرغا، وآخرين على مستوى وزارات فاعلة .

كما إلتقى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على هامش مشاركته بكل من رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء اليمني المعين عبد الملك سعيد وجرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والقضايا الدولية ذات الإهتمام المشترك.

ولعل لقائه برئيس الوزراء اليمني ، تمخض عنه زيارة وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك صباح لإثيوبيا الإثنين الماضي ،  والتقى بعد من المسؤولين على رأسهم نظيره الإثيوبي دمقي مكونن ، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبية، السفير مسغانو أرغا ، ضمن زيارة رسمية بحث فيها تعزيز العلاقات بين البلدين والتعهد بالعمل في مختلف المجالات والمستويات .

ويرى المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ، أن زيارة آبي أحمد لقطر كانت مهمة ومثمرة ، خاصة فيما يتعلق بتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين ، وتعبر بصورة حقيقة لما بين الشعبين ، حيث تتسم العلاقات الإثيوبية القطرية بسمات التداخل الثقافي بين الشعبين الشقيقين، فضلا عن الروابط والعوامل والمصالح المشتركة أمام الدولتين ضمن رؤيتهما في أهمية تعزيز العلاقات الإستراتيجية والتعاون والتكامل الاقتصادي والثقافي وتنسيق المواقف والسياسات في كيفية التعامل مع تقاطعات المصالح مع القوى الإقليمية والدولية على أساس المصالح المشتركة ، وهو ما عبرت عنه زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي الأخيرة وما حملته من رؤية وتطلعات وفق برامج الزيارة متعددة الأوجه .

والمشاركة الإثيوبية في المؤتمر الذي استضافته دوحة الخير ، كان لافتا ومعبرا لما بين الدولتين من علاقات إستراتيجية ورؤية مشتركة في التكامل الإقتصادي والإجتماعي ، وهو ما دفع المعهد الى تسليط الضوء وإثارة فعاليات ونتائج الزيارة كونها تعبر عن رؤية المعهد وتطلعاته كاحدى المنظمات الرائدة في العالم في مجال الدبلوماسية الشعبية لتعزيز مصالح إثيوبيا في العالم على أساس المصالح المشتركة.

والزيارة رسمت ملامح ومستقبل العلاقات الاثيوبية القطرية في ظل التحولات الاقليمية والعالمية التكامل بين الدبلوماسية الشعبية والرسمية ، وهو ما يعمل عليها المعهد دوما خاصة وأن الدبلوماسية الرسمية تسعى لتعزيز العلاقات بين الدول بينما الدبلوماسية الشعبية تسعى الى تعزيز العلاقات بين الشعوب وهي مكملة للدبلوماسية الرسمية.

وجاءت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ، الى قطر هذه المرة في إطار تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية والتعاون المشترك بين دولة قطر وبلاده، وبصورة عامة لمجمل مناشط وإعمال الزيارة ، كان واضحا من المباحثات العديدة والمتنوعة والتي تناولت أهم الموضوعات والقضايا ذات الاهتمام المشترك لاسيما التعاون والتنسيق من أجل تحقيق العلاقات الإستراتيجية بين الحكومتين في جميع المجالات خاصة الإقتصادية والإجتماعية لما بين الشعبين من علاقات تاريخية راسخة .

وحرص رئيس الوزراء الإثيوبي ووفده ، على بناء علاقات قوية مع دول صديقة وشقيقة تشمل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية، وهو ما يتسق مع رؤية دولة قطر خصوصا في ظل ما يشهده القرن الإفريقي والشرق الأوسط من حراك وتقلبات سياسية خطيرة.

وكانت أبرز المعالم في الزيارة والقضايا التي تناولتها ، الاستقرار والأمن ليس على مستوى البلدين وإنما على مستوى المنطقة والتكامل الإقتصادي والتجاري والثقافي ، فالدولتين لهما ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة ، وتتمتع دولة قطر بحضور سياسي وإقتصادي في منطقتها كما تتميز إثيوبيا في القرن الإفريقي، بحضور سياسي وإقتصادي وهذا يجعل العلاقة بين قطر وإثيوبيا على مستوى متوازن وفعال للدولتين في تبادل المصالح والعمل الإستراتيجي للدولتين

 وهما يلعبان دوراً سياسياً وأمنياً محورياً في منطقتيهما ، خاصة بعد اتباع رئيس الوزراء الإثيوبي سياسة قائمة على الانفتاح وتحقيق الاستقرار والتكامل الإقليمي ، ودائما ما يؤكد في حديثه على أن الحكومة الإثيوبية تركز على جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص يفتح آفاقا جديدة للتعاون بين البلدين بالنظر إلى أن إثيوبيا تعد أحد أسرع الاقتصادات نموا في إفريقيا والعالم، ولها حراك دبلوماسي تسعى من خلاله إلى تعزيز التكامل الإقليمي في جميع المجالات، ولا شك أن الزيارة هدفت الى الترقي بالعلاقات القطرية – الإثيوبية لأعلى المستويات.

وهذا الدور عكسته وسائل الإعلام العالمية وعلى رأسها قناة الجزيرة الرائدة في مجال الإعلام العالمي في تغطية الأحداث والتطورات في أثيوبيا وخاصة بعد فتح مكتب الجزيرة في أديس أبابا سبتمبر 2017 ودورها الإعلامي في تسليط الضوء على العلاقات الاثيوبية العربية من خلال قضية سد النهضة المفاوضات الثلاثية بين إثيوبيا والسودان ومصر، وأدوار طليعة قامت بها قناة الجزيرة في المنطقة الأفريقية وإثيوبيا بصفة خاصة .

ولم تكن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي على رأس وفد كبير هي الأولى وليست الأخيرة ، فهناك زيارات متبادلة بين الشركات القطرية والإثيوبية، خاصة في مجال الشراكات بين المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى لبحث فرص التبادل التجاري وسبل تعزيز العلاقات فيما بينهم ، ولعل أبرزها التعاون القائم بين غرفة قطر وغرفة تجارة أديس أبابا لتعزيز دور القطاع الخاص من كلا البلدين .

وبالإشارة الى العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين نرى أنها شهدت تطورا ملحوظا منذ زيارة الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لإثيوبيا في أبريل 2013، والتي شكلت انطلاقة لعهد جديد من العلاقات المتميزة بين البلدين، وأسفر عنها توقيع عدد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات.

وبعدها زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر إلى أديس أبابا في أبريل 2017 ، والتي رسخت العلاقات بصورة متميزة وأفضت إلى اتفاق الحكومتين على بناء علاقة قوية مبنية على الاحترام والتعاون المتبادل ودفع عجلة التنمية بين البلدين الصديقين ، والتي رد عليها رئيس وزراء إثيوبيا السابق هيلي ماريام دسالين ، بزيارة إلى الدوحة في نوفمبر 2017، والتي بدورها عززت مستوى هذه العلاقات وحظيت باهتمام كبير من الجانبين، وتضمنت التوقيع على ثلاث اتفاقيات (للتعاون الدفاعي بين وزارتي الدفاع الإثيوبية والقطرية، واتفاقية حول إلغاء متطلبات التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة، اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات) .

في المجمل، تبدو العلاقات القطرية مع القرن الإفريقي تقطع شوطًا كبيرًا نحو توازن استراتيجي وسياسي واعد، فيما تعد علاقات أديس أبابا والدوحة نموذجا لهذه العلاقات في المنطقة وهو ما تفسره تنامي الاستثمارات القطرية في إثيوبيا وتزايدها المستمر ومعظمها مشاريع مشتركة مع رجال أعمال محليين أو دوليين، وتنشط معظمها في قطاعات الصناعة والزراعة والهندسة، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2016 نحو 4.73 مليار دولار أمريكي (3.99 مليار صادرات قطرية إلى إثيوبيا و730 ألفا واردات تتمثل معظمها في المنتجات الزراعية)، فيما شهدت الواردات الإثيوبية من قطر زيادة بنسبة 5.76 بالمائة عام 2017 لتبلغ 4.23 مليار دولار أمريكي ، وهذا فقط قبل 6 أعوام ، أما اليوم فقد شهدت تزايد كبير ولافت على جميع المستويات .

وإن كان العلاقات القطرية-الإثيوبية شابها فتور جراء سياسات مليس زيناوي، رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل (1992 -2012) أدت إلى قطيعة دبلوماسية بين البلدين، ليعود دفء حرارة العلاقات بين الدوحة وأديس أبابا، عام 2013، حيث أخذ رئيس الوزراء الإثيوبي السابق، هايلى ماريام دسالين، المبادرة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر.

ليكون عهد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ، هو الأكثر إنطلاقا نحو تعديد هذه العلاقة والعمل على رفعها لأعلى المستويات ، فكانت زيارته الأولى بعيد توليه  ، ما رفع من حجم العلاقات وأصبحت العلاقات الثنائية بين قطر وإثيوبيا تستند إلى الوعي والإدراك السياسي والاقتصادي للمصالح المشتركة التي تضمن ترسيخها، ومن هذا المنطلق، يمكن استشراف مستقبل واعد للعلاقات يحمل الكثير من الإيجابيات ويخلق توازناً في معادلة المصالح الإقليمية، والاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية القطرية عبر استغلال الفرص الاستثمارية الواعدة في إثيوبيا ، وهو ما ترجمته الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي لدولة قطر مطلع مارس الجاري .