السفيرة المغربية لدي اثيوبيا : العلاقات الإثيوبية المغربية تشهد زخمًا جديدًا

 

سمراي كحساي

 

تعود العلاقات بين المملكة المغربية وإثيوبيا إلى ستينات القرن الماضي. ولقد عرفت هذه العلاقات زخما كبيرا بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الملك محمد السادس لإثيوبيا في شهر نوفمبر سنة 2016.

وشكلت الزيارة التي أجراها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى إثيوبيا نقلة نوعية في العلاقات الثنائية حيث شهدت جهودا كبيرة للدفع بالشراكة الثنائية بين المغرب واثيوبيا في إطار التعاون الثنائي بين البلدين.

وتربط إثيوبيا والمملكة المغربية علاقات دبلوماسية وشعبية طويلة الأمد ويسعى البلدان إلى تعزيز الراوبط، والتعاون الشامل على كافة الأصعدة في القضايا المحلية والإقليمية والدولية.

وفي هذا الإطار أجرت صحيفة “العلم” مقابلة مع سعادة السفيرة نزهة علوي محمدي سفيرة المملكة المغربية لدى إثيوبيا وجيبوتي، والممثلة الدائمة لدى الإتحاد الإفريقي  ونص الحوار كالتالي:

اولا نشكر سعادتكم علي إتاحة الفرصة لنا لإجراء هذا الحوار معكم؟

أود في البداية أن أشكركم شخصيا وكافة طاقم جريدتكم لاستضافتكم لي للحديث عن العلاقات التي تجمع بين المملكة المغربية والجمهورية الديمقراطية الفيدرالية لإثيوبيا.

 

 1/ كيف ترين المستوى الحالي للعلاقة بين إثيوبيا والمغرب؟ وماهي مجالات التعاون والمشاريع الحالية بين البلدين؟

ردا على سؤالكم حول العلاقات المغربية الإثيوبية، يسعدني أولا أن أنوه بداية بنوعية وبعمق هذه العلاقات المتجذرة في التاريخ. إن المملكة المغربية كما إثيوبيا كانتا دائما بلدين مضيافين عريقين ذوا حضارة تعود إلى قرون. وفي هذا السياق، تحتل إثيوبيا مكانة خاصة في الذاكرة الجماعية للمغاربة، وكذلك للمسلمين ككل.

ففي الذاكرة المغربية الجمعية، ارتبطت إثيوبيا دائمًا بجذورنا وتاريخنا، بحيث كانت هذه الأرض المباركة معبرا آمنا لمجموعات الرحل الذين كانوا يسيرون عبرها، في رحلتهم من اليمن وبلاد الشام، ليستقروا فيما بعد بالمغرب.

كما يتذكر المسلمون دائمًا” مملكة أكسوم” ، التي منحت اللجوء والحماية لمجموعة من أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمناسبة الهجرتين، وملكها النجاشي الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه “ملك لا يُظلم عنده أحد”.

وتعود العلاقات الثنائية الحديثة بين البلدين إلى بدايات الستينيات من القرن الماضي، وقد تعززت عقب فتح سفارة للجمهورية الفدرالية الديمقراطية الإثيوبية بالرباط منذ سنة 2015. غير أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عرفت طفرة نوعية وزخما كبيرا إثر الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى إثيوبيا سنة 2016، والتي شكلت نقلة مهمة في العلاقات الثنائية وشهدت إطلاق أوراش كبيرة للدفع بالشراكة الثنائية بين المغرب واثيوبيا في إطار التعاون جنوب-جنوب الذي تتبناه المملكة المغربية كرافعة أساسية في علاقاتها بالقارة الأفريقية.

فيما يتعلق بالشراكة الحالية بين البلدين، أعتقد أننا نمر بديناميكية جديدة منطقية وطبيعية مع الأخذ في الاعتبار الإرث الذي لدينا معًا. بالطبع، العلاقات بين المغرب وإثيوبيا ليست جديدة. لدينا علاقات تعاون قديمة، وهي اليوم تشهد زخمًا جديدًا نتشاركه معًا في إطار الشراكة بين بلدان الجنوب.

نعتقد في المغرب أن التعاون بين بلدان الجنوب مهم للغاية حيث يمكن لبلدينا على حد

سواء مساعدة بعضهما البعض في مختلف قطاعات التعاون، لا سيما تلك المتعلقة بالزراعة والتنمية المستدامة والموارد البشرية والبيئة والصحة والتعليم والبنى التحتية خدمة للمنفعة المتبادلة لسكاننا وتحقيق النمو الاجتماعي والاقتصادي في كلا البلدين.

 

2/ ما نوع الاستثمارات التي يرغب المستثمرون المغربيون الانخراط فيها في إثيوبيا؟ 

كما سبق الذكر، تم التوقيع بين المغرب واثيوبيا ما يناهز بمناسبة الزيارة الميمونة لصاحب الجلالة، نصره الله وأيده، لإثيوبيا سنة 2016 على 12 اتفاقية إطار. من خلال هذه الاتفاقيات، عملت الدولتان على تنويع تعاونهما وشراكتهما وتبادل الخبرات من خلال النظر إلى مصالح البلدين لمساعدة بعضهما البعض.

وتشمل الاتفاقيات العديد من مجالات الأعمال والاستثمار كالزراعة وإدارة المياه والطاقات المستدامة والأسمدة وتعزيز التبادل التجاري. وعلى سبيل المثال، تم توقيع إحدى الاتفاقيات لإنشاء وحدة إنتاج الأسمدة في إثيوبيا برأس مال إجمالي قدره 2.5 مليار دولار أمريكي في المرحلة الأولى، وإجمالي 3.7 مليار دولار أمريكي. تتعلق إحدى هذه الاتفاقيات بإحداث مصنع الأسمدة من قبل المكتب الشريف للفوسفاط OCP، من أجل المساعدة في تأمين الأسمدة للزراعة الإثيوبية وتحقيق الأمن الغذائي لاثيوبيا.

وهذا يعكس الرؤية المشتركة للتعاون بين بلدان الجنوب المتجذرة على كلا الجانبين، وهي أنه ينبغي تسخير الموارد الطبيعية الأفريقية لدفع تنمية أفريقيا والازدهار المشترك. بصرف النظر عن وضع إطار للاتفاقيات القانونية، عقد البلدان منتديي أعمال، الأول في أديس أبابا، في نوفمبر 2016، والثاني في الرباط في مايو 2017.

نعتقد أن السوق الإثيوبية ضخمة وتوفر إمكانات حقيقية وكبيرة للاستثمار والنمو الاقتصادي. كما نتفق كذلك على القول إن إثيوبيا لديها قصة نجاح مع نمو مطرد ونود أن يكون للمستثمرين المغاربة مشاركة ومساهمة في هذه الديناميكية.

 

3/ ما هو الميزان التجاري بين البلدين؟ وما هي التحديات الرئيسية التي لوحظت لتوطيد العلاقات في هذا الصدد؟

رغم أن الميزان التجاري الذي تسجله المبادلات التجارية بين المغرب وإثيوبيا يبدو متواضعا ولا يعكس حقيقة ما يتعين أن تكون عليه العلاقات التجارية بين البلدين، فإن العلاقات التجارية بين البلدين تعد بمستقبل واعد جدا، نظرا للإمكانات الضخمة التي توفرها أسواق البلدين، وكذا اقتصاداتهما الواعدة. ويبدو أن فتح خط جوي مباشر بين الدار البيضاء وأديس أبابا، الذي نطمح إلى إطلاقه، سيشكل منعطفا إيجابيا جدا في تعزيز ليس فقط المبادلات التجارية بل أيضا الرقي بالعلاقات الثنائية إلى الطموح المنشود من قبل البلدين.

وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا تستوعب حوالي النصف 50% من صادرات الأسمدة المغربية إلى القارة الإفريقية. من ناحية أخرى، فإن معظم صادرات إثيوبيا إلى المغرب هي منتجات زراعية، بما في ذلك الحبوب والبن والزنجبيل، والتي شكلت 90٪ من هذه الصادرات خلال السنوات العشر الماضية. أعتقد أنه الاقتصاد الاثيوبي يعد اقتصادا قويا وديناميكيا مع وجدود رغبة تصميم قوي للدولة على المضي قدمًا وتحقيق الأهداف التي تم التخطيط لها بالفعل في الاستراتيجية الوطنية.

 

4/ ما هي الميزة الخاصة التي تتميز بها إثيوبيا مقارنة بالدول الأفريقية الأخرى؟

هناك العديد من الميزات التي تنفرد بها اثيوبيا على غيرها من الدول الافريقية ولعل أبرزها يبقى توفرها على إمكانات بشرية هائلة. كما تتمتع اثيوبيا بالأراضي الزراعية الخصبة الشاسعة وبمعدل تساقطات سنوي مهم يتيح لها فرصة أن تحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي إذا ما تم استثمار المؤهلات المذكورة بعقلانية وحكامة. فيما يخص الربط الطرقي والمواصلات، يعد خط السكة الحديد الذي يمتد من إثيوبيا إلى جيبوتي ذي مكانة اقتصادية مهمة. تعتبر السكك الحديدية مهمة للمشروع المستقبلي لإنتاج الأسمدة محليا ستمكن من استيراد سلس للمدخلات المطلوبة عبر ميناء جيبوتي. أعتقد أنه منشأة فنية ذات إسهام قوي بالنسبة للمستثمرين الذين يعملون في جيبوتي أو إثيوبيا، وفرصة جيدة لتعزيز التجارة والاستثمار في إثيوبيا.

 

5/ ما هي الأشياء المميزة التي شاهدتيها خلال إقامتكم بإثيوبيا؟

بالطبع، يتقاسم البلدان العديد من القواسم الثقافية المشتركة. إذا أخذنا بعين الاعتبار المسافة الجغرافية التي تفصل بين المغرب وإثيوبيا، يمكن لأي شخص أن يفترض عدم وجود قيم مشتركة بين كلا البلدين، غير أن هناك قيم أساسية وأوجه شبه ثقافية مشتركة عديدة.

فمنذ تعييني سفيرة لصاحب الجلالة بإثيوبيا سنة 2016، أدركت، من خلال المعيش اليومي، أن لدينا قيمًا مشتركة تتعلق بالهوية وحضارة والتاريخ والتسامح بين الأديان والتعايش والتصميم والقوي للمضي قدما، وقصص النجاح في التنمية.

إن إثيوبيا تحتل مكانة خاصة لدي، وقد لمست في الشعب الإثيوبي مدى طيبوبته وانفتاحه وعراقة تقاليده، بالإضافة إلى روح التضامن وقيم التعايش التي تطبع الحياة اليومية بين مختلف طبقات المجتمع الإثيوبي. كما ينتابني دائما الاندهاش بالمسار التنموي الذي ما فتئت تخوضه إثيوبيا في السنوات الأخيرة لتحسين جودة حياة المواطن الإثيوبي في شتى المجالات.

كما لاحظت أيضًا أننا نشترك في ثقافاتنا وتقاليدنا. وأذكر هنا على سبيل المثال أن في المغرب لدينا نوع من الموسيقى والرقص يشبه إلى حد كبير الموسيقى الإثيوبية، تستخدم فيها الأداة الموسيقية المشهورة هنا وهي “ماسينكو”، والتي نستخدمها أيضًا في المغرب. بالإضافة إلى ذلك، في كلا البلدين، يتم تقديم الطعام في أواني متشابهة، وهي عبارة عن وعاء من الفخار، يطلق عليها في إثيوبيا إسم “شكلة” وفي المغرب نسميه “الطاجين”. تعكس أوجه التشابه هذه بشكل واضح وعلى وجه التحديد، من بين أمور كثيرة أخرى، ثراء وتنوع ثقافاتنا، وتمثل عوامل قوة ومرونة مهمة للغاية.

تشهد القواسم المشتركة والتنوع بين بلدينا تاريخي المغرب وإثيوبيا الثقافي الغني وحضاراتهما القديمة. أود أن أذكر حقيقة أن المغرب حافظ على علاقات تاريخية عميقة مع إثيوبيا منذ عهد الإمبراطورية الإثيوبية. علاوة على ذلك، تجسد هويتنا الاجتماعية والثقافية الفريدة تنوعنا الفني.

وبالتالي، آمل أن يتم تنظيم أحداث ثقافية مشتركة بين البلدين، وهو الأمر الذي سيساعد في معرفة واكتشاف ثقافة وموروثنا التاريخي بشكل أفضل.

 

6/ كيف ترين مستقبل البلدين؟

بطبيعة الحال، أرى أن مستقبل البلدين سيكون أكثر ازدهارا ونماء في ظل القيادة الحكيمة والرشيدة لبلدينا. في هذا الصدد، من المهم أن نرجع قليلا للوراء حتى نتبين مدى التقدم الحاصل في تعزيز علاقاتنا الثنائية على أصعدة شتى. إن التقدم الذي يعرفه الإعداد الجاد والمستمر العمل لعقد أشغال أول لجنة مشتركة بين لهو دليل واضح على الرغبة المشتركة لتمتين أواصر التعاون. سيشكل عقد اللجنة المشتركة خطوة مهمة نحو تعميق العلاقات الثنائية. إن هذا الإطار الجديد من التعاون سيعزز بلا شك الحوار والتعاون الاستراتيجي.   البلدين معا يعملان بجد وبنشاط لتفعيل هذه المبادرة، إدراكا منهما لأهميتها في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية.

إن الالتزام والانخراط من أعلى مستويات القيادة في كلا البلدين يعكس رؤية مشتركة لتعزيز التعاون الوثيق في مجالات رئيسية مثل الفلاحة والتجارة والاستثمار والتعليم والمجال الأمني كذلك. وستكون اللجنة المشتركة بمثابة منصة منظمة لتنسيق المشاريع المشتركة ومعالجة التحديات المشتركة، واستكشاف سبل جديدة للشراكة.

نحن متفائلون بتنظيم الدورة الأولى للجنة المشتركة في المستقبل الملحوظ، والتي ستجمع المسؤولين والخبراء من كلا البلدين لإعطاء زخم جديد من التعاون بهدف إنشاء آلية ديناميكية ستمكن من تعزيز العلاقات الإثيوبية المغربية بشكل مستدام. إن هذه المبادرة تترجم مدى التزامن بلدينا المشترك لتعزيز التعاون فيما بين بلدان الجنوب والعمل معًا لتحقيق الأهداف التنموية المشتركة.

وفيما يتعلق بالمجالات المحتملة للعلاقات الثنائية، سينصب العمل على تعزيز التعاون في العديد من القطاعات الواعدة التي لم يتم استكشافها بعد كالاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، وإدارة الموارد المائية والتكيف مع المناخ، بالإضافة إلى السياحة والطيران والفلاحة بطبيعة الحال.

 

7/ ماهي خطة الحكومة المغربية فيما يتعلق بمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية؟

لا شك في أن منطقة التبادل التجاري الحر القاري الإفريقي ستشكل منعطفا تاريخيا في مسار الاندماج والتكامل الاقتصادي والتبادل التجاري داخل القارة بشكل عام. كما أنها ستمكن من إنشاء قاعدة صناعية إفريقية قادرة على الاستجابة لاحتياجات سوق إفريقية واعدة تضم أكثر من 1.27 مليار مستهلك. وفي هذا الإطار، ستساهم لامحالة في تعزيز جسور التكامل التجاري بين مختلف جهات القارة، وبالتالي توفير مناخ سلس للدفع بوتيرة المبادلات التجارية بين المغرب وإثيوبيا في هذا السياق.

 

8/ هل هناك أي شيء ترغبين في إضافته؟

إن كوني سفيرًا لجلالة الملك في إثيوبيا يمثل تحديًا حقيقيًا بالنسبة لي نحو جعل البلدين يعملان بشكل أوثق، والمضي قدمًا معًا في مساريهما التنموي، وتعميق المعرفة بين الشعبين واكتشاف نقط الالتقاء بينهما. نتيجة لذلك، سأواصل مجهوداتي الحثيثة بتنسيق مع السلطات الاثيوبية من أجل تعزيز المجالات المذكورة آنفا بشكل أكبر من خلال بناء علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية قوية بين البلدين.

في الختام، لابد من الإشادة بتعاون الأشقاء الاثيوبيين وتسهيلهم لمهامي خلال مقامي بإثيوبيا.

 

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai