عمر حاجي
سافرت السلطات الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء أبي أحمد إلى دولتين متجاورتين في بعثات دبلوماسية لإحلال السلام والاستقرار في القرن الأفريقي ما بين 26 يناير و3 فبراير. حيث قام رئيس الوزراء وفريقه بزيارة استغرقت يوما واحدا إلى الجارتين السودان والصومال لاستعراض التقدم المحرز في القضايا السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.
وخلال تلك الأيام، التقى الزعيم الإثيوبي أيضًا وأجرى محادثات مع القيادة الشعبية لتحرير تجراي شخصيًا لأول مرة منذ بدء الحرب الدموية في عام 2020. وكان هذا الأسبوع أحد أكثر أسابيع السنة إنتاجية للدبلوماسية الإثيوبية من حيث بناء سلام دائم في منطقة القرن الأفريقي المضطربة وتعزيز السلام الهش الذي حققته البلاد بعد نهاية الحرب الدموية التي استمرت عامين في شمال إثيوبيا بتوقيع اتفاق بريتوريا بشأن الوقف الدائم للأعمال العدائية.
كما أعطى اجتماع السلطات الإثيوبية والسودانية في العاصمة السودانية الخرطوم دفعة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين وجدد جهودهما المشتركة للتوصل إلى موقف مشترك بشأن القضايا الإقليمية المهمة والعمل على مزيد من التعاون لتحقيق المنفعة المتبادلة. كما تدل زيارة رئيس الوزرا الإثيوبي إلى السودان على التزام إثيوبيا بتحالف قوي وتعاون ثنائي مع السودان، ومن مصلحة الحكومة الإثيوبية أن ترى نجاح عملية الانتقال السياسي الجارية في السودان نحو الإدارة المدنية. وهذا يشير إلى رغبة إثيوبيا في حل القضايا الحدودية والخلاف المستمر حول سد النهضة من خلال الحوار المستمر القائم على الحقائق الفنية والأدلة التاريخية، دون الحاجة إلى السماح بالتدخل الأجنبي والتسييس غير المبرر.
وأعرب المجلس العسكري السوداني الحاكم عن تقديره لأهمية زيارة الوفد الإثيوبي للخرطوم قائلاً: إن المحادثات تضمنت السد العملاق والنزاع الحدودي. وجدد القادة التأكيد على ضرورة حلها من خلال آليات التأسيس. وكانت زيارة السلطات الإثيوبية لإظهار التضامن والدعم لحكومة السودان وشعبه وهم يبذلون جهودًا للتوصل إلى إجماع بين الأطراف السودانية لتأسيس فترة انتقالية سلسة.
وبعد ستة أيام من عودته من زيارته للسودان، توجه رئيس الوزراء الإثيوبي وفريقه إلى العاصمة الصومالية مقديشو للتشاور مع نظرائه في المنطقة حول سبل ممكنة لوضع حد للسبب الرئيسي لعدم وجود السلام والاستقرار في الصومال والمنطقة من قبل جماعة الشباب الإرهابية. وفي أعقاب الاجتماع الذي عقدوه في الصومال ودول الخط الأمامي، تعهد قادة الصومال ودول خط المواجهة التي تشترك في الحدود مع الصومال” إثيوبيا وكينيا وجيبوتي” بإخراج كل الصومال و منطقة القرين الإفريقي من دائرة العنف المفرغة التي ارتكبتها حركة الشباب، والتي استمرت في التسبب الخسائر في الأرواح وسبل العيش لعدد لا يحصى من المدنيين في المنطقة.
وبالنظر إلى حجم الأعمال الشريرة التي ارتكبتها حركة الشباب الإرهابية ضد سكان القرن الأفريقي، فإن القرار المشترك الذي اتخذه قادة المنطقة هو عمل طال انتظاره. كما أن ما كانت تفعله الجماعة الإرهابية في الصومال لا يكفي، فقد صدر الإرهاب إلى ما وراء حدود الصومال مما تسبب في العديد من حالات القتل الجماعي الفظيعة في كينيا وتنزانيا وإثيوبيا.
ومن خلال التواصل مع المتعاطفين معها كانت حركة الشباب ترهب منطقة القرن ليس لسنوات فحسب، بل في عقود من الزمن. واعتبارًا لحالة الحرب في المناطق الشمالية في يوليو الماضي باعتبارها لحظة مناسبة لضرب إثيوبيا بشدة، شنت حركة الشباب عملية عسكرية منظمة من خلال التوغل في عمق الأراضي الإثيوبية. ولحسن الحظ تمكنت القوات الإثيوبية الشجاعة من قهقرة عدوان حركة الشباب، وصد نواياها الشريرة بإحداث أزمة إنسانية قصوى، وجرائم غير إنسانية بحق المدنيين في شرق البلاد.
جاءت أنباء القرار المشترك لقادة المنطقة بشن حملة عسكرية جماعية ضد حركة الشباب متأخرة أكثر من 16 عامًا بعد إنشاء هذه المجموعة الإرهابية الخطيرة، والتي يصفها الأمريكيون بأنها تابعة لتنظيم القاعدة في القرن الأفريقي. كما يقول المثل: :أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا”. على الأقل، ستكون الأخبار السارة بمثابة دفعة معنوية للرجال والنساء في الزي العسكري في الصومال في إطار بعثة الاتحاد الأفريقي الذين يدافعون عن حرية الشعب الصومالي في مواجهة الجماعة الإرهابية.
ولا تزال القوات الإثيوبية في الصومال تقاتل حركة الشباب إلى جانب زملائها من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي. وخلال إقامته في الصومال ليوم واحد قام رئيس الوزراء الإثيوبي أيضًا بزيارة لقوات حفظ السلام الإثيوبية هناك. وهذا في حد ذاته يشير إلى الأهمية الكبيرة التي توليها الحكومة الإثيوبية لمحاربة التنظيم الإرهابي الذي أصبح عقبة أمام السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية لشعوب القرن الأفريقي.
وبعد يومين من إجراء مشاورات مثمرة مع القادة الإقليميين في مقديشو قطع رئيس الوزراء خطوة جريئة وكبيرة أخرى لتحقيق السلام الدائم في البلاد. وكان تنفيذ اتفاق بريتوريا للسلام هو الموضوع الذي كان يتصدرعناوين الأخبار يوميًا منذ أوائل نوفمبر 2022، ولكن بعد بداية العام الأوروبي الجديد، أدى ظهور قضايا الشؤون الجارية الأخرى بما في ذلك موسم الأعياد إلى تحويل وسائل الإعلام بطريقة لفت انتباه الجمهور حتى يوم الأربعاء الماضي.
وسمعنا أخبارًا مفاجئة في وسائل الإعلام الحكومية تؤكد أن رئيس الوزراء الإثيوبي التقى وجهًا لوجه مع بعض كبار قادة الجبهة الشعبية لتحرير تجراي وتوقعنا جميعًا أن يحدث هذا بالتأكيد بعد فترة من الوقت في المستقبل، لكن ليس قريبًا، وكان خبرًا إضافيًا مبهجًا لجميع الإثيوبيين، وخاصة لأولئك الذين تأثرت حياتهم بشكل مباشر بالحرب. قد تكون اللحظات الصامتة في 3 فبراير على التلفزيون الحكومي سببًا إضافيًا للتفاؤل بأن تلك الأيام المظلمة من الصراع الذي دام عامين لن تعود مرة أخرى على الإطلاق.
بصرف النظر عن الأهمية العملية للمراجعة المشتركة للتقدم المحرز في تنفيذ اتفاق بريتوريا للسلام، فإن حضور رئيس الوزراء للاجتماع له أهمية كبيرة. ويشهد مشهد الزعيم الإثيوبي وهو جالس على طاولة واحدة مع زعماء الجبهة الشعبية لتحرير تجراي على أن عملية السلام قد مرت معلما هاما. وهذا يعني أن عملية السلام قد تغلبت على عقبة كبيرة، وهي التحدي المتمثل في بناء الثقة المتبادلة بين الأطراف المتفاوضة.
كما أن إجراء اجتماع ناجح بين الأطراف المتفاوضة على أعلى مستوى دون الحاجة إلى وجود وسطاء من طرف ثالث هو تقدم ملحوظ للغاية يستحق التقدير. وإنها تجربة تبعث على الدفء، خاصة لأولئك الذين بذلوا جهودًا وتضحيات موسعة لوقف الحرب وإحلال السلام في شمال إثيوبيا. كما أنه سيحد من القلق المستمر وجنون العظمة الذي يخيمه هؤلاء المضاربون الذين يخشون أن السلام الهش لديه فرصة محتملة للارتداد إلى صراع متجدد.
بشكل عام، كان ذلك الأسبوع، أسبوعًا مثمرًا للقيادة الإثيوبية التي تخطو بخطوات دبلوماسية نحو السلام والتحالف الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدورة العادية السادسة والثلاثون لمؤتمر الاتحاد الأفريقي ستعقد في أديس أبابا في الفترة من 18 إلى 19 فبراير 2023، مما يجعل الأسبوع القادم فترة أخرى من المساعي الدبلوماسية المكثفة. ونتيجة لهذه التطورات عادت إثيوبيا كلاعب نشط ورائد في القرن الأفريقي والقارة واستعادت مكانتها بعد حرب مدمرة وأثبتت البلاد مرة أخرى كمرساة للسلام والاستقرار في القرن العظيم.