جوهر أحمد
سعي إثيوبيا المُعلن عنه منذ فترة طويلة للوصول إلى البحر بشكل موثوق وصل إلى منعطف حاسم، مما يتطلب حلاً سريعًا ومفيدًا لجميع الأطراف المعنية . وفي ظل اقتصاد مزدهر ونمو سكاني سريع، أصبحت الحاجة إلى طرق بحرية فعّالة أكثر إلحاحًا بالنسبة لهذه الدولة غير الساحلية في الوقت الحالي.
لطالما أكدت الحكومة الإثيوبية أن سعيها للوصول إلى البحر سيتم بشكل سلمي ومن خلال آليات تضمن المنفعة المتبادلة لجميع الأطراف المعنية. ويؤكد هذا الالتزام رغبة إثيوبيا في إيجاد حلول تعاونية تعزز الاستقرار الإقليمي والتكامل الاقتصادي.
و لا ينبغي النظر إلى نية إثيوبيا إنشاء قوة بحرية خاصة بها على أنها عمل عدواني، بل كخطوة ضرورية لحماية مصالحها البحرية والمساهمة في الأمن الإقليمي. لقد عانت منطقة البحر الأحمر، في بعض الأحيان، من القرصنة، وستكون البحرية الإثيوبية الكفؤة في وضع جيد لحماية أصولها الخاصة، وربما تلعب دورًا في تهدئة المياه المحيطة. وسيكون هذا مساهمة إضافية في الجهود الجماعية الرامية إلى الحفاظ على السلامة والأمن البحريين في شريان تجاري عالمي حيوي.
سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر مشروع غير ضار
للأسف، سعت بعض االجهات إلى تشويه تطلعات إثيوبيا المشروعة ووصفها بأنها ضارة. إلا أن الواقع عكس ذلك تمامًا. فتحسين الاتصال والتجارة، بفضل وصول بحري موثوق لإثيوبيا، سيحفز بلا شك النمو الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة، مما يعزز الترابط والازدهار المشترك.
وأن فكرة أن الدول الواقعة على بُعد آلاف الكيلومترات تحتفظ بقواعد عسكرية في منطقة البحر الأحمر بينما تحرم إثيوبيا، وهي دولة قريبة جغرافيًا (أقل من 100 كيلومتر)، من الوصول، فكرة غير منطقية تتعارض مع القانون الدولي وعلاقة إثيوبيا بالبحر الأحمرعبر التاريخ .
وتمنح اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار صراحةً الدول غير الساحلية الحق في الوصول إلى البحر ومنها، بما في ذلك حرية المرور عبر أراضي دول العبور. وأن اعتماد إثيوبيا الحالي على ميناء جيبوتي، رغم تقديره، يتناقص باستمرار لتلبية متطلبات نموها الاقتصادي والسكاني الديناميكي. ولذلك، فإن سعي إثيوبيا لتحقيق وصول بحري متنوع ومستدام يرتكز بقوة على الأطر القانونية الدولية وحقها الأصيل كدولة غير ساحلية.
ووفقًا للبروفيسور بروك هايلو، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فإن سعي إثيوبيا للوصول البحري لا يهدف إلى الإضرار بأي دولة، بل يهدف إلى تعزيز النمو المتبادل من خلال التعاون.
وأبرز البروفيسور بروك الاستخدام التاريخي لإثيوبيا لمينائي عصب ومصوع لسنوات عديدة، امتدت إلى عهد نظامي هيلا سيلاسي والدرغ مؤكدا على أن إثيوبيا كانت تمتلك الحق في المطالبة بهذين المينائين خلال الحرب الإثيوبية الإريترية. ومع ذلك، أشار إلى أن عدم اهتمام الحكومة آنذاك أدى إلى تحول إثيوبيا إلى دولة غير ساحلية.
وأكد الباحث على ارتباط إثيوبيا القديم بالبحر الأحمر، مشيرًا إلى أن هناك فترات قليلة جدًا في تاريخها لم يكن لديها فيها إمكانية الوصول. مع إقراره بالحرمان الحالي في الوصول المباشر إلى البحر الأحمر، أكد البروفيسور بروك أن إثيوبيا لا تزال تشعر بقلق بالغ إزاء قضايا البحر الأحمر.
وأوضح البروفيسور بروك رغبة الشعب الإثيوبي العودة إلى البحرالأحمرمهما كلف الأمر، وأن سعي الحكومة لتحقيق هذا المطلب حظي بدعم شعبي كبير.
وأكد البروفيسور بروك أن مسألة الميناء البحري لا تزال دون حل، ليس بسبب أي ضرر متأصل يُسببه للدول المعنية، بل بسبب عدم الجدية في معالجتها. ويعتقد أن حل هذه القضية من شأنه أن يُسهّل النمو المشترك، مؤكدًا أن إثيوبيا تمتلك الموارد التي يُمكنها تقديمها في المقابل خلال المفاوضات.
حث الحكومة على السعي بعزم لتحقيق هذا الهدف عبر القنوات الدبلوماسية.
واختتم البروفيسور بروك كلمته قائلاً إن السعي وراء ميناء بحري أمر لا مفر منه، ودعا جميع الجهات المعنية إلى الوفاء بمسؤولياتها التاريخية وترك بصمة إيجابية في هذا الشأن.
وفي سعيها الدؤوب للتغلب على وضعها كدولة غير ساحلية أبعدت عنه عبر سلسلة من المؤامرات لجهات لاترغب الاستقرار السياسي والإزدهار الإقتصادي حتى لا تتمكن من تنمية وتطويرمواردها الطبيعية تسعى البلاد بنشاط إلى إيجاد سبل للوصول البحري الموثوق. وتشير التقارير إلى أن الحكومة تعمل على دمج هذا الهدف الحاسم في أجندتها الإصلاحية الوطنية الأوسع نطاقا، إدراكا لأهميته للنمو الاقتصادي والنفوذ الإقليمي.
وفي هذ السياق أعلن وزير الخارجيةالدكتور جيديون طيموتيوس مؤخرًا عن اعتراف دولي كبير بخصوص حق إثيوبيا بالوصول إلى البحر. وجاءت تصريحات الوزير خلال استعراض أداء القطاع الدبلوماسي خلال الأشهر التسعة الماضية، والذي قُدّم إلى رئيس الوزراء آبي أحمد. وشمل الاستعراض أداء 100 يوم في الربع الثالث من السنة المالية الإثيوبية 2017، بالإضافة إلى تنفيذ الاقتصاد الكلي على مدى تسعة أشهر.
وفي عرضه، سلّط الوزير الدكتور جيديون الضوء على العديد من النجاحات الدبلوماسية في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف. وتشمل هذه الإنجازات المشاركة المؤثرة لإثيوبيا في منتدى البريكس، واستضافتها الناجحة لقمة الاتحاد الأفريقي، وانتخابها لعضوية مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد.
ومن النقاط الرئيسية التي شدد عليها وزير الخارجية حل النزاعات مع الدول المجاورة بشأن الموانئ والقضايا البحرية عبر القنوات الدبلوماسية السلمية. وذكر أن هذه الجهود ساهمت بشكل كبير في تعزيز قبول المجتمع الدولي للمصالح البحرية لإثيوبيا.
وأشار الدكتور جيديون أيضًا إلى أن جهود الإصلاح الجارية داخل إثيوبيا تعزز قدرة البلاد وتأثيرها على الساحة العالمية. كما أكد على العمل المكثف المبذول لتحسين الربط الإقليمي من خلال البنية التحتية للطاقة، مما يدل على أن النمو الاقتصادي لإثيوبيا يتجاوز حدودها ويحمل إمكانات كبيرة للمنطقة ككل.
ومن المعروف أن البلاد تتفاوض مع مختلف الجهات المعنية بشأن هذه القضية، في حين أن التفاصيل المحددة للمفاوضات والاستراتيجيات الجارية لا تزال سرية، إلا أن التزام الحكومة الإثيوبية الثابت بهذه القضية طويلة الأمد واضح. وأن التركيز على المشاركة الدبلوماسية والتعاون الدولي يشير إلى نهج استراتيجي يهدف إلى تحقيق حل مستدام ومتفق عليه من قبل الأطراف، يعود بالنفع على كل من إثيوبيا والمنطقة ككل.
ولا شك أن المضي قدمًا في هذاالمجال يحتاج إلى اتباع نهج تعاوني واستشرافي عبر الحوار والتفاوض، القائمين على مبادئ الاحترام والمنفعة المتبادلين لتلبية حاجة إثيوبيا الماسة للوصول إلى البحر. ولن يؤدي حل هذا الموضوع إلى إطلاق العنان لإمكانات إثيوبيا الاقتصادية الهائلة فحسب، بل سيساهم أيضًا بشكل كبير في الاستقرار السياسي والازدهارالاقتصادي على المدى الطويل في منطقة القرن الأفريقي وشعوبها.