آفاق الدبلوماسية بين إثيوبيا وجنوب السودان واعدة

 

عمر حاجي

تتمتع إثيوبيا وجنوب السودان بعلاقة راسخة ومشتركة، قوامها الروابط التاريخية والروابط الثقافية والديناميكيات الإقليمية. وتكثف التعاون الدبلوماسي بين البلدين  في السنوات الأخيرة، مدفوعًا بالمصالح المشتركة في الأمن والتعاون الاقتصادي والاستقرار الإقليمي.

ويضم كلا البلدين مجموعات عرقية متنوعة تفاعلت من خلال التجارة والهجرة والتبادل الثقافي. ومع ذلك، فرض المشهد السياسي الحديث ضغوطًا في كثير من الأحيان على علاقتهما، لا سيما بسبب تاريخ جنوب السودان العاصف، بما في ذلك نضاله من أجل الاستقلال عن السودان، الذي تحقق عام ٢٠١١.

ولعبت إثيوبيا دورًا حاسمًا في قضية جنوب السودان، حيث عملت كوسيط خلال مفاوضات السلام. وقد أرسى هذا الدعم التأسيسي الأساس لعلاقة دبلوماسية تتسم بالتعاون. ومنذ استقلال جنوب السودان عام ٢٠١١، واجهت البلاد تحديات كبيرة، بما في ذلك الصراعات الداخلية والأزمات الإنسانية. بصفتها عضوًا في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، واضطلعت إثيوبيا بدور حيوي في تعزيز الحوار ومفاوضات السلام بين الفصائل المتحاربة.

وفي عام ٢٠١٣،  اندلعت في جنوب السودان حرب أهلية، مما أدى إلى نزوح ومعاناة واسعة النطاق. وإدراكًا منها للحاجة الملحة للتدخل، سهّلت إثيوبيا بنشاط محادثات السلام، موفرةً أرضية محايدة للأطراف المتنازعة للالتقاء. واستضافت الحكومة الإثيوبية جولات متعددة من المفاوضات، بهدف وضع إطار للحوار يعالج الأسباب الجذرية للصراع.

وفي السنوات الأخيرة، توسطت إثيوبيا، بقيادة رئيس الوزراء أبي أحمد، بنشاط في محادثات بين رئيس جنوب السودان سلفا كير، وزعماء المعارضة، مما سهّل الحوار الهادف إلى تحقيق سلام دائم. وإن الروابط التاريخية لإثيوبيا وقربها الجغرافي من جنوب السودان يجعلها طرفًا رئيسيًا في عملية السلام. وقد أكدت الحكومة الإثيوبية على أهمية الوحدة والمصالحة بين الأطراف في جنوب السودان، ودعت إلى اتفاق سلام شامل يعالج الأسباب الجذرية للصراع.

كما تُبرز مشاركة إثيوبيا الدور الأوسع للدول الأفريقية في معالجة النزاعات الإقليمية، وتعزيز نهج جماعي لبناء السلام في جنوب السودان، وتعزيز أهمية المشاركة الدبلوماسية في حل النزاعات. ويواجه كلا البلدين تهديدات مشتركة، بما في ذلك العنف عبر الحدود، ووجود الجماعات المسلحة. وقد عرضت إثيوبيا الدعم لجنوب السودان في تعزيز أجهزته الأمنية، لا سيما من خلال مبادرات التدريب وبناء القدرات.

ويهدف هذا التعاون إلى ضمان الاستقرار على طول حدودهما المشتركة، التي غالبًا ما تكون بؤرة اشتعال للصراع. لقد اتسم نهج إثيوبيا بالتركيز على الشمولية، وضمان تمثيل مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك الفئات المهمشة، في محادثات السلام. ويعكس هذا الالتزام بعملية سلام شاملة فهم إثيوبيا بأن الحلول المستدامة تتطلب مشاركة جميع شرائح المجتمع. كما دُعمت الجهود الدبلوماسية للبلاد من خلال مساهمتها بقوات في بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS). ويؤكد هذا الوجود العسكري التزام إثيوبيا بتحقيق الاستقرار في المنطقة وحماية المدنيين المتضررين من العنف. ويُشكل وجود جماعات مسلحة مختلفة على طول الحدود تحديًا أمنيًا.

وقد اتخذت إثيوبيا موقفًا استباقيًا في معالجة هذه المخاوف من خلال إجراء عمليات عسكرية مشتركة مع قوات جنوب السودان. علاوة على ذلك، يمكن للبلدين معالجة مظالمهما، وتبادل أفضل الممارسات، والتعاون في مبادرات مشتركة. كما أن تعزيز مشاركتهما في المنظمات الإقليمية من شأنه أن يعزز علاقاتهما الدبلوماسية ويساهم في جعل منطقة القرن الأفريقي أكثر سلامًا واستقرارًا.

وشهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورات ملحوظة  فجنوب السودان غني بالموارد الطبيعية، وخاصة النفط، بينما تفتخر إثيوبيا بقطاع زراعي متنامٍ وصناعة تصنيع نابضة بالحياة. ومن خلال تعزيز التعاون الاقتصادي، يمكن للبلدين الاستفادة من نقاط قوتهما لتعزيز النمو المتبادل. علاوة على ذلك، بُذلت جهود لتعزيز العلاقات التجارية من خلال خفض التعريفات الجمركية وتسهيل التجارة عبر الحدود.

وقد برزت إثيوبيا كشريك تجاري مهم لجنوب السودان، حيث توفر له السلع الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية. ويُعد توسيع طرق التجارة ومشاريع البنية التحتية، مثل الطرق والسكك الحديدية، أمرًا بالغ الأهمية لتمكين حركة البضائع بين البلدين. إلى جانب العلاقات السياسية والاقتصادية، ناقش السفير الإثيوبي لدى جنوب السودان، نبيل مهدي، ووزير التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا في جنوب السودان، مادوت بيار ييل، زيادة عدد المنح الدراسية لطلاب جنوب السودانيين في الجامعات الإثيوبية.

وقدمت إثيوبيا لـ 150 منحة دراسية لطلاب الدراسات العليا والبكالوريوس في السابق. أما الآن، فقد منحت إثيوبيا لجنوب السودان 645 منحة دراسية لدراسة برامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في مؤسسات التعليم العالي في أديس أبابا ومناطق أخرى في إثيوبيا، وفقًا لما ذكرته صحيفة “ذا سيتي ريفيو”، وهي وسيلة إعلام رقمية لجنوب سودان.

وقال السفير نبيل: إن إثيوبيامنحت في هذا العام،  645 منحة دراسية لجنوب السودان في قطاعات مختلفة. ويمثل هذا زيادة قدرها 495 منحة دراسية لطلاب جنوب السودان في مجالات مختلفة التزامًا كبيرًا ببناء الموارد البشرية لأحدث دولة في العالم.

وأكد السفير: على “أننا نحن ملتزمون بمواصلة هذه الشراكة وتسهيل الوصول إلى تعليم جيد لمزيد من شباب جنوب السودان”. بالإضافة إلى زيادة المنح الدراسية، اتخذت الحكومة الإثيوبية خطوات أخرى لتخفيف العبء المالي على طلاب جنوب السودان.

وأوضح السفير نبيل، أن وزارة التعليم في بلاده غطت رسوم تصريح الإقامة البالغة 150 دولارًا أمريكيًا في هذا العام، والتي كانت تُفرض سابقًا على طلاب جنوب السودان، مشيرا إلى وجود جهود جارية مع البرلمان الإثيوبي للإعفاء الدائم من رسوم تأشيرة الطلاب بموجب قانون الهجرة. وسددت وزارتنا الرسوم لهذا العام. ونعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على هذا الدعم حتى لا يصبح عبئًا متكررًا.

وأعرب الوزير مادوت بيار، عن امتنانه لدعم إثيوبيا المتواصل لجنوب السودان منذ نضال التحرير. ومع استعداد مئات الطلاب لمواصلة دراستهم في إثيوبيا في إطار البرنامج الموسع، لا تشير هذه الخطوة إلى شراكة ثنائية قوية فحسب، بل إلى استثمار مشترك في رأس المال البشري للمنطقة أيضًا.

وبناءً على ذلك، تبدو آفاق الدبلوماسية بين إثيوبيا وجنوب السودان واعدة، لكنها مرهونة بمواجهة التحديات القائمة. وسيكون استمرار التعاون رفيع المستوى إلى جانب الالتزام بالتعاون الاقتصادي والأمني، أمرًا أساسيًا في تعميق علاقاتهما. ومن خلال إعطاء الأولوية للحوار والشراكة، يمكن لإثيوبيا وجنوب السودان إرساء أسس علاقة دبلوماسية قوية ومتينة تعود بالنفع ليس على بلديهما فقط، بل على المنطقة بأسرها.

وتظل الحكومة الإثيوبية في التأمل بأنه من خلال الجهود الدبلوماسية المستمرة، يمكن التوصل إلى حل مستدام، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقا لجنوب السودان وتعزيز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai