جوهر أحمد
إثيوبيا، دولةٌ ارتبط اسمها تاريخيًا بالثراء الزراعي والظروف المناخية الصعبة، ترسم مسارًا تحوليًا نحو الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. فمن مواجهة دورات الجفاف المتتالية إلى إرساء أسس نهضة زراعية مستدامة، تمضي البلاد في مسيرةٍ قوامها المرونة والإصلاح الاستراتيجي والقيادة الثاقبة. ومع سعيها نحو تحقيق السلام المستدام، حشدت مواردها لضمان الأمن الغذائي، وتُسجل نتائج إيجابية في جميع أنحاء البلاد.
لعقود، كانت الزراعة في إثيوبيا، التي توظف أكثر من 80% من السكان، عرضة لتقلبات الطقس، وضعف البنية التحتية، ومحدودية الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة. وقد خلقت التحديات المتكررة لتغير المناخ، وتدهور الأراضي، والاعتماد على المساعدات الغذائية، شبكةً معقدةً أعاقت التقدم.
لطالما حملت الأراضي الزراعية الشاسعة في إثيوبيا، والمناطق الزراعية البيئية المتنوعة، والمجتمعات الزراعية المجتهدة، إمكاناتٍ هائلة. وإدراكًا لهذا، وضعت الحكومات المتعاقبة التنمية الزراعية في صميم سياستها الوطنية، معتبرةً الأمن الغذائي ليس فقط ضرورة إنسانية، بل أيضًا حجر الزاوية للسيادة الوطنية والاستقلال الاجتماعي والاقتصادي.
و أعلن رئيس الوزراء الدكتورأبي أحمد أن إثيوبيا قد تجاوزت مكانة أكبر دولة منتجة للقمح في أفريقيا، حيث بلغ انتاج القمح في اثيوبيا اكثر من إنتاج مصر بثلاثة أضعاف.
في مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية، صرّح رئيس الوزراء بأن إثيوبيا تنتج القمح على نطاق واسع للغاية، مما يؤكد تركيز الحكومة على تعزيز الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.حاليًا، جعلت إثيوبيا إنتاج القمح ركيزة أساسية في رحلتها نحو الاكتفاء الذاتي الغذائي.
ومن خلال التوسع في الزراعة المروية، واستخدام أصناف البذور المُحسّنة، واعتماد تقنيات الزراعة الحديثة، زادت البلاد بشكل ملحوظ من إنتاج القمح والفائض القابل للتسويق، وفقًا لما عُلم.
أكد رئيس الوزراء الدكتور آبي أحمد أن الأدلة على قصص نجاح زراعة القمح الإثيوبية واضحة إلى حد كبير.ويمكن لأي شخص يسافر بضعة كيلومترات فقط خارج أديس أبابا باتجاه الريف أن يشهد حقول قمح شاسعة تمتد عبر الأرض. وهذا الإنجاز واضح تمامًا على الأرض ويمكن التحقق منه بشكل مستقل من خلال صور الأقمار الصناعية، مما يكشف عن التوسع الهائل في الأراضي الزراعية المزروعة ويشير إلى زيادة كبيرة في غلة القمح المتوقعة.”وعزا هذا النجاح إلى الاستخدام الفعال لإثيوبيا للمناطق المنخفضة لزراعة القمح على نطاق واسع.
وفي معرض رده على أسئلة حول واردات القمح وأسعار الخبز، أوضح الدكتور آبي: “عندما توليت منصبي لأول مرة، كانت إثيوبيا تنفق ما يقرب من مليار دولار أمريكي سنويًا على واردات القمح. في السنوات الثلاث الماضية، انخفض هذا الرقم إلى الصفر.”
وأوضح الدكتور آبي سبب استمرار استيراد القمح رغم الفائض المحلي: “تستضيف إثيوبيا حاليًا أكثر من مليون لاجئ من الدول المجاورة. غالبًا ما يُساء تفسير القمح المُستورد لدعم هؤلاء اللاجئين. يجب فهمه كجزء من جهد إنساني عالمي، وليس مؤشرًا على نقص محلي“.
في غضون ذلك، قال وزير مكتب لاتصالات الحكوميةالدكتور لجسي تولو : إن مسار إثيوبيا نحو الاكتفاء الذاتي من الغذاء وجهودها للتحول الزراعي قد أثمر نتائج ملموسة.
وزار الدكتورلجسي برفقة وفد من المسؤولين الفيدراليين والأقاليم، مزارع القمح والشعير المروية الصيفية المزدهرة المزروعة على أكثر من 200 ألف هكتار من الأراضي في شمال البلادمنطقة شوا في إقليم أوروميا.
وأُشار الدكتورلجسي إلى أنه من المتوقع أن يصل محصول القمح والشعير المتوقع في منطقتي جيدا وكيبيت بالمنطقة إلى ما يقارب 12 مليون قنطار.
وأكد الوزير على أن إثيوبيا تنطلق في مسيرة تحولية نحو السيادة الغذائية، متحولةً بشكل حاسم من الاعتماد على الغير إلى إنتاجية قوية.كما أكد التزام الحكومة الراسخ بسياسة الإصلاح الاقتصادي الشامل القائمة على المنتجات المحلية.وأكد الدكتورلجسي على أن التنمية الزراعية تُمثل حجر الأساس لاستراتيجية النمو متعدد القطاعات في إثيوبيا.
وصرح الدكتورلجسي قائلاً: ” إن إثيوبيا تُحرز تقدمًا ملحوظًا في رفع الإنتاجية الزراعية، لا سيما في المحاصيل الحيوية مثل القمح والشعير والذرة والتيف والأرز”. وأضاف: “نشهد تقدمًا ملموسًا: توسيع مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وزيادة كبيرة في إنتاجية الهكتار الواحد، وإطالة مواسم الإنتاج لدينا“.
وأكد الوزير على النجاح الباهر الذي حققته إثيوبيا في زراعة القمح المروي صيفًا، والذي لم يُلغِ الحاجة إلى استيراد القمح فحسب، بل مهد الطريق أيضًا لتصديره إلى السوق العالمية.
ووصف الدكتورلجسي التقدم الملحوظ في منطقة شمال شوا بإقليم أوروميا بأنه “رائع.
وأضاف: “إن المناطق التي كانت تعتمد في السابق على المساعدات الغذائية وتستفيد الآن من براعتها المحلية، وتزرع محاصيل مروية للسوق”، مشيدًا بالمزارعين الذين استخدموا ببراعة المعرفة المحلية لتطوير الأراضي الصالحة للزراعة عن طريق تحويل مياه الأنهار للري.
ووفقاً للوزير، يُجسّد هذا التأثير الفعال للاستراتيجيات الزراعية للبلاد.ويرى الوزير أن هذا يؤكد بشكل قاطع مسار إثيوبيا نحو تحقيق سيادة غذائية حقيقية والتطور من اقتصاد معتمد إلى قوة إنتاجية مكتفية ذاتياً.
وأكد الوزير أيضاً على الأهمية الحاسمة لتسخير الإمكانات الزراعية على الصعيد الوطني لتسريع تحقيق أهداف التنمية الوطنية. تعمل الحكومة جاهدةً على تعزيز أنظمة الري وإدارة موارد المياه، وتحسين الخدمات الأساسية، وتعزيز الإنتاجية، وتعزيز السلام المستدام”، كما صرّح.
وأكد الوزير على ضرورة أن تتبنى المجتمعات المحلية مسؤولية هذه المبادرات لضمان السلام والتنمية الدائمين.وإلى جانب ذلك، لعبت جهود الحكومة دورًا حاسمًا في معالجة انعدام الأمن الغذائي المزمن والمؤقت.
وإلى جانب ذلك، أكدت أجندة الإصلاح الاقتصادي المحلي، التي أُطلقت عام 2019، على التحول الزراعي كمسار لتحقيق نمو شامل ومستدام. وتعطي الأجندة الأولوية للاستثمار في الري والميكنة والتصنيع الزراعي، بهدف نقل إثيوبيا من زراعة الكفاف إلى قطاع زراعي مرن موجه نحو السوق. كما تؤكد على تمكين صغار المزارعين، وتحسين فرص الحصول على التمويل والتكنولوجيا، وتعزيز الممارسات الذكية مناخيًا لضمان الإنتاجية على المدى الطويل والاستدامة البيئية.
و بينما تحتفل إثيوبيا بالتقدم الملموس في الحد من الجوع وسوء التغذية، فإنها تُمثل منارة للإمكانات في القارة الأفريقية. والمسيرة نحو الأمن الغذائي الاكتفاء الذاتي لا يزالان في مراحلهما الأولى، لكن رؤية إثيوبيا واضحة ــ أمة تغذي نفسها وتزدهر من خلال قوة أرضها ومرونة مزارعيها.