المناطق التاريخية والأثرية والسياحية  في مدينة جيما

سمراي كحساي

تقع مدينة جيما إحدى أهم وأكبر مدن جنوب غرب إثيوبيا مساحة وسكانا، على بُعد 348 كيلومترا عن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وتقع جيما على ارتفاع 5740 قدما (1750 مترا) في منطقة مغطاة بغابات البن وأشجار الفواكه.

يسكن في مدينة جيما أكثر من 3.4 ملايين نسمة، من مختلف القوميات والشعوب الإثيوبية، وعلى رأسهم “الأورومو”.

وتعود نشأة مدينة جيما إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، قبل أن تصبح عاصمة سلطة أبا جيفار، آخر ملوك المملكة الإسلامية التي انتشرت منها تعاليم الإسلام ليضع فيما بعد المستعمر الإيطالي يده على المدينة، مستفيدا من مكانها القديم على نهر “أويتو”.

واسم جيما مشتق من عشيرة “ميجا أورومو وكانت هذه العشيرة قد بدأت حياتها في 3 مناطق (جيرين – هيرماتا – مندرا)، قبل أن تصبح مملكة جيما في عام 1790 إحدى ولايات جيبي الخمس.

وفي عهد الملك أبا جيفار الأول توسعت المدينة، بعد أن حول تجارته من “مانا” إلى “جيرن” للسيطرة على سوق هيرماتا المتنامي.

وفي عام 1830 أُطلق عليها “جيما أبا جيفار” آخر ملوك الممالك الإسلامية في الحبشة، وشكلت أكبر وأقوى مملكة إسلامية بين 5 ممالك شكلها الأورومو، في منطقة جيبي جنوب غرب إثيوبيا.

والملك أبا جيفار، الذي شيد له القصر، اسمه محمد بن داود بن علي بن دِنْغِلا، وقد ولد سنة 1863.

وحفظ القرآن في سن مبكرة على يد والدته، ومن ثم درس التوحيد والفقه، حتى أصبح ملكا لجيما عام 1878 خلفا لوالده داود بن علي المعروف بـ”أبا غمول”، الذي كان ثامن ملوك جيما الإسلامية.

ووسع الملك أبا جيفار الثاني إدارته للمدينة وشيد مسجدا وقصرا على تلال قرية جيرين، قبل 130 عاما، متخذا منها مقرا للحكومة ومركزا للإدارة”.

ويقول الأكاديمي والمؤرخ الإثيوبي البروفيسور آدم كامل إن الملك أبا جيفار عرف بقوة انتمائه للإسلام والعمل من أجله، وبحبه للعلم والعلماء وبسياسته التنموية التي أسهمت في تحويل جيما إلى منارة ثقافية واقتصادية”.

وأشار كامل إلى أن الملك كان له تواصل مباشر مع الدول العربية، منها المملكة العربية السعودية ومصر وعُمان وغيرها.

ومن المعالم والآثار التاريخية بالمنطقة مسجد “أفورتما” وسط جيما، أول مسجد أقيمت فيه صلاة الجمعة قبل 190 عاما، وكان له دور في تعليم القرآن الكريم وعلومه.

والمسجد الذي أطلق عليه “أفورتما” وتعني (الأربعين) بلغة قومية الأورومو، أكبر قوميات إثيوبيا، كما استمد اسمه من اجتهاد فقهي يقول إن أقل عدد تُقام به صلاة الجمعة هو “أربعون رجلاً من أهل وجوبها مع الإمام”، وذلك في عهد الملك السادس الملك أبا بوقا عم الملك أبا جيفار.

وظل مسجد أفورتما وجهة لطلاب ودارسي العلوم الشرعية وتعاليم الدين الإسلامي، وقال كامل إن الملك أبا جيفار كان يفاخر ببناء المساجد ويعود له الفضل في بناء نحو 300 مسجد بالمنطقة.

ويقول المؤرخ الإثيوبي آدم كامل  انه بعد إنشاء المسجد تم جمع 40 عالما دينيا من مختلف مناطق البلاد (أرسي بالي، وهرر وولو، وتجراي)، وعلماء من الجزائر والسعودية، وذلك في عهد الملك أبا جيفار، وأصبح المسجد قبلة لكبار العلماء والتجار من مختلف مناطق إثيوبيا، خاصة شمال البلاد.

و المدينة الحالية طُورت على نهر أويتو، من قبل الاستعمار الإيطالي إبان الفترة ما بين 1936 و1941.

واتخذ الإيطاليون منها مركزا لإدارة الأجزاء الإقليمية الغربية من إثيوبيا، وشيدوا معظم الطرق الرئيسية الحالية والمطار، وأعدوا أول خارطة رئيسية للمدينة في عام 1937.

وبعد هزيمة الإيطاليين، اختارت الحكومة الإثيوبية مدينة جيما عاصمة لمحافظة كافا في أواخر عام 1941، وصدر مرسوم بتأسيس بلدية جيما وتضم (بوسا، هيرماتا، مندرا، وجيرين) حتى عام 1988.

وبعدها شُكلت 12 منطقة إدارية عرفت بمناطق غرب إثيوبيا، تدار من بلدية جيما، المكونة من 3 مدن فرعية و18 حيا رئيسيا.

ويوجد بجيما العديد من المناطق التاريخية والأثرية والسياحية، كمنطقة تشوشي التي اكتشفت بها بذرة القهوة الإثيوبية.

وبالإضافة إلى ذلك، توجد منطقة بلطي المعروفة بشلّالاتها وجمال طبيعتها والمغطاة بالغابات الكثيفة، على امتداد 3 مناطق في غرب إثيوبيا، والتي تعيش بها الحيوانات المتوحشة مثل الأسود.

وتتميز بلطي أيضا بتنوعها البيولوجي والنباتي بجانب غابة البن الطبيعي الإثيوبي، وتضم شلالات نهر جيبي، وغيرها من الآثار الإسلامية والمعالم التاريخية.

ويعد قصر الملك أبا جيفار بمدينة جيما ضمن آثار آخر الممالك الإسلامية فيها، ويتضمن معالم أثرية أخرى أصبحت وجهات سياحية للمنطقة.

ويقع القصر على بُعد 7 كيلومترات من المدينة، وقد شيد على ارتفاع 2020 قدما، ويطل من جبل بمنطقة “جيرين”.

وكان القصر مقرا سياسيا وإداريا للملوك الذين تعاقبوا على حكم المملكة، وإن كان للملك 4 قصور أخرى، فإن قصر أبا جيفار يعد الأهم والأكبر.

واختار  أبا جيفار هذه المنطقة الجبلية للسيطرة على مركز التجارة، ولمتابعة ورصد جميع الأنشطة من داخل القصر والوقاية من الأمراض المعدية التي انتشرت في تلك الفترة”.

والقصر الذي شيد في سبعينيات القرن الـ18، أشرف على تصميمه المهندس الهندي تكام تاليموشي، وسبق تشييده بناء مسجد داخل سوره، اتباعا لثقافة شعب جيما التي تركز على بناء المسجد بجانب المنزل وتعطيه الأولوية.

والقصر المحصن بقلعة ذات 4 بوابات للرصد والمراقبة، يتكون من 29 غرفة و54 شباكا و65 بوابة، بجانب مسجد كبير، والعديد من المرافق بينها غرف مخصصة للنوم وصالة الوجبات واستراحة الضيوف.

ولم يكن قصر أبا جيفار وحده هو المعبر عن تاريخ وحضارة مدينة جيما، فهناك المتحف القومي الذي يتوسط المدينة، وبه العديد من الكنوز والمقتنيات الإسلامية.

ويعد من أقدم المتاحف في البلاد وأكثرها ثراء، ويحتوي على مجموعة متنوعة من القطع الأثرية، تجاوز عددها ألفي قطة أثرية من العصر الذهبي لمنطقة جيما، وهو ما بين عامي 1941 و1950.

وكان التاريخ الرسمي لميلاد المتحف قد بدأ في عام 1980، في عهد نظام “منغستو هايلي ماريام”.

ويرجع بداية المتحف لعام 1974 حيث لفت  افتتاح معرض “كافا”، الذي شارك فيه الإمبراطور هيلا سلاسي وملكة هولندا جوليان انتباه قادة البلاد إلى التراث وأهميته في تلك المنطقة.

وتعود الآثار الموجودة في المتحف إلى أكثر من 125 عاما، عندما أهدى السلطان أبا جوبر ابن أبا جيفار جميع المقتنيات، وأمر بالحفاظ عليها داخل متحف وطني، وبعد ذلك التوجيه السلطاني تم تجميع كل القطع الأثرية في مكان واحد.

ولاتزال المدينة تحمل الطابع الإسلامي، وآثاره ظاهرة على سكانها، الذين عرفوا الحرف اليدوية منذ القدم، وتفننوا في صناعة الأدوات المنزلية من الخشب، كما تميزوا بصناعة الملابس القطنية والجلدية التقليدية.

ويعمل معظم مشغلي المشاريع الصغيرة في الصناعة بنسبة 31.7%، والتجارة بنسبة 26.8%، والخدمات بنسبة 22%.

ويعتمد النشاط الاقتصادي للمدينة بشكل أساسي على الصناعات والحرف، إلى جانب البناء بنسبة 12.2%، والزراعة الحضرية بنسبة 7.3%.

والمدينة التي نشأت في مطلع القرن التاسع عشر على يد الملك أبا جيفار؛ تشهد نقلة صناعية توجت بافتتاح أكبر مدينة صناعية غربي إثيوبيا.

وغرض المدينة الصناعية توظيف موارد جيما من الجلود، وصناعة الأقمشة القطنية، بهدف تطوير المشغولات اليدوية.

وتشتهر جيما أيضا بالعسل والبن والمواشي والمنتجات الخشبية والمعادن، والمنتجات الزراعية الأخرى.

وتتمتع المدينة بموقع استراتيجي وتجاري مهم فهي تربط بين جنوب وغرب إثيوبيا كما يشجع موقع مدينة جيما المستثمرين الأجانب والمحليين لما تمتلكه من إمكانات هائلة لجذب المستثمرين.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai

16 Comments to “المناطق التاريخية والأثرية والسياحية  في مدينة جيما”

  1. Having read this I believed it was very enlightening. I appreciate you spending some time and effort to put this short article together. I once again find myself spending a significant amount of time both reading and posting comments. But so what, it was still worthwhile!

  2. I blog frequently and I genuinely thank you for your content. This great article has truly peaked my interest. I’m going to bookmark your site and keep checking for new information about once a week. I subscribed to your Feed too.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *