“طالما لا يزال هناك بعض المواطنين من الدرجة الأولى والثانية في دول معينة. طالما أن لون بشرة الرجل ليس له أهمية أكثر من لون عينيه. ما دامت حقوق الإنسان الأساسية غير مضمونة بالتساوي للجميع دون تمييز بسبب العرق حتى يومنا هذا، سيبقى حلم السلام الدائم والمواطنة العالمية وقاعدة الأخلاق الدولية مجرد وهم هارب يلاحقه المرء دون أن يصل”.
في 20 يونيو/حزيران 1936، تردد صدى هذه الكلمات بالجمعية العامة لعصبة الأمم في جنيف، اقترب رجل ضئيل في منتصف العمر من شرق إفريقيا ببطء من المنصة، ممسكًا بحزمة كثيفة من الأوراق، كانت خطواته محسوبة، وتحمل الكثير من التحدي، كان هذا الشخص هو إمبراطور إثيوبيا الأخير هيلا سيلاسي (1892-1975).
لكن بينما فشل في حشد العالم الغربي ضد موسوليني، فإن ظهور سيلاسي في جنيف جعله معروفًا في جميع أنحاء العالم، فحصل على لقب رجل العام لمجلة “تايم”، وأصبح أحد أكثر القادة الأفارقة شهرةً في القرن العشرين، ورجلًا لا يزال يحظى بالاحترام، بل ومعبودًا في أجزاء معينة من العالم اليوم.
بينما ظل العديد من أسلافه الإمبراطوريين منعزلين، كان سيلاسي داعيًا إلى التعاون السياسي أو الاقتصادي بين الدول والأمم، وهو ما أكده لاحقًا بتبنيه لمُثل الوحدة الإفريقية، وفي عام 1963، ساعد سيلاسي في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، وقدم هبةً تتمثل في قطعة أرض لاستضافة المنظمة التي وضع ميثاقها، وأقنع 31 دولة إفريقية مستقلة أخرى بالانضمام بنجاح.
شارك الامبراطور هيلا سيلاسي في عدد من المؤتمرات الإفريقية التي أخذت تدعو إلى الوحدة والتعاون بين أقطار إفريقيا كمؤتمر مونروفيا في ليبيريا عام 1961 ولاجوس عام 1962 والذي انبثق عنه مشروع منظمة إفريقيا، بدأت إرهاصاتها الأولى في اللقاء بين أحمد أحمد سيكو توري رئيس جمهورية غينيا وهيلا سيلاسي عام 1962 والذي أسفر عن عقد مؤتمر أديس أبابا …
يحتفل الاتحاد الأفريقي في 25 مايو الجاري بذكري مرور 60 عاما علي تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، التي كان الهدف منه توحيد الدول الإفريقية تحت لواء منظمة إقليمية للدفاع عن القضايا المشتركة التي تجمع بين هذه الدول جاء تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، خلال مؤتمر أديس أبابا، بعد إقرار رؤساء 30 دولة الميثاق الخاص بها، في 22 مايو 1963، وتم الإعلان عن إنشاء المنظمة رسميًا في 25 مايو 1963، على أن تصبح العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا مقرًا لها.
الامبرطور هيلاسلاسي، الاسم الأصلي تفري مكونن أصبح إمبراطور أثيوبيا فى الفترة من (1930 وحتى 1974) وعمل على حصول أثيوبيا على عضوية عصبة الأمم والأمم المتحدة وجعل أديس أبابا أكبر مركز لمنظمة الوحدة الأفريقية. خلال عدوان إيطاليا على اثيوبيا فى 1935 قاد هيلاسلاسي المقاومة ولكنه فى مايو 14936 أجبر على الذهاب للمنفى ، وطلب المساعدة من عصبة الأمم فى حديث مشهور قدمه للجهات فى جنيف فى 30 يونيو 1936. ولعب سلاسي دورا هاما جداً فى إنشاء منظمة الوحدة الافريقية في 1963.
يقول د. نرمين توفيق : الفكرة دائما تولد في عقولنا، ثم يتحدد ما إن كانت سترى النور وتستمر أو ستزول وتموت على مدى إيمان الأشخاص بها، واتخاذهم الخطوات التي تنقلها من عالم الخيال إلى الحقيقة، وهذا ما حدث مع مجموعة من شباب أفريقيا الطامحين، الذين آمنوا بضرورة تحرير دولهم من يد المحتلين، ليس هذا فحسب بل تكوين منطمة وحدوية تجمع كل الدول الأفريقية تحت غطائها.
فعندما نقرأ هذه العبارة الخالدة والتي قالها الرئيس الغانى «كوامى نيكروما»، أحد أبرز الداعين للوحدة الأفريقية بين أبناء القارة.. وهي «إليكم عنا، فهذه بلادنا، ونحن أصحابها، ونحن جديرون أن نتولاها، لقد ولدنا اليوم، ولكننا ولدنا أقوياء». نرى أنها تعكس نضال الشعوب الأفريقية وما عانته من ظلم دول الاستعمار الغربية.
وحدة أفريقيا قبل نصف قرن كانت بمثابة حلم صعب المنال، لكنه بات واقعا الآن بجهود الآباء الأوائل الذين أخذوا على عاتقهم تحرير دولهم من الاستعمار والحفاظ على سيادتها، ثم فكروا بعد ذلك بتكوين كيان لجمع دول القارة، يستطيعون من خلاله تحقيق التكامل والاندماج.
شهد عام 1958 أولى محاولات لم شمل الدول الأفريقية من خلال اجتماع أكرا (غانا) فى أبريل من نفس العام، بعقد مؤتمر أفريقى وحضرته الدول المستقلة وقتها، منها مصر، وإثيوبيا، وليبيا، والمغرب، وتونس، والسودان، وليبيريا، وكان الغرض من المؤتمر وضع سياسة مشتركة للشئون الخارجية والثقافية والاقتصادية.
وتحقق الحلم بتأسيس «منظمة الوحدة الأفريقية» التى عقدت مؤتمرها الأول فى أديس أبابا عام 1963، حيث اجتمع رؤساء 30 دولة أفريقية وتم إعلان إنشاء المنظمة والاتفاق على فتح عضويتها للدول الأفريقية المستقلة ذات السيادة، كما برز دور مصر فى الحفاظ على روح ميثاق المنظمة منذ أول قمة أفريقية استضافتها على أرضها بعد التأسيس عام 1964.
وأول ما يمكن أن يقال فى هذا الصدد أن هذه المناسبة تعنى للدول الافريقية استشراف المستقبل بعد العبور من مرحلة الاستعمار الأوروبى إلى مرحلة الحرية والإنعتاق من أغلال ذلك الاستعمار وتبوء الدول الإفريقية لمكانها الطبيعى كمجموعة فاعلة فى المنظومة الدولية . ليس هذا فحسب ، ولكن التجمع الإفريقى على مستوى القارة ظل يهدف إلى بلورة المبادئ والمواقف والسياسات التي من شأنها الدفع بعجلة التنمية ومحاربة التخلف الإقتصادى ومظاهره العديدة التي تكفل لشعوب القارة عيشا أفضل فى عالم متضارب المصالح والطموحات. وهكذا كانت الرؤية السياسية الثاقبة لدى الآباء المؤسسين من قادة القارة بإصرارهم على تأسيس المنظمة الإقليمية منذ خمسين عاما برغم عواصف الحرب الباردة وصراع القوتين العظميين وقتها ( المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقى بقيادة الإتحاد السوفيتى). ومن اولئك القادة الأفذاذ كوامى نكروما رئيس غانا وجوليوس نيريرى رئيس تنزانيا وجمال عبد الناصر رئيس مصر واحمد سيكوتورى رئيس غينيا والرئيس الجزائرى احمد بن بيلا وليوبولد سينجور رئيس السنغال وابوبكر تيفاوا بليوا رئيس وزراء نيجريا والإمبراطور الإثيوبى هيلاسلاسى الذى اصبحت بلاده مقرا للمنظمة . السفير احمد عبد الوهاب جبارة الله في احدى مقالاته عن القمة الافريقية
وفى 2002 تحولت «منظمة الوحدة الأفريقية» إلى «الاتحاد الأفريقى» بشكله الحالي، وارتفع الأعضاء من 30 دولة فى 1963 إلى 53 دولة عام 2002..
أهداف المنظمة في تحرير القارة نهائيا من الاستعمار، والارتقاء بالقارة إلى المكانة التي تليق بها على ساحة صنع القرارات الدولية، بالإضافة إلي القضاء على التخلف الاقتصادي تضمنت المنظمة 7 لجان فرعية، وهي لجان “اتحاد اتصالات الوحدة الأفريقية، اتحاد البريد الوحدة الأفريقية، وكالة أخبار الوحدة الأفريقية، اتحاد منظمات الإذاعة والتلفزيون الوطنية الأفريقية، اتحاد السكك الحديدية الأفريقية، المجلس الأعلى للرياضة في أفريقية واللجنة الأفريقية للطيران المدني”. كانت عضويتها مفتوحة للدول الإفريقية المستقلة ذات السيادة، بما فيها الجزر الإفريقية، بشرط الالتزام بسياسة عدم الانحياز، وعدم ممارسة التفرقة العنصرية كان يتم قبول الأعضاء الجدد، بعد قرار الأغلبية المطلقة للدول الأعضاء بالموافقة،
وهذا كله يؤكد أهمية الدور الذى لعبه رموز النضال الأفريقى الذين آمنوا بوحدة القارة وبذلوا جهودهم وفنوا أعمارهم كى يروها واقعا،بالاضافة للامبراطور هيل سلاسي وهم:
«كوامى نيكروما» (1909 ـ 1972 ) (جمال عبدالناصر (1918 ـ 1970) (أحمد سيكوتورى (1922- 198)
الرئيس السنغالى سنجور ( 1906 ـ 2001)
وحلم سنجور بأفريقيا موحدة ، وكان من المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية. وقال فى إحدى قصائده:
غداً.. فى الطريق إلى أوروبا.. أمضى سفيراً
والحنين لبلدى الأسود يغمرنى.
جوليوس نيريرى (1922 ـ 1999)
يعتبر «نيريرى» أحد أكبر رموز وحدة أفريقيا منذ 1963، وكان ينادى دائمًا بشعار الوحدة الإفريقية، وتبنى قضايا القارة ودافع عنها فى كل مختلف المحافل الدولية.
وفي حديثه في حلقة نقاش نظمتها أكاديمية التميز في القيادة الأفريقية ، قال السفير إن أفريقيا بحاجة إلى قطع شوط طويل لتحقيق إفريقيا موحدة ومزدهرة ومتكاملة.
قال وزير الدولة بوزارة الخارجية ، السفير ميسجانو أرغا ، إنه مع احتفالنا بإنجازات أجدادنا ، من المهم المضي قدمًا في رؤيتهم وتجديد التزامنا بإفريقيا أقوى وأكثر تكاملاً وتوحيدًا.أن أجدادنا الشجعان اجتمعوا منذ 60 عامًا لتحقيق الرؤية الأفريقية مع إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية – الاتحاد الأفريقي بهدف التخلص من الاستعمار والفصل العنصري والدفاع عن المبدأ الأساسي المتمثل في السيادة وتقرير المصير.
وقال إنه مع احتفالنا بإنجازاتهم ، من المهم أيضًا أن نواصل رؤيتهم ونجدد التزامنا بإفريقيا أقوى وأكثر تكاملاً وتوحيدًا.
وقال سفير جنوب السودان لدى إثيوبيا ، جيمس مورجان ، إن تشكيل منظمة الوحدة الأفريقية – الاتحاد الأفريقي يهدف بشكل أساسي إلى تحرير القارة التي كانت محتلة ومستعبدة ثم انقسمت فيما بعد.
وأضاف السفير أن الخطوة التالية هي تكامل أفريقيا التي ستكون مزدهرة لجميع مواطنيها.
وقال إن إثيوبيا بذلت جهودا نموذجية للقارة ، مضيفا أن البلاد دفعت ثمنا باهظا للصراع في معظم هذه القارة.
ومن جانبه قال رئيس أكاديمية التميز في القيادة الأفريقية ، مهرت ديبي ، في السعي وراء إفريقيا التي نريدها ، نحن ملزمون بمسؤولية مشتركة لدفع الحدود وتفكيك الحواجز وتمهيد الطريق لجيل المستقبل.
وتحتفل مفوضية الاتحاد الأفريقي بالذكرى السنوية الستين لمنظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي تحت شعار “مستقبلنا أفريقيا”.
وحضر السفراء الأفارقة والأكاديميون والضيوف المدعوون الآخرون حلقة النقاش.
والآن. بعد عقود من جهود الآباء نرى أن وحدة القارة لم تكتمل بشكل نهائى بعد، فالصعوبات التى تواجه الاتحاد الأفريقى حاليا كثيرة، وبات لزاما على الأبناء والأحفاد استكمال طريق الآباء المؤسسين، فالعالم يتجه إلى التكتل والدول القطرية لا تستطيع أن تفعل بمفردها شيئا، لأن الطريق طويل والتحديات أمام التكامل الكلى ليست بالشئ الهين، والأمر يحتاج لإرادة قوية من زعماء القارة لتحقيقه.
طوى النسيان الامبراطور في فترة الحكم الاشتراكي، وعمل نظام الديكتاتور منغستو هيلا مريام على تغييب ذاكرة سيلاسي حتى سقوط نظامه أيضًا عام 1991، ثم بدأت تدريجيًا محاولات لإعادة الاعتبار لسيلاسي لتُتوج عام 2000 بجنازة ضخمة .
واعترافًا بدوره في تأسيس المنظمة الإفريقية التي عقدت أول اجتماع لها في أديس أبابا في مايو/آيار عام 1963، سعت المنظمة التي تحولت إلى الاتحاد الإفريقي عام 2000، إلى إعادته للواجهة من خلال تدشين تمثال لآخر أباطرة إثيوبيا في مقر المنظمة في فبراير/ 2019. إسراء سيد -صحفية وباحثة