العلاقات الجزائرية الإثيوبية علاقات أخوية وعميقة في التاريخ

 

عمر حاجي

 

أديس أبابا (العلم): إن الاتفاقيات التجارية المختلفة التي تم إبرامها في وقت سابق بين إثيوبيا والجزائر يمكن تفعيلها من أجل شراكة متجددة في قطاع التجارة، كما أن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي تم إطلاقها مؤخرا توفر فرصة كبيرة لكلا البلدين لتعزيز علاقاتهما التجارية والاستثمارية وغيرها.

وفي حوار مع صحيفة “العلم” قال السفير صالح ألحمدي سفير الجزائر لدى إثيوبيا وجيبوتي والممثل الدائم لدى الإتحاد الإفريقي، واللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة إن الجزائر وإثيوبيا يتمتعان بعلاقات قديمة جدا، وبعلاقات أخوة وصداقة ومودة واحترام متبادل. إننا نتشاطر نفس الرؤى في القضايا التي تهم بلدينا على المستوى القاري، وعلى المستوى الإقليمي. ولنا أيضا علاقات تاريخية عميقة تعود للحقبة الاستعمارية أي ساند الإخوة الإثيوبيين ثورة الجزائر التحررية ضد الاستعمار الفرنسي.

“نحن نتذكر الخطب التي كان يلقيها جلالة الإمبراطور هيل سلاسي، من منبر الأمم المتحدة وهو يدافع عن مواقف الشعوب الإفريقية، وسعيها للاستقلال من الاستعمار. ولابد من الإشارة إلى أن علاقاتنا السياسية لم تقتصر على الدور الذي قام به االإمبراطور” هيل سيلاسي” فقط، وإنما الجزائر أيضا قامت بدورٍ هام وفعال لما توسطت بين إثيوبيا وإريتريا لحل النزاع الذي كان قائما بينهما والذي توج بالتوقيع على معاهدة السلام، وتم تجسيدها بعد أن وصل دولة السيد آبي أحمد لرئاسة الوزراء، أي التي تم الإعلان عن سلام دائم وشامل سمح بتبادل الوفود الرسمية وفتح المقار والبعثات الدبلوماسية بالإضافة إلى الأجواء أمام حركات التنقل والطيران. هذا الفضل يعود للدور الإستراتيجي الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية الحكيمة والذي مكننا من تطوير علاقاتنا”.

واضاف انه بعد استقلال الجزائر عام 1962، وخاصة بعد افتتاح السفارة الجزائرية في أديس أبابا في عام 1976، عزز البلدان بشكل مطرد العلاقة القائمة على المصالح المشتركة بينهما. وقال ان هذه العلاقة مستمرة إلى يومنا هذا وتتصف بكثافة المشاورات واللقاءات المبنية على أسس تبادل الآراء والأفكار والتنسيق في كل الميادين. ونحن مسرورين ومفتخرين جدا بعلاقتنا مع إثيوبيا. وعملنا وشغلنا الشاغل هو أن نستمر في تطوير العلاقات واللقاءات الدائمة عبر التنسيق وتنسيق الرؤى

وقال إن العلاقة الجزائرية الإثيوبية كما قلت، تعود إلى ما قبل الاستقلال حيث كانت لدينا اتصالات مع الإخوة الإثيوبيين والمناضلين الجزائريين والسلطات السياسية الإثيوبية آن ذلك، وقدم إخوتنا الإثيوبيون دعما سياسيا ودبلوماسيا لثورتنا وقضيتنا. وبعد الاستقلال باشرنا في إنشاء وتوطيد العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين. وهكذا كان الرئيس المرحوم أحمد بن بلا أول رئيس للجمهورية الجزائرية يحضر القمة الأولى التي عقدت في أديس أبابا لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية في مايو 1963. من جهة أخرى، وبعد شهور شنت المغرب اعتداءا على أراضينا الغربية الجنوبية فيما سمي آنذاك بـ”حرب الرمال”  مما دفع جلالة الإمبراطور هيل سيلاسي إلى التدخل لفك الاشتباك وتمكن من التوصل مع الطرفين إلى وقف لإطلاق النار، وتوقيع اتفاقية سلام بين البلدين. وهذا التدخل الإثيوبي لإيقاف حرب الرمال 1963، ولمنع مزيد من إراقة للدماء لن تنساه الجزائر أبدا

“لما شبت الحرب بين إثيوبيا وإريتريا في سنة 1999 تدخلت آنذاك الجزائر بصفتها رئيسة الإتحاد الإفريقي، وكانت وسيطة بين الطرفين، وتمكنا بفضل الدبلوماسية الحكيمة التي تنتهجها الجزائر في وساطتها إلى إقناع الطرفين حينها لتوقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار بين الدولتين “إثيوبيا وإريتريا” وتوصلنا بعدها إلى اتفاق سلام شامل بما يعرف باتفاق الجزائر يوليو 2000، بحضور كل من الوزير الأول الراحل ملس زيناوي والرئيس الحالي لإريتريا إسياس أفورقي”.

واضاف :” نحن في حقيقة الأمر نعمل على تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين بلدينا ونسعى لترقيته إلى مستوى التعاون السياسي، وعلاقاتنا التاريخية. وللأسف إلى حد الآن لم تسمح الظروف وذلك بسبب بعد المسافة بين البلدين وانعدام المنشئات القاعدية مثل الطيران والوسائل الأخرى التي يمكن أن نقوي ونطور من خلالها العلاقات التجارية والاقتصادية. ولكن آمالنا كبير من خلال اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية أن نصل إلى الغرض المنشود. ونحن نشتغل مع سفارتكم في الجزائر ومع الهيئات المختصة إلى تعزيز هذا الأمر والاستفادة من هذه الاتفاقية لكي نتمكن من تصدير منتجاتنا إلى إثيوبيا ولكي تتمكن إثيوبيا أيضا من تسويق منتجاتها في الجزائر”.

واشار الي انه تم أنشاء لجنة وزارية مشتركة في عام 2013 مختصة في مجال التعاون التجاري والصناعي والاقتصادي والثقافي. وعقد  أربع جولات مشتركة بالتناوب بين عاصمتي الجزائر وإثيوبيا.

وقال السفير انه تم توقيع اتفاقية بين حكومتي الجزائر وإثيوبيا لتعزيز وحماية الاستثمارات المتبادلة، ولتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدولتين وخلق ظروف مواتية لاستثمارات من قبل مستثمري الطرفين، كما تسهل الإجراءات وتدفع المستثمرين للقيام بمبادرات الأعمال وعلى وجه الخصوص لزيادة تدفقات رأس المال ونقل التكنولوجيا بين الطرفين من أجل المصلحة المشتركة، والتنمية الاقتصادية؛ وتجنب الازدواج الضريبي.

“لدينا مجالات عديدة في القطاعات التجارية المختلفة، من بينها قطاع الصيدلة حيث ننتج كمية كبيرة من الأدوية، ونغطي ما نسبته 60% من احتياجات المواطنين الجزائريين في هذا القطاع. ولدينا رغبة أن نتعاون ونشترك مع الإخوة الإثيوبيين لكي نتمكن من تصدير كمية كبيرة من الأدوية الفائضة للأسواق الإثيوبية. بالإضافة إلى مواد الأغذية الصناعية من المربيات والطماطم، والحلويات، والعجائن وغيرها. وهناك رغبة من استيراد المواد المنتجة في إثيوبيا، مثل الفواكه والبن وغيرها التي تنتج في إثيوبيا”.

واضاف سعادة السفير: “أنا أود أن أعزز وأطور العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية بين البلدين، وأوصلها إلى مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية القوية. وأنا ممنون، وفخور جدا عندما أتجول في الأسواق الإثيوبية، وأجد المنتجات الجزائرية فيها، على سبيل المثال، عندنا تمور ذات جودة عالية معروفة لدى العالم، ويميل الشعب الإثيوبي إلى التمور، وخصوصا خلال شهر رمضان المبارك“.

وقال السفير إن الظروف في إثيوبيا حسنة ومهيأة خاصة أن البلد ينعم حاليا بالأمان والاستقرار. ونحن سنوصل رسالة لرجال الأعمال الجزائريين مفادها أن ظروف الاستثمار مواتية ومهيأة للاستثمار. والإصلاح الاقتصادي المستمر قد أتاح أيضًا فرصًا استثمارية جديدة للمشاريع المشتركة التي أقرتها الحكومة الإثيوبية. كما فتحت الحكومة الأبواب أمام المستثمرين الدوليين للانضمام إلى القطاعات الاستثمارية الجديدة مثل السكر والاتصالات والسكك الحديدية، والمجمعات الصناعية، وغيرها من المشاريع.

“إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي انتهجها دولة رئيس الوزراء السيد أبي أحمد بعد وصوله للسلطة والتسهيلات التي تقدمها الحكومة الإثيوبية للمستثمرين المحليين والأجانب، يعتبر الموقع الجغرافي والاستراتيجي لإثيوبيا على مفترق طرق أفريقيا، والشرق الأوسط من أهم العوامل التي سمحت لها بأن تكون الوجهة المفضلة للاستثمار الأجنبي المباشر”.

واضاف ان أن العديد من رجال الأعمال الجزائريين أبدو رغبتهم في الاستثمار في مجال الاتصالات، والطاقة المتجددة، المنتجات الغذائية، والسيراميك والمنتجات الصحية وصناعة الأنابيب والبنية التحتية، والمنتجات النفطية والأدوية، ونحن في انتظار انعقاد اجتماع كبار المستثمرين بين البلدين والمنتدى الاقتصادي على هامش انعقاد اللجنة المشتركة بين البلدين لدراسة هذه الشراكة.

وقال سعادة السفير ان هناك تشابه كبير بين ثقافة البلدين، فعناصر التشابه لا حصر لها خاصة كون البلدين ينتميان لنفس القارة، بالإضافة إلى عامل الدين الإسلامي الذي يجمع العديد من التقاليد والأعراف المشتركة. أن مدينة “هرر” على سبيل المثال هي رابع مكان مقدس للديانة الإسلامية، وأن المواطنين من بلدنا يزورون هذه المنطقة. أما فيما يتعلق بالثقافة فهي إفريقية بحتة تجمعنا بالطبع أوجه شبه كبيرة خاصة فيما يتعلق بالغناء والرقص والشعر واللباس ومجالات أخرى، خاصة في المناطق الجزائرية القريبة إلى المناطق الجنوبية، فيه تقارب ثقافي منذ آلاف السنين، حيث إن الشعوب تتخالط مع بعضها البعض عبر التاريخ، وترى ذلك عبر التكلم والتصرف والمعتقدات الدينية وغيرها والذي نسعى لتعزيزه.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *