سَدُّ النَّهْضَةِ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَشْرُوعٍ، بَلْ هُوَ رَمْزٌ للتكامل الاقليمي

 

عربو موحي

 

في حوار حصري مع صحيفة «العلم»، وضع محمد العروسي، عضو البرلمان الإثيوبي ومستشار وزير المياه والطاقة، خارطة كاملة للرؤية الإثيوبية تجاه مياه النيل، والسجالات الدبلوماسية التي تخوضها إثيوبيا مع دول الجوار والإقليم، في ظل تعقد المشهد الجيوسياسي للقرن الإفريقي.

وقال أن “سد النهضة هو إعلان عن استقلال القرار الإثيوبي”، واشار الي أن الجدل الدائر حول الاتفاقيات القديمة “لم يعد صالحًا في ظل النظام الدولي الجديد”.

واضاف:”الاتفاقيات التي يتحدثون عنها – كاتفاقية 1929 أو 1959 – لم نكن طرفًا فيها. كيف يُفرض علينا احترام اتفاقات لم نوقّعها؟ هل يعقل أن تحكمنا معاهدات وُضعت في زمن الاحتلال الأوروبي؟ هذا منطق تجاوزهالزمن”.

وأوضح العروسي أن إثيوبيا كانت منفتحة على التفاوض دائمًا، لكنها كانت تصطدم بـ”مواقف متشددة” من الجانب المصري والسوداني أحيانًا، وهو ما حال دون الوصول إلى اتفاق نهائي، على حد قوله.

و في لقاءٍ خاصٍّ مع صحيفة “العلم” قال الصحفي والباحث في العلاقات الإثيوبية العربية ونائب رئيس قناة ملوك النيل زَّاهِدِ زيدان الهَرَرِي،  إن “المعركة الحقيقية اليوم هي معركة وعي وسيادة إعلامية”. وأوضح أن إثيوبيا ليست فقط أمام تحدي بناء السد، بل أمام تحدٍ أكبر يتمثل في “بناء سردية وطنية تقاوم الضغوط الخارجية، والتشويه الإعلامي، والتدخلات الناعمة”.

و بحسب زاهد  فإن الخطاب العربي – وخصوصًا في بعض الفضائيات الخليجية والمصرية – يقدم صورة مغلوطة عن إثيوبيا، وكأنها دولة عدوانية تسعى لحجز المياه. وأضاف: “نحن لا نحتجز الماء، بل نولد الكهرباء. لا نمنع النيل من الوصول إلى أحد، بل نمنع الفقر من الوصول إلى أطفالنا.”

واعتبر زاهد زيدان أن إثيوبيا تعيش اليوم لحظة تأسيس حاسمة، وأن السد ليس نهاية الطريق بل بدايته. “نحتاج إلى حماية المنجزات إعلاميًا، بقدر ما نحتاج إلى حمايتها عسكريًا واقتصاديًا”.

كما دعا إلى تعزيز الإعلام الإفريقي وتطويره لمواجهة الهيمنة الغربية والعربية على السردية الإخبارية في القرن الإفريقي، مؤكدًا أن “من لا يروي قصته، سيُروى له ما ليس فيه”.

واضاف ان سد النهضة ليس فقط منشأة عملاقة من الخرسانة، بل هو مرآة تعكس تاريخًا معقدًا من الاستعمار، والنضال، والصراع، والتطلعات.

وقال إنه امتحان حقيقي لإثيوبيا: هل تستطيع أن تبني مشروعًا تنمويًا عابرًا للأزمات؟ وهل تنجح في تحويل مشروع قومي إلى رافعة للوحدة الوطنية والتنمية المستدامة؟

و بعيدًا عن السجالات السياسية، ظل السد أحد رموز التحول الاقتصادي في إثيوبيا. إذ تراهن الحكومة على أن مشروعًا كهذا – بقدرة تفوق 6000 ميغاواط – سيُحدث قفزة نوعية في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات. ويأمل المسؤولون في أن يصبح البلد أحد مُصدّري الطاقة لدول الجوار مثل السودان، كينيا، جيبوتي وحتى إريتريا.

لقد ساهم السد فعلاً في رفع حصة الطاقة المتوفرة لكن الأهم من كل ذلك، هو أن مستقبل حوض النيل – كما يشير كثير من المراقبين – لا يمكن أن يُبنى على منطق الغلبة أو الحصص المجمدة، بل على منطق المصير المشترك. وإذا كان السد قد شق طريقًا جديدًا لإثيوبيا، فإن الجسر الحقيقي ما يزال ينتظر تشييده بين شعوب النهر.

 

 

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai