سمراي كحساي
صادقت حكومة جنوب السودان الاسبوع الماضي على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل والمعروفة باسم اتفاقية عنتيبي، ومع تصديق جوبا اكتمل النصاب القانوني للبدء بإجراءات تأسيس المفوضية بعد 60 يوما من إيداع وثائق التصديق لدى الاتحاد الأفريقي.
وكانت 5 دول قد وقعت على اتفاقية عنتيبي هي إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي. ويشترط الجزء الثالث من الاتفاقية تصديق برلمانات ست دول على الأقل، لتأسيس المفوضية التي سيكون مقرها الدائم في أوغندا.
وفي هذا الاطار قال الكاتب والباحث في شؤون القرن الأفريقي هاشم علي حامد محمد ان التفاوض حول قضية مياه النيل كمسار قادته إثيوبيا بشعار التعاون بين دول حوض النيل، وذلك قبل الشروع في بناء سد النهضة.
واضاف انه في نهاية عقد التسعينيات بدأ نشاط كبير لدول الحوض بدوافع “الحقوق المائية” في ظل ما تراه بعض دول المنبع من “احتكارية دولتي المصب للحصص المائية”، وحاجتها هي الأخرى الملحة إلى المياه، وعقدت الاجتماعات في بدايتها لأجل وضع آلية مشتركة للتعاون.
وقال انه بعد مشاورات دول الحوض جرى في فبراير (شباط) 1999 التوقيع على اتفاق عرف بـ “مبادرة حوض النيل” في تنزانيا من قبل كل دول الحوض الـ 11، بما في ذلك مصر والسودان باستثناء إريتريا، والذي يعتبر أن “مبادرة حوض النيل” فرضت واقعاً جديداً.
ومثلت الاجتماعات المتعاقبة بعد ذلك عزيمة حقيقية لدول المنبع، وفرضت المبادرة مبادئ عامة كحق الانتفاع المناسب من المياه لجميع الدول، والتزام كل دولة بعدم التسبب في ضرر جسيم لغيرها من دول الحوض، إلا أنها لم تتطرق لأي من الاتفاقات السابقة المتعلقة بالنيل والحصص المائية المعروفة.
وحققت المبادرة نجاح الأطراف في إنشاء أمانة للنيل مقرها عنتيبي، إضافة إلى عدد من المكاتب الإقليمية في كل من أديس أبابا وكيغالي برواندا، وانبثقت عنها أنشطة تمويلية لبعض المشاريع من صندوق المانحين الذي تم تأسيسه.
وأصبحت جنوب السودان الدولة السادسة بعد إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي التي تُقرّ بالاتفاقية، مما يُتيح المجال لتأسيس “مفوضية حوض النيل” خلال 60 يوما.ويعتبر تأسيس المفوضية خطوة كبيرة في مسار تنفيذ اتفاقية عنتيبي التي ظلت متعثرة طوال 14 عاما.
وتتمثل أهمية “مفوضية حوض النيل” بأنها ستكون الجهة المسؤولة قانونيا عن جميع الحقوق والالتزامات الخاصة بمبادرة حوض النيل، كما سيتمثل دورها في تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء لإدارة الموارد المائية بشكل مستدام وعادل، بعيدا عن نظام الحصص المائية السائد سابقا.
و مصادقة جنوب السودان على الاتفاقية تمثل خطوة مهمة توفر أساسًا قانونيًا لإدارة الموارد المائية في دول حوض النيل، مما يعود بالنفع على شعوب المنطقة.
واتفاقية عنتيبي هي اتفاقية تفاوضية بين جميع دول الحوض، تتبع المعايير والإجراءات الدولية، وتضمنت المبادئ والقوانين الدولية المقبولة.وأكد أن الاتفاقية الإطارية التعاونية ستحظى بمستوى أعلى من القبول على المستوى الدولي، مما يوفر أساسًا جيدًا لاستخدام موارد المياه بشكل عادل ومعقول في المستقبل.
كما أن الاتفاقية الحالية تنهي بقايا الاستعمار، التي تُنكر وجود دول المنبع، وخاصة إثيوبيا، كدولة ذات سيادة.
و دخول الاتفاقية الإطارية التعاونية حيز التنفيذ يساهم في زوال بقايا الاستعمار، ويجب أن تعمل دول حوض النيل بجدية لضمان تنفيذها.
وإثيوبيا لم تكن الدولة الأولى التي وقعت وأقرّت بالاتفاقية فحسب، بل شجعت ودعمت أيضًا دول المنبع، بما في ذلك جنوب السودان، دبلوماسيًا وفنيًا للتصديق على الاتفاقية.
و يتعين على إثيوبيا الآن أن تترك الخطوات المتبقية لتحقيق إنشاء اللجنة وتنفيذها للاتفاق، علاوة على ذلك، من المهم تشجيع الدول المتبقية على التوقيع والتصديق على الاتفاقية.
ومن جانبه قال المحلل السياسي موسى شيخو إن “العلاقات المصرية – الأفريقية شهدت فترة إهمال، ويبدو أن دولتي المصب مصر والسودان لم تنتبها في البداية إلى أن فكرة دول حوض النيل تتجه نحو إلغاء ما تعتبره الدولتان حصصهما التاريخية في نهر النيل”، مضيفاً أنه “ومنذ انطلاق أول نشاط لدول حوض النيل خلال تسعينيات القرن الماضي تسلسلت الأحداث في مبادرة حوض النيل والتي تطورت إلى ولادة الاتفاق الإطاري، ليصل الأمر أخيراً إلى إجازة دولة جنوب السودان الاتفاق الذي ينص على إعادة توزيع نهر النيل بصورة عادلة ومنصفة لكل أعضاء دول الحوض الـ11”.
ويقول، “على رغم أن الاتفاق لم توقع عليه إلا خمس دول فقط من أصل 11 منذ عام 2010، فقد ظلت تشكل هاجساً وتثير مخاوف دولتي المصب مصر والسودان، إلى أن انضمت جوبا لتكون سادس دولة تصادق على الاتفاق الذي بموجبه قد ينشأ ما يسمى بمفوضية حوض النيل لتعيد توزيع حصته بصورة متساوية بين الجميع”.
ويوضح أنه “في الحقيقة إثيوبيا تحتفل بانتصار دبلوماسيتها وحضورها القوي على رغم التحديات الداخلية التي تمر بها، ومع ذلك ترى أديس أبابا أن مفاوضات سد النهضة في حيثيات التطورات الأخيرة ضرورة لا بد منها”.
ويتابع، “إثيوبيا ومع اكتمال نصاب الاتفاق الإطاري بعد مصادقة جنوب السودان عليه وسريانه قانونياً، حريصة على وحدة دول النيل وتعاونها لتحقيق مكاسب ومصالح للأعضاء كافة، وقد صرح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن الإنجاز الدبلوماسي خطوة مهمة في تطلعاتنا الجماعية للتعاون الإقليمي في حوض النيل”.
ويوضح شيخو أن “أهداف إثيوبيا في كل الأحوال تتمثل في التكامل الاقتصادي والأمني والسياسي بين دول المنطقة، بما فيها مصر والسودان”، مشدداً على أهمية “عودة مصر والسودان للمفاوضات قبل انضمام جميع دول حوض النيل للاتفاق”.
اثيوبيا تحرر النيل من الاتفاقيات الاستعمارية
ومن ناحيته وصف ياسين احمد رئيس المعهد الاثيوبي للدبلوماسية الشعبية مصادقة برلمان جنوب السودان على الاتفاقية المعروفة اختصارًا بعنتبي بانها خطوة تاريخية وانه بموجب اتفاقية عنتبي يتم إنهاء وإلغاء فكرة الحقوق التاريخية المكتسبة التي تنادي بها مصر.
واضاف ان أثيوبيا نجحت مع بقية دول حوض النيل الموقعة على إتفاقية عنتيبي في تحرير مياه نهر النيل من الاتفاقيات الاستعمارية الجائرة وبهذا يتم نسف (الحقوق التاريخية المكتسبة) التى كانت تتشبث بها مصر، ويكون البديل هو الاستخدام العادل والمنصف والمعقول والذي ينسجم مع اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية (بالإنجليزية: Convention on the Law of Non-Navigational Uses of International Watercourses) هي وثيقة أقرتها الأمم المتحدة في 21 مايو 1997 تتعلق باستخدامات والحفاظ على كل المياه العابرة للحدود الدولية، بما فيها المياه السطحية والمياه الجوفية.
واشار ياسين الي انه بموجب مصادقة الدول الستة على اتفاقية عنتيبي سيتم إنشاء مفوضية لدول حوض النيل التى ستقرر في تقاسم مياه النيل على أساس مبدا العدل والمساواة والانصاف والمعقول لتعزيز الأمن المائي الإقليمي لكل دول حوض النيل من المنبع الى المصب.
وقال ان المصادقة على إتفاقية عنتيبي من قبل الدول الستة اسدلت الستار على صراع الدبلوماسية المائية بين دول المنبع بقيادة أثيوبيا ودول المصب بقيادة مصر.
واضاف ان دول منبع النيل نجحت بقيادة أثيوبيا بعد اكثر من عقدين في تحرير مياه نهر النيل من الاتفاقيات الاستعمارية الجائرة التى كانت تخدم مصالح دولتي المصب السودان و مصر اللتان كانتا تخضعان للاستعمار البريطاني وان إتفاقية عنتيبي تعتبر انتصارا لمسيرة التحرر الأفريقي من الاتفاقيات الاستعمارية.
واشار ياسين الي ان سد النهضة يعتبر ثمرة من ثمار إتفاقية عنتيبي الذي غير الواقع الجيوسياسي لدول منبع النيل ونقلها من الهامش الى المركزية لنهر النيل و أنهت احتكار مصر لمياه النيل لقرون.
وقال انه بطبيعة الحال ظل سد النهضة يخلق واقعا جيوسياسيا جديدا تغير معه مفهوم الأمن القومي التقليدي الخاص لكل من مصر والسودان الى المفهوم الأمن المائي الإقليمي العام ، بحكم ان نهر النيل هو نهر إقليمي ويفرض على كل دول حوض النيل حتمية للتعاون الإقليمي لحماية الامن المائي والاستفادة القصوي من الموارد المائية.
واضاف ان دول حوض النيل الأخرى ليس لديها حاجات مائية تؤثر في حصة السودان ومصر من مياه النيل لأن حاجات دول البحيرات الاستوائية، وهي كينيا وتنزانيا ويوغندا وبروندي ورواندا، للمياه ضعيفة ومحدودة جداً، إضافة إلى أن هذه الدول تتميز بطقس ماطر كما أن أراضيها الزراعية صغيرة.
وتتشارك 11 دولة في نهر النيل، الذي يجري لمسافة 6 آلاف و650 كيلومترا وهي: بوروندي ورواندا والكونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا وتنزانيا وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان والسودان ومصر.
وفي 22 فبراير 1999، جرى الإعلان رسميا في تنزانيا عن مبادرة حوض النيل، إثر توقيع وزراء مياه على محضر اجتماع أسّس لقيام هذه المبادرة التنموية.
وهدفت المبادرة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، عبر الانتفاع المنصف بموارد النيل المشتركة، والتوصّل إلى اتفاقية تؤطّر هذا الهدف وتشمل كل دول الحوض.
ويعتبر تأسيس المفوضية خطوة كبيرة في مسار تنفيذ اتفاقية عنتيبي التي ظلت متعثرة طوال 14 عاما.
وتتمثل أهمية المفوضية بأنها ستكون الجهة المسؤولة قانونيا عن جميع الحقوق والالتزامات الخاصة بمبادرة حوض النيل، والتواصل مع كافة الجهات المسؤولة.
كما سيتمثل دورها في تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء لإدارة الموارد المائية بشكل مستدام وعادل، بعيدا عن نظام الحصص المائية السائد سابقا.