جوهر أحمد

جذبت التطورات الاقتصادية والسياسية الأخيرة في إثيوبيا اهتمام الدول في جميع أنحاء العالم. لقد شهدت البلاد قفزة كبيرة في الأنشطة الاقتصادية والسياسية والدولية خلال العام الماضي، وكان العام الإثيوبي 2015 بمثابة نقطة محورية في مسار النمو في البلاد. وشهد العام معالم مهمة، بما في ذلك انضمام إثيوبيا إلى كتلة البريكس والإعلان عن الملء الرابع لسد النهضة الإثيوبي الكبير.
ونفذت الحكومة الإثيوبية سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي ساهمت في النمو الاقتصادي المثير للإعجاب في البلاد في السنوات الأخيرة. وقد أعطت الحكومة الأولوية لتطوير القطاعات الرئيسية مثل الزراعة والتصنيع والبنية التحتية، والتي كانت حاسمة للتنمية السريعة في البلاد.
و ستفتح عضوية إثيوبيا في كتلة البريكس فرصا جديدة للتجارة والاستثمار، والتي من المتوقع أن تزيد من تعزيز النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية، خطت إثيوبيا أيضًا خطوات كبيرة في التنمية السياسية.
وأن قبول إثيوبيا في كتلة البريكس يدل على براعة البلاد الاقتصادية المتنامية وقدرتها على أن تصبح عملاقًا اقتصاديًا إقليميًا. وهذا الاعتراف يضع إثيوبيا في نفس فئة القوى الاقتصادية الناشئة الأخرى مثل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. يعد قبول إثيوبيا في هذا التجمع خطوة مهمة نحو التعاون الاقتصادي والتعاون مع هذه الدول مما يؤدي إلى فرص النمو والتنمية المتبادلين.
يعد الملء الرابع لسد النهضة”أباي” خطوة حاسمة نحو تحقيق هذا الهدف ويدل على التزام إثيوبيا بتلبية احتياجاتها من الطاقة واحتياجات الدول المجاورة. وكان سد النهضة مصدرا للجدل بين إثيوبيا ومصر. وقد حظيت هذه القضية أيضًا باهتمام دولي، حيث ساهمت دول ومنظمات مختلفة في هذا الشأن.
وأن سد النهضة”اباي” ليس فقط رمزا لتطلعات إثيوبيا لأمن الطاقة والنمو الاقتصادي ولكن أيضا لتصميمها على تأكيد سيادتها والسعي لتحقيق مصالحها الوطنية. ونتيجة لذلك، كان موقف إثيوبيا بشأن هذه القضية ثابتا، وقد أعربت البلاد عن استعدادها للدفاع عن حقها في تحقيق أهدافها التنموية.
وتشهد إثيوبيا تصاعدا سريعا في الحركات الاقتصادية والسياسية والدولية، وخاصة في العام الإثيوبي 2015 الذي انتهى للتو. وقد حظيت الأحداث الكبرى مثل قبول إثيوبيا في كتلة البريكس والإعلان عن الملء الرابع لسد النهضة”أباي”بالتناول في وسائل الإعلام الدولية بشكل كبير.
وليس هذا فحسب بل أن موقف بلاده يتماشى مع موقف الاتحاد الإفريقي الداعي لتمثيل عادل في مجلس الأمن الدولي وزيادة عدد أعضائه.جاء ذلك في اجتماع تشاوري غير رسمي نظمه المستشار الألماني اولاف شولتز، ضم الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أفريقيا، وعدد قليل من البلدان المهتمة بإصلاح الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.
وجرى خلال الإجتماع الذي عقد على هامش أعمال قمة الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تبادل وجهات النظر حول قضايا التنمية العالمية الحالية، وإصلاح الأمم المتحدة.وقال نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية إثيوبيا، أن إصلاح مجلس الأمن الدولي مسألة طال انتظارها، داعيا إلى التمثيل العادل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.وأكد ، على أهمية إصلاح المؤسسات المالية الدولية في ظل الطلب الهائل الذي لم تتم تلبيته على تمويل التنمية بسبب الطبيعة غير المستجيبة للوضع الراهن.
و لايغيب عن البال أن بناء مشروع سد النهضة “اباي” بدأ بقيمة تزيد عن 4 مليارات دولار في عام 2011، وتعتبره إثيوبيا حاسما لتنميتها الاقتصادية. ولن يقتصر السد على دعم نمو البلاد فحسب، بل سيمكن أيضًا من زيادة تغطية الكهرباء وتصديره إلى الدول المجاورة. بالإضافة إلى ذلك، سيسهل السد الحماية من الفيضانات والري والتحكم في الرواسب والملاحة.
وبمجرد اكتماله، سيكون سد النهضة أكبر سد في أفريقيا، حيث يبلغ طوله 1800 متر وارتفاعه 155 مترًا وحجمه الإجمالي 10.4 مليون متر مكعب. وسيغطي خزانه مساحة 1875 كيلومترا مربعا وسيحتوي على 74 مليار متر مكعب من المياه. ومع ذلك، فإن بناء السد كان موضوع نقاش بين إثيوبيا ودول المصب.
وفي هذاالسياق قال المهندس كفلي هورو، مدير مشروع السد، إن إثيوبيا بدأت البناء في وادي جوبا منذ 12 عامًا، ووصلت نسبة التقدم الإجمالية إلى 93%. تم الانتهاء من الأعمال المدنية بنسبة 98% تقريبًا، كما تم الانتهاء من بناء سد السرج.
وبإنجازسد السرج، ارتفع ارتفاع السد إلى نحو 645 مترا، وزادت قدرته على توليد الطاقة إلى 5150 ميغاواط، ووسعت طاقته التخزينية للمياه إلى 74 مليار متر مكعب، بحسب المهندس كفلي.وأضاف المهندس كفلي هورو أنه يجري حاليًا إنشاء خمسة توربينات إضافية وستبدأ في توليد الطاقة في الفترة 2023/24.
وفيما يتعلق بالإعلان الأخير عن الملء الرابع ، لا بد من التوضيح أن كلمة “نهائي” لا تعني أن السد لن يمتلئ مرة أخرى حيث أوضح السيدهبتامو إتيفا وزير المياه والطاقة، عبر وسائل إعلام محلية، أن مصطلح “النهائي” يستخدم لأن جولات التعبئة الأربع تتطلب كمية كبيرة من المياه. ونجح السد في الاحتفاظ بالكمية المطلوبة من المياه في هذه الجولات الأربع وسيستمر البناء أيضا.
وعلى الرغم من العقبات والضغوطات العديدة تمضي إثيوبيا قدما في جدول أعمالها الطموح وفي نفس الوقت تظل ملتزمة بتسخير إمكاناتها لصالح شعبها والمنطقة. ويمثل استكمال الملء الرابع لسد النهضة”أباي” وإعلان قبول إثيوبيا في مجموعة البريكس معالم هامة في مسيرة إثيوبيا نحو التنمية المستدامة. وعلى الرغم من التحديات والخلافات التي نشأت بخصوص سد النهضة”اباي”، فإن تصميم إثيوبيا على التغلب على هذه العقبات والظهور كلاعب عالمي لا يزال ثابتا. ومن خلال الدبلوماسية الدقيقة، والشراكات الاستراتيجية، والرؤية الواضحة للمستقبل، تستعد إثيوبيا لإحداث تأثير دائم على المسرح العالمي.
ولا شك أن سعي إثيوبيا للمضي قدما في جدول أعمالها الطموح لا يزال ثابتا في التزامها باستغلال إمكاناتها لصالح شعبها وشعوب المنطقة. ويدل هذا بوضوح على عزم إثيوبيا استكمال سد النهضة “أباي” لتحقيق التنمية المستديمة وتوفير الطاقة الكهربائية لمواطنيها .