من مسح النعال إلى مستثمر!!

عمر حاجي

إن نهضة الأمم تتوقف كثيرا على إظهار القدوات الصالحة، وكثرة النماذج الطيبة، وإحياء تاريخ الأماجد من أبنائها وعلمائها، وتوجيه الشباب الناشئة وأبناء البلاد على اختيار الأماثل وأصحاب الهمم العالية والمنجزات الرائعة وتحريضهم على اتخاذهم قدوة ونموذجا في هذه الحياة، وفي الصدد تعرض صحيفة (العلم) لقرائها مقابلة أجرت مع شاب اسمه، أبرهام غمو المعروف بـ “يشالال وصاحب فندق يشالال ذات أربع نجوم, الذي تغلب بالصبر والمثابرة على التحديات التي واجهته، وبدأ من مسح النعل إلى أن أصبح مستثمرا في داخل البلاد بدون الهجرة إلى الخارج. وإليكم نص الحوار:-

العلم: أولا، اسمك ونبذة تاريخية عن مسيرة حياتك؟

السيد أبرهام غمو، المعروف بـ “يشالال” أنا ولدت وعشت في منطقة كمباتا طنبارو سابقا، وأعيش في الوقت الحالي بإقليم وسط إثيوبيا بمنطقة حلابا بمدينة شانشيغو، وفي تلك الوقت تم إنضمام المكان الذي ولدت فيه ضمن المدن من أجل توسيع المدن، كما أنه لم يكن لدينا أرض للزراعة. وقد ورثت من أبي العمل. ولدعم أسرتي ونفسي على الدراسة، كنت أعمل على مسح النعل في المدينة التي نحن فيها ” شانشيغو”. وفي عام 1991 بالتقويم الإثيوبي كانت هناك (World Vision Ethiopia)، وبدأت أنشطة تدرب العاملين على مسح النعل حول الجلود ومنتجاتها.

ومن هذا المنطلق كنا حوالي 10 من الشباب وقمنا بتشكيل أنفسنا، وتدربنا بواسطة هذه المنظمة لمدة أربعة أشهر في مدينة مدولا التي تقع على 40 كيلومتر من هنا، وبعد أن أخذنا التدريب بدأنا الأنشطة في مدينة شانشيغو لستة أشهر، وبما أنه ليس لدينا رأسمال كاف لتوفير المواد الخام اتفقنا على ضرورة الإنفراق، واما أسرتي قد وعدتني على دعم الأعمال ومتابعة الدراسة، توجهت بأخذ (معرفتي في ذهني ولبسي في شانطتي) إلى مدينة حواسا، ولما وصلت هناك لم أجد أحدا أعرفه، واستأجروني بـ 6 – 12بر في الشهر لمدة سنة كاملة في سوق صغير لإصلاح النعل، وجمعت خلال السنة 1950 بر. وفتح سوق إصلاح النعال بما جمعته خلال السنة فقدت ما أدفع لإيجار البيت، لأن إيجار البيت لشهرين كان 280 بر، وأخذت قرضا من أحد أصدقائي 300 بر، ودفعت لمستأجري البيت. وكان ذلك، عام 1993 إثيوبي.

واشتريت بالمبلغ الذي جمعته بالبضائع وأخذته إلى البيت مع الدعاء. ومع ذلك، لم أجد ما أعلق به النعال، وعلقت نعلي. وكنت أشتغل 24 ساعة، وعندما يأتيني النوم كنت أنام بالإعتماد على(سنجر) آلة الخياطة. كما استأجرت الآلة في الشهر بـ 30 بر، وبعد شهرين استطعت بشراء “سنجر” الآلة بـ 300 بر. ولم تكن هناك آلة تسمى “جراندر”، وكانت هي التي تستخدم باليد، وبالتدريج استطعت توظيف واحد، يعمل وينام هناك. وبعد فترة وسعت البيت، وبعد عام 1997 إثيوبي عندما فتحت أسواق الصناعات الصغيرة المتحركة جعلت أسواق صناعة النعال التي تسمى أيضا (مصنع يشالال لصناعة النعال) مرقمة بـ… 1،2،3 الخ.

وفي عام 1998م إ، وجدت من الإتحاد الأوروبي فرص إعطاء التدريب للآخرين في حواسا، وبعد عام 1997 قمت بالمساهمة في معارض مختلفة، ويوم المدن، تحت شعار، (لا يمكن المعرض بدون الإستطاعة)، ولا يمكن أن يكون المعرض رائعا بدون يشالال)، وكان ذلك وقتا جيدا. وفي الألفية الأثيوبية استطعت حصول جائزة على أفضل شجاع شباب، وساهمت في برنامج الشباب “يد إذالة الفقر في الجنوب”، وكذلك حصلت على جائزة منازل السكن في حواسا… وقال: إنه يمكن الوصول بدأ من الشيئ البسيط إلى مستوى أعلى ويكون قدوة للآخرين. وفي عام 2003 إثيوبي عندما بدأت توسيع مصانع صناعة النعال، وعندما يأتي عدد كبير من شعوب جنوب إثيوبيا إلى هنا، يقولون لي، نحن عندما نأتي إلى مسقط ولادتك لم نجد مكان الأكل والإستراحة والنوم. ومن هذا المنطلق، بدأت المشاورة مع زوجتي، وأخذت هذا المكان بإسم الإستثمار، وقلت في نفسي أنا يمكن أن أموت، ولكن لا بد أن أترك تاريخا لايموت، وبنيت هذا الفندق برعاية مستوى المعيار العالمي، وسميته “يشالال فندق” وهو قطاع مهم وحيوي للسياحة المحلية والدولية، لأن الفنادق تكون خالية من تلوث البيئة، بالإضافة إلى أنه يكون مصدر دخل كبير لي، وتذكرة لي وتعلما مني للأخرين.

العلم: ما السبب الرئيسي الذي دفعه إلى هذا المشروع؟  وكم المساحة التي بني عليها الفندق؟ وكم فرص عمل خلق للمواطنين؟

السيد أبرهام: إن السبب الذي دفعني إلى هذه الفكرة هو سد الفجوة والنقص، مشيرا إلى أن الحكومة تقوم أعمال التنمية ورعاية الصحة وتقديم الخدمات الإجتماعية. ونحن بدلا من الإشارة إلى تقصير الحكومة من بعيد، فإنه يجب علينا على أقل تقدير المساهمة ببعض الأنشطة التي نستطيع عليها. وأما بالنسبة لمساحة الأرض التي بني عليها الفندق، فهي 3 آلاف كارمتر مربع، لان هذا المكان لم يطلب أحد للإستثمار عليه، ولم يتم تنميته في تلك الفترة. وأما تكلفة بناء هذا المشروع، لم يكن بمئات الآف، بل هو كلفني ملايين البر. وأما في مجال خلق فرص العمل للمواطنين، فقد خلق الفندق لـ 50 شخصا في الوقت الراهن، لـ 30 شخصا بصورة ثابتة، و20 مؤقتة، مضيفا إلى هذا الفندق الذي ترونه الآن لم يساهم ولم يدخل فيه يد أي مهندس من البداية إلى النهاية، بل أنا قمت به بمعرفتي وبفني الذي أعطاني الله، كما تراه بهذا الشكل، ويأتي إلى هنا من المسئولين من الوزراء الحكوميين الكبار والأجانب، ومن السائحين الأجانب ويستريحون وينامون هنا، بالإضافة إلى هذا، فإنه خلق فرص العمل لعدد من المواطين العاطلين عن العمل. كما أنه يعتبر حياة للأخرين حسب قوله. بالإضافة إلى ذلك، أنه عندما يذكر جبل 777 يتذكر يشالال فندق، وعند ذكر المحميات الموجودة هنا يحتاج إلى يشالال، وعندما ينادى  شلالات التوئمة وأجورا يحتاج إلى يشالال، وأن الفنادق والسياحة جزء لا يتجزء بعضهما عن الآخر.

العلم: هل هناك من قام بتقديم الدعم المساندة لك في هذا المشروع؟

السيد أبرهام، صحيح أن مثل هذا المشروع الكبير يحتاج إلى تضحية وتكلفة كبيرين. ولهذا، فإن هذا المكان لم يكن جاهزا ومتوفرا للبنى التحتية، وأدى إلى تكلفة باهظة الثمن، لأن هناك مشكلة الطريق والمياه والكهرباء والقوى البشرية الماهرة في تلك الفترة. ولذا، فإن الموارد التي تم بناء هذا المشروع جاءت من أديس أبابا، وعندما بدأت الدخول في هذا المشروع كنت أدفع مبلغا كبيرا، حيث كان الطريق اللازم قطعه خمس كيلومتر، في حين أنا أقطعه 100 كيلومتربسبب عدم وجود طريق صالح، بالإضافة إلى مشكلة الأمن والسلام في تلك الفترة، وليس في الوقت الراهن. وليس هناك أدوات أدخلناها بدون دفع ضرائب إضافية “قرط”. لأن جميع الأدوات التي أدخلتها كانت من خارج البلاد. وقال: إن مثل عملي هذا، يجب أن يكون نموذجا ودرسا لجميع مناطق شعوب البلاد لتنمية الجميع كل في بيئته، ولا يأتي أحد يمني منطقتك. كما أن تنمية البلاد تأتي من المراكز والمناطق والأقاليم إلى مستوى البلاد. لأنه لم يمنعني أحد بأن أقوم بالتنمية في حواسا، ولم تفقد حواسا الفنادق، بل أنه يجب تنمية بيئتك وضواحيك.. ولهذا دفعت تضحيات باهظة. وأما فيما يتعلق بتقديم الدعم، فقد وجدت التشجيع المساندة من الشباب ومن المجتمع المحلي فقط. ولذا أقول: إنه إذا قامت الحكومة إلى جانبي، هناك رغبة كثيرة لدي في الدخول إلى الاستثمار في مجالات عديدة، فأنا مهمتي وهدفي هو تقديم الطلب وأخذه وتنفيذه على الواقع وإظهاره  للآخرين فقط. ومن هذا المنطلق، فإن على الحكومة الأخذ في عين الإعتبار هذه الأدوات والوقوف إلى جانبي بتوفير وتسهيل هذه الموارد وهذه ثقتي.

العلم: هل هناك أماكن السياحة الجذابة للسائحين؟

السيد أبرهام: إن هناك أماكن عديدة وجذابة للسياحة، وتوجد على مسافة قريبة إلى مدينة دورامي، على سبيل المثال لا لحصر، جبل “أنبريشو” الذي يحد الكثير المعروف بـ 777، وبعد ثلاث كيلومتر توجد محميات تسمى بـ “غمشى” ويأتي إليها كثير من الناس من مكان بعيد للإستفادة منها. وهناك أيضا شلالات أجورا التوءمة، وسارجورا الأرض الجميلة، والكهوف، ونبات إنست ذات سلالة مختارة، والبيوت الثقافية المعروفة بـ” غوجو” وكثير من الأماكن الأخرى التي يمكن للإقليم الإستفادة منها، بالإضافة إلى جوها اللطيف والجميل معتدل الجو.

العلم: ما هي خططك في المستقبل؟ وماذا تطلب من الحكومة في تقديم الدعم والمساندة؟

السيد أبرهام، ” إننا قمنا بتنفيذ العمل وأظهرنا للأخرين، وبعد هذا يعود الأمر لحكومة الإقليم ورغبتها ونحن ننتظر ردها والإجابة على أسئلة نقدمها بصورة مناسبة بما يسمح به الوقت، لأنه هناك كثير من أعمال الإستثمار التي أريد الإنخراط فيها، في مجال السياحة، والصناعة الزراعية، وخلق فرص العمل للشباب، وإذا أدرك الآخرون فكرتنا هذه ستكون بسيطة حسب رأيي. وأما بنسبة تقديم الحكومة الدعم لنا؟: إننا نريد من الحكومة فقط توجيهات وإرشادات إلى الطريق الصحيح للإستثمار، وقال: أنا عندما بدأت من مسح النعل لم يوجهني أحد الطريق إلى أن وصلت إلى هذه الدرجة. وأنا أواصل المشي فيه، وذلك بالتدريج، وليس بالمرة الواحدة لان هناك هبوط وصعود.

العلم: ما رسالتك للشباب الإقتداء بك والوصول إلى حياة أفضل في البلد؟

السيد أبرهام: إنه قبل كل شيئ يجب أن يؤمن الشباب بالعمل ونتائجه، وأن يؤمن بنوع العمل، لان النتائج تأتي بالعمل والكد والجد في العمل، كما لا يكون هنا تغيير بين عشية وضحاها، لكن يأتي بالعمل. وهذا، ما يكون خير شاهد، هو بذل الجهود والتقشف والإدخار، والتجنب من التضليل، ومن قيل وقال، وعن أصدقاء السوء، بل عليه إعطاء الإهتمام للعمل. وإذا عمل الشباب فإن المجتمع يكون معه، وهذا ماشاهدته بنفسي. وأما مايتعلق بالهجرة، يمكن ترك الهجرة، لانه يؤديك إلى دفع تضحية باهظة الثمن. وأنا أول من حاول ذلك، لكن تركته ودفعت التضحية في البلاد. وإذا لم يستطع الشباب دفع التضحية، البحث عن الإختيارات الأخرى. وليس اليأس والقنوط، بل عليهم المحاولة والتجربة بالصبر والمثابرة وبالهدوء والسكينة. وبإدراك هذا عليه بأن يأتي بالتغييرات والنتائج، وهذا ما أوصيه للشباب بصورة رئيسية.

هكذا أصبح هذا الشاب المثابر والمجتهد نموذجا يجب أن يقتدى به في مواجهة الشباب للعوائق و التحديات التي يواجههم بالإصراراً على قوة نجاحه المستمدة من كل التداعيات التي يخوضها في سبيل تحقيق النجاح لأن النجاح الحقيقي لا يموت عند أهل العزم والإرادة الراسخة والصادقة وصنع لنفسه إنساناً ناجحاً بالتغلب على كل التحديات التي يتعرض لها.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai