التعايش السلمي هي من سمات الهرريين!! ..وهي أيضا قبلة العلم والعلماء في شرق إفريقيا
توجد المساجد في هرر أكثر من 99 مسجدا معظمة ضمن التراث العالمي لقائمة اليونيسكو
عمر حاجي
إن شهر شهر رمضان المبارك يحظى بمكانة مميزة لدى المجتمع الهرري الذي يشكل نسبة المسلمين فيه أكثر من 90 بالمئة من سكان البلاد. ويمتاز هذا الشهر بطقوس خاصة تختلف عن بقية الأشهر الأخرى.
وبهذه المناسبة أجرت صحيفة “العلم” حوارا مع زاهد زيدان الهرري الباحث في العلاقات الأثيوبية العربية، وإليكم نص الحوار .
بما أن شهر رمضان المبارك يحظى بمكانة مميزة لدى المجتمع الهرر، الذي يشكل نسبة المسلمين فيه أكثر من 90 بالمئة من سكان البلاد. ويمتاز هذا الشهر بطقوس خاصة تختلف عن بقية الأشهر الأخرى، ما هي مميزات هذا الشهر في هرر وضواحيها؟
طبعا للشهور السنة كلها دلالة وعلامات ، لإثناعشر شهرا خاصة في التقويم الهجري الذي يتبع فيه كثير من سكان العالم، ولكن في شهر رمضان في مدينة هرر الواقعة في بعد 525 كيلو متر عن العاصمة أديس أبابا، وهي في أقصى شرق هرر التي كانت يوما من الأيام عاصة سلطنة العدل التي حكمت الصومال، وحكمت بعض قبائل عفر، وحتى وصولا إلى إريتريا –مصوع– وحكمت مناطق كثيرة جدا، وهي الآن قسمت إلى دول.
ونقول: إن مميزات شهر رمضان المبارك في هذه المدينة كثيرة جدا والهرريون لا يحتفلون بالشهر لوحده جملة فحسب، ولكن يحتفلون كل يوم، هناللك حدث وهنالك تاريخ مميز للهرريين مقتبس من تاريخهم وأساطيرهم وايضا أن الدين الإسلامي والأمجاد التي حصلت كإحتفالهم بيوم بدر، وهي المعركة الشهيرة جدا للفتوحات الإسلامية وهنالك إحتفال كبير جدا يقام في مدينة هرر في اليوم السابع عشر من هذا الشهر، بالتحديد في ليلة السابع عشر في كل سنة، وهو يوم غزوة بدر الذي يمجده كثير من المسلمين في أنحاء العالم.
رمضان في هرر..
طقوس خاصة وموائد عامرة بالخيرات، هكذا وصفت هرر، ماهي الطقوس والموائد الرمضانية التي أبهرت من زاروا مدينة المآذن ؟!
في هرر كثير من الاحتفالات بطريقة رسمية من السلطة العليا من المشايخ والعلماء الأجلاء، وحتى في البيوت من الأمهات يعلمون أبناؤهم بأن هذا اليوم، هو يوم إنتصار المسلمين الذي انتصر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على كفار مكة وكفار قريش بالتحديد في هذا الغزو، ويذكرون طبعا تاريخ الغزوة وكم كان عدد المسلمين فيها، كما يحتفل الهرريون بعرض بعض الأناشيد والمنظومات والترانيم بالأصوات الجميلة والأطفال والنساء وكبار السن.
وأيضا هنالك، إحتفالات كثيرة جدا تحصل في هذا الشهر خاصة الطقوس التي ترتبط مع المائدة الهررية، وهي مائدة قريبة جدا للشرق كالمأكولات والحلويات التي تقتبس من العالم العربي، وكذلك بعض المأكولات والمشروبات المقتبسة من الأمبراطورية العثمانية في تركيا والهند بسبب نقل وتنقل العلم الشرعي ذهبا وإيابا من هرر إلى تركيا ومن الهرر إلى هند، وقدوما من الهند وتركيا إلى العالم العربي.
وتعلم الهرريون المذهب الشافعي وطريقة التصوف الهررية، فامتاز الهرريون في هذه المجالات الدينية، ولذلك نوعين من الإنتقالات: الإنتقالات التجارية التي كانت قبل الإسلام وبعد الإسلام، وأيضا الإنتقالات العلمية، حيث ينتقل الهرريون لكي يتلقوا بعض الهرريين العلوم الشرعية، ويأتي أيضا إلى هرر من شتى أنحاء العالم طلاب العلم للتعلم بعض هذه العلوم الشرعية التي يتميز بها الهرريون. فلذلك، هذه الصفات، تتنوع بتنوع الثقافات، وعندما يأتون هؤلاء من العلماء أو الطلاب إلى هرر يأخذون من ثقافة الهرريين ويتعايشون معهم، بمعنى أنهم يتزاوجون ويمكثون ويعيشون، حتى هنالك بعض علماء العرب الأجلاء التي تتواجد قبورهم في هرر مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني، الولي. وهنالك علماء كثيرون يتواجدون في هرر. وهذا، إن دل فإنما يدل على تبادل الثقافات والزيارات بين العلماء العرب وغير العرب، من أمثال علماء الهند وعلماء المغرب العربي، فهناك عائلات كبيرة جدا مثل عائلات الشاطبي في هرر وأصولهم مغربية، وعائلات من أهل البيت، كعائلات بالفقيه، والأيدروس، والثقاف، وبعلوي، وكلهم من أهل البيت، وأصولهم من حضرموت وقد استوطنوا في هرر منذ أكثر من ألف عام ويزيد.
وأما ما جاء في التعايش السلمي، فإن التعايش السلمي في هرر ليس مع الإنسان فحسب، بل هناك تعايش مع الجوارح من الطيور والحيوانات المفترسة، ولكن إذا أخذنا أخوة التعايش السلمي بين المنتسبين إلى الأديان المختلفة، فإن الجالية الهررية تعرف 100% بالدين الإسلامي ولا يوجد شخص واحد غير مسلم من أتباع الجالية الهررية ليسوا من الساكنين فيها، فإن الجالية الهررية ليست من الجالية الأورومية أو الأورغوبية… ولكن بعد دخول هرر إلى إثيوبيا الحديثة في عام 1896 تقريبا بعد حرب منيليك على شرق هرر في إثيوبيا دخولها عنوة، كان الهرريون متؤثرون جدا. وكان هناك فتح كنيسة بتحويل مسجد كبير ثان مسجد في منطقة ” فرس مغالا “، وهي بالضبط كنيسة ” مدان ألم ” في قلب هرر مع العلم أن كل سكانها ينتمون إلى الديانة الإسلامية.
ومع ذلك تقبل الهرريون ولم يقاوموا في الفترات الأولى، فكانت بعض الضغوطات العسكرية، ولكن بعد أن أتت بعض إخواننا من القوميات الأخرى واستوطنوا في هرر وبدأوا يعملون فيها لم يحبذ الهرريون أن ترجع الكنيسة إلى مسجد، خاصة خلال العصرين الماضيين، عصر الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية، وكان لهم السلطة في ذلك، لان الرئيس الراحل السابق ملس زيناوي سمح لهم بأن يعيدوا هذا المسجد، لانه لم يكن المسجد فحسب، بل يوجد هناك ضرائح أكثر من 32 لكبار العلماء في داخل هذه السور للكنيسة والتي كانت سورا للمسجد سابقا. كما يوجد فيها مكتب كبير جدا وينظف مرتين في السنة مرة في شهر رجب ومرة ثانية في شهر محرم من كل عام، ويستعار منها الكتب.
ولكن فضل الهرريون أن تكون هذه الكنيسة متواجدة في قلب هرر الذي لا ينتمي إلا إلى الديانة الإسلامية. ولكنهم تعايشوا مع القوميات الأخرى، مثل قومية التجراي والأمهرا والجوراجي الذين ينتمون إلى الديانة المسيحية وبالتحديد إلى طائفة الأرذثوكسية، وأن تكون هذه الكنيسة مكانا لهم لعادات شريعتهم الكبرى وهي الصلاة والتواني وتقام فيها الصلواة وسمح لهم بذلك ولم يعيدها إلى ما كانت عليه في السابق كمسجد كما رأينا في بعض الدول الأخرى.
وهناك تعايش أيضا، وترى كثيرا من المسيحيين في هرر يحفظون القرآن وينصح الشيخ أو الأم المسيحية وأبناء المسلمين إذا رأوهم في أوقات الصلوات أنهم لا يؤدو الصلوات أن يذهبوا إلى المسجد، وإذا رأت الشباب لا يصلون أو يتكاسلون في الوضوء أو الصيام، ترى أن الأب المسيحي يمد يده عتبا ولوما على الشباب المسلمين الذين هم في حيهم أو بحلته أو في حارتهم، فكيف أنهم لا يؤدون ويتساهلون في هذا الشهر العظيم. وهذا التعايش في هرر قلما يتواجد في مناطق أخرى في إثيوبيا، وحتى في العالم، وأن هذا التعايش الذي يتواجد في هرر، إن تم تعميمه في إثيوبيا فستحل مشاكل كثيرة جدا التي تعاني منها البلاد.
التعايش السلمي في هرر خاصة في الشهر الكريم والافطار معا ومساعد المحتاجين ما يميز أهل هرر عن غيرهم صف لن الوضع و انطباعك؟
وأما بالنسبة لإفطار الهرريين خلال شهر رمضان ومساعدة المحتاجين، والموائد فإن الهرريين معروف بالشراب أو شراب الحلبة كما يطلق عليها ثم بعد الصلاة تكون السنبوسة ولقمة القاضي -اللقيمات-التي يطلق عليها في بعض دول الخليج ، والبنشور، والكعكة، وغيرها من الأطعمة المختلفة تكون من الرسمية للعشاء والوجبة الهررية الشهيرة وحلبة مرق والأرز… والمندي وغيرها من الطبقات المختلفة من لحوم الأغنام بسبب الكثافة السكانية والتعايش.
كيف يقضون أوقاتهم في رمصان ونبذة عن المساجد التي يترددون إليها كثيرا وعن مشايخ هرر المعروفين اليوم؟
وأما بالنسبة للمساجد، فإن المساجد عامرة على مدار السنة، ولكن في رمضان تجد أن أغلب الأماكن قد تحولت إلى مساجد ومن الغريب أن ترى المسيحيين الذين ينتمون إلى الديانة المسيحية إذا رأو شيخا كبيرا أو إنسان غريب يقوده إلى أن يدخل إلى داخل المسجد وليس إلى باب المسجد، خاصة وقت صلاة الفجر أو العصر، لان التعايش السلمي هي من أكبر سمات الهرريين، وتوجد المساجد في هرر أكثر من 99 مسجدا، 89 منها ضمن التراث العالمي لقائمة اليونيسكو والبقية من زوايا أو من الأ ضرحة، فهذا له دور كبير جدا في إنتشار الإسلام، وهذا، ليس في إثيوبيا الحديثة فحسب، بل في شرق القارة السمراء.
ويطلق عليها أيضا على انها رابع مدينة إسلامية في العالم، وهي أيضا قبلة العلم والعلماء في شرق إفريقيا، وكانت أيضا في فترات من الزمان، وكان في كل حي من حي هرر حافظ لكتاب الله سبحانه وتعالى، ويوجد فيها أكثر من 150 حافظ وحافظة لكتاب الله. وإذا لم يوجد في أي حي حافظ لكتاب الله وغير ملتزم أو غير مطبق لشرائع الله يعتبر متساهلا، ولا يوجد فيه حرص للأمور الشرعية.
هذا، واتمنى أن وفقت في الإجابات وشكرا.