سفيان محي الدين
أثيوبيا موطنٌ للعديد من القوميات العرقية والمجتمعات المحلية، ولكلٍّ منها ثقافتها ومعارفها وأنظمتها الفريدة.
ويتجلى تنوع تراث البلاد في تقاليدها وعاداتها وممارساتها المتنوعة التي تتعايش في جميع أنحاء البلاد كما تساهم كل جماعة عرقية في هذا النسيج الثقافي بطقوسها وهياكلها الاجتماعية ومعارفها التقليدية المتميزة والفريدة .
ومن بين هذه القوميات قومية هدية العريقة ،وهي المعروفة بممارساتها الفريدة في إدارة الثروة الحيوانية، وخاصةً نظام “وجينا“.
الوجينا هو نظام تقليدي لعدّ الماشية ويُمارسه شعب الهادية.و تتضمن هذه الطريقة طقوسًا وعاداتٍ مُحددة عند عدّ الحيوانات، وهي ليست مجرد مهمة لوجستية، بل ممارسة ثقافية بالغة الأهمية وهي أساسية في تقييم الثروة والمكانة الاجتماعية داخل المجتمع.
ويمتلك شعب هدية وهم جماعة عريقة تقطن جنوب إثيوبيا، تراثًها الثقافي الغني متشابكًا بعمق مع نمط حياتهم الزراعية. ومن بينها التقاليد المتنوعة التي تُشكل مجتمعها، وذلك بإبراز الوجينا كنظام تقليدي لعدّ الماشية يُجسد أهمية علمية وثقافية لدى قومية هدية .
الوجينا ليس مجرد طريقة لعدّ الماشية؛ بل هو طقس مُشبع بالمعنى والهدف. بالنسبة لشعب هدية، تُمثل الماشية أكثر من مجرد مصدر رزق؛ فهي تُمثل الثروة والمكانة الاجتماعية والهوية الثقافية،وتتضمن تلك الممارسة بعدّ الحيوانات باستخدام الوجينا طقوسًا وعاداتٍ ُتبرز الجوانب الإجتماعية لملكية الماشية.
وعندما يحين وقت عدّ الماشية، تتميز العملية بسلسلة من الطقوس التي تُعزز أهمية الحدث غالبًا ما تتضمن هذه الطقوس طقوسًا جماعية للقومية الهدية .
وتتجمع تلك العائلة حيث تجتمع العائلات للمشاركة في عدّ الماشية. وتُعزز هذه المشاركة الجماعية شعورًا بالوحدة والهدف المشترك داخل المجتمع.
و خلال عدّ الماشية، قد تُتلى أناشيد أو أغاني مُحددة، داعيةً بالبركات للحيوانات وأصحابها. و يُؤكد هذا البعد الروحي لـ”وجينا” على الصلة بين الناس والأرض،وبالإضافة إلى اعتمادهم على الماشية في معيشتهم.
وغالبًا ما يُصاحب العدّ أطعمة ومشروبات تقليدية، مما يُحوّل المهمة اللوجستية إلى مناسبة احتفالية لقومية الهدية .
ويُعدّ عدد الماشية المملوكة انعكاسًا مباشرًا لثروة الفرد ومكانته الاجتماعية. لذلك، يُعدّ “وجينا” بالغ الأهمية ليس فقط لحفظ السجلات، ولكن أيضًا للديناميكيات الاجتماعية داخل المجتمع و يمكن أن تؤثر نتيجة العدّ على التفاعلات الاجتماعية، والزواج، وأدوار القيادة القومية .
وعلى سبيل المثال،غالبًا ما يتمتع الأفراد الذين يمتلكون قطعانًا أكبر من الماشية مكانة اجتماعية أعلى، مما قد يؤدي إلى تأثير أكبر في قرارات المجتمع،و في المقابل، قد يجد من يمتلكون عددًا أقل من الحيوانات أنفسهم مهمّشين.
و يُظهرهذا التفاعل بين ملكية الماشية والتسلسل الهرمي الاجتماعي أهمية الوجينا في الحفاظ على النسيج الاجتماعي لمجتمع هدية .
ومع استمرار إثيوبيا في التحديث، تواجه الممارسات التقليدية لشعب هدية ، بما في ذلك” الوجينا،” تحديات. و قد يُهدد زحف التكنولوجيا والتغيرات في الممارسات الزراعية استمرارية هذا التقليد العريق. ومع ذلك، يسعى الكثيرون في المجتمع جاهدين للحفاظ على الوجينا كجزء حيوي من هويتهم الثقافية لقومية هدية.
“الوجينا” أكثر بكثير من مجرد نظام لعد الماشية لشعب هادية؛ إنه ممارسة ثقافية تُجسّد قيمهم وبنيتهم الاجتماعية وروابطهم بين القومية وذلك من خلال المشاركة في هذه الطقوس التقليدية، لا يُقيّم شعب هدية ثروتهم فحسب، بل يحتفلون أيضًا بهويتهم وتراثهم.
و مع تغير العالم، ستكون مرونة هذه التقاليد أساسية للحفاظ على النسيج الثقافي الغني لمجتمع هدية. في الثقافة والسياحة المعاصرتين،يُعرَف نظام ووجينا بقيمته الثقافية. فهو يُسلِّط الضوء على العلاقة الوثيقة بين إدارة الثروة الحيوانية والتنظيم الاجتماعي في مجتمع هدية.
و يعمل النظام ضمن فئتين رئيسيتين بناءً على عدد الماشية التي يتم إحصاؤها: “تيبي ووجينا” للإحصاء الذي يزيد عن مائة رأس، و”كوما ووجينا” للإحصاء الذي يزيد عن ألف رأس.
وتستغرق عملية إحصاء الماشية عادةً ما بين 20 و40 عامًا لترسيخها و يجب استيفاء الشروط الثقافية، بما في ذلك الوصول إلى إحصاء يزيد عن مائة رأس.
وعند بلوغ هذه العتبة، يمكن البدء في الاستعدادات لـ”وجينا”، بمشاركة مختلف أفراد المجتمع للقوميات.
و يتطلب نظام وجينا مشاركة فعّالة من مختلف أفراد المجتمع،كما تجتمع العائلات والجيران في هذا الحدث، حاملين قرابين كالحيوانات والطعام احتفالًا بهذه المناسبة،يسود فيها جو احتفالي، حيث تلعب الموسيقى والرقص والولائم الجماعية دورًا محوريًا في هذا الحدث.
و خلال الحفل، يُجرى عدّ الماشية باحترام ورسمية كبيرين و ينخرط المشاركون في عبارات تقليدية تعبر عن الامتنان والشرف، مما يعزز الروابط الاجتماعية والهوية الثقافية.
وخلاصة القول يعتبر نظام ووجينا باستمرارية الجهود لتوثيق هذه العادات وتعليمها للأجيال الشابة والشباب وذلك بما يضمن الحفاظ على أهمية عدّ الماشية،ويلعب قادة المجتمع وشيوخه دورًا محوريًا في نقل معرفة “وجينا” من اجل تعزيز أهميتها في السياقين الاقتصادي والثقافي.
وبالتالي، فهي تُمثل تراثًا ثقافيًا وحيويًا يستحق الحفاظ عليه وتعزيزه،و لا سيما في سياق السياحة والتبادل الثقافي بين القوميات .