سمراي كحساي
يعتبر كل من نهر النيل والبحر الأحمر من الموارد الحيوية في شرق أفريقيا، وغالبًا ما يكونان محورًا للتوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الدول المجاورة.
و إذا تعاونت هذه الدول في استخدام هذه المسطحات المائية بشكل عادل، فسيمكنها تحقيق نمو مشترك وتعزيز قدرتها التنافسية على المستوى العالمي.
و يؤكد الباحثون أن إثيوبيا، باعتبارها مصدر النيل، تسعى لضمان منافع عادلة لجميع دول الحوض، معترفةً بأن التعاون ضروري لتطورها.
و من اللافت أن الدول المجاورة تبدو أكثر انشغالاً باهتمامات بعضها البعض مقارنةً بتأثير القوى الخارجية التي تسعى للوصول إلى البحر الأحمر. فدول مثل فرنسا والولايات المتحدة والصين قطعت مسافات بعيدة لترسيخ وجودها على طول البحر الأحمر، بينما تعاني إثيوبيا، ذات الكثافة السكانية الكبيرة والإمكانات النامية، من أجل الحصول حتى على وجود محدود في هذا الممر المائي التاريخي.
و يشير عدد من الباحثين أيضًا إلى أن هناك أساليب مختلفة ينبغي على إثيوبيا اتباعها للحصول على منفذ بحري بشكل سلمي وقانوني.
و أكد البروفيسور آيلي بكري أن إثيوبيا يمكنها تأمين ميناء بحري من خلال تعزيز قدراتها الاقتصادية عبر الاستغلال الفعال للموارد الطبيعية والمكتسبة.
ونظرًا لإمكانيات إثيوبيا الكبيرة في توليد الكهرباء، فإن هناك اهتمامًا كبيرًا من الدول المجاورة للاستفادة من هذه الطاقة.
ورغم أن الميناء البحري سيعزز الاقتصاد، فإن الحفاظ على الأمن الوطني يظل أمرًا بالغ الأهمية. وأشار إلى أن إثيوبيا يجب أن تبني المزيد من السدود على النيل بالتزامن مع سعيها للحصول على منفذ بحري.
وأوضح أن استبعاد إثيوبيا من مجلس البحر الأحمر يستدعي النظر إلى البحر الأحمر استراتيجيًا إلى جانب النيل، مما قد يوفر لإثيوبيا فرصًا أكبر للوصول إلى المنفذ البحري.
كما أشار إلى أن إنشاء مصر لمجلس البحر الأحمر يبدو أنه يهدف إلى صرف انتباه إثيوبيا عن النيل، وهي وجهة نظر تاريخية لا ينبغي تجاهلها.
كما أن الجهود الدبلوماسية لتوحيد موقف السودان مع مصالح إثيوبيا ضرورية.
ووفقًا للبروفيسور بكري، يمكن لهذه المبادرات أن تعزز بشكل كبير فرص إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري وزيادة قوتها الاقتصادية والطاقوية.
من جهته، أكد جعفر بيدرو، المدير العام لمعهد الشؤون الخارجية، خلال منتدى الحوار الثالث للبحر الأحمر وخليج عدن، أن النيل والبحر الأحمر يمثلان موارد حيوية لاستقرار إثيوبيا وازدهارها. وأوضح أن الاستفادة من هذه المياه ليست مجرد أجندة وطنية، بل أيضًا وسيلة لتعزيز الإجماع الإقليمي.
ومن ناحيته شدد وزير المياه والطاقة، المهندس هبتامو إتيفا، على أن تعزيز التعاون الإقليمي في تنمية الموارد المائية بات أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة.
وأوضح الوزير أن منطقة شرق إفريقيا تتمتع بموارد مائية غنية لم تُستثمر بالشكل الكافي، مما يتطلب رؤية مشتركة قائمة على التعاون والبحث العلمي وتبادل الخبرات لضمان حسن إدارتها واستدامتها.
وأشار إلى أن تنمية الموارد المائية تشكّل أساسًا للتنمية المتكاملة، وأن الاستثمار في قطاع الطاقة المائية يجب أن يكون من أولويات الدول الإفريقية، باعتباره محفزًا للنمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة.
ويتناسب هذا التوجه تمامًا مع الأهداف الكبرى للاتحاد الأفريقي. في الواقع، ترأست إثيوبيا دفة التنمية والسلام الإقليميين، وشاركت في العديد من مبادرات الأمن والسلام، ناهيك عن نجاحها الباهر في الصومال والسودان.
والآن، وبينما تستعد البلاد لافتتاح سد النهضة الإثيوبي الكبير رسميًا وتخطط لبناء المزيد من مشاريع الطاقة الكهرومائية، يمكن للدول، حتى البعيدة عن البلاد، أن تجني نصيبها العادل من الفوائد.
و تساعد الشبكة الإقليمية المترابطة على تقليل خسائر الطاقة وخفض تكاليف البنية التحتية، مما يوفر حلاً فعالاً وتعاونيًا لتحديات إدارة الطاقة الحديثة.
وتلتزم إثيوبيا بتسخير مواردها الكهرومائية الوفيرة ليس فقط لدعم نموها، ، بل أيضًا من اجل تعزيز تنمية الدول المجاورة. و مع سد أباي والمشاريع الكبرى الأخرى، أصبحت إثيوبيا مستعدة لتصدير فائض الكهرباء إلى دول مثل السودان وكينيا وجيبوتي وتنزانيا، مما يعزز الروابط الإقليمية في مجال الطاقة ويساهم في النمو الاقتصادي المشترك.
وفي الختام، يرى الباحثون أنه بينما تدعي مصر حقوقًا حصرية على النيل، فإنه من الضروري تعزيز الوصول العادل لكل من النيل والبحر الأحمر. وتلتزم إثيوبيا بضمان استخدام متوازن لهذه المسطحات المائية الحيوية، بناءً على التفاهم المتبادل والتنمية التعاونية.