جوهر أحمد
في خطوةٍ تُؤكد التزامها الراسخ بالأمن القومي والازدهار الاقتصادي، تُكثّف إثيوبيا جهودها الدبلوماسية لضمان الوصول إلى البحر الأحمر وخليج عدن. وقد شكّلت هذه الأولوية الوطنية الحاسمة والدائمة، التي تُعتبر حيويةً لاستقرار البلاد على المدى الطويل وتكاملها الإقليمي، المحورَ الرئيسي للحوار الثالث حول البحر الأحمر وخليج عدن، الذي عُقد مؤخرًا في أديس أبابا.
وقد ضمّ المؤتمر رفيع المستوى نخبةً متنوعةً من المسؤولين والخبراء وصانعي السياسات، مما يُشير إلى موقف إثيوبيا الاستباقي في التعامل مع المشهد الجيوسياسي المُعقّد في المنطقة. واستضاف معهد الشؤون الخارجية ، وهو معهد ذو نفوذ واسع، هذا الحوار، الذي حمل عنوان “مواجهة التعاون الاقتصادي والأمني بين دول الخليج والقرن الأفريقي بعنوان” الفرص والتحديات والتوجهات المستقبلية”، وشكّل منصةً حاسمةً لإجراء مناقشاتٍ معمقة حول العلاقة الاقتصادية والأمنية المعقدة بين دول الخليج والقرن الأفريقي. ولم يُبرز هذا التجمع عزم إثيوبيا على معالجة وضعها كدولةٍ غير ساحلية فحسب، بل أكد أيضًا على عزمها على تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال آليات التعاون، مُسلِّطًا الضوء على حقبةٍ جديدةٍ من الدبلوماسية الاستباقية.
وألقى السفير فتسوم أرجا، المدير العام لشؤون المغتربين بوزارة الخارجية، خطابًا قويًا وواضحًا، مُشدّدًا على الطبيعة الدائمة لتطلعات إثيوبيا البحرية. “وأن سعي إثيوبيا لضمان الوصول البحري ليس أمرًا عابرًا، بل هو ضرورة وطنية دائمة، مدفوعة برؤية أمنية، واستدامة اقتصادية، وتكامل إقليمي”، وصرّح السفير، موضحًا الأثر العميق والتحولي الذي سيُحدثه هذا الوصول على مسار البلاد المستقبلي. وتناول السفير فيتسوم السياق التاريخي لضعف إثيوبيا، مشيرًا إلى أنه “لفترة طويلة جدًا، استُبعدت إثيوبيا من الترتيبات الأمنية في البحر الأحمر، وأُجبرت على الاعتماد على طرق عبور محدودة.
وقد تفاقم هذا الضعف مع اتباع بعض الدول الإقليمية سياسات مُزعزعة للاستقرار”. وأكدت تصريحاته المؤثرة على الضرورة الاستراتيجية لإثيوبيا لتأسيس وصول آمن وموثوق بها إلى المياه الدولية، متجاوزةً بشكل حاسم اعتمادها التاريخي على الموانئ المجاورة، ومؤكدةً مكانتها الصحيحة في الشؤون البحرية الإقليمية.
ومن جانبه أكد جعفر بدرو، مدير معهد الشؤون الخارجية، على الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، مشددًا على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية العميقة للبحر الأحمر وخليج عدن.
وسلط الضوء على دورهما المحوري في ربط دول شرق إفريقيا عبر طرق تجارية حيوية ومصالح استراتيجية مشتركة. وأضاف إن هذا يُسهّل هذا الممر التجارة الإقليمية والتبادلات الثقافية والتكامل الاقتصادي، مما يعزز إن الرخاء المشترك للدول المحيطة” كما قال.
وأشار إلى أن إثيوبيا تهدف إلى تأمين الوصول البحري لتعزيز السلام الإقليمي، والنهوض بالشراكات الاقتصادية، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية العالمية. وأضاف إن الحوار الجاري يسعى إلى إيجاد حلول عملية للتحديات الإقليمية المتعلقة بالوصول إلى البحر الأحمر والتعاون”. وأكد جعفر أن إثيوبيا تُصر على حقها المشروع في الوصول إلى البحر الأحمر وخليج عدن، وأنها تسعى إلى اتخاذ إجراءات دبلوماسية لتحقيق هذا الهدف.
ومن جانبه أكد الفريق ييمر مكونن بقوة التزام إثيوبيا الراسخ بتحقيق الوصول البحري من خلال مبادئ الاحترام المتبادل والشفافية والتعاون الإقليمي. وأكد رغبة إثيوبيا في أن تكون شريكًا فعالًا وموثوقًا به في المساعي الإقليمية، قائلاً: “لا تسعى إثيوبيا إلى الحصول على المساعدة فحسب، بل إلى أن تكون مساهمًا موثوقًا به في السلام والأمن والتنمية في جميع أنحاء المنطقة”. ويُشير هذا البيان القوي إلى استعداد إثيوبيا للمساهمة بفعالية في الأطر الأمنية والاقتصادية الإقليمية، بدلاً من مجرد الاستفادة منها، مُبرزةً نفسها كقوة بناءة للاستقرار.
وكان الهدف الشامل للحوار هو استكشاف الفرص المتعددة الجوانب، والتحديات الجسيمة، والاتجاهات المستقبلية للتعاون الاقتصادي والأمني في منطقتي الخليج والقرن الأفريقي. وقد تعهدت إثيوبيا، بصفتها طرفًا رئيسيًا، التزامًا لا لبس فيه بالعمل التعاوني مع جيرانها لضمان سيادتها البحرية وازدهارها الإقليمي المشترك.
ويُعتبر هذا النهج التعاوني ضروريًا للغاية لتحقيق الاستقرار طويل الأمد والنمو المستدام في منطقة القرن الأفريقي والخليج. وقد أبرزت مناقشة ديناميكية وتفاعلية بين المشاركين في الحوار الدور الحاسم للإرادة السياسية بين مراكز القوى الرئيسية المحيطة بالقرن الأفريقي في تشكيل مستقبل التعاون الاقتصادي والأمني بين القرن الأفريقي والخليج. وأكد الخبراء تحقيق المكاسب، وتعزيز بيئة من الثقة والعمل الجماعي باقتناع أن التقدم الحقيقي والدائم يعتمد بشكل لا رجعة فيه على التزام القادة الإقليميين بإعطاء الأولوية للمصالح المشتركة على المصالح الفردية.
وسلّطت المناقشات الشاملة الضوء على الأهمية الاستراتيجية القصوى للأمن البحري، وهو مصدر قلق متزايد بالنظر إلى الممرات الملاحية الحيوية التي تعبر البحر الأحمر وخليج عدن. وكان هناك إجماع قوي بين المشاركين على الضرورة الملحة لإرساء فهم مشترك للتهديدات الأمنية الإقليمية، والحاجة الماسة إلى تعاون متعدد الأطراف وثنائي لمعالجة هذه القضايا بفعالية وحسم. ويُعتبر هذا النهج الموحد بالغ الأهمية لمواجهة التحديات المتفشية، مثل القرصنة والإرهاب والتجارة غير المشروعة، التي تُهدد الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، قُدّم خلال الحوار تقييم نقدي وصريح للمبادرات الأمنية القائمة.
ولاحظ العميد بولتي تادسي، قائد كلية الحرب الدفاعية، بقلق أن العديد من المبادرات الأمنية في جميع أنحاء المنطقة لم تُسفر بعد عن نتائج ملموسة ومرجوة. وعزا هذا القصور إلى عدة عوامل مترابطة: التنفيذ غير الفعال، والتدخلات غير الموفقة، ومحدودية التعاون بين الدول الأعضاء، وضعف الاستفادة من الآليات الإقليمية القائمة، والافتقار الملحوظ والمقلق إلى رؤية استراتيجية متماسكة.
وشكّل تحليل الجنرال بولتي الثاقب دعوةً قويةً للعمل، مؤكدًا على الحاجة الملحة إلى مواءمة استراتيجية للجهود بين منطقة القرن الأفريقي ومنطقة الخليج. وشدد على أهمية استدامة النمو الإقليمي، وتعميق التكامل الاقتصادي، والتصدي بفعالية للتحديات الأمنية المستمرة، وتعزيز التفاهم المتبادل والشعور المشترك بالمسؤولية بين الدول الأعضاء.
وسلطت ملاحظة العميد بولتي تادسي الضوء على الحاجة الملحة والعاجلة إلى نهج أكثر تنسيقًا وفعالية وتوحيدًا للأمن والتنمية الإقليميين، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
ولاشك أن الحوار الثالث للبحر الأحمر وخليج عدن شكّل منتدىً حيويًا وفي الوقت المناسب لإثيوبيا للتعبير عن ضرورتها الوطنية العميقة للوصول البحري، وللتواصل بشكل بنّاء مع الشركاء الإقليميين بشأن سبل تحقيق هذا الهدف بسلام وتعاون. وقد عززت المناقشات الثاقبة الفهم بأن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر لامناص منه وهوليس طموحًا معزولًا، بل هو جزء لا يتجزأ من رؤيتها الأوسع نطاقًا لقرن أفريقي آمن ومزدهر ومتكامل، مما يُسهم بشكل كبير في السلام والتنمية الإقليميين.