سفيان محي الدين
أثيوبيا تُنفّذ العديد من برامج التنمية لأجل تحقيق الأمن الغذائي لشعبها، ولا سيما من خلال إرساء آليات لزيادة الإنتاج والإنتاجية الزراعية؛ ومن هنا تُحدث تغييرًا ملموسًا من خلال أنشطتها التنموية، وعلى سبيل المثال هي توفير التكنولوجيا والمدخلات للمزارعين.
ومن أنشطتها التنموية الناجحة، والتي يُمكن الاستشهاد بها كمثال على ذلك، زراعة القمح، حتى في وقت الصيف، من خلال الإستفادة من الري وبهذه الطريقة، انتقلت إثيوبيا من مُستقبِل للقمح إلى مُصدّر له .
وقد أمكن تحقيق هذا التقدم في فترة وجيزة بفضل الاهتمام الخاص والالتزام الذي توليه الحكومة لهذا القطاع. كما يُعزى نمو إنتاجية المزارعين إلى تنامي ثقافة توفير المدخلات، مثل أسمدة التربة، على نطاق واسع عند الحاجة ،وذلك مع توسّع التنمية، وازدياد الطلب على الأسمدة بشكل ملحوظ .
ومن ناحية أخرى، فإن استهلاك شراء الأسمدة لجزء كبير من موارد البلاد، إلى جانب الارتفاع المُستمر في أسعارها عالميًا ومشاكل أخرى، أصبح عقبة أخرى أمام التنمية،ومن هنا خططت الحكومة لبعض الأنشطة التي تساعد على القضاء على هذه المشكلة بشكل دائم ومعالجة قضية الأمن الغذائي بشكل موثوق.
ومن بين خطط تركيز بالأنشطة الإنمائية أعلن الدكتور أبي أحمد رئيس الوزراء مؤخرًا عن قضية أسمدة التربة، وذلك في إحاطته أمام أعضاء مجلس النواب ،ووفقًا لرئيس الوزراء، تحتاج إثيوبيا إلى حوالي 24 مليون قنطار من أسمدة التربة سنويًا؛ ولهذا الغرض، يتم نقل 150 ألف قنطار من أسمدة التربة إلى البلاد من الميناء يوميًا.
وقال الدكتور أبي “إن النهضة الإثيوبية الثانية تتمثل في إنشاء مصنع أسمدة التربة”، ويُعد عدم قدرة إثيوبيا على إنتاج الأسمدة مشكلة تؤثرعلى العديد من المزارعين. وذكر أنه تم إجراء دراسة لحل هذه المشكلة بشكل مستدام، كما أعلن أن الدراسة ستتطلب من 2.5 إلى 3 مليارات دولار لبناء المصنع. وسيستغرق بناء مصنع الأسمدة ثلاث سنوات على الأقل أو أكثر.
وأكد رئيس الوزراء: ” على أنه إذا أمكن، فسيتم بناء المصنع بالتعاون مع القطاع الخاص من خلال استثمار فردي؛ وإلا، فستقوم الحكومة ببنائه بنفسها”، مضيفًا أن عملية إنشاء المصنع ستبدأ على الأرجح العام المقبل.
ووفقا للدكتور تاديل مامو مدير أبحاث الاقتصاد الزراعي والباحث في المعهد الإثيوبي للبحوث الزراعية، تُعدّ الأسمدة من أهم المدخلات اللازمة لزيادة الإنتاج الزراعي والإنتاجية. وغالبًا ما لا يتم استيراد الأسمدة في الوقت المناسب، مما يحرم المزارعين من الحصول على الكمية المطلوبة من الإنتاج . ومن ناحية أخرى، إذا لم يتم استيراد الأسمدة بسرعة نظرًا لوعرة الطرق في معظم المناطق الريفية في البلاد، فقد يُفوّت موسم الزراعة.
وقال: “إن الحاجة إلى كمية كبيرة من النقد الأجنبي لاستيراد الأسمدة، والتي تستهلك أيضًا موارد وطنية يمكن استخدامها في مشاريع تنمية أخرى، ولها تأثير سلبي على النمو الاقتصادي“.
وخاصةً في الوقت الحالي، ومع قيام المزارعين بزراعة محاصيلهم الزراعية ثلاث مرات سنويًا، تواجه الحكومة صعوبة في توفير الأسمدة بسرعة وعلى نطاق واسع، مما يُصعّب على المزارعين زيادة إنتاجيتهم كما كانوا يأملون.
ومن ناحية أخرى، تعتمد مشتريات الأسمدة في الغالب على احتياجات الدول البائعة، وهناك احتمال أن تقع الدول التي تستورد الأسمدة على نطاق واسع، مثل إثيوبيا، تحت تأثير البائعين.
و تُعدّ إثيوبيا من أقل الدول استهلاكًا للأسمدة عالميًا، مما يُشكّل عقبة رئيسية أمام زيادة الإنتاج والإنتاجية الزراعية. وبحسب الأبحاث، تحتاج إثيوبيا إلى ثلاثة أضعاف كمية الأسمدة التي تستخدمها حاليًا لتحقيق هدفها المتمثل في ضمان السيادة الغذائية.
و إذا لم تكن هناك علاقات جيدة بين الدول، سواءً فيما يتعلق بالأسمدة أو غيرها من المدخلات المستوردة، فقد يكون الأداء العام للبلاد في خطر. وهذا يعني أن الدول التي تبيع الأسمدة، وكذلك الدول التي تدخل عبر موانئها، قد تُمارس ضغوطًا على المستورد، لأن الأمر لا يقتصر على الإنتاج فحسب، بل يتعلق بالسياسة أيضًا.
وأضاف قائلا أن نقص الأسمدة لدى المزارعين لا يؤدي فقط إلى مشاكل في الإنتاجية والأمن الغذائي، بل أيضًا إلى مشاكل سياسية تؤثر عليه .
وأحيانًا، حتى ولو رفعت الدول البائعة السعر بعد توقيع العقد، فإن ذلك يخلق وضعًا لا بديل فيه عن الشراء بالسعر المحدد. وخاصةً وأن الأسمدة التي تستوردها إثيوبيا تُستورد عبر البحر وقد تتفاقم المشكلة إذا لم يسود السلام في دول المقصد وموانئها حتى تصل دخولها إلى البلاد.
وأكد تاديلي على أن الحكومة الإثيوبية أدركت هذه المشاكل، ومثل سد أباي، تخطط لبناء مصنع للأسمدة بالتنسيق مع القطاع الخاص، مما يُظهر مدى التزامها بضمان الأمن الغذائي والسيادة.
وسيُمكّن إنشاء مصنع الأسمدة في البلاد، قبل كل شيء، للمزارعين حتى يتمكنوا من الحصول على الأسمدة في الوقت المحدد، والقيام بأعمالهم الزراعية على أكمل وجه. و المزارعون يخسرون 5% من إنتاجهم المتوقع بسبب نقص الأسمدة؛ لذا فإن إنشاء المصنع في البلاد لن يُمكّنهم فقط من الحصول على الإنتاج المفقود، بل سيزيد أيضًا من مساهمة الزراعة في الاقتصاد الوطني بشكل عام.
ومن ناحية أخرى، عندما يُنتج السماد محليًا، وسيستفيد المزارعون أكثر بفضل انخفاض سعره. ونتيجةً لانخفاض تكاليف النقل وغيرها، سيُتيح ذلك للمزارعين فرصة استخدام هذه الأموال لشراء أسمدة أخرى.
وأوضح قائلاً: ” بأن تمكين المزارعين سيؤدي إلى زيادة الإنتاج والإنتاجية.، ولأنه يوفر على مدار العام كأي سلعة أخرى، فسيكون من الآمن القيام بأعمالهم الإنتاجية؛ كما سيقلل الإجهاد “.
وأشار الباحث تاديلي إلى أن المزارعين العاملين في الزراعة الحضرية، على وجه الخصوص، قد واجهوا سابقًا تحديًا في الحصول على الأسمدة بسبب نقص خدمات الإرشاد الزراعي؛ ولكن هذا التغيير سيفيدهم ويسمح لهم بالمساهمة بشكل كبير في الإنتاجية الوطنية.
وبحسب قوله، يُعدّ بناء مصنع الأسمدة مشروعًا تنمويًا ضخمًا ويتطلب استثمارات ضخمة. ولا يمكن تحقيقه إلا بتضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات المانحة والمجتمع.
وأشارأيضا السيد تاديلي إلى أن المزارعين لا يمكنهم زيادة إنتاجيتهم وتوفير منتجاتهم على نطاق واسع وبأسعار معقولة إلا عندما تتمكن الدولة من بناء مشاريع ضخمة مثل مصنع الأسمدة، وقال إنه ينبغي على جميع المواطنين إدراك ذلك وتكرار المبادرة التي اتُخذت الحكومة لبناء سد أباي هنا أيضًا.
وبالمثل، ينبغي على جميع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص إدراك الفوائد الكبيرة لبناء المصنع للبلاد وتقديم مساهماتها الإيجابية في بنائه.
وذكر السيد تاديلي بأنه إذا استثمر رجال الاعمال في مصنع الأسمدة كما يفعلون في القطاعات الأخرى، فسيستفيدون أيضًا في النهاية؛ ولذلك، عليهم الوقوف إلى جانب الحكومة بالمبادرة
و دعا السيد تاديل الدول المانحة والمؤسسات المالية إلى دعم بناء مصنع الأسمدة، الذي يُعدّ من إحدى مشاريع التنمية المهمة التي يمكن أن تحل المشكلة بشكل مستدام، بدلاً من دعم المواطنين بعد ظهور المشكلة.
وخلاصة القول أشار الباحث السيد تاديلي ، إلى أنه ينبغي على الحكومة أيضًا دعوة المستثمرين الأجانب للمشاركة في بناء مصنع الأسمدة؛ وعلى وجه الخصوص، من الضروري تهيئة بيئة مواتية للمستثمرين الأجانب من الدول ذات الخبرة في هذا القطاع.
واضاف أن إشراك المستثمرين الأجانب في مصنع الأسمدة لن يسمح لهم بالاستفادة من خبراتهم فحسب، بل سيوفر لهم أيضًا فرصة للاعتماد على أنفسهم تدريجيًا.
وأكد أن بناء المصنع يمكن أن يحرر البلاد بشكل دائم من الاعتماد على المساعدات الخارجية، ولذا يجب على الجميع المساهمة بدورهم بكل عزم وإخلاص في هذا المجال .