جوهر أحمد
تقف إثيوبيا عند منعطف محوري في تطورها الاقتصادي حيث تشرع الحكومة في مسار تحويلي نحو إصلاحات قائمة على السوق تهدف إلى تنشيط المشهد الاقتصادي للبلاد. ويمثل الإعلان الأخير عن التحول إلى نظام صرف أجنبي قائم على السوق انحرافًا كبيرًا عن سياسات سعر الصرف الثابت التقليدية، مما يؤكد على الالتزام الاستراتيجي بتعزيز الرخاء الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي.
وأعلنت الحكومة الفيدرالية عن خططها لتحويل نظام سعر الصرف الأجنبي في البلاد إلى نظام مدفوع بالسوق، وهو تغيير في استراتيجية سعر الصرف الثابت المعمول بها. وتم الإعلان عن هذا التغيير من خلال بيان “سياسة برنامج الإصلاح الاقتصادي الكلي” الأخير من مكتب رئيس الوزراء.
وأن اعتماد نظام سعر الصرف المدفوع بالسوق أمر ضروري لمعالجة نقص النقد الأجنبي، وإزالة الحواجز أمام الاستثمار والتوسع في القطاع الخاص، وجعل أسعار السلع والخدمات المستوردة والمصدرة متوافقة مع حقائق السوق.
وفي هذا السياق أكد رئيس الوزراءعلى أن هذه الاستراتيجية تعالج أيضًا اختلالات التوازن في ميزان المدفوعات وتقدم مجموعة من المزايا الإضافية. وذكر البيان تعديلات أخرى في السياسات، مثل تنفيذ إطار نقدي قائم على الفائدة، وتغييرات كبيرة في السياسة المالية، وإصلاحات في إدارة الدين الحكومي. وأكد البيان على أن برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي يدعمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من شركاء التنمية الرئيسيين، من المتوقع أن يحقق فوائد وتحسينات كبيرة للاقتصاد.
وأعلن البنك الوطني الإثيوبي عن تخفيف القيود المفروضة على نظام الصرف الأجنبي. وكشف البنك عن مجموعة من إصلاحات الصرف الأجنبي التي وصفت بأنها “تعديلات سياسية رئيسية جديدة”. ويتضمن التغيير الأساسي الانتقال إلى نظام صرف موجه نحو السوق.
وأوضح البنك الوطني الإثيوبي أن البنوك لديها الآن الضوء الأخضر للمشاركة في شراء وبيع العملات الأجنبية مع عملائها وفيما بينهم بأسعار متفق عليها بحرية، مع تدخلات محدودة من جانب البنك الوطني الإثيوبي لتثبيت استقرار السوق في البداية وفي حالات ظروف السوق غير المنظمة.
وتشيرهذه الخطوة إلى أن الحكومة الإثيوبية شرعت في مسار تحويلي نحو إصلاحات اقتصادية مدفوعة بالسوق، مما يشير إلى الابتعاد عن سياسات سعر الصرف الثابت التقليدية. بقيادة رئيس الوزراء الدكتورأبي أحمد تهدف هذه الإصلاحات إلى تجديد البيئة الاقتصادية للبلاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز النمو المستدام.
وأشار البنك الوطني إلى أن هذه الإصلاحات هي جزء من حزمة أوسع من التدابير الاقتصادية التي تهدف إلى معالجة التحديات الاقتصادية الكلية وتحفيز نشاط القطاع الخاص. وأشار البنك الوطني إلى أن النظام السابق، على الرغم من أنه كان يهدف إلى الحفاظ على الاستقرار، أدى إلى ظهور سوق موازية وساهم في ارتفاع التضخم.
وتشمل العناصر الأساسية للإصلاح إلغاء قيود الاستيراد على فئات معينة من المنتجات، وتحسين قواعد الاحتفاظ للمصدرين. كما أعلن البنك الوطني عن إدخال مكاتب صرف أجنبي غير مصرفية وتبسيط القواعد التي تحكم حسابات العملات الأجنبية.
لتخفيف الآثار السلبية المحتملة، تخطط الحكومة لتطبيق إعانات مؤقتة على الواردات الأساسية مثل الوقود والأسمدة والأدوية والزيوت الصالحة للأكل. وأشار البنك الوطني أيضًا إلى التدابير الإضافية التي تشمل الدعم المالي لموظفي الخدمة المدنية وتوسيع برنامج شبكة الأمان الإنتاجية لمعالجة تأثيرات التضخم.
ويتوقع البنك الوطني أن تؤدي هذه التغييرات إلى تحسينات في مختلف المؤشرات الاقتصادية على مدى السنوات الأربع المقبلة، بما في ذلك النمو الاقتصادي، وخفض التضخم، وزيادة الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، أشار البنك الوطني إلى أن هذه التوقعات تستند إلى التنفيذ الناجح لحزمة السياسات.
وعقب قرار الحكومة، علقت السفارة الأمريكية في أديس أبابا على أن نظام الصرف الأجنبي القائم على السوق هو خطوة صعبة ولكنها ضرورية لإثيوبيا لمعالجة التشوهات الاقتصادية الكلية. وحثت السفارة أيضًا الحكومة على العمل مع شركاء التنمية لتنفيذ هذه الإصلاحات.
وفي حين شجعت السفارة الحكومة على العمل مع شركاء التنمية لتنفيذ هذه الإصلاحات، أشارت أيضًا إلى أن هذا القرار سيدعم الشعب الإثيوبي ويتقدم نحو اقتصاد أكثر حرية وقوة.
وفي اتصال مع مؤسسة الصحافة الإثيوبية، صرح خبير السياسة العامة والاقتصاد المتجدد الدكتوركونستانتينوس برهو تسفا أن هذه السياسة حاسمة بالنسبة لإثيوبيا. وذكر أن مثل هذه السياسة من المتوقع أن تحقق فوائد اقتصادية كبيرة لإثيوبيا، وقال إن مثل هذه السياسة قابلة للتطبيق في كل من الدول المتقدمة والدول الأفريقية المجاورة مثل كينيا وتنزانيا وأوغندا.
وذكر الدكتوركونستانتينوس أن هذه المبادرات تحمل إمكانات كبيرة لإطلاق العنان لفرص جديدة وتحفيز التحولات الإيجابية عبر مختلف قطاعات الاقتصاد. ووفقًا للبنك الوطني المصري، تتمتع البنوك الآن بحرية تداول العملات الأجنبية مع عملائها وفيما بينها بأسعار متفق عليها بشكل متبادل.ووفقًا له، فإن بدء التجارة يمكن أن يجذب موجة من المستثمرين إلى البلاد، مما يعزز العلاقات مع سوق رأس المال والبنوك الأجنبية ويعزز آفاق الاستثمار في البلاد.
وأكد الدكتوركونستانتينوس على الدور المحوري للتعديل في الحد من السوق السوداء، وأكد على ضرورة قيام الحكومة بمكافحة الأنشطة غير المشروعة، ولا سيما تهريب الأموال والعملات خارج البلاد. وأكد على أهمية تعزيز السلام والاستقرار لجذب مجموعة أوسع من المستثمرين، مفترضًا أن مثل هذه التحسينات من شأنها أن تعود بالنفع الكبير على الاقتصاد الإثيوبي.
وأضاف الدكتوركونستانتينوس أن إحدى المزايا الرئيسية لنظام الصرف القائم على السوق هي قدرته على تشجيع الإنتاج المحلي للسلع المستوردة، وبالتالي تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية. هذه الخطوة الاستراتيجية لا تعزز الصناعات المحلية فحسب، بل تعمل أيضًا على تحديث اقتصاد إثيوبيا، مما يجعله أكثر مرونة واكتفاء ذاتيًا. من خلال خلق بيئة مواتية لازدهار الشركات، من المقرر أن تعمل الإصلاحات على تمكين الصناعات وخلق فرص العمل وتحفيز التنوع الاقتصادي.
ومن جانبه أعرب الدكتور مولا ألمايهو الباحث في الجمعية الاقتصادية الإثيوبية، عن اعتقاده بأن الإصلاح سيعمل بشكل أساسي على تبسيط وتعزيز التجارة الخارجية، وتشجيع المستثمرين في التجارة الأجنبية وجذب عدد كبير من المستثمرين الأجانب إلى الأمة.
وبالنظر إلى التداعيات الاقتصادية الكلية، يصبح من الضروري التدقيق في الإطار الاقتصادي للبلاد. وفي حين توجد أمثلة ناجحة بين البلدان التي تحولت إلى أنظمة صرف أجنبي موجهة نحو السوق، فمن المستحسن توخي الحذر. وبناءً على ذلك، فإن التقييم الدقيق للهيكل الاقتصادي لإثيوبيا أمر ضروري لتجنب الآثار السلبية.
ووفقا له فإن من المتوقع أن يعزز الإصلاح القدرة التنافسية للتجارة الخارجية، ويدعم الصادرات وقدرة التكرير بفوائد مزدوجة. أولاً، من المتوقع أن يحصل المصدرون على أرباح متزايدة من خلال تصدير المنتجات بأسعار محلية إلى الأسواق الأجنبية. ثانياً، من المتوقع أن يتم تبسيط بيئة الأعمال من خلال تحسين الوصول إلى الدولار. تم تصميم التعديل للتخفيف من العجز الحالي من خلال تبسيط تجارة التصدير.
ومن المتوقع أن يكون للتحول نحو نظام الصرف القائم على السوق تأثير عميق على جذب المستثمرين الأجانب وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر. و من خلال مواءمة بيئة الأعمال في إثيوبيا مع المعايير العالمية، تعمل الإصلاحات على تعزيز القدرة التنافسية للبلاد وجذب أصحاب المصلحة الدوليين. إن هذا التدفق من رأس المال الأجنبي لا يضخ زخمًا جديدًا في الاقتصاد فحسب، بل إنه يعزز أيضًا الابتكار ونقل المعرفة والتقدم التكنولوجي الذي يدفع الأمة نحو النمو والتنمية المستدامين.
إلى جانب تعزيز الصادرات، من المتوقع أن يكافح الإصلاح التجارة غير المشروعة، ويوفر بيئة سوق منظمة تقلل من الحوافز للأنشطة غير القانونية. يمكن للرقابة الحكومية المناسبة إدارة النفقات والدخل والمنتجات ورأس المال بشكل فعال للحد من الممارسات غير القانونية وتوجيه قرارات السياسة في الاتجاه المطلوب.
وأكد الدكتور مولا على ضرورة تحديد الأسباب الجذرية للتضخم لمنع تفاقم تكاليف المعيشة. تتضمن الاستراتيجية الفعالة تدخلات تقودها الحكومة في آليات العرض بالدولار والدعم، جنبًا إلى جنب مع التقييمات الدورية والتكيفات للتخفيف من الآثار السلبية للتضخم.
بالإضافة إلى إصلاحات سعر الصرف، يشمل التحول الاقتصادي الكلي في إثيوبيا نهجًا شاملاً، بما في ذلك السياسات النقدية القائمة على الفائدة، وتعديلات السياسة المالية، وإصلاحات إدارة الديون.
ووفقًا للخبراء، تم تصميم هذه التدابير المترابطة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، وضمان التضخم المنخفض والمستقر، وتحسين كفاءة إدارة الميزانية. ومن خلال تعزيز الانضباط المالي، وزيادة الإيرادات الحكومية، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، فإن البلاد على استعداد لخلق بيئة مواتية للنمو الاقتصادي المستدام والتنمية.
وأن التعاون مع المؤسسات المالية الدولية والدائنين، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يفتح آفاقاً جديدة لتمويل التنمية وإعادة هيكلة الديون,ولا توفر هذه الشراكات الوصول إلى التمويل الحيوي للمشاريع الرئيسية فحسب، بل إنها تظهر أيضاً التزام إثيوبيا بالإدارة المالية السليمة وممارسات التنمية المستدامة. ومن خلال الاستفادة من هذه الفرص، يمكن للبلاد تعزيز بنيتها التحتية، وتحسين الخدمات الاجتماعية، وتعزيز أجندتها الإنمائية الوطنية.
و لا شك أن الخطوات الجريئة التي اتخذتها إثيوبيا نحو الإصلاحات الاقتصادية القائمة على السوق تبشر بعصر جديد من الرخاء الاقتصادي والنمو للبلاد .
واستناداً إلى وجهة نظر الخبير الاقتصادي، فمن الواضح أن الانتقال إلى نظام صرف أجنبي قائم على السوق، مع استكماله بتعديلات سياسية استراتيجية، يحمل مستقبلا جديدا بإطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية لإثيوبيا، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز التنمية المستدامة.
ولا تجعل هذه الإصلاحات إثيوبيا لاعبا ديناميكيا على الساحة العالمية فحسب، بل إنها تمهد الطريق أيضاً للنمو الشامل، وخلق فرص العمل، وتعزيز القدرة التنافسية في السنوات القادمة.