بروز أثيوبيا كقوة إقليمية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية

ياسين احمد، رئيس المعهد الاثيوبي للدبلوماسية الشعبية

 

تعتبر إثيوبيا التي تتخذ من قلب شرق القارة السمراء موقعا إستراتيجيا لها ، فضلا عن حجمها السكاني ورقعتها الجغرافية الواسعة ، واحد من الدول الأفريقية التي شكلت حضور إقليمي وقاري ودولي ، نتيجت موقعها الجغرافي وتاريخها السياسي وحاضرها الذي وضع رؤية إستراتيجية على المستويين السياسي والإقتصادي مكن البلاد من إيجاد موضع قدم لها على جميع المحاور الإقليمية والقارية والدولية حتى أضحت العاصمة السياسية لأفريقيا والبوابة العالمية للقارة .

وحققت إثيوبيا تطور إقتصادي كبير وتحول سياسي مشهود جعل منها دولة وازنة ، متحدية كل عقباتها الطبيعية والإنسانية من كثافتها السكانية وكونها دولة حبيسة ، وشهدت صراعات ونزاعات كرصيفاتها من دول المنطقة ، لكنها أوجدت لنفسها موضع قدم وثقل سياسي فاعل في محيطها والقارة ، حيث لاتزال تحتفظ بتاريخها إمبراطورية تنطلق من تجربة قديمة وشهدت تحولات سياسية منذ سقوط الملكية وإعلان الجمهورية عام 1974 .

عاصمة أفريقيا السياسية

وتتمتع إثيوبية بمكانة افريقية ، كونها رائدة في منطقتها ومحل حفاوة باعتبارها العاصمة السياسية لإفريقيا كمقر للإتحاد الأفريقي وعديد المنظمات الإقليمية والدولية ، ما جعل منها محط أنظار المنظمات الدولية والدول العظمى والقوى الفاعلة ، قبل أن تضيف لهذه المزايا قدراتها الإقتصادية بفتح أبواب الإستثمار وتعزيز مجالات التعاون في مختلف المستويات الإقتصادية والسياسية والأمنية وحتى العسكرية ، وإمكاناتها السياحية الدينية منها والأثرية والطبيعية بما تزخر به من موارد شتى .

ويمكن القول بأن أثيوبيا استطاعت توظيف كون عاصمتها أديس ابابا هي المقر الدائم للاتحاد الافريقي والعاصمة السياسية والدبلوماسية لأفريقيا ، وطوعتها في ريادة وقيادة القارة الأفريقية مع الدول المحورية في افريقيا وحظيت بمكانة كبيرة واحترام لدى معظم قادة وشعوب أفريقيا.

دوافع ورؤية إثيوبيا

ولعل رغبة إثيوبيا في أن يكون لها موضع قدم وحضور ساسي ودور فاعل على الخارطة العالمية ، لم يكن وليد الحكومات في العقود الأخيرة وإن كانت رؤية حكوماتها ما بعد تسعينيات القرن الماضي الأبرز والأكثر تأثيرا وفق منهجية ووتيرة تصاعدية تشكلت بوصول الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية بإسقاط نظام الرئيس منغستو هيلي ماريام ( 1974 – 1991 ) ، وحققت الجبهة ” الإئتلاف السابق ” تقدم في المجال الاقتصادي والبنى التحتية وتوسيع علاقاتها الإقليمية الدولية ، لكن تجربة الائتلاف السابق وعرابته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي شابها بروز صراعات و انتقادات شعبية عريضة جراء انفراد جبهة تيغراي بالحكم، ما دفع الى ظهور أجيال تطالب بمزيد من الحريات والمشاركة في الحكم، نتج عنها تغيير في الحكم بعد تظاهرات لأكثر من 4 سنوات تمخض عنها وصول  (آبي احمد) رئاسة الوزراء في العام 2018 ، منهيا حقبة الإئتلاف السابق الذي تربع في حكم البلاد نحو 27 عاما وبالتركيز على ما تم في العقود الثلاث الماضية بإثيوبيا ، نجد أن فترة حكم الراحل ميلس زيناوي (1991- 2012) حققت البلاد مركز ثقل في محيطها الإقليمي ” القرن الأفريقي ” وهو ما يؤهلها بالقارة الأفريقية أيضا ، وهو طموح ارتبط بعدد من المحددات الداخلية والإقليمية والدولية، التي أسهمت في صياغة السياسة الخارجية الإثيوبية منذ صعود الراحل زيناوي إلى الحكم .

ومضت حكومة هايلي ماريام ديسالين ( 2012 – 2017 ) ، هي الأخرى على ذات نهج زناوي ، من خلال رؤية إثيوبية تقوم على تحقيق التكامل الاقتصادي مع دول المنطقة كمدخل لزيادة معدلات النمو الاقتصادي بالبلاد، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، في سبيل مهمتها لدور إقليمي إثيوبي نشط، موظفة العديد من المقومات السياسية والاقتصادية والديموغرافية ، طموح أقعدته ثورة إحتجاجية تمخض عنها صعود رئيس الوزراء ، آبي أحمد إلى السلطة، وخلقت تحولات سياسية داخلية قلبت موازين الخطة التي عمل عليها الراحل ملس زيناوي وحاول إكمالها ديسالين .

 

آبي أحمد والإصلاحات

وبمجئ آبي أحمد مطلع إبريل العام 2018 ، تولد فصل جديد في تاريخ الدولة الإثيوبية التي تعرف بالتموجات والمتغيرات السياسية ، وبرزت تساؤلات عدة حول ملامح مستقبل الدولة الإثيوبية ودورها الإقليمي في المنطقة ، ما بين متفائل بقدوم الشاب الإثيوبي الذي ينحدر من قومية الأورومو أكبر قوميات البلاد تصدر شبابها الإحتجاجات المطلبية ، وآخر متشائم بعد سقوط الإئتلاف الذي كانت تقوده التيغراي بالرغم من تسببها على الإحتجاجات جراء تفردها بالسلطة وشاب فترة حكمها فساد سياسي وإقتصادي ، وإن كان بدأت في رسم دور إثيوبي فاعل على المستوى الإقليمي والدولي لنحو 27 عاما  1991 – 2018  .

وبدأ رحلة جديدة مع الإصلاح الإقتصادي والسياسي الذي إنتهجة آبي أحمد ، بتوسيع الحريات، وأتاح الفرصة لمشاركة أبناء الأقليات في الحكم، ومنع احتكار السلطة، بتأَسيس حزباً عاماً أطلق عليه (الإزدهار) بعد عام من وصوله ، وضمَّ قادة كل الاقليات ، خطوات نتج عنها إستقرار داخلي قبل أن يوسع علاقاته الاقليمية، باعادة علاقاته مع الجارة الشمالية إريتريا بعد قطيعة عقدين بين أسمرة وأديس أبابا ، وعقد عدة اتفاقيات مع جيبوتي والصومال، حول الاستثمار في الموانيء على البحر الاحمر، لتوفير منفذ بحري دائم لإثيوبيا، كما أنَّه وسَّع ايضا علاقاته مع دول العالم الأخرى، مثل: الصين وروسيا، ولم يَقصرها على دول الغرب ، خطوات جعلت إثيوبيا في صدراة دول القارة الافريقية.

اثيوبيا ودورها الإقليمي والدولي

هناك مقومات وعوامل تتعلق بالجيوسياسية أو الجيوبوليتيك لبروز أثيوبيا كقوة إقليمية صاعدة في أفريقيا ومنها ثقلها ووزنها السياسي والاقتصادي وموقعها الجغرافي الإستراتيجي كلها هذه مجتمعة تجعلها دولة محورية في أفريقيا وكمقر دائم للإتحاد الافريقي في أديس أبابا كعاصمة سياسية دبلوماسية لأفريقيا.

 

دور إثيوبيا في محيطها الإقليمي

وبالنظر الى الدور الإثيوبي في محيطه المحلي منطقة القرن الافريقي ، تعد إثيوبيا أكبر وأهم هذه الدول بموقعها وأهميتها، فهي محط أنظار العديد من دول العالم، بعد أن كانت ساحة الصراع الأمريكي السوفيتي سابقا، لتصبح حلبة تنافس دولي جديد، من دول راغبة في خطب ود أديس أبابا واقامة علاقات سياسية وإقتصادية معها وأخرى تتحسس وتشكك من صعودها كما يظهر لدى إريتريا التي ظلت علاقاتها في توتر مع إثيوبيا ، ودول تتوجس من المنافسين وتخشى صعود أديس أبابا وتطورها وانعكاسات ذلك في أمنهم القومي ، وثالثة سارعت في تعزيز تعاونها الاقتصادي بفتح موانئها للبضائع الإثيوبية كما هو حال جيبوتي التي تعد شريكًا استراتيجيًا بامتياز بالنسبة لإثيوبيا، نظرًا لاعتماد الأخيرة على ميناء جيبوتي كمنفذ مهم لتجارتها الخارجية .

وعلى صعيد العلاقة مع الصومال، تسعى إثيوبيا إلى تحقيق عدد من الأهداف ، اقتصاديًا، تبرز أهمية ربط الموانئ الصومالية، وتحديدًا موانئ بربرا وبراو ومركا وبوصاصو، بالاقتصاد الإثيوبي ، وتنظر الصومال إلى استقرار وقوة إثيوبيا عاملاً مؤثراً فيها ، ودخلت معها في إتفاقات تعاون وتحالف ثلاثي ضم إريتريا قبل أن ينهار جراء إعلان أديس أبابا برغبتها في عقد مذكرة مع أرض الصومال الخطوة التي عدتها مقديشو توغل في سيادتها .

ومصر التي ظلت خلافاتها مع إثيوبيا ترتبط بمياه النيل وتدفقه إلى مصر، تصاعدة بإعلان إثيوبيا إنشاء سد النهضة منذ العام 2011 ، وصلت الخلافات فيه الى مستوى التهديد بالمواجهة المسلحة ، إذ تنظر مصر الى استقرار إثيوبيا وقوتها عامل عدم استقرار لها، عن طريق وجود دعم دولي واقليمي ، وهو ما يقلق القاهرة التي ظلت تطالب عقد اتفاق ملزم بعدم الإضرار بحصتها .

 

سد النهضة تغيير الواقع الجيوسياسي

وبطبيعة الحال ظل سد النهضة يخلق واقعا جيوسياسيا جديدا تغير معه مفهوم الأمن القومي التقليدي الخاص لكل من مصر والسودان الى المفهوم الأمن المائي الإقليمي العام ، بحكم ان نهر النيل هو نهر إقليمي ويفرض على كل دول حوض النيل حتمية للتعاون الإقليمي لحماية الامن المائي والاستفادة القصوي من الموارد المائية.

كما أن توقيع دولة جنوب السودان على الإتفاقية الإطارية المعروف بإتفاقية عنتيبي لدول حوض النيل ، يعد هو الآخر مؤشرا لصعود دور أثيوبيا الإقليمي في تعزيز المصالح الإقليمية والدولية المشتركة.

والسودان الذي تربطه علاقات الجوار المتينة مع إثيوبيا، يرى أيضا أن عدم الاستقرار في المنطقة يعتبر مهدد حقيقي لوضعه الذي يشهد أزمة وصراع بين الجيش الوطني والدعم السريع كقوة متمردة عليه .

 

زيارة آبي أحمد لبورتسودان  

وإستراتيجية المحافظة على العلاقات بن البلدين تترجمها بوضوح ، زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للسودان مؤخرا ، والتي حركت المياه الإقليمية الراكدة لإستئناف المفاوضات في جنيف ، خطوة تعد مؤشر واضح لبروز دور أثيوبيًا كقوة اقليمية في حل القضايا الإقليمية في ظل تفاهمات إقليمية ودولية في إطار مبادرة جدة للسلام في السودان برعاية الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية بدعم من الأمارات ومصر وكذلك بدعم الإتحاد الإفريقي.

 

دورها على المحيط العالمي

أما على المستوى الدولي فلم يكن بعيدا من ذات التنافس الإقليمي ، إذ تعد إثيوبيا محط أنظار الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وهي حجر الزاوية في سياستهم الافريقية، خاصة فيما يتعلق بدورها الطليعي في محاربة التطرف بتعاونها مع دول الغرب، فضلا عن أنّها تعد قاعدة اقتصادية مهمة في حماية مصالح دول الغرب في القارة ، والصين هي الأخرى لم تكن غافلة عن أهمية إثيوبيا ، ضمن توغلها على القارة الأفريقية مؤخرا بدافع البحث عن الموارد والأسواق، حتى أصبحت إثيوبيا الشريك الاقتصادي الأكبر لها، بإمتلاكها مئات المشاريع الاقتصادية ، إذ تعد إثيوبيا من وجهة نظر الصين نموذجاً ناجحاً على مستوى القارة السمراء، وتدعم الصين إثيوبيا في مجال التسلح، لهذا تحاول دعم حكومتها من أجل استمرار التعاون معها.

لتدخل روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان يملك وجوداً عسكرياً في المنطقة ( إثيوبيا والصومال واليمن الجنوبي ، لاهميته كموقع مهم في البحر الاحمر، لذا سعت موسكو في استعادة ذلك الدور، وأن يكون لها موطئ قدم في القرن الافريقي، وجعلت من أديس أبابا المنفذ الأهم في هذه العودة عن طريق دعمها في مجلس الأمن، ومنع صدور أي قرار دولي ضد حكومة (آبي احمد)، في مواجهة صراعها مع جبهة تيغراي، دور مثلته الصين أيضا .

تطلع إثيوبيا على منفذ بحري

تدرك إثيوبيا منذ تحولها لدولة حبيسة في تسعينيات القرن الماضي بأنها افتقدت جزءًا من مقومات قوتها الإقليمية، خاصة بعدما أعلنت تفكيك القوة البحرية الإثيوبية، وهو ما دفع أديس أبابا نحو تكثيف البحث عن منافذ بحرية دائمة تقلل من حدة المعضلة الجغرافية التي تعانيها، خاصة أن الحكومة الإثيوبية ترفض أن تُمارس عليها ضغوط إقليمية أو دولية لكونها دولة حبيسة، كما أنها لا تريد تكرار تجربة إريتريا في بداية الألفية حتى لا تكون مضطرة لدفع المزيد من التكلفة لمرور تجارتها عبر الموانئ البحرية في المنطقة.

لذا تعمل على تعزيز دورها الإقليمي والظهور كرقم مهم في المعادلة الأمنية للبحر الأحمر، والذي لا يمكن أن يتم إلا بالسعي الإثيوبي بالحصول على موطئ قدم استراتيجي في البحر الأحمر يستهدف الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة والانخراط في لعبة الأمم بإقليم البحر الأحمر، وإبداء الرأي في صياغة الأهداف الأمنية البحرية الإقليمية، وتقديم نفسها للقوى الدولية الفاعلة كشريك وحليف كفء في أمن واستقرار القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وذلك من خلال لعب دور في تأمين التجارة الدولية والملاحة البحرية والمضايق البحرية بما في ذلك مضيق باب المندب الاستراتيجي.

ولعل شعور إثيوبيا بالسخط بعد تجاهل مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذي تأسس في يناير 2020 لها والذي تبنته المملكة العربية السعودية، وهو ما عبَّر عنه آبي أحمد في فبراير 2022 “بأن أمن البحر الأحمر لا يتحقق دون مشاركة إثيوبيا التي ستحافظ على مصالحها الاستراتيجية في المناطق البعيدة خلال السنوات الخمسة عشرة القادمة”. يشير إلى النوايا الإثيوبية تجاه استراتيجيتها تجاه الوجود في معادلة أمن البحر الأحمر لتعزيز دورها الإقليمي.

فالطموح الإثيوبي يسعى إلى جعل البلاد مركزًا إقليميًا لجذب الاستثمارات الأجنبية، لذلك تقود أديس أبابا مبادرة التعاون والتكامل الإقليمي وتحرص على تعزيز أمنها الداخلي وتأمين حدودها في منطقة تشهد اضطرابات وصراعات سياسية وحروبًا أهلية.

التفاعلات الإقليمية والدولية

برزت الرؤية الإثيوبية في الإطار الإقليمي ، في توجهات آبي احمد مع دول الجوار والملفات الإقليمية ، من خلال تأمينه ممرات استراتيجية في المنطقة عزز تدفق تجارته الخارجية، والتحول إلى مركز اقتصادي ومالي، وذلك في ظل احتدام التنافس الإقليمي والدولي على الموانئ البحرية في المنطقة، وذلك من خلال التوسع في الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، وتطوير البنى التحتية والربط مع دول الجوار المشاطئة للبحر الأحمر من خلال شبكة الطرق البرية وخطوط السكك الحديدية ، كما عزز دبلوماسية الموانئ في المنطقة، والحصول على حصص في الموانئ الحيوية، على نحو ما كشف عنه نجاحها في الحصول على حصص في مينائي جيبوتي، وبورت سودان .

وتعكس السياسة التي تتخذها أديس أبابا بقيادة آبي أحمد ، حيال عدد من القضايا والملفات الإقليمية بوادر لملامح الدور الإقليمي لإثيوبيا وعبر عنها آبي أحمد بوضوح خلال خطاب تنصيبه 2018، بأن سياسته الخارجية ستكون منفتحة على الجميع، وستركز على المصالح المتبادلة، وإصلاح العلاقات المتوترة مع دول المنطقة، وخارجها من أجل تعزيز التعاون الإقليمي.

ويشكل المحيط الذي تقع إثيوبيا في وسطه (القرن الأفريقي ) منطقة ذات تفاعلات في جميع  الأصعدة الداخلية، الإقليمية والدولية، جراء العديد من العوامل في مقدمتها النزاعات والصراعات وأنماط التهديد داخل بعض دولها، مثل تهديدات حركة الشباب في الصومال ودول الجوار، والنزاعات الحدودية بين دول المنطقة ، كما تتمتع المنطقة بالعديد من الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز الطبيعي، علاوة على الموقع الجغرافي المهم لبعض هذه الدول، الأمر الذي أدى إلى تكريس “عسكرة” المنطقة من خلال تمركز عدد من القواعد العسكرية الأجنبية تم تدشينها في المنطقة لأهداف سياسية وعسكرية واقتصادية، وهو ما أضفى على المنطقة أهمية جيواستراتيجية كبيرة ، وأضحت المنطقة ساحة للصراع والاستقطاب، على خلفية بعض الأزمات خارج المنطقة، وبلا شك هذه البيئة الإقليمية وفرت فرصة كبيرة لإثيوبيا للعب دور مهم في المعادلات والتوازنات الإقليمية، نتيجة لعوامل عدة، ما يجعلها إحدى الدول المحورية في شرق القارة .

وتبرز المساعي الإثيوبية نحو تعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع عدد من القوى الإقليمية مثل تركيا والسعودية والإمارات وقطر، بهدف توسيع تحالفاتها الخارجية ، وهو ما يؤكد أن إثيوبيا ترغب فعليًا في تغيير سياستها في المنطقة .

اما الرؤية الإثيوبية في الإطار العالمي ، برزت من خلال سعي إثيوبيا إلى تسويق نفسها لدى القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة، على أنها الحليف الإقليمي في شرق أفريقيا الذي يمكن الاعتماد عليه لحماية وتنفيذ الاستراتيجيات والمصالح العالمية في المنطقة، فضلًا عن علاقاتها المتنامية مع دول فاعلة في الشرق الأوسط ، ما أدى بدوره إلى تعاون الولايات المتحدة معها في محاربة الإرهاب في شرق القارة.

وتطرح إثيوبيا نفسها كقوة إقليمية قادرة على لعب دور الحليف الإقليمي للقوى الدولية في المنطقة، لا سيما الولايات المتحدة، في إطار الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، مستغلة عدم جاهزية بعض دول المنطقة بالنظر إلى ما تواجهه من تحديات أمنية داخلية، وعضويتها في عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، علاوة على دورها البارز في الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد”، وعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى مساهمتها في عمليات حفظ السلام الأممية في عدد من دول المنطقة مثل جنوب السودان والصومال، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى الاعتماد عليها للعب دور إقليمي من أجل تحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية الاستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي.

من ناحية أخرى، تقدم إثيوبيا نفسها كوجهة للاستثمارات الأجنبية ، ووفقًا للمؤشرات الإحصائية المتاحة حول حالة الاستثمار في أفريقيا، جاءت إثيوبيا في ترتيب متقدم بين أفضل 10 وجهات جاذبة للاستثمار في القارة مؤخرا ،  ونجحت إثيوبيا في هذا الإطار في بناء علاقات اقتصادية قوية مع عدد من القوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك عدد من الدول العربية ، وتستفيد إثيوبيا من هذه العلاقات الاقتصادية والاستثمارية في تعزيز تحركاتها الإقليمية والدولية.

وبلا شك أنَّ إثيوبيا بكل ما تضمه من موارد مختلفة وموقع وسكان، هو رهن سياسات داخلية تتأثر بالدعم الاقليمي والدولي، وإنَّ استقرارها واهميتها يتوقفان على علاقاتها مع محيطها الاقليمي، بإنهاء الخلافات من جهة، وفتح أبواب التعاون من جهة أخرى، كذلك فتح مسارات للمصالحة بين الاطراف الداخلية المتصارعة، وابعاد الشكوك، وبناء الثقة، وهو ما يبعد أي تأثير اقليمي دولي عنها ، لهذا فإنَّ القوى الاقليمية والدولية تستغل الصراع الداخلي فيها لإجبار حكومة اديس ابابا على تغيير سياستها تبعا لرغباتهم المختلفة ، وهو ما تدركه إثيوبيا بكل وعي وتعمل على تجسير الهوة ليس على مستوى الصراعات والنزاعات الحالية بقدر ما تعمل على حلول جذرية وفق رؤيتها في مشروع الحوار الوطني الشامل الذي شق طريقه منذ عامين وأكثر .

 

 

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai