الاحتفال بعيد الصليب يعزز التسامح والتراحم بين أبناء الوطن الواحد

سمراي كحساي

في كل عام وبعد أسبوعين من رأس السنة الاثيوبية وتحديداً في السابع والعشرين من سبتمبر تحتفل اثيوبيا ما يعرف بعيد مسقل او عيد الصليب .

والسر في الأهمية العظمى التي توليها الكنيسة الأورثوذكسية الإثيوبية لهذه المناسبة الدينية بالذات يعود إلى أن هناك اعتقاد أن أجزاءً من الصليب الأصلي الذي تم اكتشافه بواسطة رؤيا الملكة القديسة هيلينا  قد وصل إلى أثيوبيا وأنه لا يزال موجودا عند قمة جبل أمبا غَـشَنْ الذي يعتبر من المزارات الدينية المهمة والذي يأخذ فعلاً شكل الصليب.

ويعتبر شهر سبتمبر شهرا مهما في إثيوبيا، نسبة لكثرة الاحتفالات الإثيوبية التي تقع في هذا الشهر حسب  التقويم  الإثيوبي  أشهرها احتفالات رأس السنة الإثيوبية الجديدة  وإحتفال رأس السنة الثقافي لقوميتي شعب هديا الذي يسمي ياهودي  و كمباتا الذي يسما مسلا  ومهرجان  مسقل (اكتشاف الصليب الحقيقي) الديني ومهرجان إريتشا  لقومية شعب أورومو وغيره.

ويعمل الإحتفال بمسقل على تعزيز التسامح والتراحم بين أبناء الوطن الواحد بمختلف الأعراق والتنوع الثقافي وكذلك إلى نبذ التعصب والكراهية، وهو دعوة متجددة الى تعزيز النسيج الإجتماعي فى اثيوبيا من خلال التجمع والوحدة عندما يعود أهل المدن الى اهلهم فى الريف لقضاء عطلة العيد محملين بكل نفيس.

وفي مقابلة مع صحيفة العلم قال القس هبتا ماريام تسما ان الإحتفال بعيد مسقل هو واحد من اهم واكبر الأعياد الوطنية المسيحية الذي تحتفل به الكنائس الأرثوذكسية في جميع انحاء اثيوبيا بالأخص في قلب العاصمة اديس اببا في ميدان مسقل (الصليب) حيث يكون بشكل اكبر، ويصادف هذا العيد اكتشاف الصليب الحقيقي الذي صلب عليه السيد المسيح.

و اضاف ان كلمة “مسقل” هي في الاساس مشتقة من اللغة الجئزية الاثيوبية القديمة  وتعنى “صليب”.

و قال ان عيد الصليب او عيد اكتشاف الصليب الحقيقي هو اليوم الذي عثرت فيه القديسة هيلانة، على الصليب المقدس ورفعته على جبل الجلجثة وبنت فوقه كنيسة القيامة.

واشار الي ان “الصليب” الذي يؤمن المسيحيون أنّه تم صلب المسيح عليه، تذكر المصادر التاريخية أنّه ظل مطمورا بفعل اليهود تحت تل من القمامة، وذكر المؤرخون أنّ الإمبراطور هدريان الروماني (117 – 138م) أقام على هذا التل في عام 135م هيكلا للزهرة الحامية لمدينة روما.

واضاف القس هبتا ماريام انه في عام 326م تم الكشف على الصليب بمعرفة الملكة هيلانة أم الامبراطور قسطنطين الكبير، التي شجعها ابنها على ذلك فأرسل معها نحو 3 آلاف جندى، ولكن عند زيارتها لأورشليم وسألت عن مكان الصليب ولكن لم يُعلمها به أحد، فأخذت شيخًا من اليهود، وضيقت عليه ، حتى اضطر إلى الإرشاد عن المكان الذي يُحتمل وجود الصليب فيه بكيمان الجلجثة.

فأشارت بتنظيف الجلجثة، فعثرت على ثلاثة صلبان، ولما لم يعرفوا الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح أحضروا ميتًا ووضعوا عليه أحد الصلبان فلم يقم، وكذا عملوا في الآخر، ولكنهم عندما وضعوا على الميت الصليب الثالث قام لوقته، وأرسلت جزءًا منه إلى ابنها قسطنطين مع المسامير، وأسرعت في تشييد الكنائس المذكورة في اليوم السابع عشر.

وبعد أن وجدت “الصليب” أقامت كنيسة القيامة على مغارة الصليب وأودعته فيها، ولا تزال مغارة الصليب موجودة.

ويتعين على الإثيوبيين العمل الجاد من أجل الحفاظ على أصالة مهرجان مسقل (عيد الصليب) في محاولة لزيادة تدفق السياح لحضور المهرجان، ولتعزيز مكانة إثيوبيا كوجهة سياحية جذابة.

واضاف ان احتفالية مسقل أصبحت واحدة من أعظم الطقوسات الدينية  لانها تعزز الوحدة والسلام والمحبة بين المسيحيين .

وقال القس هبتاماريام  ان “دمرا” يعتبر  حدث مذهل وبهيج يوضح التراث الديني والثقافي لإثيوبيا و ان على الإثيوبيين أن يقدروا ويفخروا بتراثهم الرائع وإعطاء الاهتمام المناسب للحفاظ عليه جيدًا.

وشدد على ضرورة تكثيف الجهود من قبل الدولة للترويج لقطاع السياحة الإثيوبي إلى بقية العالم لمساعدة الآخرين على معرفة البلاد بشكل أفضل وهو أمر مهم في العديد من جوانب التنمية الوطنية.

وأضاف أن المهرجانات الكبيرة مثل عيد الصليب (مسقل) ستساعد الآخرين في التعرف على التراث الثقافي والتاريخي والديني للبلد.

وتابع: “إن هذه ثقافة غنية جدًا وأوصي الناس بالقدوم لرؤية إثيوبيا” .

وحافظت إثيوبيا على التقاليد الأفريقية لفترة طويلة جدًا و لم تضعفها الثقافة الأوروبية و هذا التقليد لا يزال أفريقيًا حقيقيًا كما كان دائمًا منذ مئات السنين  لذا فإن زيارة إثيوبيا تعتبر فرصة للأفارقة للالتقاء واكتشاف التقاليد الافريقية الاصيلة.

وفي مقابلة مع صحيفة العلم قال الصحفي والمترجم عادل محمد إن الكنيسة الاثيوبية الارثوذكسية وأتباعها من جميع القوميات يحتفلون بعيد الصليب في العاصمة اديس اببا، في الميدان الشهير ب “مسقل أدباباي” أي ساحة او ميدان الصليب، حيث تقام الاحتفالات الرئيسية، بحضور كبار القساوسة وعلى رأسهم البابا أو من ينوب عنه، إذا ما استعصى حضورهُ شخصياَ.

واضاف عادل ان هذا المشهد يكون مستنسخاَ في كل الاقليم الاثيوبية والمناطق التي يتواجد بها المسيحيين الأرثوذكس، وتكون أكثر بروزاً في مناطق تركزهم،  و تكون في كل حارة تجمعات مماثلة لسكان الأحياء وبعض الاسر الكبيرة التي لها حيشان او أفنية رحبة، تقيم هذه الاحتفالية داخل منازلها.

“الشيء الملاحظ في هذه الاحتفالية، من ضمن أمور اخرى إشعال النار، عند المسيحيين الأرثوذكس، حيث يُقام صليب ضخم من أعواد الأغصان والفروع الجافة للشجيرات، ويَقُوم بإيقاد النار كبير القساوسة او من ينوب عنه، وهو يومٌ مشهود في ساحة أو ميدان مسقل بوسطة العاصمة الإثيوبية اديس اببا، حيث يتجمع القساوسة ورجال الدين الأرثوذكس بملابسهم الزاهية المزركشة من جميع الكنائس التي تتنافس فيما بينها في ابراز افضل ما عندها، وفي عصر هذا اليوم، والنار تشتعل في الصليب المصنوع من الأغصان الجافة،  ويتمايل الجمع على الحان وانغام الترانيم الكنسية”.

واضاف ان لأتباع الكنيسة الأرثوذكسية تفسيرات مختلفة لاتجاه وقوع كومة النار بعد إشتعال الصليب، فإذا هي وقعت في اتجاه الشرق، فهذا فألٌ حسن، وإذا ما وقعت في اتجاه الغرب فذاك شؤمٌ، وإلى ما ذاك.

وقال :”عيد مسقل له دلالات بيئية مناخية وتاريخية اجتماعية وثقافية، إلى جانب معانيه ودلالاته الدينية عند اتباع الكنيسة الارثوذكسية الأثيوبية و الاريترية، فهو دلالة على نهاية فصل الخريف المطير الطويل، بكل ما فيه من معاناة معيشية حياتية يومية، حيث تنفد غلال الناس ومدخراتهم من الغذاء، وينطر فيها الناس الى اكل الخضروات، مثل السلج، المشابه له في اثيوبيا ما يعرف ب “غُمن”، فيكون هذا العيد دلالة على أوان نضوج محاصيل السنة الزراعية الجديدة والوفرة والتنوع والشبع”.

واشار عادل الي ان أعياد مسقل تعتبر بداية اعلان نهاية الخريف وبدأ الحصاد وان  هناك شعوب وقوميات اثيوبية تحتفل به بطرق ومسميات مختلفة عن تلك الأرثوذكسية، فعيد “إريتشا” لقومية أُرومو يأتي في نفس هذا المعنى البيئي ودلالاته الفصلية، مع اختلافات في كيفية الإحتفال، حيث يكون الماء والقش الرطب هو آلية الإحتفال بدلاً عن توليعة النار في مسقل.

وقال ان عيد “اريتشا” يُقام في وقتٍ غير بعيد عن عيد مسقل حيث تقام احتفائية عيد “اريتشا” في يوم الاحد التالي لاحتفال الأرثوذكس بعيد  مسقل.

واشار عادل الي ان هناك قوميات أخرى في جنوب اثيوبيا تحتفل به تحت مسميات أخرى مختلفة لكنها تحمل نفس الدلات البيئية والثقافية، أي من انتهاء الخريف الماطر الثقيل، وانحسار الأمطار وبداية موسم الحصاد.

ويحضر الإحتفال الذى يمثل جذباً سياحياً عالمياً العديد من الجنسيات المختلفة فى العالم، والتي تعبر عن سعادتها ودهشتها عن هذه الإحتفالية الفريدة العريقة، والتي تمثل مظهر من مظاهر التفرد للكنيسة الأورثوذكسية الأثيوبية.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *