سمراي كحساي
تحرص النمسا على تعزيز التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف مع إثيوبيا في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك.
و في أوائل ديسمبر 2023، استضافت النمسا رئيس الوزراء أبي أحمد في فيينا، وكانت الزيارة ناجحة للغاية، حيث اجري مناقشات مثمرة مع المستشار النمساوي كارل نهامر، تناولت مجموعة واسعة من القضايا الثنائية واستكشاف العديد من فرص التعاون.
وفي هذا الاطار اجرت صحيفة العلم مقابلة حصرية مع السفيرة النمساوية لدى إثيوبيا، سيمون ناب والمقابلة كالتالي:
هل يمكنك تقديم لمحة عامة عن العلاقة التاريخية بين إثيوبيا والنمسا؟
ليس من السهل تقديم نظرة دقيقة عن العلاقات التاريخية، لكن علاقاتنا طويلة الأمد. نحتفل هذا العام بمرور 120 عامًا على العلاقات الثنائية بين النمسا وإثيوبيا. في عام 1905، وقّع أباطرتنا أول معاهدة صداقة، مبنية على العلاقات القائمة بين البلدين. أحد رموز هذه العلاقات هو عملة “ماريا تيريزا تالر” التي كانت تُستخدم في إثيوبيا للتجارة. تعززت العلاقات بعد معاهدة الصداقة، مما أدى إلى زيادة التفاعلات بين الشعوب.
سافر النمساويون والإثيوبيون بين البلدين، مما عزز التبادل الثقافي. على سبيل المثال، أجرى عالم نمساوي أبحاثًا رائدة في منطقة كافا في ثلاثينيات القرن العشرين، وعُرضت نتائجه في متحف في النمسا. و افتتحت السفارة في إثيوبيا عام 1964، مما عزز العلاقات بشكل أكبر . طوال القرن العشرين، شهدنا تفاعلات كثيرة بين الشعوب، حيث قدم النمساويون مساهمات في مجالات مختلفة في إثيوبيا.
هذه التفاعلات مستمرة حتى اليوم، من خلال برامج التعاون الإنمائي وأنشطة السفارة. قدم فنانون وطهاة وخبراء من النمسا مساهمات كبيرة في إثيوبيا، مما يعكس الرابطة المتينة بين بلدينا.
كيف يساهم التبادل الثقافي في تعزيز العلاقات بين البلدين؟
أعتقد أن التبادل الثقافي وسيلة قيّمة لتعزيز العلاقات بين الأمم. لدينا تبادلات ثقافية في كلا البلدين. على سبيل المثال، في العام الماضي، زار أحد أشهر فناني الجاز الإثيوبيين، صموئيل، النمسا لإحياء بعض الحفلات الموسيقية. حتى أنه تعاون مع عازف بيانو جاز نمساوي.
كما زارنا عازف البيانو النمساوي العام الماضي، ونحن نخطط لمزيد من الأنشطة الثقافية هذا العام. وقبل أسبوعين فقط، استضفنا مغنيًا نمساويًا شابًا. وسنستقبل المزيد من الموسيقيين النمساويين لاحقًا هذا العام. أؤمن بأن الروابط بين الناس عبر الفن والثقافة والموسيقى ذات قيمة كبيرة.
كيف تنظرين إلى الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة؟
اتخذت الحكومة قرارات مهمة منذ سنوات لإصلاح الاقتصاد والانفتاح على العالم. ولا تزال مفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية جارية. من الضروري أن تكون إثيوبيا جزءًا من الاقتصاد العالمي، فمن الصعب الازدهار بمفردك في عالم اليوم.
الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة في السنوات الأخيرة مهمة ومعترف بها على نطاق واسع. وهي مفيدة خاصة للمستثمرين النمساويين الذين يبحثون عن فرص في إثيوبيا، حيث توفر أسواقًا مفتوحة وحوافز.
هل تعتقدين أن هناك أي تغييرات حديثة؟ هل تخططون لجذب المزيد من المستثمرين؟
نعم، بالتأكيد. في الواقع، أحضرنا بعض المستثمرين المحتملين والفعليين في أكتوبر الماضي. قمنا ببعثة تجارية مع شركات نمساوية أبدت فضولًا واهتمامًا كبيرًا بالتغييرات في إثيوبيا، ورأت فيها شريكًا اقتصاديًا محتملًا.
بعضهم يستثمر بالفعل في إثيوبيا، خاصة في قطاعي الصحة والطب. بينما لا يزال آخرون يستكشفون شراكات محتملة. من المهم اتخاذ هذه الخطوات الأولية وبناء العلاقات، حتى لو لم تتحقق جميع الاستثمارات.
لدينا بعثة تجارية أخرى مقررة في يونيو، بمشاركة بعض الشركات. سنقيّم اهتماماتها ونسهل لقاءاتها مع شركاء مناسبين في إثيوبيا لمساعدتهم على اتخاذ قرار الاستثمار هنا. الاهتمام النمساوي بإثيوبيا مثير للإعجاب، ويعكس التزام إثيوبيا بالإصلاح الاقتصادي.
نعلم جميعًا أن الأمر لم يكن سهلاً، لكنها خطوات مهمة جدًا. لذلك نريد أن نكون جنبًا إلى جنب مع إثيوبيا وندعمها على هذا المسار.
ما هي القطاعات التي يرغبون في الاستثمار بها في إثيوبيا؟ هل يمكنكم ذكر بعض المجالات؟
لدينا بالفعل بعض المجالات. هناك شركتان نمساويتان تعملان في القطاع الطبي. إحداهما تعمل في بولي ليمي وأنشأت منشأة إنتاج هناك.
هم الآن في مرحلة تجريب هذه المنشأة. والشركة الأخرى تستثمر في قطاع الصحة، وتقوم بزراعة القوقعة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية.
بالإضافة إلى شراكاتهم مع شركات محلية، يعملون أيضًا على تدريب القطاع الطبي هنا. لأن الاكتشاف المبكر للإعاقة السمعية لدى الأطفال وتركيب السماعات يساعدهم على التطور بشكل طبيعي.
وهناك مثال آخر في يونيو، سيكون التركيز أكثر على قطاع التعدين لان النمسا بلد جبلي، يشبه إثيوبيا إلى حد ما، ولدينا تقليد كبير في التعدين. لدينا جامعة تعدين مرموقة في النمسا، وسنقوم ببناء جسور مع شركات التعدين النمساوية ذات الخبرة الكبيرة في هذا المجال.
أطلقت الحكومة مبادرة لزراعة الأشجار سنويًا في يوليو لمكافحة تغير المناخ. كيف تنظرين إلى مبادرة “الإرث الأخضر” الإثيوبية؟
أوافقك الرأي تمامًا. زراعة الأشجار أمر بالغ الأهمية عالميًا ويساهم بشكل كبير في تحسين المناخ.
من الضروري دعم هذه المبادرة، وأنا متحمسة للمشاركة مرة أخرى. شاركت في أنشطة زراعة الأشجار العام الماضي، وزرعنا أشجارًا داخل مقرنا أيضًا. هذا النشاط مهم جدًا، خاصة في بلد مثل إثيوبيا معرض بشدة لتغير المناخ. أنماط الطقس المتغيرة واضحة، مما يبرز أهمية زراعة الأشجار لمكافحة هذه الآثار.
الأمر مهم ليس فقط في المدن ولكن في جميع أنحاء البلاد. الأشجار تلعب دورًا حيويًا في التخفيف من تغير المناخ وتحسين التربة ومن خلال زراعة الأشجار، يمكن إحياء التربة وجعلها صالحة للزراعة المستقبلية.
كيف تقيمين العلاقات الثنائية الحالية والتعاون بين النمسا وإثيوبيا؟ وما هي مجالات التعاون؟
أولاً، أعتقد أن علاقاتنا الثنائية ممتازة. آمل أن نستمر على هذا المسار الإيجابي. لدينا تقاليد طويلة وعلاقات ودية للغاية. كانت آخر زيارة رفيعة المستوى من رئيس وزراء إثيوبيا إلى النمسا قبل عام ونصف. ومع الحكومة النمساوية الجديدة، نأمل أن يزور وزير خارجيتنا إثيوبيا قريبًا.
أجرى وزراء خارجيتنا حديثًا محادثة مثمرة في بروكسل خلال اجتماع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. هذا يعكس قوة وودية العلاقات على جميع المستويات، بما في ذلك التبادلات الشعبية والتفاعلات السياسية والدبلوماسية.
النمسا تشارك في مجالات تعاون متنوعة في إثيوبيا، تشمل التعاون القطري والاقتصادي والإنمائي. نهدف إلى تعميق التعاون الاقتصادي ودعم البرامج والمشاريع هنا. في التنمية الريفية، نركز على زيادة الإنتاجية الزراعية وتنمية المهارات لتمكين الناس من خيارات إنتاجية أخرى. كما ندعم الحوكمة المحلية لضمان مشاركة الناس في صنع القرار.
بصفتك سفيرًا، ما الذي يمكن أن يعزز التعاون بين البلدين أكثر؟ هل هناك قطاعات تحتاج إلى مزيد من الاهتمام؟
نعم، لدينا تركيز سنوي. هذا العام، نركز على التعاون الثقافي. نستضيف موسيقيين نمساويين للتعاون مع فناني إثيوبيا. على سبيل المثال، تعاون مؤخرًا فنانان نمساويان مع فنان إثيوبي في أداء مشترك. نحن نسعى دائمًا لتسهيل مثل هذه الشراكات.
سيكون لدينا المزيد من الموسيقيين هذا الأسبوع وفي يوليو، وسنقوم بإقرانهم مع موسيقيين محليين. نؤمن بأن الابتكار المشترك وتبادل الأفكار طريقة رائعة لتعزيز العلاقات.
جميع المشاركين متحمسون، خاصة أن الكثيرين منهم يزورون إثيوبيا لأول مرة. يقدرون التعرف على الثقافة والموسيقى ويستمتعون بالإبداع معًا. التعاون الثقافي مجال نريد تعميقه، إلى جانب التعاون الاقتصادي. حاليًا، نركز على التعدين بسبب شراكتنا مع جامعة التعدين النمساوية لدعم بناء القدرات في إثيوبيا.
حجم التبادل التجاري المباشر بين النمسا وإثيوبيا ليس كبيرًا، لأن كلا البلدين غير ساحليين، ومعظم تجارتنا داخل أوروبا. لكن التبادل التجاري بين أوروبا وإثيوبيا كبير، حيث تصدر أوروبا بضائع بقيمة 600 مليون دولار إلى إثيوبيا، وتستورد منها بضائع بقيمة 1.2 مليار دولار. يصعب تتبع البضائع التي تدخل أوروبا وتنتهي في النمسا بسبب السوق المشتركة، مثل القهوة التي تدخل عبر روتردام أو إيطاليا وتصل إلى النمسا لاحقًا.
كيف يمكن تعزيز السياحة بين البلدين؟ وما هي التجارب الفريدة التي يمكن تقديمها لمواطني كل بلد؟
لنبدأ بتجربة فريدة: لدينا تعاون رائع مع إثيوبيا في مجال السياحة. في سالزبورغ، النمسا، لدينا معهد معروف للتدريب السياحي يسمى معهد السياحة والضيافة. تأسس المعهد في الستينيات مع بدء تطوير السياحة في النمسا، وكان دائمًا يرحب بالطلاب الأجانب، بما في ذلك الإثيوبيين. يحصل الطلاب على دبلوم لمدة عام في السياحة، ونرى تأثير ذلك عند عودتهم للعمل في قطاع الضيافة في إثيوبيا.
كيف يمكن للمؤسسات التعليمية في البلدين التعاون لتعزيز التفاهم وتبادل المعرفة؟
لدى الجامعات النمساوية تاريخ طويل من التعاون مع إثيوبيا ودول أخرى. موقع النمسا في قلب أوروبا جعل الانفتاح على الجوار ضروريًا للنمو. هذا الانفتاح يشمل البحث والتعاون الجامعي، حيث تتعاون الجامعات النمساوية بنشاط مع مؤسسات إثيوبية مثل جامعة أديس أبابا، وجامعة هارومايا، وجامعة بحر دار، وغيرها.
و يدعم هذا التعاون جهود التنمية النمساوية، حيث يتم تمويل أساتذة وطلاب للبحث في البلدين. يشمل التعاون مجالات مثل الصحة والطب والتعليم، مما يسهل تبادل طلاب الدراسات العليا ومرشحي الدكتوراه. هذا يعكس التزام البلدين بالتفاهم المتبادل وتبادل المعرفة.