عمر حاجي
تتحول إثيوبيا بسرعة إلى واحدة من أبرز الوجهات الواعدة في أفريقيا لسياحة المؤتمرات، حيث تبرز عاصمتها، أديس أبابا كمركز حضري سريع التطور، وذلك، بفضل القيادة الجريئة الثاقبة، ومشاريع البنية التحتية الطموحة، والمشاركة الدولية المتزايدة. وتُرسّخ إثيوبيا مكانتها كوجهة رئيسية للمؤتمرات والقمم والفعاليات الكبرى. ولا يُعدّ تنامي جاذبية أديس أبابا مصادفة فقط، بل ساهم مزيج من التخطيط الاستراتيجي، والاستثمار في قطاع الضيافة والبنية التحتية، والاهتمام العالمي المتجدد في دفع هذا التوجه الصاعد في مشهد سياحة المؤتمرات في إثيوبيا.
وتشهد أديس أبابا، التي تُعرف غالبًا بالعاصمة الدبلوماسية لأفريقيا، تحولًا جذريًا، فالمدينة ليست مقرًا للاتحاد الأفريقي واللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة فحسب، بل تضم أيضًا العديد من البعثات والسفارات الأجنبية. وجعلت هذه المؤسسات أديس مركزًا للدبلوماسية الدولية منذ فترة طويلة. بالإضافة، أن التطورات الأخيرة تُحوّلها الآن إلى مركز لسياحة المؤتمرات العالمية أيضًا. كما أن مشروع تطوير الممرات، وهو مبادرة رائدة تُعيد تشكيل المشهد الحضري للمدينة، يُهيئ بيئةً أكثر سهولةً وجمالاً.
ويتجلى هذا التحول جلياً في الطرق الجديدة، والأماكن العامة المُجمّلة، ومرافق المطار المُطوّرة، وأنظمة النقل الحديثة، والتي تعمل جميعها بتناغمٍ لتعزيز جاذبية أديس أبابا كوجهةٍ مثاليةٍ للمؤتمرات. وتُعدّ البنية التحتية من أهم العوامل الحاسمة في نجاح مدينة المؤتمرات، وتُحرز تقدماً هائلاً في هذا الصدد. فعلى مدار الساعة، تُنفّذ مشاريع بناء ضخمة في جميع أنحاء المدينة، ولا تقتصر هذه المشاريع على الطرق وأنظمة النقل فحسب، بل تشمل أيضاً الفنادق الفاخرة، ومراكز المؤتمرات، والحدائق، والمناطق الترفيهية. كما لا تقتصر هذه التحسينات على الجوانب الجمالية فحسب، بل تُلبّي بشكل مباشر الاحتياجات اللوجستية والتجربة لرواد المؤتمرات الدوليين. ولم تُضفِ إضافة العديد من الحدائق العامة الجديدة، بما في ذلك حديقة الوحدة وحديقة الصداقة، جمالاً على المدينة فحسب، بل وفرت أيضاً أماكن متعددة الاستخدامات للتجمعات غير الرسمية، وحفلات الاستقبال، وجلسات التواصل.
وفي السنوات الأخيرة، أبدت الحكومة الإثيوبية التزامًا قويًا بدعم السياحة والبنية التحتية المتعلقة بالمؤتمرات. وتُعد مبادرة رئيس الوزراء أبي أحمد ” العشاء من أجل الوطن” مثالًا بارزًا على مشروع مصمم لتعزيز الصورة العالمية للبلاد وعروضها السياحية. ووجّهت هذه المبادرة الموارد نحو تجديد المعالم البارزة، وتطوير مناطق جذب سياحي جديدة، والترويج للتراث الثقافي الغني لإثيوبيا على الساحة العالمية. وقد أفادت الآثار المتتالية لهذه الجهود بشكل كبير قطاع سياحة المؤتمرات من خلال خلق بيئة أكثر جاذبية وملائمة للزوار. وبدأت نتائج هذه الجهود المشتركة تتضح بالفعل.
وقد استضافت البلاد أكثر من 60 مؤتمرًا رئيسيًا في الأشهر التسعة الماضية فقط، مقابل 19 مؤتمرًا خلال نفس الفترة من العام الماضي. وهذا النمو الملحوظ ليس مجرد شذوذ إحصائي فحسب، بل يعكس تحولًا ملموسًا في كيفية رؤية إثيوبيا من قبل المنظمات الدولية والحكومات ومؤسسات القطاع الخاص. من القمم السياسية رفيعة المستوى، كقمة الاتحاد الأفريقي، إلى التجمعات القارية الكبرى، كالجمعية العامة العادية السادسة والأربعين للاتحاد الأفريقي لكرة القدم. وأثبتت إثيوبيا قدرتها على إدارة وتنظيم فعاليات عالمية المستوى.
ويُعدّ مركز المؤتمرات الذي افتُتح حديثًا في أديس أبابا شاهدًا على تطلعات البلاد، حيث صُمّم مركز المؤتمرات، المُجهّز بأحدث التقنيات، ومساحات فعاليات قابلة للتكيّف، ووسائل راحة فاخرة، لتلبية المعايير الدولية واستيعاب الفعاليات بجميع أحجامها. وهذا المرفق ليس مجرد مبنى، بل هو رمز لاستعداد إثيوبيا للاضطلاع بدور أكبر في مجال المؤتمرات العالمي. كما لعبت فنادق أديس أبابا الفاخرة دورًا محوريًا في هذا التحوّل. وتُقدّم السلاسل العالمية والمؤسسات المحلية الفاخرة خدمات مُصمّمة خصيصًا لتلبية احتياجات المشاركين في المؤتمرات. ويتميّز قطاع الفنادق في المدينة بأماكن إقامة عصرية، وخدمة عملاء استثنائية، ومرافق تُلبّي احتياجات مسافري الأعمال تحديدًا، مثل قاعات الاجتماعات، والصالات التنفيذية، والإنترنت عالي السرعة، إلى جانب كرم الضيافة الإثيوبي المعروف، تضمن سلاسة تنفيذ جميع الفعاليات وشعور كل مشارك بالترحيب.
ومن المزايا الرئيسية الأخرى التي تميز أديس أبابا هي الخطوط الجوية الإثيوبية، فبصفتها أكبر وأنجح شركة طيران في أفريقيا، تربط القارة بالمدن العالمية الكبرى عبر شبكتها الواسعة، وينعكس هذا على منظمي المؤتمرات والحضور، مما يوفر سهولة الوصول، ولوجستيات أفضل، وتقليل ضغوطات السفر. وقد ساهمت الخطوط الجوية الإثيوبية بفعالية في الترويج لإثيوبيا كمركز للمؤتمرات السياحة، وليس توفير الاتصال فقط، بل من خلال الشراكة مع قطاعي السياحة والضيافة لتقديم باقات جذابة أيضا.
كما يُعد الأمن والاستقرار أمرًا بالغ الأهمية لأي دولة تطمح إلى أن تصبح رائدة في سياحة المؤتمرات. وتتمتع إثيوبيا، خاصة أديس أبابا، بمعدل منخفض الجريمة نسبيًا مقارنةً بالعديد من المدن الأفريقية الكبرى الأخرى. وقد أولت الحكومة الأولوية للسلام والنظام، مُدركةً أن الشعور بالأمان أمرٌ حيوي لجذب الفعاليات الدولية. كما أن سجل المدينة المتنامي في استضافة فعاليات سلمية رفيعة المستوى يُعزز الثقة بين المنظمين والمشاركين. ولعل أكثر ما يُلفت الانتباه في صعود إثيوبيا في قطاع سياحة المؤتمرات هو الزخم الذي يقف وراءه. ولا يقتصر هذا التحول على أديس أبابا فحسب، بل بدأت مناطق مختلفة في جميع أنحاء إثيوبيا بالاستفادة من إمكانات سياحة المؤتمرات. وتحرز مدن مثل بحر دار، وهواسا، مقلي تقدمًا مماثلًا، وإن كان على نطاقات مختلفة. ومع تحسن البنية التحتية وزيادة نشاط الحكومات المحلية في الترويج، من المتوقع أن تُصبح هذه المدن بدائل جذابة أو مُكملات لأديس أبابا لاستضافة الفعاليات.
ويُعدّ هذا التنوع في الوجهات السياحية داخل إثيوبيا أمرًا بالغ الأهمية لاستدامة النمو طويل الأجل. فمن خلال نشر فوائد وقدرات سياحة المؤتمرات في جميع أنحاء البلاد، يُمكن لإثيوبيا ضمان توزيع أكثر عدلًا للإيرادات وفرص التنمية. كما يُتيح ذلك إبراز ثقافات أقاليم البلاد الغنية وجمالها الطبيعي، بدءًا من المواقع التاريخية في لاليبيلا ووصولًا إلى بحيرات وادي ريفتفالي الخلابة. ويُعزز هذا التكامل بين السياحة والمؤتمرات تجربة الزوار ويُعظم الأثر الاقتصادي.
وإنّ التآزر بين التنمية والدبلوماسية والسياحة هو ما يجعل قطاع سياحة المؤتمرات في إثيوبيا واعدًا بشكل خاص. فعلى عكس العديد من الوجهات التي تُطوّر صناعاتها السياحية بمعزل عن أهداف السياسات الأوسع، فقد وائمت إثيوبيا استراتيجيتها السياحية بذكاء مع أولويات التنمية الوطنية. ويتجلى هذا التوافق في كيفية ترابط مشاريع البنية التحتية والسياسة الخارجية وخدمات الضيافة. والنتيجة هي قيمة متماسكة وجذابة لأصحاب المصلحة الدوليين. كما أن هناك عنصرًا بشريًا قويًا يدعم هذا التحول. فالشعب الإثيوبي معروف بدفئه وصموده وكرم ضيافته. وتُثري هذه السمات الثقافية تجربة المؤتمرات وتترك انطباعًا دائمًا لدى الزوار، سواءً من خلال مراسم القهوة التقليدية، أو الجولات الثقافية المصحوبة بمرشدين، أو التفاعلات اليومية البسيطة، فإن الروح الإثيوبية عنصر أساسي في نجاح سياحة المؤتمرات في البلاد. ويبدو أن مسار البلاد في قطاع سياحة المؤتمرات آخذ في التصاعد. ومع استمرار الاستثمار، وتحسين التسويق، والاستقرار السياسي المستدام. فإن البلاد مهيأة لتصبح ليس قائدًا إقليميًا فحسب، بل منافسًا عالميًا. يُنصح منظمو المؤتمرات الدوليون بالنظر إلى إثيوبيا ليس لجاهزيتها اللوجستية والبنية التحتية فقط، بل للتجربة الثقافية الفريدة التي تقدمها. وفي أسواق عالمية تشهد منافسة متزايدة، ويبرز المرافق الحديثة، والموقع الاستراتيجي، والتراث الغني، وكرم الضيافة، كمزيج منعش وموثوق للبلاد.
وهكذا، فإن نمو سياحة المؤتمرات في إثيوبيا ليس مجرد اتجاه اقتصادي فحسب، بل هو قصة تجديد وطني، وتكامل عالمي، وازدهار مشترك. ومع جدول مزيد من الفعاليات والمؤتمرات، تواصل إثيوبيا تعزيز مكانتها على الساحة العالمية، ليس كمضيف للمحادثات فقط، بل أيضًا كوجهة تلتقي فيها الأفكار والثقافات والشراكات. وهذا المزيج النابض بالحياة من التقاليد والتحول يضمن بقاء إثيوبيا محط أنظار منظمي الفعاليات العالمية والدبلوماسيين وقادة الأعمال على حد سواء. وإثيوبيا منفتحة على الحوار والتطوير والاستكشاف.