فوائد سد اباي للدول الأفريقية

 

سمراي كحساي

 

إن سد اباي ليس مجرد مشروع وطني لإثيوبيا، بل له آثار أوسع نطاقًا على القارة الأفريقية بأكملها. وباعتباره أحد أكبر مشاريع البنية التحتية في أفريقيا، يجسد سد النهضة مبادئ الوحدة الأفريقية من خلال تعزيز الاعتماد على الذات اقتصاديًا، والتعاون الإقليمي، والازدهار المشترك، والسلام، والتكامل الاقتصادي.

ويتم تمويل سد اباي بالكامل من قِبل الشعب الإثيوبي دون الاعتماد على المساعدات أو القروض الخارجية، مما يُظهر قدرة أفريقيا على تمويل وتنفيذ مشاريعها الضخمة.

وهذا المشروع الضخم ليس رائدًا لإثيوبيا فحسب، بل لأفريقيا أيضًا و سيصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير أحد مراكز الطاقة في إثيوبيا، حيث يزود أفريقيا بالطاقة الكهرومائية.

و في سياق الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا وأجندة 2063، ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، يُرسي هذا المشروع سابقة للدول الأفريقية الأخرى لتولي ملكية مواردها الطبيعية وبناء بنى تحتية حيوية.

ومن المتوقع أن يُنسق القادة الأفارقة عملية جمع الموارد الأفريقية لاستخدامها في برامج التنمية في أفريقيا بدلاً من كونها موارد خام لشركات تقع في البلدان الصناعية حول العالم.

ومن المتوقع أن تُشكّل حرب الرسوم الجمركية الحالية وخفض برامج المساعدات ناقوس خطر للدول الأفريقية لحثّها على استخدام مواردها، بما فيها الموارد المائية، لتوليد الطاقة المتجددة. وسد النهضة الإثيوبي الكبير خير مثال على ذلك.

يُعد سد النهضة الإثيوبي الكبير، واستكماله في غضون ستة أشهر تقريبًا، نصبًا تذكاريًا حيًا لانتصار إثيوبيا الكامل على مؤامرات أولئك الذين حاولوا إضعافها وتقسيمها. إنهم يخشون رؤية إثيوبيا قوية ومزدهرة، ولن يدخروا جهدًا في تخريب برامج التنمية في البلاد.

يُبرز سد النهضة الإثيوبي الكبير روح الوحدة الأفريقية، مُظهرًا ما يمكن للدول الأفريقية تحقيقه من خلال التصميم الجماعي. ولا يمتلك أي بلد أفريقي موارد طبيعية كاملة، ولكن إذا جمعت الدول الأفريقية مواردها معًا، فيمكنها الانخراط في نمو وتنمية اقتصاديين متواصلين. و في هذا السياق، سيُولّد سد النهضة الإثيوبي الكبير أكثر من 6000 ميغاواط من الكهرباء، مما يجعل إثيوبيا مركزًا رائدًا للطاقة في أفريقيا ولأفريقيا بأكملها.

وتستفيد الدول المجاورة مثل السودان وكينيا وجيبوتي وجنوب السودان وتنزانيا بالفعل، و هي في طريقها للاستفادة، من صادرات الكهرباء، مما يُعزز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة. وهذا يُشير بوضوح إلى مدى مشاركة إثيوبيا لمواردها، مسترشدةً برؤية الوحدة الأفريقية. إن الحصول على الكهرباء بأسعار معقولة يُحفّز التصنيع، ويخلق فرص عمل، ويدفع عجلة النمو الاقتصادي في منطقة القرن الأفريقي وخارجها.

و يتحدى سد النهضة الإثيوبي الكبير معاهدات المياه الاستعمارية الجديدة المبرمة عامي ١٩٢٩ و١٩٥٩، والتي شملت بريطانيا ومصر والسودان، بهدف السيطرة على منابع النيل واحتكار مياهه بالكامل دون إشراك إثيوبيا التي تُساهم بأكثر من ٨٥٪ من مياهه.

ويؤكد المشروع حق إثيوبيا في تنمية نهر النيل، مع تعزيز التقاسم العادل للمياه بين جميع دول حوض النيل. ويتماشى المشروع مع اتفاقية الإطار التعاوني (CFA)، التي تسعى إلى استخدام عادل ومنصف لمياه النيل لجميع الدول الأفريقية.

تجدر الإشارة إلى أن الكهرباء الموثوقة من سد النهضة الإثيوبي الكبير ستعزز جهود التصنيع في أفريقيا وتقلل الاعتماد على واردات الوقود باهظة الثمن. كما أنها تخلق فرصًا للتجارة والاستثمار عبر الحدود، مما يعزز التكامل الاقتصادي في منطقة شرق أفريقيا. ومن خلال استقرار إمدادات الطاقة، يساهم سد النهضة الإثيوبي الكبير في الأمن الغذائي والإنتاجية الزراعية والقدرة على التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا.

و أثار سد النهضة الإثيوبي الكبير نقاشات حول الأمن المائي في أفريقيا، وشجع على التواصل الدبلوماسي بين دول حوض النيل. كما أنه يعزز المؤسسات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، الذي لعب دورًا وسيطًا في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي الكبير. ويُعد السد نموذجًا للحلول التي تقودها أفريقيا للتحديات العابرة للحدود دون تدخل خارجي.

ويجب على أفريقيا إعطاء الأولوية للحوار وبناء الثقة والحوكمة المشتركة لضمان أن يعود سد النهضة الإثيوبي الكبير بالنفع على جميع أصحاب المصلحة. وسيكون تعزيز مبادرة حوض النيل (NBI) واتفاقية الإطار التعاوني (CFA) أمرًا أساسيًا لتعزيز التعاون بدلًا من الصراع على موارد النيل.

وسد النهضة الإثيوبي الكبير ليس مجرد مشروع لتوليد الطاقة، بل هو قصة نجاح أفريقية تجسد الاعتماد على الذات والتعاون الاقتصادي والتكامل الإقليمي.وإذا أُدير بشكل صحيح، يمكن أن يكون حافزًا لتنمية أفريقيا، مُلهمًا الدول الأخرى لاتخاذ خطوات جريئة نحو الاكتفاء الذاتي والازدهار المشترك.

إن سد النهضة الإثيوبي الكبير هو بمثابة رسول سلام واستغلال عادل لمياه النيل الأزرق. إنه أداة للتعاون السلمي ومبادرة متبادلة المنفعة لدعم احتياجات دول القرن الأفريقي من الطاقة، لتنشيط صناعاتها التحويلية الناشئة وقطاعات أخرى من تنميتها الاقتصادية.

ومن ناحية أخرى، يمكن للخبرة المكتسبة من بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير وتقنياته أن تُرسي علاقات جيدة، وأن تُسهم في نقل المهارات إلى الدول الأفريقية الأخرى التي قد ترغب في بناء سدودها الخاصة في المستقبل.ويمكن لمؤسسات التعليم العالي والجامعات في هذه الدول الاستفادة من خبرة المهندسين وعلماء المياه الإثيوبيين في بناء قدراتهم في العلوم والتكنولوجيا، مما يعزز الوحدة الأفريقية.

إن تطوير قطاع السياحة والضيافة سيجعل من سد النهضة الإثيوبي الكبير مركزًا للصداقة المتبادلة بين شعوب العديد من الدول، ويجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، معززين بذلك الثقافة الأفريقية.

وسيكون سد النهضة الإثيوبي الكبير منصةً ممتازةً لتعزيز العلاقات الثقافية والدبلوماسية لإثيوبيا بين الشباب حول العالم، من خلال برامج التبادل السياحي التعليمي التي من شأنها تعزيز علاقات إثيوبيا مع دول وشعوب العالم.

وتنص السياسة الخارجية والدبلوماسية المُعدّلة لإثيوبيا، في القسم الثالث من وثيقة السياسة، على أن “إثيوبيا ستستخدم مواردها المائية العابرة للحدود بطريقة منصفة ومفيدة للجميع، وستسعى جاهدةً لتعظيم فوائدها من خلال علاقات وأهداف خارجية قوية”.

ويشير هذا إلى أن إثيوبيا لم تخطط قط لاستخدام مياه النيل الأزرق لمصلحتها الخاصة، بل لمشاركة موارد الطاقة مع الدول الأفريقية الأخرى لتعزيز التكامل الاقتصادي والعمل الموحد لمكافحة تغير المناخ باستخدام موارد الطاقة غير الأحفورية، مثل سد النهضة الإثيوبي الكبير.

كما أشرنا سابقًا، سيكون سد النهضة الإثيوبي الكبير، بفضل موقعه المتميز للسياحة البيئية ومركز الضيافة، مركز جذب سياحي رئيسي في أفريقيا، حيث يمكن للزوار من أفريقيا وبقية العالم الالتقاء لتعزيز السلام والحوار البنّاء.

وستستفيد إثيوبيا ومصر والسودان بشكل أكبر من خلال التعاون لتحقيق العناصر السبعة عشر لأهداف التنمية المستدامة، والتي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالفوائد التي يمكن أن تجنيها من التعاون في مجال الاستخدام العادل لمياه النيل، بما في ذلك تصميم مجالات التعاون بشأن الاستخدام المشترك لموارد سد النهضة الإثيوبي الكبير.

ولدى سد النهضة الإثيوبي الكبير القدرة على تسهيل تكامل وتعاون إقليميين أكبر بين الدول المشاطئة في حوض النيل. ويمكن لمشاريع البنية التحتية المشتركة، مثل سد النهضة، أن تعزز التعاون والاعتماد المتبادل، وتشجع الحوار وبناء الثقة والإدارة المشتركة للموارد المائية.

ويوفر بناء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير فرصة لإثيوبيا ومصر والسودان للانخراط في حوار ومفاوضات بناءة لمعالجة المخاوف والمصالح المشتركة المتعلقة بالأمن المائي، وتوليد الطاقة الكهرومائية، والاستدامة البيئية. ويمكن للدبلوماسية المائية الفعالة أن تساعد في بناء الثقة، وحل النزاعات، وتعزيز التعايش السلمي.

ويمكن أن يساهم توليد الطاقة الكهرومائية من سد النهضة الإثيوبي الكبير في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتخفيف من آثار تغير المناخ من خلال استبدال توليد الكهرباء المعتمد على الوقود الأحفوري. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون لتنظيم تدفق المياه وترسيبها بواسطة السد آثار بيئية إيجابية، بما في ذلك تحسين جودة المياه وصحة النظام البيئي.

كما يمكن لخزان سد النهضة الإثيوبي الكبير والبنية التحتية المرتبطة به أن يدعما أنشطة اقتصادية مختلفة، بما في ذلك مصائد الأسماك والسياحة والري، مما يعود بالنفع على المجتمعات المحلية ويعزز فرص التجارة والاستثمار عبر الحدود.

إن بناء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير من شأنه أن يعزز التبادل الثقافي والتعاون بين الشعوب، ويعزز التفاهم الثقافي، ويعزز التعاون بين مجتمعات حوض النيل. كما أن البرامج التعليمية والتبادلات الثقافية ومبادرات البحث المشتركة من شأنها أن تساعد في بناء جسور التواصل وتعزيز التضامن بين سكان دول حوض النيل، بما يتماشى مع روح الوحدة الأفريقية.

وفي حين يُتيح سد النهضة الإثيوبي الكبير فرصًا للتعاون السلمي والتنمية الإقليمية، من الضروري أن تنخرط إثيوبيا ومصر والسودان في حوار شفاف وشامل، وأن تحترم القانون الدولي ومبادئ التوزيع العادل للمياه، وأن تُعطي الأولوية للمنافع المتبادلة والازدهار المشترك لجميع دول حوض النيل. وسيكون التعاون والتنسيق الفعالان مفتاحًا لتحقيق كامل إمكانات سد النهضة الإثيوبي الكبير كمحفز للسلام والاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.

ولن يُسهم تقاسم الطاقة بين دول شرق إفريقيا في تلبية احتياجات المنطقة من الطاقة المتجددة فحسب، بل سيُسهم أيضًا في تعزيز التعاون في مجالي السلام والأمن بين الدول.

وأثبتت إثيوبيا رؤيتها في مجالات التعاون المتعددة بين دول حوض النيل من خلال دورها الرئيسي في تأسيس مبادرة حوض النيل ومجلس النيل الناتج عنها، والذي بدأ العمل به بالفعل. ويُعدّ هذا مثالًا نموذجيًا على سعي إثيوبيا نحو استخدام الموارد الأفريقية لتعزيز التنمية الاقتصادية الأفريقية.ولطالما احترمت إثيوبيا قيم وأهداف أجندة 2063 من خلال بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير بروح الوحدة الإفريقية.

وتنتهج إثيوبيا استراتيجيةً هامةً لاستغلال الموارد الطبيعية الأفريقية لتنمية القارة. وهذا يتماشى مع سياستها الخارجية ودبلوماسيتها، والقيم الجوهرية للوحدة الأفريقية.

ويتمتع سد النهضة الإثيوبي الكبير بإمكانياتٍ واعدةٍ لتعزيز قطاع السياحة والضيافة، ليس في إثيوبيا فحسب، بل في جميع أنحاء العالم.

ومن البديهي أن سد النهضة يحمل في طياته الكثير لأفريقيا والعالم. ويتعين على إثيوبيا بذل المزيد من الجهود لاستغلال مواردها الطبيعية في سبيل تحقيق السلام والأمن، باعتبارهما هدفين أساسيين في سياستها الخارجية ودبلوماسيتها.

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai