التزام متجدد بالسلام الإقليمي والنمو المشترك

جوهر أحمد

إثيوبيا، الدولة التي تشهد نموًا اقتصاديًا متسارعًا، وضعت استراتيجيًا السعيَ إلى الوصول الآمن إلى البحر في صدارة أجندتها الوطنية. وإدراكًا منها للتحديات الكامنة في كونها دولة غير ساحلية يتجاوزعدد سكانها 130 مليون نسمة، تشارك الحكومة الإثيوبية بنشاط في مبادرات دبلوماسية لتأمين الوصول البحري، مُصوغةً نهجها على أنه حلٌّ مربح للطرفين يُفيد الأطراف المعنية الإقليمية. هذه المبادرة، التي كانت تُعتبر في السابق موضوعًا حساسًا، أصبحت الآن عنصرًا أساسيًا في الرؤية الاستراتيجية لإثيوبيا، وتحظى باهتمام دولي متزايد.

في 20 مارس، ألقى رئيس الوزراء الدكتورآبي أحمد كلمةً أمام مجلس نواب الشعب، مُقدّمًا ردًا شاملًا على الأسئلة والتوضيحات المتعلقة بتقرير أداء الحكومة الفيدرالية للنصف الأول من السنة المالية 2017. خلال هذه الجلسة، ردّ رئيس الوزراء آبي بشدة على ما وصفه بـ”الاتهامات غير المبررة” بأن إثيوبيا تنوي الحصول على منفذ بحري بالقوة.

وأكد رئيس الوزراء آبي أن سعي إثيوبيا للوصول إلى منفذ بحري قد حظي باعتراف متزايد في الأوساط الدبلوماسية الدولية. وأكد أن الدبلوماسيين الأجانب يدركون المشكلة التي تعاني منه إثيوبيا، كونها الدولة غير الساحلية الأكثر سكانًا في العالم، وهو عامل يؤثر بشكل كبير على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. وبينما يدعو المجتمع الدولي إلى حلول سلمية، حاولت بعض الجهات تقويض جهود إثيوبيا، زاعمةً أن المبادرة مدفوعة بأجندات سياسية داخلية.

وأكد رئيس الوزراء آبي أن “مناقشة الوصول إلى البحر مشروعة تمامًا مثل المناقشات المتعلقة باستخدام مياه نهر النيل”، مشددًا على جوهر مطلب إثيوبيا. وأشار إلى أن أهمية البحر الأحمر ونهر النيل لمستقبل إثيوبيا قد تم التعبير عنها منذ سنوات، مستشهدًا بمنشور صدر قبل ثلاث سنوات أكد على هذه الضرورة الاستراتيجية.

في معرض حديثه عن المخاوف المتعلقة بعلاقة إثيوبيا بالصومال، نفى رئيس الوزراء آبي أحمد أي فكرة عن صراع وشيك، مؤكدًا أن الساحل الممتد يوفر فرصًا واسعة لاتفاقيات ذات منفعة متبادلة. كما نفى نفيًا قاطعًا شائعات حرب محتملة مع إريتريا، قائلاً: “إثيوبيا لا تخطط لغزو إريتريا للوصول إلى البحر الأحمر”. وبدلاً من ذلك، دعا إلى مفاوضات قائمة على “نهج رابح للجميع” ومبادئ السوق.

وأكد أنه “لا يمكن لأي قوة خارجية أن تمنع إثيوبيا من تحقيق أهدافها الاستراتيجية”. وأكد مجددًا أن استعداد إثيوبيا العسكري مخصص لأغراض دفاعية بحتة، وليس للعدوان.

وأكد رئيس الوزيرعلى دور إثيوبيا التاريخي كوسيط سلام إقليمي، مشيرًا إلى مشاركتها في التوسط في نزاعات مثل النزاع الكيني الصومالي والحروب الأهلية في السودان وجنوب السودان. وأكد أن إثيوبيا دأبت على إعطاء الأولوية للحلول السلمية، ولم تبدأ قط أعمالًا عدائية مع جيرانها.

ووصف رئيس الوزراء آبي أحمد الوصول إلى البحر الأحمر بأنه ضرورة وجودية لمواطني إثيوبيا البالغ عددهم 130 مليون نسمة، وحثّ المجتمع الدولي على المساهمة في إيجاد حلول سلمية ومستدامة.

وبا لإضافة إلى ذلك، تناول رئيس الوزراء آبي المناقشات الجارية بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير على نهر “أباي” (النيل الأزرق)، مؤكدًا التزام إثيوبيا بالمفاوضات مع مصر. وأقرّ بأنه على الرغم من أن الظروف السابقة ربما كانت أكثر ملاءمة للتوصل إلى اتفاق، إلا أن فرص التعاون لا تزال قائمة.

وقال رئيس الوزراء: “لقد أجريت مناقشات مرتين مع وزير الخارجية المصري السابق ورئيس المخابرات. وأكدت لهما أن سد أباي لا يشكل أي ضرر، لأن هدفنا هو توليد الطاقة فقط“.

وتطرق إلى المخاوف بشأن الجفاف المحتمل، موضحًا: “إذا حدث جفاف في مصر، فلن يؤثر على منسوب المياه في النهر. ومع ذلك، إذا حدث الجفاف في إثيوبيا، فإن هطول الأمطار في مصر لن يمنع ندرة المياه“.

وأشار رئيس الوزراء آبي أحمد إلى أن الطاقة الاستيعابية الكاملة الحالية لسد أسوان تُثبت التزام إثيوبيا بالتزاماتها، مؤكدًا أنه “لو تعامل المسؤولون المصريون مع الوضع كما ينبغي، لكان التعاون ممكنًا. وبالطبع، لم يفت الأوان بعد للتعاون“.

وأكد التزام إثيوبيا الراسخ بالتعاون بشأن نهر النيل، مشيرًا إلى أن سد أباي رمزٌ للفخر لإثيوبيا والقارة الأفريقية.وأعلن عن افتتاح السد خلال الأشهر الستة المقبلة، مشيرًا إلى اكتمال المشروع، الذي بُني بتضحيات وطنية كبيرة وبدون تمويل أجنبي.

وقال رئيس الوزراء آبي أحمد: “بعد نجاح سد النهضة “أباي” إن المشروع الرئيسي التالي لإثيوبيا هو إنشاء مصنع محلي للأسمدة”، مسلطًا الضوء على الجهود المبذولة لإطلاق إنتاج محلي للأسمدة من خلال شراكات مع القطاع الخاص لتلبية الطلب السنوي للبلاد البالغ 24 مليون قنطار.

وأعلن عن خطط لإنشاء مصنع محلي للأسمدة لمعالجة مشكلة اعتماد البلاد على الواردات. وتشير دراسة إلى أن المشروع سيتطلب ما بين 2.5 و3 مليارات دولار، وسيستغرق إنجازه ثلاث سنوات على الأقل. وتدرس الحكومة شراكات مع القطاع الخاص، لكنها ستلجأ إلى استثمارات حكومية إذا لزم الأمر. وأكد على الحاجة إلى مصنع قادر على تلبية الطلب السنوي لإثيوبيا البالغ 24 مليون قنطار. وتبلغ واردات الأسمدة اليومية الحالية 150 ألف قنطار. وأضاف أنه من المتوقع أن يبدأ إنشاء المصنع العام المقبل.

 في رسالة نُشرت على موقع أكس ردّد الرئيس تايي أتسقي سيلاسي التزام رئيس الوزراء آبي أحمد بالسلام، قائلاً: “في النقاش البرلماني، دحض رئيس الوزراء آبي أحمد شبح الحرب مع جيراننا، ودحض أولئك الذين يروجون للفوضى والدمار”. وأكد على تطلعات إثيوبيا للسلام والتنمية.

والآن، انتقلت قضية افتقار إثيوبيا إلى منفذ بحري، وهي قضية طال أمدها، إلى دائرة الضوء العام، حيث دعا الخبراء إلى اتخاذ إجراءات فورية.

وقد تناول  السيد حسبو تسفا، المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة دبر برهان، هذه المسألة مؤخرًا في مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية.

ووصف السيد  حسبو فقدان إثيوبيا لمينائها البحري بأنه “خطأ تاريخي”، وأكد أن الوصول إلى البحر ليس مجرد مسألة سيادة، بل هو عنصر حاسم في التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وقال السيد حسبو: “يربط الميناء البحري البلاد بالعالم”، مشددًا على أهميته في تسهيل التجارة الدولية وتعزيز الروابط الاجتماعية دون تدخل خارجي.

وأضاف السيد حسبو أن النمو السكاني السريع في إثيوبيا وتوسع اقتصادها يستلزمان حلًا سريعًا لمعضلة الوصول إلى البحر. وحذّر: “مع تزايد الاحتياجات والأنشطة التجارية، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الدولية، تُعد مسألة المنفذ البحري أمرًا بالغ الأهمية، وخاصة للأجيال القادمة”. “قد يعتمد بقاءهم على ذلك“.

وتؤكد تعليقات المحاضر على الإلحاح المتزايد الذي يحيط بهذه القضية، في ظل سعي إثيوبيا إلى تأمين مستقبلها الاقتصادي وتعزيز مكانتها العالمية.

ولا شك أن سعي إثيوبيا الاستراتيجي للوصول إلى البحر والتزامها بالتعاون الإقليمي، بما في ذلك مفاوضات سد النهضة يؤكد على نهجها الاستباقي في مواجهة التحديات التنموية والجيوسياسية الحرجة. وتشارك قيادة البلاد بنشاط في الجهود الدبلوماسية لضمان ازدهارها على المدى الطويل مع تعزيز الاستقرار الإقليمي، مع التركيز على الحلول السلمية ذات المنفعة المتبادلة.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai