توسيع إنتاج الأسماك في سد اباي

 

سمراي كحساي

 

تتمتع إثيوبيا بالعديد من المسطحات المائية والبحيرات والمياه الجوفية، وفي مقدمة المصادر المائية تأتي بحيرة تانا التي تتوسط مدينة بحر دار في الشمال الغربي، محتلة مساحة بطول 84 كيلومتراً وعرض 66 كيلومتراً. وهي البحيرة التي يشار إلى خروج النيل الأزرق منها ليغذي 80 في المئة من مجرى حوض النيل المتدفق من بحيرة فكتوريا إلى السودان ومصر.

و على المستوى المائي، تعد إثيوبيا ثاني أغنى دولة في القارة الأفريقية بعد دولة الكونغو الديمقراطية، فهي منبع ومصدر المياه لمعظم دول الجوار في السودان والصومال ودول أفريقية أخرى تعبر إليها المياه من إثيوبيا.

وقالت وزارة الزراعة الإثيوبية، إن “العمل على توسيع إنتاج الأسماك في سد النهضة الإثيوبي والمناطق الأخرى من البلاد جارٍ على قدم وساق”. وأوضح وزير الدولة للزراعة الإثيوبية فقرو رجاسا “أن إثيوبيا تمتلك إمكانات كبيرة لتطوير قطاع الأسماك، لكنه ظل لفترة طويلة من دون الاهتمام الكافي”.

يأتي حديث الوزير الإثيوبي في وقت تتهيأ فيه وزارة الزراعة لاعتماد قطاع الأسماك كرافد اقتصادي يصب إلى جانب روافد أخرى في الإنتاج الزراعي، تماشياً مع الإضافة الكبيرة التي سيحدثها سد النهضة في النشاط والإنتاج السمكي.

وتصل المياه السطحية المتجددة في إثيوبيا سنوياً إلى نحو 122 مليار متر مكعب يمثل جل مصدرها من الأمطار التي تهطل سنوياً على الهضبة الإثيوبية بمقدار متوسط يقدر بنحو 970 مليار متر مكعب سنوياً. وتحوي إثيوبيا 12 نهراً سطحياً و22 بحيرة ومخزوناً كبيراً من المياه الجوفية المتجددة.

الأسماك مصدر رزق

وقضية الماء في إثيوبيا على رغم تعدد مصادرها تعد إشكالية لا تزال تعانيها عديد من المناطق في الأقاليم والقرى التي يعتمد أهلها على الآبار والطرق البدائية في جلب المياه للبيوت. وبحسب إحصاءات حكومية فإن 72 مليون مواطن من تعداد 120 مليون قادرون على الحصول على مياه الشرب النظيفة، وعلى مستوى آخر تمثل كهرباء سد النهضة أملاً ترتبط به حياة القرى والمدن في توفير الطاقة والإنارة والخروج بالريف إلى فضاء التمدن.

أما قصة أسماك سد النهضة فلها أبعاد أخرى يرويها إقليم بني شنقول قمز الواقع في غرب إثيوبيا على مساحة تقدر بنحو 49 ألفاً و289 كيلومتراً مربعاً، ويعتمد نحو مليون نسمة يمثلون سكانه على زراعة بدائية يمارسونها لتلبية معاشهم المحدود، إلى جانب ممارسات مهنية بدائية في تعدين حبيبات الذهب من التربة والبرك والمسطحات المائية. وعلى رغم غنى الإقليم اقتصادياً يعد فقيراً بمعطيات الواقع قبل أن تظهر أسماك سد النهضة لتمثل مصدر رزق جديد لأهالي الإقليم.

وعما أحدثته بحيرة سد النهضة من تغيرات في حياة أهالي بني شنقول، يقول عبدالرازق مصطفى التوم أحد سكان الإقليم “من أكبر الفوائد المباشرة لسد النهضة على السكان المحليين توسيع خياراتهم في الرزق التي أضافتها مياه البحيرة في صيد الأسماك وغيرها”.

ويضيف “ظل أهالي الإقليم يعتمدون على زراعة محاصيل محدودة كالذرة والدخن وأنواع أخرى من الحبوب، إلى جانب الخضراوات لتلبية حاجاتهم في البيوت، ولا يمثل إنتاج هذه المحاصيل في معظمها استثماراً حقيقياً لمحدودية الأرض المستغلة إلى جانب عدم توافر الآليات المساعدة وفقر المزارعين”.

ويمضي في حديثه “حالياً اتجهت أعداد من الإثيوبيين وبخاصة في أوساط الشباب إلى الاتجاه لصيد الأسماك من مياه البحيرة، التي أحدثت تغيرات في الإقليم وكذلك تغييراً في البيئة المعاشية للسكان”.

مشاريع متنوعة

من جانبه، يقول الباحث الاجتماعي الإثيوبي عباس محمد كوركي إن “للطبيعة أدواراً مختلفة في تشكيل البيئات السكانية وظيفياً، لذا تجد عديداً من المهن التي يجيدها سكان محليون ذات ارتباط وثيق بما يتوافر لديهم من مقوماتها في ما حولهم، والصنعة والاحترافية والإنتاجية هي تكامل ما بين البيئات والجهد الإنساني”.

ويروي “ولذلك معظم الحكومات تتجه بالدعم لاستغلال بيئات مواطنيها بتوفير متطلبات الإنتاج المتناسبة مع العطاء البيئي المعين”، موضحاً أن “الحكومة الإثيوبية اتجهت بمشاريع متنوعة متسقة بما يترتب على سد النهضة من تغيير في حياة الناس، بدعم سبل الإنتاجية وتوفير ما تتطلبه. وتجاه الثروة السمكية التي من المتوقع أن توفرها بحيرة سد النهضة شرعت الحكومة في مساعدة المواطنين بما يحقق لهم استغلال هذه الثروة وتطوير ممارساتهم مع التغيير الحادث”.

ويتابع “لكن من المهم إلى جانب توفير أدوات الإنتاجية أن تكون هناك توعية إرشادية متسقة مع التغيير البيئي الحادث، بما يساعد السكان في التطور مع واقعهم الجديد واستغلال ما حولهم من فرص”.

رقم قياسي للأسماك

ضمن تقرير صدر حديثاً عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية تحت عنوان “الإنتاج العالمي من مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية يسجل رقماً قياسياً”، فإنه “سَجل الإنتاج العالمي لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية رقماً قياسياً جديداً، إذ تفوقت تربية الأحياء المائية في إنتاج الحيوانات المائية على مصايد الأسماك الطبيعية للمرة الأولى بحسب ما أفاد تقرير صدر خلال يونيو (حزيران) 2024 عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.

وأشار تقرير حال مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في العالم لعام 2024، إلى أن الإنتاج العالمي من مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية ارتفع بصورة كبيرة خلال عام 2022 إلى 223.2 مليون طن، مما يمثل زيادة 4.4 في المئة بالمقارنة بعام 2020، وشمل الإنتاج 185.4 مليون طن من الحيوانات المائية و37.8 مليون طن من الطحالب”.

وقال المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية شو دونيو “نرحب بالإنجاز البارز الذي تحقق حتى الآن في الثروة السمكية، لكن من الضروري اتخاذ مزيد من الإجراءات التحويلية والتكيفية من أجل تعزيز كفاءة النظم الغذائية المائية وشمولها وقدرتها على الصمود واستدامتها، وتوطيد دورها في القضاء على انعدام الأمن الغذائي والتخفيف من وطأة الفقر”.

وتُستغل الأسماك في إثيوبيا كمصدر للدخل القومي للبلاد عبر تصدير كميات منها إلى دول الجوار، ويشكل تناولها كوجبات طازجة ضمن المعالم السياحية في المنتجعات وضفاف البحيرات، إلى جانب ممارسة بعض هواية الصيد في عديد من الأماكن السياحية المرتبطة بالمياه.

وفي ما يتعلق بالخطط المصاحبة لإنتاج الأسماك من سد النهضة، أشار وزير الدولة للزراعة فقرو رجاسا إلى “أن الحكومة وضعت سياسات واستراتيجيات جديدة لتعزيز قدرات إنتاج الأسماك بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وزيادة الإنتاجية والكفاءة”. وأوضح أن الجهود المبذولة في هذا القطاع أدت إلى إطلاق مشاريع واسعة النطاق لتربية الأسماك، مشيراً إلى توزيع 4.5 مليون وحدة زريعة سمكية، مع توقعات بمواصلة الجهود ليصل التوزيع إلى 9.2 مليون زريعة خلال العام المالي الحالي في مختلف المسطحات المائية.

وأكد رجاسا أن “وزارة الزراعة الإثيوبية تعمل بالتعاون مع الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص لتعزيز مشاركة المستثمرين، وزيادة كفاءة القطاع مع توفير الدعم اللازم لكل من يسهم في تطويره”.

 

 

 

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai