في الآونة الأخيرة، كانت التحركات المصرية ضد إثيوبيا مصدرًا رئيسيًا للتوترات الإقليمية، إذ تراقب إثيوبيا عن كثب محاولات حكومة الجنرال السيسي المتكررة لتأجيج الصراعات بين الدول الجارة والدول الصديقة في المنطقة. تصاعدت هذه التحركات، خاصة في ظل الدور التحريضي الذي تلعبه مصر بحكومة الجنرال في عدة مناطق داخل القرن الإفريقي، مما يثير القلق حول نواياها المستقبلية في المنطقة.
مصر: الدولة المتعطشة للحروب والصراعات
لا يمكن النظر إلى مصر على أنها مجرد لاعب عادي في السياسة الإقليمية. على العكس من ذلك، أثبتت مصر مرارًا وتكرارًا أنها تسعى إلى إشعال الحروب والصراعات في المنطقة، وهو ما يُعتبر من الأسباب الرئيسية لعدم استقرار المنطقة برمتها. تجسد هذه السياسة في دعم مصر لاي قوى للعمل ضد إثيوبيا بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يظهر في العديد من تحركاتها المشبوهة في الدول المجاورة.
– دور مصر في تسليح الصومال: حرب الوكالة ضد إثيوبيا
من أبرز الأمثلة على هذا التدخل المصري هو تسليح الصومال في الفترة الأخيرة بغطاء دعم وحدة الصومال وسلامة أراضيه، وهو ما يعتبر أحد أساليب مصر لخلق حرب بالوكالة ضد إثيوبيا وجعل من الصومال ميدان حرب. هذا التدخل لم يقتصر على تسليح الصومال فقط، بل امتد إلى دعم المجموعات المسلحة هناك في محاولة لزعزعة استقرار إثيوبيا. ولعل ما يثير القلق أن مصر كانت تسعى إلى دفع الصومال نحو الدخول في حرب مباشرة ضد إثيوبيا، مما يهدد بشكل جدي أمن واستقرار المنطقة.
تسبب تسليح مصر للصومال إلى فتح جبهة داخلية جديدة في البلاد، حيث تصاعدت التوترات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وإقليم جوبا لاند. هذه التوترات تحولت إلى أزمة سياسية وعسكرية حين أصدرت حكومة جوبا لاند مذكرة اعتقال ضد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ، مما أثار غضب الحكومة الفيدرالية التي ايضاً قامت بدورها بإصدار مذكرة مماثلة للقبض على رئيس جوبا لاند، أحمد محمد إسلام “أحمد مدوبي”.
تزامنت هذه الإجراءات مع تصاعد الحروب الداخلية في الصومال، حيث اندلعت الصراعات بين القوات الفيدرالية وقوات إقليم جوبا لاند، ما أدى إلى اندلاع حرب ومواجهات دامية في مناطق عدة. الوضع الداخلي أصبح أكثر تعقيدًا، حيث توسعت دائرة العنف لتشمل مناطق أخرى في البلاد، مما زاد من معاناة الشعب الصومالي في ظل تدهور الوضع الأمني والإنساني.
وقد فاقمت هذه الحرب الداخلية من الانقسامات بين الأطراف السياسية المختلفة، ودفعت الصومال إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، مما أثر على جهود إعادة البناء السياسي والاقتصادي التي كانت تشهدها البلاد بعد سنوات من الصراع الطويل.
– الضغط على إريتريا والصومال لتبني مواقف معادية ضد إثيوبيا
علاوة على ذلك، عملت مصر على ممارسة ضغوطات مكثفة على إريتريا والصومال ليتخذوا مواقف معادية ضد إثيوبيا. وانتهت هذه التحركات بصورة التحالف الثلاثي “المرح” المصري الصومالي الإريتري، وذلك عبر الراس المدبر للمؤامرات في المنطقة “عباس كمال” في مواجهة اثيوبيا التي تعتبر من القوة الإقليمية الأكبر في القرن الإفريقي وإفريقيا. ويسعى ذلك التحالف بشكل واضح إلى خلق عدم استقرار وتوازن في منطقة القرن الإفريقي.
كانت هذه التحركات تهدف إلى تعزيز الانقسام بين دول القرن الإفريقي وخلق بيئة من العداء المستمر تجاه إثيوبيا. ورغم هذه المحاولات، فإن إثيوبيا قد ظلت ثابتة في موقفها وأظهرت قدرة كبيرة على مواجهة هذه الضغوط.
– محاولات مصر للضغط على حكومة البرهان
مصر التي أشعلت النيران الأولى في السودان لعبت أيضًا في وقت لاحق على الكرت السوداني، وحاولت مصر الضغط على الحكومة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان للانضمام والتحالف ضد إثيوبيا في “مساومة الدعم بالدعم” بطريقة ابتزاز واضحة. ومع ذلك، كان الرد السوداني واضحًا وحاسمًا هذه المره، حيث أوضح البرهان أن السودان في وضع صعب نظرًا لانشغاله في الحربه الداخلية، وأنه لا يريد فتح جبهة جديدة في هذه المرحلة وتوضيح رغبه السودان في تجنب أي صراعات إضافية.
واستمر الضغط لكن بعيدًا عن البرهان، وهذه المرة جاء عبر وزير الخارجية السوداني الجديد، ولكن بشكل غير مباشر. فقد ظهر الوزير في إحدى القنوات الإعلامية ليعبر عن موقفه الداعم للرؤية المصرية ويؤكد استعداد بلاده للدخول في حرب مع إثيوبيا كخيار بديل، في حال رفضت إثيوبيا التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، ذلك في وقت اعتبرت فيه الأمم المتحدة ان السودان في اكبر ازمة إنسانية ونزوح داخلي وخارجي في العالم. “المضحك المبكي”… ولكن حكومة البرهان تداركت الأمر وتدخلت مرة أخرى وقامت بتصحيح الموقف.
– فشل المحاولات المصرية مع جنوب السودان
وفي سياق آخر، حاولت مصر إقناع جنوب السودان بالانضمام لها والتحالف معها ضد إثيوبيا، إلا أن جنوب السودان رفض هذا العرض بشكل قاطع. وجاء الرد الجنوبي مفاده أن إثيوبيا تعتبر حليفًا استراتيجيًا للجنوب، وأنهم لا يريدون محاربة او معاداة إثيوبيا. وهو ما يعكس طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ويدل على فشل المساعي المصرية في هذ الاتجاه أيضًا.
– المحاولة عبر جيبوتي
كما حاولت مصر ايضاً ممارسة ضغط على جيبوتي لمحاولة تحريك مواقف معادية ضد إثيوبيا، إلا أن الرئيس الجيبوتي رد بشكل قاطع بأن بلاده غير مستعدة للانخراط في أي تحالف ضد إثيوبيا. في خطوة ابرزت مدى العجز الذي تواجهه مصر في محاولاتها لحشد الدول ضد إثيوبيا.
– المساعي المصرية لعرقلة المفاوضات الإثيوبية الصومالية
في نفس الإطار، سعت مصر إلى عرقلة المفاوضات الأخيرة بين إثيوبيا والصومال في تركيا، معتبرة أن أي تقارب او اتفاق بين البلدين قد يشكل تهديدًا لمخططاتها في إشعال حرب جديدة في القرن الإفريقي وميدانها كان هو الصومال هذه المره.
ورغم الضغوط المصرية الكبيرة على الصومال، بما في ذلك تقديم عروض مالية، دبلوماسية وعسكرية لثني الحكومة الصومالية عن التوقيع على اتفاقيات مع إثيوبيا، إلا أن المفاوضات نجت وحققت تقدمًا بفضل الوساطة التركية. تركيا، التي تتمتع بعلاقات قوية مع مصر وايضا دول المنطقة إثيوبيا والصومال، نجحت في استخدام دبلوماسية التهديد المبطن لإقناع الحليف المصري برفع يده عن التدخل في هذه المفاوضات التي يتبناها.
وفي النهاية، في خطوة استراتيجية كبيرة، توصلت إثيوبيا والصومال إلى اتفاق بوساطة تركية يمنح إثيوبيا منفذا بحريا سياديًا عبر الأراضي الصومالية، مقابل التزام أديس أبابا بالحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي الصومالية، وهو ما أثار غضباً وقلقًا في القاهرة التي تعتبر مثل هذه الاتفاقات تخريب لمخططاتها في المنطقة. فقد ظنت القاهرة أن نجاح حرب الوكالة وجعل الصومال ميدان حرب قد ينجح ويساهم في إلهاء إثيوبيا عن جهودها في التنمية والازدهار، وبالتالي يؤثر على استقرار المنطقة بشكل عام.
وعلى الرغم من كل هذه المحاولات، فشلت مصر بشكل واضح في إشعال حرب حقيقية ضد إثيوبيا. لقد كانت إثيوبيا تراقب عن كثب كل التحركات المصرية، وأثبتت قدرتها على التصدي لهذا التهديد بكل حزم وثبات. وتبقى إثيوبيا قوية بما يكفي لصد أي محاولات تهدف إلى زعزعة استقرارها أو فرض حرب جديدة ضدها.
– الرسالة إلى مصر:
إن الرسالة التي يجب أن تصل إلى مصر واضحة تمامًا: توقفوا عن لعب دور “الشيطان” في المنطقة. إيقاف الحروب والمؤامرات والتحريض ضد إثيوبيا هو السبيل الوحيد لضمان السلام والاستقرار في المنطقة. إن محاولات إشعال الحرب ضد إثيوبيا هي محاولات فاشلة، ومن الأفضل لمصر أن تعيد تقييم سياساتها وتتحرك نحو الدبلوماسية البناءة، بدلاً من الاستمرار في نشر الفتنة والتوتر بين الدول.
إثيوبيا، التي أصبحت أقوى وأكثر استقرارًا من أي وقت مضى، قادرة على مواجهة كافة التهديدات، ومن الأفضل لمصر أن تراجع سياساتها وأن تركز على تبني الحلول السلمية التي تساهم في تحقيق مصلحة جميع الدول في المنطقة.
وفي الختام في ظل التحديات الكبيرة التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي، يتوجب على المجتمع الدولي أن يرفع صوته ضد التدخلات السلبية التي تؤجج التوترات وتعرقل جهود السلام والتنمية. إن دور مصر في إشعال نار النزاعات والتوترات بين الدول المجاورة، وخصوصًا بين الصومال وإثيوبيا، يظل قضية تستحق النظر الجاد والإدانة. لا يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه السياسات التي تؤثر على استقرار المنطقة وتزيد من معاناة شعوبها. إن الوقت قد حان لمحاسبة كل من يسهم في تعميق هذه الأزمات، والعمل من أجل بناء علاقات قائمة على التعاون والاحترام المتبادل، بدلاً من إشعال فتيل الصراعات.