السيد ياسين: على مصر أن تتبع النهج الدبلوماسي والقانوني وتتفاوض مع إثيوبيا للوصول إلى حلول ترضي كل الأطراف

*سد النهضة يعبد الطريق إلى التكامل الاقتصادي الإقليمي!!

 

 عمر حاجي و سمراي كحساي

 

إن القرن الأفريقي يعتبر من المناطق الاستراتيجية المهمة التي تعاني منذ الإستقلال من صراعات إقليمية وداخلية، بالإضافة إلى تعدد الأدوار الدولية الناتجة عن تلك الصراعات، وقد شهدت الصراعات الإقليمية إنخفاضا نسبيا مقابل الأزمات والصراعات الداخلية.

وظلت الخلافات بين إثيوبيا ومصر حول مياه النيل تشغل مساحة كبيرة بين البلدين منذ أزمنة بعيدة، تتمدد وتنكمش وفق ديناميات الظروف الإقليمية والدولية، وتحملت منطقة القرن الأفريقي عبئا كبيرا جراء ذلك الصراع، وجاءت أزمة سد النهضة لترفع الأزمة إلى مستوى متقدم من الصراع بين البلدين. وحول تدعيات هذه الأزمة وتوقيع ست دول لحوض النيل على إتفاقية عنتيبي والتصديق عليها مؤخرا، أجرت صحيفة (العلم) حوارا مع الأستاذ ياسين أحمد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية حول هذه القضية وغيرها في القرن الإفريقي.

نص الحوار كالتالي:

العلم: استاذ ياسين أحمد،كيف يمكن يلعب التوقيع على اتفاقية عنتيبي، التي تم التصديق عليها من ست دول، وكانت آخر دولة وقعت عليها  جنوب السودان في تعزيز التعاون بين دول الحوض؟

 أستاذ ياسين: طبعاً بالنسبة بعدما تم المصادقة على اتفاقية عنتيبي في الاتحاد الأفريقي، وأصبح الآن لها وضع جديد لكل دول حوض النيل، خاصة لدول المنبع. وإثيوبيا كان لها دور قيادي ومحوري في اتفاقية عنتيبي في أن تأخذ هذا المنحي القانوني وأنا أعتقد الآن ان موضوع الحقوق التاريخية قد اصبح أمراً من الماضي بعد التوقيع على اتفاقية عنتيبي والآن الحديث سيكون حول تقاسم المياه بطريقة عادلة، لأن هذه الاتفاقية تعطي الحق لكل دول حوض النيل في الاستخدام المنصف والعادل لمياه النيل. ومن هنا فصاعدا، فإنه لن يكون هناك لمصر أي حجة قانونية أو حجة كما كانت تدعي في السابق أن لها حقوقاً تاريخية، وأصبحت الآن أمام أمر واقع. وليس على جمهورية مصر أو جمهورية السودان إلا الإقرار بهذا الواقع الجديد والاتفاقية الإطارية بدأت الآن حيذ التنفيذ، فبالتالي لابد من قبول وضع جديد، وليس هناك خيار آخر لمصر إلا التفاوض، والجلوس مع أثيوبيا ومع الدول الأخرى في دول حوض النيل التي وقعت اتفاقية عنتيبي ونطالب مصر أنها تتبع النهج الدبلوماسي والقانوني وتجلس مع أثيوبيا لكي تتفاوض وتصل إلى حلول أو إتفاق يرضي كل الأطراف.

العلم: في البيان الأخير لها مصر ادعت أن الاتفاقية تخالف الحقوق العرفية الدولية و أنها لا تريد أن تدخل الإتفاقية، لان نصيبها من المياه سيقل حسب الحقوق الاستعمارية القديمة، فكيف ترى هذا؟

 أستاذ ياسين: بالعكس، لقد رأينا رد  مجلس الأمن عندما اشتكت مصر والسودان أثيوبيا في موضوع سد النهضة بحجة إن السد يهدد الأمن والسلم الدوليين في  ول قضية تتعلق بالأنهار أو ببناء السدود، وهي ليست أصلا من مهمة مجلس الأمن. لكن مجلس الأمن أعاد الملف وأخذه بالرواية الأثيوبية لأن الحجة الأثيوبية هي منسجمة مع القانون الدولي، أنا أقول،  حتى أن مصر ما كانت لتوقع على المبادئ العامة في 2015 إلا بعد علم مصر أن هناك قانون دولي صدر 2014 هذا القانون الدولي الذي صدر لإتفاقية قانون المياه غير الملاحية، الذي أعطى الحقوق لكل الدول خاصة ولاسيما دول المنابع ودول المصب في أن يكون هناك استخدام منصف وعادل، وأن لا يحدث ضررا بالدول الأخرى. وبناءعلى هذا فإثيوبيا بنت على هذا الاتفاق القانوني والدولي وإتفاقية عنتيبي التي تعتبر إتفاقية إطارية إقليمية منسجمة مع القانون الدولي، فكل الإدعاءات المصرية أنه خارج عن القانون الدولي، وهذه الإدعاءات المصرية لا تستطيع أن تثبت مدى صحتها، وليس لديها أي أدلة.

العلم: الآن مصر تحاول الدخول من طريق قوات حفظ السلام إلى الصومال، وحالياً في تفاوض مع أمريكا وجنوب السودان لإدخال قواتها إلى جنوب السودان، وهي تحاول محاصرة إثيوبيا من جميع الاتجاهات حتى انه عقدت مع ارتيريا إتفاقية تعاون عسكرية وأمنية فهل ترى هذه التحركات ممكن تنجح في الضغط على أثيوبيا لتقديم اي  تنازلات في سد النهضة في تشغيله أو في إدارته؟

 أستاذ ياسين: أنا أستبعد أن تنجح  كل هذه المحاولات لأنها محاولات، أولاً تتناقض مع الأمن الأقليمي و مصر قد فشلت في تعزيز الأمن ودعم الدول المجاورة لها و التي تخوض حروباً في كل من ليبيا والسودان وفلسطين ودول أخرى حتى لبنان، أليست هذه الدول كلها اعضاء في جامعة الدول العربية، ومصر هي مقر جامعة الدول العربية فلماذا لم تفعل شيئا حتى الآن  وتحركاتها في الصومال وجنوب السودان هي محاولات للضغط على إثيوبيا، لكن كل هذه المحاولات في نفس الوقت أيضاً تعكس مدى قوة إثيوبيا، لأن مصر الآن تعرف قوة أثيوبيا الإقليمية والدولية، وإثيوبيا لديها علاقات جيدة مع دول الجوار ومع  دول الإقليم سواء كانت في القرن الأفريقي أو في الجزيرة العربية والدول العربية، وإثيوبيا تتمتع بعلاقات جيدة خاصة بعد دخول إثيوبيا في  مجموعة البريكس، فهذه المحاولات كلها هي جزء من الدراما الإعلامية المصرية .

أثيوبيا لديها تواجد ولديها مصداقية ولديها خبرة في حفظ الأمن ولا سيما أن الجيش الأثيوبي هو الذي ساهم في حفظ واستقرار أمن الصومال أكثر من عشرين عاما، وكذلك أيضا في جنوب السودان. فبالتالي، فإن مصر غائبة عن هذه المناطق لمدة عقود من الزمن. و هذه كلها محاولات فاشلة تستخدم للاستهلاك الداخلي في أن مصر ما زالت قوية  ورأينا عندما كانت أثيوبيا تخوض حربا داخليا ضد المتمردين في إقليم تجراي ماذا كانت تقوم به  مصر فقد كانت تقوم بمناورات عسكرية مع السودان و كل هذه المناورات العسكرية كانت فقط لتخويف أثيوبيا، ولم تتحرك هذه الجيوش نحو أثيوبيا حيث كانت مصر تحاول ان  تدفع السودان لتقود حربا بالوكالة مع أثيوبيا.

ولكن الحكومة الأثيوبية بقيادة الدكتور أبي أحمد استطاعت نزع فتيل الأزمة الحدودية بين إثيوبيا والسودان المتعلقة بالفشقة. و فكل هذه المناورات والاستعراضات العسكرية المصرية ما هي إلا لاستخدامها واستهلاكها لإلهاء الشعب المصري داخليا، لأن مصر تعاني الآن من مشاكل اقتصادية، وتعاني من أزمات داخلية و الشعب المصري الآن لا يعاني من قلة المياه او العطش ولا يعاني من أي شيء آخر، بل أنه يعاني من الأزمة  والفساد. ولهذا فان مصر تحاول ا أن توجه الأنظار إلى الخارج وكل هذا هو جزء من الدراما الإعلامية المصرية.

العلم: إثيوبيا تسعى وتحاول أن تجد منفذا بحريا لها سواء عن  طريق أرض الصومال أو حتى في الصومال نفسها، كما حاولت أيضا مع إريتيريا، لكن بسبب ضيق الأفق السياسي الإيرتري والصومالي لم تجدتلك الفرصة لكنها وجدت فرصة حالياً في أرض الصومال، فكيف ترى المساعي الأثيوبية؟، وما هي الفوائد التي يمكن أن تجدها أثيوبيا من الحصول على المنفذ البحري؟

 أستاذ ياسين: أولاً، هذه الخطوة أراها هي خطوة قرار استراتيجي وتوجه استراتيجي وتكتيكي في آن واحد، لان أثيوبيا استطاعت أن تخلق واقعاً جديداً للتفاوض والتفاهم، لأنه لولا مذكرة التفاهم لم نكن نرى المبادرات الأخرى الآن التي تُطرح خاصة لا سيما المبادرة الجيبوتية. و الدول الأخرى لديها تحفظات وتعترض على مذكرة التفاهم لأنها تمنح منفذاً بحرياً للأغراض الاقتصادية وقاعدة عسكرية. وما يخيف بعض الدول المجاورة في القرن الأفريقي هو حصول أثيوبيا على قاعدة عسكرية. وأعتقد في تقديري الدول المجاورة في القرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر لديها رغبة، ولا تمانع أن تقدم عرضاً فيما يتعلق بالمنفذ البحري للاستخدامات الاقتصادية. ولكن ما تريده أثيوبيا، لها حقوق تاريخية في البحر الأحمر، و تريد أن يكون لها قاعدة عسكرية ومنفذ بحري للاستخدام للأغراض الاقتصادية والقاعدة العسكرية الغرض منها الحفاظ وحماية مصالحها الاقتصادية، و الدول العظمى و الكبرى المتواجدة في جيبوتي من أمريكا وفرنسا وبريطانيا و والصين و اليابان لديها قواعد عسكرية في جيبوتي لسبب بسيط جدا، وهو الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، وفي نفس الوقت حماية أمن البحر، لأن باب المندب والبحر الأحمر يعتبران ممران  للتجارة العالمية، لذلك فإن إثيوبيا بثقلها السياسي والجغرافي وكمقر للاتحاد الأفريقي، وكدولة حبيسة لها الحق أن يكون لها منفذ على البحر الأحمر لأغراض وأهداف اقتصادية وأمنية. لأن أثيوبيا لا تستطيع أن تحمي مصالحها الاقتصادية وحتى الأمنية دون أن يكون لها قاعدة  وأنا أعتقد الآن، أن الحكومة الأثيوبية بقيادة الدكتور أبي أحمد أدخلت هذه الدول المطلة على البحر الأحمر في القرن الأفريقي في سوق تنافسي لتقديم أفضل عرض لأثيوبيا، فإثيوبيا طالما لم يقدم لها أفضل عرض من عرض جمهورية أرض الصومال، فإن أثيوبيا ستمضي قدماً في تنفيذ هذه الاتفاقية، وعليه ستحصل على المنفذ البحري . وحصول إثيوبيا على منفذ بحري هو مطلب إقليمي ودولي، وحتى بعض الدول الكبرى لها مصلحة في أن تحصل إثيوبيا على منفذ بحري على أرض الصومال. وهذا الموقع هو موقع استراتيجي لأثيوبيا، لأنه مدخل على الباب المندب المطل على البحر الأحمر و متصل بالمحيط الهندي.

العلم: السؤال الأخير، هو كيف تقييمك حاليا لاتفاقية عنتيبي؟ وكيف يمكن  ان تساهم في تعزيز التكامل الإقليمي بشكل أكبر، بالذات في استخدام سد النهضة في توفير الكهرباء للدول المجاورة، مثل كينيا وجيبوتي وجنوب السودان و حتى إيرتريا

 أستاذ ياسين: أولاً نستطيع أن نقول انه  لولا سد النهضة لما وجدت إتفاقية عنتيبي، وأن مشروع إثيوبيا لبناء سد النهضة هو الذي مهد  لهذه الاتفاقية، فهدف أثيوبيا من مشروع سد النهضة ومن اتفاقية عنتيبي هو تعزيز التكامل والتعاون الإقليمي، لا سيما أن أي تكامل و  أي سلام واستقرار لمنطقة شرق أفريقيا لن يتأتى إلا بالشراكة ودعم المصالح الإقتصادية، فمشروع سد النهضة هو سيوفر الكهرباء لأثيوبيا والأثيوبيين و للدول المجاورة خاصة كينيا والصومال وجيبوتي ودول أخرى حتى بما فيها أريتريا وجنوب السودان والسودان. وهذا جزء من التغيير الجيوسياسي لدول حوض النيل، لأن مشروع سد النهضة سيعزز التعاون الإقليمي و أنا أتوقع أن كثيرا من الدول في دول حوض النيل ستستفيد من تجربة أثيوبيا في بناءالسدود و في فتح آفاق وفضاءات أخرى للتعاون الاقتصادي والتكامل بينها وحتماً فإن اتفاقية عنتيبي أصبحت تعبد الطريق إلى التكامل الإقليمي والاقتصادي في منطقة القرن الافريقي.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai