زيارة رئيس الوزراء الاثيوبي للسودان – وضع النقاط علي الحروف

يوسف ريحان

 

إحتفت العاصمة الادارية المؤقتة للسودان بورتسودان عروس الشرق بزيارة رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد التي كان عنوانها الابرز اقتباسا من تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبي “زيارتي جاءت للتضامن مع الشعب السوداني في محنته”.

وليس من باب المبالغة ان نقول ان الزيارة وفي ظل الظروف الراهنة التي يمر بها السودان تكتسب اهمية قصوي ولديها رمزية ومدلولات كبيرة من خلال ترجمتها العملية وعلي ارض الواقع لمقولة (الصديق وقت الضيق).

هذه الأهمية التي اكتسبتها زيارة اليوم الواحد 07/09/2024م ضربت عدة عصافير بحجر، فلقد أكدت علي العلاقة التاريخية والازلية بين الشعبين السوداني والاثيوبي، كما وأكدت علي أهمية العلاقة بين البلدين في بعدها الرسمي وضرورة دعمها والمضي بها قدما الي الامام.

المبادرة بالزيارة وفي هذا التوقيت الذي انخفضت فيه حركة الطائرات لمسؤلين رفيعي المستوي فوق سماء بورتسودان لمدة ليست بالقليلة تجعل لزيارة ابي احمد ميزة وأهمية تحسب له ونقاط إيجابية تضاف لسجل مبادراته الناجحة كونها كسرت هذا الجمود في الدعم للسودان في وقت حرج كان يتطلع فيه السودان لمثل هذه الزيارات المهمة.

لقد اصبح من نافلة القول الحديث عن عمق العلاقات بين السودان واثيوبيا تلك العلاقات التاريخية القديمة المتجددة التي كانت سمتها الأبرز هي التواصل الإيجابي بين البلدين، والحركة النشطة بين الشعبين، وتبادل المنافع والتعاون، بل وتوفير الملاذ الآمن في وقت الازمات التي كانت تنشا بين فترة واخري هنا أو هناك، بالاضافة الي التعاون في مجالات عدة وتبادل المنافع المشتركة.

إن زيارة رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد الي السودان وان تأخرت قليلا الا انها تأتي في وقت حرج وبدوافع احياء العلاقات واكسابها قوة دفع جديدة بناء علي الروابط والقواعد التي تأسست عبر التاريخ وتمتعت لدي الطرفين بالاحترام والتقدير وعدم الرغبة في احداث القطيعة مهما كان حجم الخلاف في وجهات النظر.

توقيت الزيارة:

معروف ان السودان يمر بأزمة غير مسبوقة في تاريخه الحديث بالنظر للمؤامرة التي تحاك ضده منذ تفجر الحرب في 15 ابريل 2023م، هذه الحرب التي فرضت عليه بدعم وتمويل جهات خارجية قد أحدثت ابلغ الضرر بالبنية التحتية، والحقت خسائر فادحة في الارواح قد تجاوزت الالاف، والنزوح الذي تجاوز الملاين، وتفاقم معها الوضع الانساني الذي يزداد كل يوم سوءا، مع اتساع دائرة الصراع بالدرجة التي باتت تهدد جيران السودان في إقليم متوتر يجلس علي صفيح ساخن وغير مستقر بالأساس مما قد تسوء معه الأوضاع اذا استثمرت هذه الفوضى الغير خلاقة في خلط الأوراق ورسم خارطة للمنطقة من جديد.

ولذلك لا نقول أنه من المتوقع ان تقطع زيارة رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد الطريق علي هذه التدخلات أو المصير السيئ الذي يمكن ان تقود اليه وامتداد ذلك وتاثيره سلبا علي السودان وجواره الذي يشترك معه في الحدود، انما من المفترض ان لم يكن من حكم المؤكد ان تقوم بذلك ولاعتبارات موضوعية منها: الجوار بين البلدين، إمكانية التاثير والتاثر بينهما أيا كان نوعه سلبا ام إيجابا، التشابهة في التعقيدات الداخلية لكل دولة بحكم التشابه في التعدد الاثني والقبلي او القوميات كما تسمي في اثيوبيا والذي يتبعه في الاتجاه الاخر تعقيدات في المشهد السياسي.

الأمن القومي بين البلدين:

لا نقول ان الإحساس بالخطر والتهديد هو الدافع الوحيد لزيارة رئيس الوزراء ابي احمد للسودان خاصة في ظل اتساع دائرة الصراع التي تحسست وجود جيوب متسللة في اقصي ولاية سنار (الدندر) المجاورة لولاية النيل الأزرق المحاددة لدولة اثيوبيا في جزئها الشمالي الغربي، وبهذا التصور القاصر نكون قد ظلمنا الزيارة ولم نضعها في اطارها الصحيح، ، ذلك بان مفهوم الامن القومي لا يتعامل فقط مع الاحداث الطارئة ولا يختزل مفهومه الكبير والشامل في هذا الاطار المحدود والضيق.

ان مفهوم الامن القومي بين الدول المتجاورة ذات الحدود المشتركة والاقليم الواحد يظل حاضرا سواء المتعلق بتفجر الصراعات المسلحة، أو بامن الحدود، الأرهاب، تجارة الأسلحة، النزوح، الأمن المائي وبل بالامن الغذائي في ظل وجود دولة لديها إمكانيات زراعية كالسودان علي سبيل المثال بالضرورة سيؤثر ذلك علي اثيوبيا.

ومما لا شك فيه ان الصراع الدائر في السودان يؤثر تاثيرا مباشرا علي امن تلك الدول وعلي أمن اثيوبيا وبشكل أخص لوجود تشابه في التعقيدات الداخلية التي اشرنا الي شيء منها انفا، وتاسيسا علي ما سبق فان زيارة رئيس الوزراء من المنتظر ان تناقش هذه القضايا وتقتلها بحثا وتطرح خارطة طريق تتجاوز كل عقبات الفترة السابقة وتكون قابلة للتطبيق علي ارض الواقع.

وذلك يحتم وضع استراتيجية طويلة الأمد تتطور بشكل مستمر تحل القضايا العالقة، ولا تتدخل في الشأن الداخلي لاي دولة الا بطريقة إيجابية تساهم في خفض التوتر وفي إحلال السلام والاستقرار وتبادل الأدوار في هذا الجانب مهم وضروري في منطقة مازال التعاقب فيها بين السلام والحرب قائما.

استدامة السلام وليس السلام فقط:

ذكرنا في مقال سابق نشر بصحيفة العلم الاثيوبية بتاريخ 17 مايو 2024م ان تعاقب حالتي الحرب والسلام في المنطقة تعتبر حالة خبيثة لابد من ايقافها وللابد، فان السلام قيمة عليا وتحقيقه بتقديم المبادرات البناءة بالبحث عن الأسباب التي أدت إلي الحرب يعتبر ضروريا ومهما، فالسلام يكتسب أهميته من الحرب، لان الحرب تزهق الانفس البشرية وتدمر الذي تم بنائه في سنوات في لحظات وجيزة.

الا ان استمرار الحرب وبهذه الدرجة التي تجعل من تصنيف المنطقة كمنطقة توترات وبؤر للصراعات المستمرة يستدعي تفكير اعمق من مجرد التفكير في إحلال السلام دون استدامته.

لربما يكون من الصعب الحديث عن معادلة واحدة يمكن تطبيقها في الإقليم تصلح لذلك، لأنه وعلي الرغم من التشابه في الأزمة هنا وهناك لا انه لكل دولة خصوصيتها والظروف المحيطة التي قد يكون من الصعوبة الالمام بكل تفاصيلها وكيفية معالجتها الا انه يصبح من الضروري توليف معادلة مشتركة يكون لها القدرة علي فعل ذلك، خاصة ونحن نتمتع في المنطقة بوجود قيادات وطنية لها من التجربة والحكمة الشئ الكثير وان تسخير هذه الطاقات لخدمة شعوبنا وبلداننا واقليمنا لديها الامكانية ان تصنع المستحيل.

ختاما:

جاء رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد الي السودان وهو يحمل في كنانته الشئ الكثير وعاد الي بلده اثيوبيا وهو اكثر تفهما للكثير من التعقيدات وأبعاد الأزمة، والجانب السوداني قيادة وشعبا قد رحبا بالزيارة ويأملا ان تحدث في الايام القليلة القادمة فروقات جوهرية علي ارض الواقع.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai