العلاقات الإثيوبية السعودية من التعاون الى التكامل الاستراتيجي إنطلاقا من العمق التاريخي

ياسين أحمد, رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية

حسين احمد, مدير الأكاديمية الأثيوبية للثقافة والتنمية

 

تمهيد

شكلت العلاقات الإثيوبية السعودية التي تتمتع أصلا بعلاقات دبلوماسية وتعاون طويل الأمد ، مؤخرا تطور غير مسبوق يحمل بين طياته تحولات استراتيجية في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية فضلا عن السياسي والاجتماعي ، الأمر الذي تفسره الزيارات الدبلوماسية المتبادلة في أعلى مستوياتها والتي عادة ما تتخللها مشروعات تعاونية ومذكرات تفاهم واتفاقات في مختلف المجالات تخطت الاقتصادي والاجتماعي الى الأمني والسياسي .

ولعل المنتدى السعودي الإثيوبي للتجارة والاستثمار الذي شهدته العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الإسبوع الماضي ، يؤكد مدى تطور العلاقات وتحولها من التعاون الى التكامل لما حمله المنتدى من رؤية إستراتيجية في ملامح إبراز بيئة الاستثمار المواتية في إثيوبيا، واطلاع المستثمرين السعوديين على الفرص الاستثمارية المتاحة في البلاد ، فضلا عن حجم المشاركة السعودية في المنتدى واللقاءات مع أعلى مستويات الدولة ، وهو ما سنأتي عليه في ثنايا التقرير من خلال التركيز على المنتدى ومخرجاته وأبرز القضايا التي كانت محور المنتدى السعودي الإثيوبي .

 

تاريخ العلاقات الاثيوبية السعودية

لكن الحديث عن العلاقات الإثيوبية السعودية يستدعي العمق التاريخي لعلاقات البلدين  التي تنبع من دوافع رئيسية من الاهتمامات والمصالح الاستراتيجية والمخاوف أيضا بحكم التقارب الجغرافي عبر البحر الأحمر والروابط التاريخية ، في ظل متغيرات إقليمية ودولية تلقي بظلالها على بناء الأمن في البحر الأحمر والقرن الأفريقي .

وهو ما يختبر بشكل واضح قدرة السعودية على مواصلة توازناتها في المنطقة ، الأمر الذي تعززه  مستويات التباين النسبي لأهمية البلدين تاريخيا واقتصاديًا وسياسيا كل على مستوى محيطه ، مع وجود مشروطيات دائمة لكل من الرياض وأديس أبابا في حركة أيًا منهما إقليميًا وإن كان التحرك فيما يتعلق في علاقات البلدين في جانب أمن البحر الأحمر يظهر بصورة حذرة من وقت لآخر لكن على مستوى التحركات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية لم تتوقف حركة البلدين نحو الآخر .

وتأتي المفارقة في صلات البلدين أن السعودية تدشن –فيما يبدو- عهدًا جديدًا من سياساتها الأفريقية بالتزامن مع انخراط أكبر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إدارة البلاد، وتحرك مماثل لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ، الذي هو الآخر جاء برؤية طموحة لأخراج بلاده من تحديات مزمنة عبر مشروع وطني ما يزيد من جهوده الخارجية التي مثلت محور رئيسي في إهتمام الدول الأخرى بإثيوبيا التي تتمتع بنفوذ إقليمي وحضور دولي رغم كل التحديات التي تمثل تركة ثقيلة من الحكومات السابقة ما يجعل حكومة آبي أحمد تبذل قصارى جهدها على المستويين الداخلي والخارجي وهو ما يتوافق ويتزامن مع الرغبة السعودية .

 

وعلى الصعيد الدبلوماسي والإقتصادي تجاوزت العلاقات بين الرياض وأديس أبابا الصلات التي نشأت رسميًا في العام 1948 ، وإن كان متأثرة بالراهن السياسي والجغرافي الحالي ومتغيراته المتسارعة ، لكنها منطلقة من عمق العلاقة لقرون بعيدة وفق العامل المحدد الأبرز وهو الحركة التجارية النشطة في البحر الاحمر الفاصل بين نطاقات هيمنة البلدين في العصر الحديث، والرابط في بعض فترات التاريخ بين هوية البلدين السياسية والتي تمتد على نسق التشابه التاريخي والحضاري الراسخ للدولتين ، ومتأثرة أيضا بتوازنات القوى الدولية الغربية المكثفة على ساحلي البحر الأحمر .

ونشأت هذه العلاقات عقب قيام العلاقات الدبلوماسية (1948) وما تلاها من تبادل البلدان زيارات كبار المسئولين بهما ، أبرزها زيارة الملك سعود لأديس أبابا في العام 1957 والتي عبر خلالها عن ترحيبه الحار بحالة الإسلام في إثيوبيا ، قبل أن يقوم الإمبراطور هيلا سيلاسي في يناير 1960 بزيارة للرياض استغرقت ثلاثة أيام ، وتعززت بعدها الصلات التجارية بين البلدين حتى شكلها الراهن (تصدير إثيوبيا المنتجات الزراعية، وتصدير السعودية منتجات الطاقة كأبرز سمات تبادل تجاري واستثماري ) .

 

دوافع الإقتراب وأسباب التباعد

ويمكن وصف العامل المشترك بين السعودية وإثيوبيا في العقود الأخيرة بأنهما قوتان إقليميتان كبيرتان تماستا بقوة بعد انسحاب القوى العظمى من القرن الأفريقي (بعد الحرب الباردة) الأمر الذي وفر للسعودية نفوذًا غير مسبوق في الإقليم وبدرجة أقل داخل إثيوبيا التي طورت بدورها وشكلت حضورًا إقليميًا أكثر قوة.

ليظل السؤال المحوري كيف تنظر المملكة العربية السعودية لأثيوبيا وأفريقيا ضمن رؤية 2030 السعودية – ودور أثيوبيا في حفظ الأمن الغذائي للسعودية ودورها في أمن البحر الأحمر مستقبلًا  ، كل هذه التساؤلات تجيب عليها دوافع التقارب السعودي الإثيوبي والرغبة المتبادلة في صيانة الاستقرار الإقليمي في جنوبي البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ورؤية السعودية الواقعية لدور إثيوبيا الذي لا يمكن الاستغناء عنه في هذا المسار؛ يقابله تطلع إثيوبي للاستفادة من الرافعة الاقتصادية السعودية في تعزيز الاقتصاد الإثيوبي ورفده باستثمارات مباشرة تتناسب مع تطلعات الأولى وقدرات الثانية.

وتتضح دوافع الاقتراب في الملف الاقتصادي بشكل كبير من الجانب الإثيوبي؛ وعدت السعودية في الفترة 2015-2019 من أهم شركاء إثيوبيا التجاريون إذ تجاوز إجمالي عائدات التجارة 2.85 بليون دولار (في الأعوام الخمسة المذكورة معًا)، ومثلت صادرات السعودية في تلك الفترة ما قيمته 2.05 بليون دولار بينما لم تمثل صادرات إثيوبيا في الأعوام الخمسة سوى 807.22 مليون دولار فقط (بمتوسط 161 مليون دولار سنويًا)، ورغم ذلك فإن هذه الصادرات مثلت نسبة 8.13% من إجمالي صادرات إثيوبيا في تلك الفترة مما يجعل السعودية أحد أهم وجهات البضائع الإثيوبية خارجيًا .

 

نظرة أديس أبابا للرياض

 

وبلا شك  تنظر اثيوبيا الى المملكة العربية السعودية ، ضمن سياق تطلعات أديس أبابا الى المحيط الكلي لدول الخليج وإن كان نظرتها للرياض تختلف وتحمل إهتمام خاص لما بين البلدين من تاريخ وحضارة مشتركة وحضور قديم متجدد ، ضمن إطار التحرك الذي رسمته إثيوبيا لنفسها في المنطقة ، لهذا جاء التقارب الإثيوبي من السعودية التي صنفت في العام 2021 ضمن أكبر ثلاثة دول تضخ استثمارات مباشرة في إثيوبيا بعد الصين وتركيا .

 

وتسعى إثيوبيا نحو السعودية للاستفادة من قدراتها الاستثمارية الضخمة، وهو ما جدده أواخر  مايو الماضي السفير الإثيوبي بالسعودية لينشو باتي ، في اجتماع مع عجلان عبد العزيز رئيس مجلس اتحاد الغرف السعودية “لمناقشة سبل توسيع التجارة والاستثمار” بين البلدين؛ وركز “باتي” خلال الزيارة على استراتيجيات توسيع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين والتي تشمل الاستثمارات القابضة ومنتدى للتجارة الثنائية وتيسير زيارات وفود تجارية سعودية لإثيوبيا وتأسيس مجلس أعمال إثيوبي- سعودي “لتعميق التجارة بين البلدين”، وفي المقابل عبر عبد العزيز عن وعي بلاده (التقليدي) بالمقدرات الضخمة التي توفرها إثيوبيا للمستثمرين السعوديين وكذلك لسوق التصدير السعودي .

 

المنتدى السعودي الإثيوبي

والأسبوع الماضي حل بأديس أبابا وفد استثماري وتجاري سعودي رفيع المستوى برئاسة رئيس اتحاد غرف التجارة السعودية الاستاذ حسن الحويزي، يضم 79 مستثمرًا يمثلون شركات مرموقة ومسؤولين من غرفة التجارة السعودية ، وتهدف الزيارة إلى تعزيز فرص التجارة والاستثمار وتنويع العلاقات الاقتصادية وتعزيز العلاقات الثنائية بين السعودية وإثيوبيا.

 

وحظي الوفد السعودي بترحيب حار بحضور فيتسوم أسيفا، وزير التخطيط والتنمية الإثيوبي والسفير ناسيس شالي، وزير السياحة ، السفير ميسغانو أرغا، وزير الدولة للشؤون الخارجية ، فيما كشفت الخارجية الاثيوبية ان المستثمرون السعوديون يقومون بزيارة مواقع بارزة مثل المنطقة الصناعية الشرقية، ومشروع شاكا، وأليما كوديجيتس؛  مجمع إنتاج أعلاف الحيوانات، ومتحف عدوة التذكاري للنصر، ومجمع عبد الحكيم لتصنيع القهوة في كاليتي.

لكن الخطوة الأبرز في هذه الزيارة للوفد السعودي الى إثيوبيا ، تمثلت في منتدى الاستثمار والتجارة الإثيوبي السعودي، الذي شهدته أديس أبابا، حضور عدد من الوزراء والمسؤولين الإثيوبيين، ورئيس اتحاد الغرف السعودية أ. حسن الحويزي، وبمشاركة 79 مستثمراً سعودياً من شركات بارزة.

واستعرض المنتدى فرص الاستثمار في إثيوبيا في القطاعات الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك ، ووقعت الغرفة التجارية الإثيوبية واتحاد الغرف السعودية ، اتفاقية لإنشاء مجلس أعمال سعودي إثيوبي مشترك ، كما تم الإعلان عن عدد من المشاريع والاتفاقيات والشراكات النوعية بين البلدين، مما يعزز التعاون الاقتصادي ويفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والتنمية المشتركة.

 

منتدى الاستثمار والتجارة الإثيوبي – السعودي الذي احتضنته قاعات متحف العلوم والتكنولوجيا بالعاصمة أديس أبابا ، يهدف إلى إطلاع الوفد الإستثماري السعودي ، على مناخ الاستثمار والفرص الاستثمارية المتاحة في إثيوبيا ، وفي كلمتها الافتتاحية، أكدت وزيرة التخطيط والتنمية فصوم أسفا على أهمية العلاقات الثنائية وضرورة تعزيز التعاون في مجالات الاستثمار والتجارة، مشيرة إلى أن  زيارة الوفد السعودي تمثل مسارًا جديدًا في العلاقات بين البلدين.

 

مخرجات زيارة الوفد السعودي

وحول مخرجات زيارة الوفد السعودي لأثيوبيا ، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية، السفير نبيو تيدلا، أن زيارة الوفد السعودي الذي ضم 79 من أصحاب الأعمال، هدفت إلى تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين ، وقال إن إثيوبيا والمملكة العربية السعودية تتمتعان بعلاقات دبلوماسية طويلة الأمد، مشيرا إلى أن الزيارة تعكس التطور المستمر في العلاقة بين البلدين.

وأشار المسؤول الإثيوبي ، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي ،الى أن اثيوبيا تشهد زيادة ملحوظة في اهتمام المستثمرين الأجانب، متحدثا عن زيارات وفود الأعمال السعودي بهدف استكشاف فرص الاستثمار في البلاد ، وقال إن الوفد السعودي اجرى مناقشات مع المسؤولين الإثيوبيين لبحث الفرص الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وقام بزيارات ميدانية لمواقع التصنيع لرؤية الفرص التجارية.

 

وكشف السفير نبيو ، أن المستثمرين السعوديين استثمروا 260 مليار بر في 233 مشروعًا استثماريًا في إثيوبيا خلال العقدين الماضيين، وتوفير فرص عمل لأكثر من 75 ألف إثيوبي ، وقال إن صادرات إثيوبيا إلى السعودية في عام 2022/2023 بلغت 325 مليون دولار، مما يعكس نمو العلاقات التجارية بين البلدين. مؤكدا أن زيارة الوفد السعودي ستعزز العلاقات التجارية والاستثمارية.

وأضاف السفير أن المنتدى السعودي الإثيوبي للتجارة والاستثمار ركز على إبراز بيئة الاستثمار المواتية في إثيوبيا، واطلاع المستثمرين السعوديين على الفرص الاستثمارية المتاحة في البلاد ، وأكد أن توقيع اتفاقية بين غرفة التجارة الإثيوبية والجمعيات القطاعية ونظيرتها السعودية، لإنشاء مجلس أعمال مشترك، سيسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

واعتبر زيارة أكثر من 70 مستثمرًا من المملكة العربية السعودية إلى إثيوبيا تعكس اهتمام الحكومة بالدبلوماسية الاقتصادية والاهتمام المتزايد من الدول والمستثمرين الراغبين في

الاستثمار في إثيوبيا.

 

إختتام الوفد بلقاء آبي أحمد

أختتم الوفد السعودي الرفيع زيارته لإثيوبيا بلقاء نوعي مع رئيس الوزراء آبي أحمد، في مكتبه، الخميس الماضي ، وتمحورت المناقشات حول الاستثمارات في مجالات الزراعة والإسكان والسياحة، مع التركيز على ما تم في الزيارة بصورة عامة , ووفد الأعمال السعودي برئاسة رئيس اتحاد الغرف السعودية، أ. حسن الحويزي، الذي أختتم  زيارته الى إثيوبيا التي استمرت ثلاثة أيام ، جاءت نتيجة للمحادثات الثنائية المثمرة التي جرت بين رئيس الوزراء آبي أحمد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في نوفمبر 2023 خلال القمة السعودية الأفريقية.

 

أبرز المحطات في مسيرة العلاقات

هناك العديد من المحطات والكثير من التحركات التي عبرت بصورة جيدة عن مستوى التطور في العلاقات بين أديس أبابا والرياض ، ولعل رصدها بصورة كاملة وشاملة سيكون من الصعب لكثرة الزيارات وتعدد الإتفاقات ، لكن يمكن أن نبدأ الرصد  من شهر مايو المنصرم والذي شهد تحركات كانت هي الأبرز في علاقات البلدين ، وإن كان سبقتها تحركات دبلوماسية وإهتمام بين البلدين ، حيث الاجتماعات والمنتديات التي عقدت في عواصم البلدين ما يؤكد عزم قادة البلدين في المضي قدما بهذه العلاقة وإنزالها الى واقع المجتمعات والشعوب وفق إرادة الحكومتين وعقد العديد من اتفاقات التعاون في مختلف المجالات .

وأواخر مايو المنصرم ، عُقد الاجتماع السادس للجنة الوزارية الإثيوبية السعودية المشتركة في الرياض في الفترة من 21 إلى 22 مايو 2024 ، برئاسة وزير الخارجية الإثيوبي تايي أتسقى سيلاسي، ووزير البيئة والمياه والزراعة السعودي عبدالرحمن الفضلي ، فضلا عن مشاركة عدد من كبار المسؤولين من الجانبين، حيث ضم الوفد الإثيوبي وزير العمل والمهارات مفرحات كامل، وكبار المسؤولين من وزارة المالية والزراعة ودائرة الهجرة والمواطنة وهيئة الطيران المدني الإثيوبية.

وناقش البلدان سبل تعزيز العلاقات القائمة كما وقع الجانبان على اتفاق لتعزيز التعاون في مجالات السلام والأمن والتجارة والاستثمار والثروة الحيوانية والزراعة والبنية التحتية والطاقة والمعادن ، ومواصلة استغلال مجالات التعاون في التجارة والاستثمار .

وتطرق الاجتماع الى عددًا من المواضيع المتعلقة بتطوير التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والعلمية، قبل أن يوقع الجانبان على مذكرة تفاهم للتعاون المشترك في مجالات الاستثمار والعقارات والثروة الحيوانية والزراعة والتصنيع الزراعي، وتطوير البنية التحتية، والتعدين، والطاقة البديلة، وتوظيف الموارد البشرية، بالإضافة إلى التعاون في المجال الأمني.

وأشاد تاي ، في كلمته الافتتاحية، بالعلاقات التاريخية والمتميزة بين بلاده والسعودية، لافتا الى مذكرات التفاهم الموقعة في مختلف المجالات ، موضحا أن الاجتماع يمثل فرصة فريدة لتعزيز العلاقات الثنائية ، فيما أكد وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي عبدالرحمن الفضلي اهتمام المملكة بتنمية الثروة الحيوانية في إثيوبيا، وتعزيز التعاون في قطاعات الاستثمار والتجارة.

وضمن رصدنا لأهم المحطات في علاقة البلدين ، تأتي الزيارات الدبلوماسية ، ضمن سياق العلاقات المتشابكة ما بين الرغبة المتبادلة لكل من أديس أبابا والرياض ، والعلاقات التاريخية والمشتركات الحضارية ، تترجمها وجود العديد من المحطات في مسيرة تطورها  ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأمنيا .

وهناك العديد من الزيارات الدبلوماسية في أعلى مستوياتها بين البلدين ، في مقدمتها إعلان الحكومة الإثيوبية، في الـ 19 ديسمبر 2019 ، بأنها ستحصل على قرضين من السعودية بقيمة 140 مليون دولار ، وسيتم توجيه القرضين إلى إنشاء طرق ومحطات للطاقة الشمسية وإمداد المياه.

خطوة سبقها لقاء جمع رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” مع وفد من صندوق التنمية الحكومي السعودي ، حيث وقع اتفاق القرضين، وزير المالية الإثيوبي، “أحمد شيدي”، ومن الصندوق السعودي للتنمية “خالد سعيد الخضري”.

وأعرب “آبي أحمد ” عن تقديره البالغ للدعم المقدم إلى أديس أبابا من السعودية ، وقال “آبي” إن حكومته تعمل حاليا على وضع اللمسات الأخيرة للحصول على مزيد من الدعم من أجل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المستمرة. كل ذلك سبقته مباحثات إثيوبية سعودية في مارس 2021، ناقشت المفاوضات المتعثرة بشأن سد النهضة بوساطة أفريقية ، مستفيدة من علاقاتها المتميزة ، حيث تمثل العلاقات الإثيوبية الخليجية بشكل عام محورا لتقارير عن تأثيرها على أزمة “سد النهضة” الذي شيدته أديس أبابا على النيل الأزرق، وتقول القاهرة والخرطوم إنه يمثل تهديدا وجوديا لهما.

 

والـ 28 من أغسطس 2021  تلقى رئيس الوزراء الإثيوبي، “آبي أحمد”، اتصالا هاتفيا من ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان” ، تقدم فيه ولي عهد السعودية، بالتهنئة لـ”آبي أحمد” بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لوزراء إثيوبيا، وتمنى لبلاده وشعبه التوفيق والمزيد من التقدم، كما تم استعراض خلال الاتصال الهاتفي العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وإثيوبيا.

 

وفي تطور للعلاقات مطلع سبتمبر من العام 2022 ، وافقت السعودية على تعليق خدمة مدفوعات الديون مع إثيوبيا، بعدما وقع الطرفان مذكرة تفاهم بهذا الخصوص ، خلال توقيع مذكرة التفاهم بخدمة الديون خلال لقاء وزير المالية الإثيوبي “أحمد شيدي” بسفير السعودية لدى إثيوبيا “فهد الحمداني” وبحضور وفد من الصندوق السعودي للتنمية ، كما ناقش الطرفان مسألة تعزيز التعاون الاقتصادي بين السعودية وإثيوبيا.

 

وفي ذات الفترة بحث المستشار في الديوان الملكي السعودي “أحمد بن عبدالعزيز قطان” في أديس أبابا، مع رئيس وزراء إثيوبيا “آبي أحمد”، العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا إقليمية ودولية، واستعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى بحث الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.

وأواخر مارس الماضي ، تلقّى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رسالة خطية من آبي أحمد ، رئيس وزراء إثيوبيا، تتصل بالعلاقات الثنائية وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات.

والرسالة التي تسلَّمها الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية، من نائب رئيس وزراء إثيوبيا، تيميسغن تيرونه ، وبحث معه سبل تعزيز التعاون بين البلدين والشعبين الصديقين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى مناقشة التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة بشأنها .

كما حضر اللقاء ، وزير خارجية إثيوبيا تايي أسقسلاسي، ونائب وزير الخارجية المهندس وليد بن عبد الكريم الخريجي، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية الدكتور سعود الساطي، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى إثيوبيا الدكتور فهد الحميداني، ومستشار وزير الخارجية محمد اليحيى.

 

التكامل بين الدبلوماسية الشعبية والرسمية

وفي خضم هذا التطور الفريد بين العلاقات الإثيوبية السعودية ، يبدو واضحا الحضور المميز للدبلوماسية الشعبية والرسمية ، خاصة وأن الدول العظمى تعتمد بطبيعة الحال على الدبلوماسية في علاقاتها الدولية والاقليمية ، ونجد أن الدبلوماسية الشعبية هي الوجه الشعبي للدبلوماسية الرسمية التى تسهم في تعزيز العلاقات بين الشعوب لخدمة المصالح المشتركة بين الدول والشعوب.

وانطلاقا من ذلك فان جذور وتاريخ الدبلوماسية الشعبية الإثيوبية السعودية تمتد الي ما قبل وبعد الإسلام في العلاقات التاريخية التى كانت تربط الجزيرة العربية والحبشة وحسب التاريخ الاسلامي المشترك فإن اول هجرة في الإسلام كانت الى الحبشة ، وهو ما جعل منها شهرة بأنها أرض الهجرتين للصحابة رضي الله عنهم عندما أمرهم الرسول صلي الله عليه وسلم بأن يهاجروا الحبشة حيث الملك العادل النجاشي رضي الله عنه ، لذا تعتبرالدولتان إثيوبيا والمملكة العربية السعودية ، الوريث الشرعي لتراث النجاشي والتاريخ المشترك الذي يتجاوز أكثر من 1400 عاما.

 

اما الدبلوماسية الشعبية الراهنة تجسدها علاقات تواصل بين الشعبين الاثيوبي والسعودي ظلت تطورها وسائل التواصل الاجتماعي عبر الانترنت ، إذ يُقدّر المتابعات الرسمية بأن حوالي 750 ألف إثيوبي يعيشون ويعملون في المملكة العربية السعودية والذين يسهمون بدورهم في تعزيز الروابط بين الشعبين الإثيوبي والسعودي اجتماعيا ثقافيا واقتصاديا.

وكثير من الاثيوبين الذين ولدوا في السعودية ودرسوا فيها ثم عادوا الى اثيوبيا فهم يعتبرون سفراء للدبلوماسية الشعبية “الاثيوسعودية” لانهم ينتمون الى الثقافتين الاثيوبية والسعودية ، كما أن مقومات الدبلوماسية الشعبية السعودية متميزة بوجود الأماكن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وأصبح مواليد السعودية بجانب المبتعثون السعوديون وقطاع الاستثمار, السياح السعوديون هي رافد مالي واستثماري لإثيوبيا ، بجانب المساعدات الانسانية السعودية التى تقدمها الى الشعب الاثيوبي ومراكز الابحاث والدراسات ، عززت العلاقات والترابط الشعبي والإجتماعي .

وعليه نحن في المعهد الاثيوبي للدبلوماسية الشعبية والأكاديمية الأثيوبية للثقافة والتنمية ، سنظل نعزز هذه العلاقات مع المملكة العربية السعودية وبقية البلدان الصديقة والشقيقة لإثيوبيا ، وفي هذه الصدد نحث المسؤولين والقيادة في كل من اثيوبيا والسعودية لدعم الدبلوماسية الشعبية  ، فقد حان الوقت لتعزيز الروابط بين الشعبين الشقيقين الإثيوبي والسعودي من خلال الدبلوماسية الشعبية المكملة للدبلوماسية الرسمية للدولتين، وخلق فضاءات شعبية تساهم في خلق تفاهمات مشتركة لتعزيز التكامل الإقليمي على أساس المصالح المشتركة للدولتين والشعبين، ونحن نرى أنه حان الوقت لحكومتنا في إثيوبيا والسعودية أن تعطي مساحات من الحرية ومكانة لشعوبها بأن تقوم بدورها المساعد والمكمل للدبلوماسية الرسمية؛ من خلال زيادة الاهتمام بالدبلوماسية الشعبية؛ ودور الشعوب أكثر فعالية في تعزيز الروابط بينها ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً لخدمة مصالح الشعوب على أساس المصالح المشتركة.

 

مستقبل العلاقات السعودية الإثيوبية

وبلا شك أن جميع تلك الزيارات والمنتديات واللقاءات التي جرت بين كبار المسؤولين في البلدين ، توضح بجلاء مدى قدرت أثيوبيا والسعودية في توظيف الشراكة الاستراتيجية في إدارة العلاقات المتوازنة مع القوى الإقليمية والدولية مع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية والدول الأوروبية من جهة ومع روسيا والصين من جهة اخرى وخاصة بعض إنضمام أثيوبيا والسعودية في مجموعة البريكس .

 

وأن كل تلك التحركات الدبلوماسية والمساعي الإقتصادية على مستوى التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين ، تفسر إرادة حقيقة لدى أثيوبيا والسعودية في توظيف علاقاتهما الإقليمية وبعض الملفات مع دول الإقليم مثل ملف سد النهضة والحرب في السودان والتواجد التركي والإيراني والهندي في أثيوبيا وأفريقيا  ، وهو ما يرسم الخلاصة لمستقبل العلاقات الاثيوبية السعودية بناءً على ما استعرضه التقرير في محطاته السابقة .

 

ويمكن أن نقول أن مستقبل العلاقات السعودية الإثيوبية وسيناريوهاته يرتبط بالعديد من الاعتبارات أبرزها “التحالف الاستراتيجي” بين الرياض والقاهرة والذي لم يتزعزع طوال العقد الفائت تقريبًا مقارنة “بتحالفات” مشابهة لم تصمد أمام المتغيرات الإقليمية والدولية؛ وحدود الطموحات السعودية في “أمننة” البحر الأحمر وضمان اكتمال نفوذ الرياض في جزئه الجنوبي عسكريًا واقتصاديًا في المرحلة المقبلة؛ وما يرتبط بما سبق بقدرة نظام أديس أبابا على تسوية المشكلات الداخلية “لاستكمال خطط التعاون الإقليمي في القرن الأفريقي (حيث توجد للسعودية مصالح اقتصادية على خطوط مناطق الأزمات الجارية لاسيما في إقليم العفر) وإطلاق مشروعات هذا التعاون على نحو يعزز أمن البحر الأحمر في نهاية الأمر.

وفي المقابل فإن الرؤية الإثيوبية ترهن مستقبل هذه العلاقات بدور إقليمي أكبر يتجاوز “التحفظات” المصرية، وانفتاح سعودي أكبر لاسيما في التبادل التجاري والاستثمارات وملف العمالة الإثيوبية ، وترتيب أولويات سياسات السعودية الخارجية في الإقليم .

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai