عمر حاجي
إن إثيوبيا تعد واحدة من الدول الرائدة في أفريقيا وواحدة من الدول العشر الأولى في العالم من حيث ثروة الأبقار ذات القرون على وجه الخصوص. ومن هذا المنطلق، فإن سكان إقليم وسط إثيوبيا يزدهر من خلال العمل على تعزيز تنمية الثروة الحيوانية ومنتجاتها وتوسيع نطاق مزرعة الألبان. وتضم مزرعة الألبان التي هي ذات الملكية الخاصة ما يصل إلى أكثر من 12 بقرة، بما في ذلك العجول والأبقار الحوامل على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وفي هذا الإطار، قال السيد سهل برتا وهو موظف حكومي سابقا ومقيم في منطقة شرق غوراجي بإدارة مدينة إندبيرا وتحول من البطالة إلى أن أصبح مزارع الألبان المزدهرة، ويمتلك حاليًا ست بقرات حلوب التي تنتج الواحدة منها يوميًا حوالي 30 لترًا من الحليب. وقد بدأ السيد سهل وعائلته فصلاً جديدًا من حياتهم بعد الحصول على قرض قدره 150 ألف بر من بنك أومو، مما مكنهم من شراء بقرة حلوب واحدة وبدعم من مكتب المدينة، وأصبحوا الآن يديرون مزرعة ألبان على قطعة أرض مخصصة لهم حسب قوله.
وذكر السيد سهل برتا أن المساعدة التي يقدمها خبراء مكتب الزراعة في المركز كانت بمثابة توجيه ودعم بالغ الأهمية وكذلك، في مجالات حيوية، مثل الأعلاف الحيوانية والرعاية الطبية وغيرها من الخدمات الأساسية. وكان قد واجه سهل، أثناء عمله كموظف في الحكومة تحديات في إدارة المسؤوليات العائلية بشكل كبير جدا. ومنذ أن بدأ عمله الخاص الحالي في مزرعة الألبان تمكن من كسب دخل كافٍ لإعالة أسرته، مضيفا إلى أن أولاده بدأوا الآن أعمال التجارة الخاصة بهم .
وتمثل قصة نجاح السيد سهل في منطقة غوراجي أجواءً مشتركة بين العديد من الأفراد الذين شهدوا تحولات غيرت حياتهم بموارد مالية محدودة. ومع ذلك، لا يزال انتشار البطالة بين الشباب التي تمثل مشكلة ملحة في جميع أنحاء البلاد. ومن خلال استلهام أفكار سهل وغيره من رواد الأعمال الناجحين الذين أنشأوا أعمالهم الخاصة، يستطيع الشباب تمهيد الطريق للتغيير الشخصي والوطني. ومن هذا المنطلق، فإنه إذا تم تقديم الدعم الكافي من الحكومة، فإن هؤلاء الأفراد الطموحين لديهم القدرة على إحداث تأثير فعال على البلد بأكمله.
وذكر السيد سهلي التحدي الذي يواجهه مزارعو الألبان المحليون، مشيرا إلى أن المنطقة تشهد فائضا في إنتاج الحليب مقارنة بالطلب الحالي مما يؤدي إلى هدرها في بعض الأحيان. وقال: إنه إدراكًا لهذه المشكلة، حث المكتب الحكومي على توفير معدات معالجة الحليب بشكل فعال. وأما بالنظر إلى المستقبل، أكد على إمكانات النمو والتوسع، إذا تم تحسين البنية التحتية، بما في ذلك الطرق وإمدادات المياه والكهرباء، مما سيمكنهم من توسيع شبكة توزيعهم خارج المنطقة، والوصول إلى المستهلكين في مناطق أخرى من البلاد.
ومن خلال معالجة المشاكل البنى التحتية والاستثمار في تنمية قطاع الألبان، تستطيع إثيوبيا تحسين الإنتاج والإنتاجية بشكل كبير، مما يؤدي إلى زيادة توافر المنتجات الحيوانية، بما في ذلك الحليب لسكانها. وسيساهم في تحقيق نظام غذائي أكثر توازنا وتقليل الاعتماد على الواردات المكلفة. علاوة على ذلك، فإن نمو صناعة الألبان لديه القدرة على خلق فرص العمل ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، ولا سيما في المناطق الريفية حيث تتم فيها غالبية زراعة الألبان.
وتعتبر رحلة السيد سهلي الملهمة بمثابة شهادة على الإرادة القوية التحويلية في الإصرار على ممارسة الأعمال. كما أن تفانيه في زراعة الألبان لم ينعش مصدر رزقه فحسب، بل ساهم أيضًا في تحسين المشهد الزراعي المحلي.
ومن ناحية أخرى، صرح مدير شركة كانيان للاستثمار الزراعي المشترك الطبيب البيطري، الدكتور تكلي هيلماريام في منطقة كمباتا بمركز دامبويا، أن التغييرات التي حدثت على مشروع تطوير الألبان بناء على المبادرة سلطت الضوء على نموملحوظ وتأثيرها الاقتصادي وتحولها إلى المشهد الزراعي المحلي. وقال: بدأت رحلة تطوير منتجات الألبان في كانيان منذ ثلاث سنوات باستثمار أولي قدره 10 ملايين بر وتحسين 17 بقرة. واليوم يضم المشروع عددًا يصل إلى 65 بقرة، بما في ذلك العجول.
وذكر الدكتور تكلي، أن الجهود المشتركة لمشروع تطوير الألبان والأعمال الزراعية الأخرى حققت دخلاً مذهلاً يبلغ أكثر من أربعين مليون بر. مشيرا إلى أن البقرة الواحدة تنتج ما بين 18 و36 لترًا من الحليب يوميًا. فإن جميع الأبقار الحلوبة تنتج الألبان ما يصل إلى 300 لترًا يوميًا. ويتم عرض منتجات الحليب الوفيرة هذه وبيعها بسعر معقول يتراوح ما بين أربعين إلى خمسين بر للتر الواحد لصالح الأفراد الضعفاء والمجموعات المنظمة للإستفادة منها، مما يضمن الوصول العادل إلى هذا المورد المغذي.
وحول خلق فرص العمل ذكر الدكتور تكلي، أن أعمال شركة كانيان تلعب دورا هاما في خلق فرص العمل للمواطنين المحليين. حاليًا، لديهم قوة يد عاملة تبلغ حوالي 30 موظفًا دائمًا و200 موظفًا مؤقتًا إضافيًا. وتمكن هذه القوى العاملة في القسم من تنفيذ عملياته بكفاءة مع توفير فرص العمل للمجتمع. ويعتقد أن النظام الغذائي للمجتمع غير متوازن بسبب عدم تطوير الإنتاج والإنتاجية للثروة الحيوانية. ومن جهة أخرى، فإنه بسبب عدم تناسق الطلب والأسواق في البلاد اضطرت البلاد إلى استيراد المنتجات الحيوانية مثل الحليب من دول أجنبية ذات أسعار صرف أجنبي مرتفع حسب قوله.
وقال: وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإنها توصى بأن يشرب الشخص العادي 200 لترا سنويا. ومع ذلك، فإن الشخص العادي في إثيوبيا يشرب 19 لترا فقط، وفقا لوزارة الزراعة، ويمكن ذكر مشاكل مختلفة كأسباب لذلك، من بينها، أن مشاكل التشكيل لقطاع الألبان في البلاد هي السبب الرئيسي لتخلف الإنتاج والإنتاجية في القطاع. لا سيما بالنظر إلى الحقيقة أن سلسلة قيمة الحليب متخلفة، فإن عدم وجود البحث التعليمي ونظام الإرشاد كان عائقًا أمام تنمية القطاع دون تحديث.
وتماشيًا مع التزامهم بالممارسات المستدامة، ذكر تكلي، أنهم يستخدمون منتجات نفايات المواشي كمورد قيم. يتم تحويل منتجات النفايات هذه إلى سماد، والذي يتم استخدامه بعد ذلك لإعداد أعلاف حيوانية محسنة. ومن خلال تنفيذ هذا النهج المبتكر، فإنهم لا يقللون من النفايات فحسب، بل يعززون أيضًا جودة الأعلاف وقيمتها الغذائية، مما يفيد الصحة العامة وإنتاجية الماشية. كما ذكر، مبادرة تحويل مخلفات الماشية إلى غاز حيوي.
ومن خلال تسخير إمكانات الغاز الحيوي، فإنهم يهدفون إلى تعظيم الاستفادة من منتجات النفايات وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة. وهذا لا يساهم في الحد من التأثير البيئي فحسب، بل يوفر أيضًا فرصة للإدارة لاستكشاف حلول الطاقة البديلة في القطاع الزراعي. كما أنها تساهم في الاقتصاد الدائري وتمهد الطريق لنظام زراعي أكثر صداقة للبيئة وقابلية للتطبيق اقتصاديًا.
ومن جانب آخر، قال السيد محمد مدثر نائب رئيس مكتب إدارة الزراعة بمنطقة غوراجي ورئيس قطاع الثروة الحيوانية: إنه يتم حاليًا إنشاء 525 قرية ألبان كبيرة في 10 مراكز وفي 5 إدارات مدن في منطقة غوراجي، ويهدف هذا الجهد الاستراتيجي إلى تعزيز صناعة الألبان وتعزيز القطاع الزراعي المحلي. كما شدد على فوائد تحسين السلالات بين المزارعين في المنطقة. وذكر أنه يتم تشجيع كل مزارع على امتلاك سلالة واحدة على أقل تقدير من أبقار الألبان المحسنة. وفي الوقت الحالي، فقد تم توفير 23 بالمائة فقط من سلالات المواشي في المنطقة للتحسين، حيث تم تحسين ما يقرب من 22000 سلالة من المواشية بنجاح خلال هذا العام وحده.
وأما فيما يتعلق بمعالجة المخاوف التي أثارها المزارعون، قال: إن المكتب يعمل بنشاط من أجل حل القضايا المتعلقة بالبنية التحتية، مدركا بأهمية البنية التحتية الموثوقة في دعم نمو واستدامة صناعة الألبان. ومن خلال جهود التعاونيات يهدفون إلى خلق بيئة تزدهر فيها زراعة الألبان مما يعود بالنفع على المزارعين والنمو الاقتصاد المحلي. كما أن دور الحكومة حيوي في دعم وتسهيل نمو قطاع الألبان. ويمكن لإصلاحات السياسات والتدخلات في الأسواق والحوافز المالية أن تحفز الاستثمار في القطاع والتي تخلق بيئة مواتية لازدهار الشركات. ويعد التعاون بين الحكومة وأصحاب المصلحة في القطاع الخاص وشركاء التنمية الدوليين أمر بالغ الأهمية لتنفيذ هذه الإصلاحات ودفع النمو المستدام في صناعة الألبان، مشيرا إلى الحاجة الملحة بصورة خاصة لمراكز كيماويات النيتروجين.
وقد أكد السيد محمد على أن المنطقة لا يوجد بها حاليا سوى مركز واحد فقط. ولتفادي عواقب محتملة من عدم وجود مركز كيميائي ونيتروجين دعت وزارة الزراعة أصحاب المصلحة الآخرين إلى بناء مراكز إضافية لكيميائيات النيتروجين في المنطقة. وبشكل عام، فإنه لم ينجح المشروع من خلال تفانيهم لتحسين سبل العيش فحسب، بل تبنى أيضًا ممارسات مستدامة، مما يشكل مثالاً قويًا في القطاع الزراعي، وسيستمر تأثير جهودهم في الانتشار عبر المجتمع، مما يعزز النمو الاقتصادي وفرص العمل والإشراف البيئي.