جوهر أحمد
اختُتمت قمة البريكس السابعة عشرة يوم الإثنين الماضي في ريو دي جانيرو، مُمثلةً بذلك لحظةً محوريةً في تاريخ التكتل. وحضرت القمة عشر دول شريكة، مما وسّع نطاق البريكس العالمي بشكل كبير، ورسّخ دورها كقوةٍ فاعلةٍ في نظامٍ عالميٍّ متعدد الأقطاب. وتحت شعار “تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب من أجل حوكمةٍ أكثر شمولاً واستدامة”، شدد الاجتماع على الجاذبية المتنامية للبريكس كبديلٍ عمليٍّ لمراكز القوى التقليدية، مما يعكس رغبةً جماعيةً بين الدول في تعزيز هياكل حوكمةٍ عالميةٍ أكثر إنصافًا واستدامة.
وشهد هذا التوسع التاريخي انضمامَ إثيوبيا وإندونيسيا وإيران ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة رسميًا كأعضاءٍ كاملين. هذا، إلى جانب المشاركة المستمرة من جانب العديد من الدول الشريكة مثل بيلاروسيا، وبوليفيا، وكوبا، وكازاخستان، وماليزيا، ونيجيريا، وتايلاند، وأوغندا، وأوزبكستان، وفيتنام الذي قد زاد بشكل كبير من الوزن الديموغرافي والاقتصادي لمجموعة البريكس.
ويمثل التكتل، الذي يضم الآن أحد عشر عضوًا، ما يقرب من 49.5% من سكان العالم، و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و26% من التجارة العالمية، مما يشير إلى تحول جذري في ديناميكيات القوة العالمية. وشاركت وفود رفيعة المستوى، بما في ذلك رؤساء وزراء ورؤساء دول ووزراء خارجية من جميع الدول الأعضاء، بنشاط في القمة. وشملت مناقشاتهم مجالات حيوية مثل التعاون الاقتصادي، والتجارة، والتنمية المستدامة، والاستقرار الجيوسياسي، وكلها تهدف إلى تعزيز نظام عالمي أكثر توازنًا وتمثيلًا.
وقد أبرز حضور الدول المدعوة التزام مجموعة البريكس بالحوار الشامل والمشاركة الأوسع نطاقًا بما يتجاوز عضويتها المباشرة. وكان من أبرز ما ميّز القمة الكلمة الافتتاحية التي ألقاها رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور آبي أحمد في منتدى السلام والأمن والقيادة الدولية. وقد عبّر رئيس الوزراء الدكتور آبي عن تطور الكتلة، قائلاً :إن مجموعة البريكس “قد انتقلت من فكرة جديدة قوية إلى قوة هائلة تعمل من أجل التغيير العالمي”. وشدد على الحاجة الملحة إلى مؤسسات دولية تعزز الثقة المتبادلة لتمكين التعاون الناجح، وشدد على أهمية التحسين الشامل لهياكل صنع القرار في المؤسسات المالية الدولية لتسهيل الأمن المشترك والازدهار الشامل.
وتُعد إثيوبيا، بانضمامها رسميًا إلى مجموعة البريكس في عام 2023، دليلاً على الجاذبية المتنامية للمجموعة. ويعكس انسجامها مع مجموعة البريكس سعيها الاستراتيجي إلى عالم متعدد الأقطاب لا يعزز الصداقة الاقتصادية فحسب، بل أيضًا المساواة العادلة. ووفقًا لمعلومات من مكتب رئيس الوزراء، فإن إثيوبيا على أهبة الاستعداد للمساهمة بفعالية في هذه الجهود، لا سيما في ضمان تمثيل أوسع للأسواق الناشئة والدول النامية في محافل صنع القرار العالمية. كما أن الأراضي الزراعية الشاسعة والموارد المائية الوفيرة التي تمتلكها البلاد تعزز نفوذ دول الجنوب في ريو دي جانيرو، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في معالجة قضية الأمن الغذائي العالمي، وهي أولوية بالنسبة لمجموعة البريكس.
وتحدث رئيس الوزراء آبي أحمد بمزيد من التفصيل عن النفوذ المتنامي لمجموعة البريكس، قائلاً: “مع انضمام أعضاء جدد، سيتعزز صوتنا الجماعي، وسيتضح هدفنا المشترك، وستتوسع قدراتنا”. وقد تردد صدى هذا الشعور طوال القمة، حيث أكد القادة على أهمية التعاون بين بلدان الجنوب كمحرك للتغيير الإيجابي في مواجهة التوترات الجيوسياسية المتفاقمة، والركود الاقتصادي، والإجراءات الحمائية. ويمثل انضمام إثيوبيا مؤخرًا إلى مجموعة البريكس لحظة محورية لهذه الدولة الواقعة في شرق إفريقيا، إذ يُبشر بفصل جديد وجريء في سعيها لتحقيق الازدهار الاقتصادي، وتنويع العلاقات الدبلوماسية، وترسيخ مكانتها على الساحة العالمية.
ويشعر الخبراء والمسؤولون على حد سواء بالتفاؤل بشأن الفرص المتعددة الأوجه التي ستتيحها عضوية البريكس. كما صرّح الدبلوماسي السابق طيرونه زينا لصحيفة “ الإثيوبيان-ةهيرالد “، فإن إثيوبيا بحاجة إلى التكيف مع النظام العالمي المتغير، وضمان “بذل قصارى جهدها لاغتنام كل فرصة كعضو جديد في مجموعة البريكس”. ويعتقد أن إثيوبيا أصبحت الآن جزءًا من مجموعة البريكس، “وهي كتلة تُحدث تغييرات جوهرية في دول الجنوب العالمي، حيث تعكس حركتها النابضة بالحياة التقدم المحرز في النضال من أجل عالم أكثر عقلانية وعدالة”.
وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن البلاد بحاجة إلى التكيف مع النظام العالمي المتغير باستمرار، والذي نشأ مع تأسيس مجموعة البريكس، التي تهدف إلى إعادة تشكيل النظام العالمي غير العادل، وخلق فرص للنمو الشامل. ويعتقد أن المجموعة تمتلك القدرة على مواجهة تحديات التنمية التي تواجهها العديد من الدول، بما في ذلك إثيوبيا ودول الجنوب العالمي الأخرى. تُعدّ القوة الناشئة لمجموعة البريكس بمثابة جرس إنذار للدول والمؤسسات الغربية، مما يُشير إلى تحول في ديناميكيات القوة.
وأشار طيرونه إلى أن انطلاق مجموعة البريكس قد يدفع إلى إصلاحات داخل المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مما قد يُقلل من الشروط المسبقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.وأكد على أن هذا سيعود بالنفع على إثيوبيا ماليًا دون المساس بسيادتها.
وتمثل عضوية إثيوبيا في مجموعة البريكس إنجازًا بارزًا، يُبشر بعهد جديد من فرص الأعمال المُعززة، والنفوذ الدبلوماسي المُعزز، ومكانة أكثر صلابة في النظام العالمي المُتطور. وبينما لا تزال هناك تحديات، فإن التوافق الاستراتيجي مع هذه الكتلة القوية يُمكّن إثيوبيا من تسريع مسارها التنموي ولعب دور أكثر بروزًا في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.
وإلى جانب إجراءات القمة الرسمية، أتاح اجتماع ريو دي جانيرو فرصًا لإجراء مناقشات ثنائية ومتعددة الأطراف واستراتيجية. وفي هذا الصدد، أجرى الوفدالإثيوبي برئاسة رئيس الوزراء محادثات مع وفود جنوب إفريقيا والبرازيل والصين.
وناقش رئيس الوزراء الإثيوبي، الدكتور آبي أحمد، مع رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، مستجدات مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، وذلك على هامش مشاركته في قمة البريكس.
وأشاد رئيس الوزراء بالدور المحوري الذي أدّاه الرئيس رامافوزا خلال فترة رئاسته للاتحاد الأفريقي في دعم موقف إثيوبيا بشأن السد، مشيرًا إلى أن اللقاء تناول التقدم المحرز في تنفيذ المشروع، والوضع الراهن، والمسائل ذات الصلة بالتعاون الإقليمي في مجال المياه.
وأعلن رئيس الوزراء الدكتور آبي أحمد عبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضا قائلا: ” تشرفتُ بلقاء الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لمناقشة القضايا الثنائية والمتعددة الأطراف. ويمثل اجتماعنا اليوم خطوةً أخرى نحو تعزيز العلاقة بين بلدينا، والتي شهدت نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. واتفقنا على مواصلة تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية في مختلف القطاعات”.
وأعلن رئيس الوزراء الدكتور آبي أحمد أيضا عن عقد اجتماع مع رئيس مجلس الدولة الصيني نشر قائلاً: “شكرًا لك، رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، على تبادلنا القيّم هذا الصباح حول العلاقات الإثيوبية الصينية، التي دخلت عامها الخامس والخمسين. وبصفتنا شريكين دائمين، أثمر تعاوننا نتائج ملموسة على مدى السنوات السبع الماضية. ومن خلال تركيزنا المستمر على الركائز الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك الصناعة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، نرى إمكانات أكبر لتعميق التعاون وبناء القدرات في هذه المجالات، وكذلك في مجالات الذكاء الاصطناعي والخدمات اللوجستية وقطاع الطاقة النظيفة.”
وفي سياق المشاركة الإثيوبية في القمة، أكد وزير خدمة الاتصال الحكومي، الدكتور لغسي تولو، أن إثيوبيا سجلت حضورًا ناجحًا وفعّالًا خلال أعمال القمة، التي مثّلت منصة استراتيجية لتعزيز العلاقات مع الدول الأعضاء واستعراض أولوياتها التنموية.
وأوضح لغسي تولو، عقب تلقيه إحاطة من الوفد الإثيوبي برئاسة رئيس الوزراء، أن القمة ناقشت قضايا اقتصادية ومالية مهمة، من بينها دعم بنك التنمية الجديد وإنشاء صندوق تنمية خاص بكل دولة عضو.
وبشكل عام، يُعزز نجاح قمة ريو دي جانيرو بشكل لا لبس فيه مكانة مجموعة البريكس كقوة ديناميكية ومؤثرة بشكل متزايد في العلاقات الدولية.ويُعدّ توسعها المستمر والتزامها الراسخ بالتعاون فيما بين بلدان الجنوب مؤشرين واضحين على عالم يتجاوز هيمنة القطب الواحد، مع تأكيد الدول النامية بشكل متزايد على نفوذها الجماعي ومشاركتها الفاعلة في تشكيل مستقبل الحوكمة العالمية.
ولا شك أن إعلان قمة ريو دي جانيرو، المتوقع صدوره والذي يحدد المواقف والالتزامات الجماعية لمجموعة البريكس، سيشكل نموذجًا للتوجه الاستراتيجي للمجموعة خلال االسنوات المقبلة.