سمراي كحساي
ضيفنا لهذا اليوم هو سعادة السفير ستيان كريستينسن، سفير مملكة النرويج لدى إثيوبيا والممثل الدائم للنرويج لدى الاتحاد الإفريقي.
السفير كريستينسن هو دبلوماسي مخضرم شغل مناصب متعددة في تركيا، بروكسل، ونيروبي قبل أن يتولى مهامه الحالية في أديس أبابا عام 2022. يقدّم لنا من خلال هذا الحوار رؤى قيّمة حول أوجه التعاون المتعدد بين النرويج وإثيوبيا.
يأخذنا هذا اللقاء في رحلة عبر العلاقات الثنائية بين البلدين، بداية من الصداقة التاريخية التي نشأت أثناء الحرب العالمية الثانية بين الإمبراطور هيلا سيلاسي وملك النرويج هاكون، مرورًا بالعمل الإنساني الذي قدمته المنظمات النرويجية في سبعينيات القرن الماضي، ووصولاً إلى شراكات معاصرة تركّز على المناخ، التجارة، والتبادل الثقافي.
في هذا الحوار الحصري والشامل، يتأمل السفير كريستينسن في الأسس التاريخية التي تربط بين إثيوبيا والنرويج، ويعرض أولويات التعاون الثنائي الحالية، ويبرز المجالات الواعدة للنمو المستقبلي — من معارض الفن في أوسلو إلى التحول نحو المركبات الكهربائية في أديس أبابا.
رؤيته تسلط الضوء على كيف أن بلدين تفصل بينهما الجغرافيا، لكن تجمعهما القيم المشتركة و يعملان معًا لبناء مستقبل أكثر استدامة وسلاماً. نتمني لكم قراءة ممتعة!
العلم : بداية، هل يمكنك أن تعرّف قرّاءنا بنفسك؟
السفير كريستينسن: صباح الخير، وشكرًا لكم على إتاحة الفرصة. اسمي ستين كريستينسن، وأنا السفير النرويجي لدى إثيوبيا، بالإضافة إلى كوني الممثل الدائم للنرويج لدى الاتحاد الإفريقي. وصلت إلى إثيوبيا في أغسطس 2022، وكانت تجربة ثرية ومجزية للغاية ضمن هذا المشهد الدبلوماسي النابض بالحياة.
العلم : حدّثنا عن خلفيتك الأكاديمية ومسيرتك المهنية.
السفير كريستينسن: بالتأكيد. دراستي كانت في مجالات العلوم السياسية، والتاريخ، واللغات. كما درست اللغة الروسية، وهو ما أضاف بعداً لغويًا وثقافيًا مميزًا إلى تجربتي التعليمية. لاحقًا، حصلت على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة. بدأت حياتي المهنية كدبلوماسي عام 2004، وعملت في أنقرة، وبروكسل في بعثتنا لدى الاتحاد الأوروبي، ونيروبي في سفارتنا في كينيا. ومهمتي الحالية في أديس أبابا هي أول منصب لي كسفير.
العلم : هل يمكنك أن تقدم لنا لمحة عن العلاقات التاريخية بين النرويج وإثيوبيا؟
السفير كريستينسن: العلاقات التاريخية بين بلدينا تعود إلى عقود طويلة. أحد أبرز أوجه الاتصال المبكر حدث خلال الحرب العالمية الثانية، حين كان الإمبراطور هيلا سيلاسي وملك النرويج هاكون في المنفى بلندن. هذه الصداقة أسست لعلاقات دبلوماسية قوية، وأدت إلى زيارة الدولة التي قام بها الإمبراطور إلى النرويج عام 1954، تلتها زيارة ملك النرويج أولاف إلى إثيوبيا عام 1966. وفي عام 2017، زار ولي العهد النرويجي وزوجته إثيوبيا.
في أواخر الأربعينيات، وصل العديد من المبشرين النرويجيين إلى إثيوبيا وتركوا بصمة واضحة، خاصة في الجنوب، من خلال المساهمة في قطاعات التعليم والصحة، وبناء مؤسسات ما زالت قائمة حتى اليوم. وفي السبعينيات، لعبت منظمات مثل “المعونة الكنسية النرويجية” و”المعونة الشعبية النرويجية” دوراً إنسانيًا كبيرًا خلال فترات الأزمات. هذه الجهود أسّست لشراكة قوية قائمة على القيم المشتركة والاحترام المتبادل.
العلم: كيف تقيم مستوى التعاون الحالي بين إثيوبيا والنرويج؟
السفير كريستينسن: أصف العلاقة الحالية بأنها ممتازة ومتعددة الجوانب. تعتبر إثيوبيا شريكًا أساسيًا للنرويج، خصوصًا في مجالات التغير المناخي، إدارة الغابات، التعليم، بناء السلام، والمساعدات الإنسانية. نعمل مع وزارات مختلفة كوزارة التخطيط، والمالية، والزراعة لتحقيق أهداف مشتركة.
نتفق أيضاً في العديد من القضايا العالمية، خصوصًا فيما يتعلق بتعددية الأطراف وأهمية المنظمات الدولية في دعم السلام والتنمية المستدامة. إنها شراكة ناضجة ومثمرة.
العلم: كيف ترى برنامج الإصلاح الاقتصادي المحلي الذي تنفذه إثيوبيا حاليًا؟
السفير كريستينسن: لدي إعجاب كبير بالتزام الحكومة الإثيوبية ببرنامج الإصلاح الوطني. إنه جريء وضروري لإعادة تنشيط الاقتصاد، وجذب الاستثمارات، وتعزيز النمو الشامل. يشمل الإصلاح مجالات عديدة منها تحرير القطاع المالي، وتطوير المؤسسات الحكومية، وتوسيع القطاعات الإنتاجية.
وبالطبع، فإن تنفيذ هذه الإصلاحات يتطلب التزامًا طويل الأمد. الأهم الآن هو الاستمرارية والمتابعة الدقيقة للتنفيذ حتى تظهر النتائج المرجوة. أحيي القيادة الإثيوبية على هذه الخطوات الشجاعة.
العلم: ما أهمية التبادل الثقافي في دعم العلاقات الثنائية؟
السفير كريستينسن: التبادل الثقافي هو أحد أقوى أدوات الدبلوماسية. فهو يعزز الفهم والتقدير المتبادل، ويخلق روابط عميقة بين الشعوب. في العام الماضي، قدم “مسرح النوردك بلاك” عرضًا في المسرح الوطني بأديس أبابا وكان ناجحًا للغاية. كذلك، نظم معرض ماكوش الفني في أوسلو معرضًا لفنانين إثيوبيين شباب، وقد جذب حشدًا كبيرًا، وتم بيع العديد من اللوحات للنرويجيين. هذه المبادرات تثبت أن الفن والثقافة جسر مهم للتواصل بين مجتمعاتنا.
العلم: وكالة التنمية النرويجية (نوراد) تدعم مشاريع في الزراعة والطاقة المتجددة، هل يمكنك توضيح ذلك؟
السفير كريستينسن: نعم، لدينا عبر نوراد والسفارة محفظة تنموية واسعة في إثيوبيا. أكبر مجالات الدعم تتمثل في المناخ والغابات، بما في ذلك إعادة التشجير، والحد من إزالة الغابات، والزراعة الذكية مناخيًا. نعمل على دعم ممارسات زراعية مستدامة تساعد المجتمعات على التكيف مع تغير المناخ دون المساس بالبيئة الطبيعية.
العلم: النرويج تدعم برنامج REDD+ في إثيوبيا، ماذا عن هذا الدعم ومبادرة الإرث الأخضر؟
السفير كريستينسن: برنامج REDD+ يمثل حجر الأساس في تعاوننا المناخي. ونحن ندعم هذه الجهود منذ عام 2011. كذلك، تُعد مبادرة “الإرث الأخضر” مثالًا رائعًا على التعبئة الوطنية، حيث تُزرع ملايين الأشجار سنويًا. إثيوبيا تُعرف بأنها “برج المياه” في القرن الإفريقي، إذ تغذي أنهارها العديد من الدول المجاورة. الحفاظ على البيئة الإثيوبية له أثر إقليمي واسع.
العلم: ما هو حجم التجارة بين إثيوبيا والنرويج؟
السفير كريستينسن: التجارة لا تزال محدودة لكنها تنمو. إثيوبيا تصدّر إلى النرويج القهوة، الحبوب، والتيف، وهي منتجات تحظى باهتمامنا. وهناك استثمارات نرويجية في الزراعة، مع اهتمام متزايد بقطاعات أخرى، مثل الطاقة والمركبات الكهربائية. لدينا خبرة طويلة في النرويج في هذا المجال، ويمكننا مشاركة تجاربنا لدعم جهود إثيوبيا.
العلم: ما القطاعات الأخرى التي قد تهم المستثمرين النرويجيين؟
السفير كريستينسن: إثيوبيا تمتلك إمكانيات هائلة نظرًا لتعداد سكانها الكبير وموقعها الاستراتيجي. أرى فرصًا كبيرة في الزراعة، الطاقة المتجددة، والتقنيات الرقمية. لكن في نهاية المطاف، يبقى للقطاع الخاص الدور الأكبر في تحديد مجالات الاستثمار المناسبة.
العلم: ما الذي يجب أن يركّز عليه البلدان لتعزيز التعاون؟
السفير كريستينسن: تعزيز الروابط التجارية أمر محوري، لكن يجب أيضًا الاستثمار في التبادل التعليمي والثقافي. الرحلات المباشرة بين أديس أبابا وأوسلو تسهّل التواصل. كلما زاد التفاعل بين الشعوب، ظهرت فرص جديدة وبُنيت شراكات مستدامة.
العلم: كيف يمكن تعزيز السياحة بين البلدين؟
السفير كريستينسن: إثيوبيا تملك كنوزًا تاريخية وطبيعية مذهلة مثل لاليبيلا، جوندار، وأكسوم. شبكة الرحلات المحلية ممتازة، والرحلة المباشرة إلى أوسلو ميزة إضافية. التحديات تشمل البنية التحتية وبعض النزاعات. الاستثمار في مرافق السياحة سيُحدث فارقًا كبيرًا.
أما النرويج، فهي معروفة بجمال طبيعتها: المضايق، الجبال، الأنهار الجليدية، والأنوار الشمالية. العاصمة أوسلو تشهد نهضة ثقافية كبيرة مع متاحف ومرافق عامة حديثة. نرحب بالسياح الإثيوبيين لاكتشاف هذه التجارب الفريدة.
العلم: ماذا عن التعاون الأكاديمي بين مؤسسات التعليم العالي؟
السفير كريستينسن: التعاون الأكاديمي ركيزة مهمة. هناك شراكات بين جامعات إثيوبية مثل هواسا ومَكَلّي وأديس أبابا، وجامعات نرويجية مثل جامعة (NMBU) المشاريع تركز على البحوث البيئية والزراعية، خاصة في مجال المناخ والغابات. بالإضافة إلى القيمة الأكاديمية، هذا التعاون يعزز التفاهم بين الشعوب.
العلم: هل هناك مثال محدد على التعاون الأكاديمي؟
السفير كريستينسن: نعم، التعاون الثلاثي بين جامعات هواسا، مَكَلّي، وNMBU مثال ممتاز. يركز على الاستدامة البيئية وبحوث النبات، وأسفر عن نتائج ملموسة وبناء قدرات مؤسسية.
العلم: كيف ترى التعاون بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي؟
السفير كريستينسن: رغم أن النرويج ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، إلا أننا جزء من أوروبا ولدينا علاقات وثيقة مع الاتحاد. الشراكة بين الاتحادين مهمة للغاية، وولادة الاتحاد الأوروبي جاءت من الرغبة في منع الحروب عبر التكامل الاقتصادي. أعتقد أن الاتحاد الإفريقي يمكن أن يستلهم من هذا النموذج، وخاصة من خلال تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA).
العلم: إثيوبيا تبيع الكهرباء لجيرانها وتبني بنى تحتية إقليمية، ما رأيك؟
السفير كريستينسن: هذا هو المسار الصحيح. التكامل الاقتصادي يقلل من فرص النزاعات ويزيد من المنافع المشتركة. المهم أيضًا هو تسهيل عبور الحدود وتيسير التبادل التجاري، لكن إثيوبيا تسير في الاتجاه الصحيح.
العلم: ما رأيك في مشاريع تطوير الممرات في أديس أبابا؟
السفير كريستينسن: إنها خطوة إيجابية للغاية. تحسين النقل، وتشجيع الدراجات، وزيادة المساحات الخضراء، كلها تسهم في بيئة حضرية أكثر صحة واستدامة. من المهم أن تكون هذه المشاريع ناتجة عن حوار شامل مع السكان لضمان الاستجابة لاحتياجاتهم.
العلم: في العام الماضي، قدمت النرويج 25 مليون دولار لدعم جهود المناخ في إثيوبيا. هل هناك تحديثات؟
السفير كريستينسن: نعم، هذا الرقم دقيق للعام الماضي. وإذا نظرنا إلى السنوات الماضية، سنجد أن إجمالي مساهماتنا كان أعلى بكثير. كما نستعد لدعم إثيوبيا في الدخول إلى سوق تجارة الكربون. حاليًا، يصل إجمالي دعمنا السنوي لإثيوبيا إلى حوالي 100 مليون دولار.
العلم : هل لديك كلمات أخيرة تود قولها؟
السفير كريستينسن: أود أن أقول إن خدمة بلدي كسفير في إثيوبيا كانت شرفًا كبيرًا لي. أعجبني كثيرًا صمود وطموح الشعب الإثيوبي. الإصلاحات التي تم تنفيذها، بما في ذلك الحوار الوطني، ضرورية لمستقبل البلاد. الاستدامة والالتزام هما مفتاح النجاح. أتمنى للحكومة والشعب الإثيوبي كل التوفيق، وسأتابع تطور البلاد باهتمام كبير.
العلم : شكرًا جزيلاً لك.
السفير كريستينسن: الشكر لكم. كان من دواعي سروري مشاركة هذه الرؤى.