المطالبة بالمنفذ البحري – بين الحق التاريخي و المغالطة التاريخية المتعمّدة

المطالبة الإثيوبية بمنفذ بحري تستند إلى حقائق تاريخية وجيوسياسية

عربو موحي

في مقابلة حصرية مع صحيفة «العلم»، وضع محمد العروسي، عضو البرلمان الإثيوبي ومستشار وزير المياه والطاقة، خارطة كاملة للرؤية الإثيوبية تجاه البحر الأحمر، مياه النيل، والسجالات الدبلوماسية التي تخوضها إثيوبيا مع دول الجوار والإقليم، في ظل تعقد المشهد الجيوسياسي للقرن الإفريقي.

إثيوبيا ليست دولة حبيسة… هذه كذبة جغرافية كبرى

استهلّ العروسي حديثه بالعودة إلى جذور ما أسماه بـ«المغالطة التاريخية المتعمّدة»، في وصف إثيوبيا كدولة حبيسة، مؤكدًا أن هذا الادعاء يتجاهل الوقائع الجغرافية والسياسية التي عرفها القرن الإفريقي منذ ما قبل الاستعمار.

يقول العروسي:”التاريخ لا يكذب، والخرائط القديمة تشهد لنا، لا علينا. إثيوبيا كانت دولة بحرية تمتلك شواطئ ممتدة على البحر الأحمر، وكانت تمارس التجارة بشكل طبيعي مع الجزيرة العربية، واليمن، والحجاز. نحن نتحدث عن حضارة أكسوم التي كانت إحدى أعرق الحضارات البحرية في إفريقيا. لا يمكن أن نُحاصَر بالجغرافيا المصطنعة ثم يُطلب منا أن نرضى بهذا الوضع إلى الأبد“.

ويتابع:”حين نتحدث عن حق إثيوبيا في منفذ بحري، لا نتحدث عن طموح أو رغبة سياسية طارئة، بل نتحدث عن تصحيح لمسار جغرافي وتاريخي تم التلاعب به بفعل الإرث الاستعماري والتحالفات الإقليمية الظالمة“.

البحر الأحمر”منطقة صراع خفي” وإثيوبيا قررت أن تتكلم

يرى العروسي أن البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر مائي استراتيجي، بل بات «منطقة صراع خفي» بين قوى إقليمية ودولية، وأن إثيوبيا التي تشهد نموًا ديموغرافيًا واقتصاديًا واسعًا، لا يمكن أن تبقى على الهامش.

محمد العروسي يقول لدينا أكثر من 120 مليون نسمة، ولدينا اقتصاد ينمو بسرعة، ونحتاج إلى التجارة العالمية والانفتاح على الأسواق الدولية. لا يمكن لإثيوبيا أن تبقى رهينة في الداخل. هذه ليست مجرد قضية اقتصادية أو لوجستية، بل قضية أمن قومي واستقرار طويل الأمد“.

وأشار العروسي إلى أن التحركات الإثيوبية الأخيرة تجاه البحر الأحمر هي «إعادة تموضع استراتيجي»، وتهدف بالأساس إلى “بناء شراكات حقيقية مع دول الجوار البحرية، دون أن تمسّ بسيادة أي منها”، على حد وصفه.

ثالثًا: مصر وإريتريا… بين المعارضة والتخوّف

في حديثه عن مواقف الدول الأخرى، ركز العروسي بشكل خاص على القاهرة وأسمرة، معربًا عن أسفه لما وصفه بـ”سوء التقدير وسوء الفهم للموقف الإثيوبي.

وأشار الي أن مصر اختارت منذ سنوات طويلة أن تواجه أي مشروع إثيوبي بالتخويف والتجييش الإعلامي.

وقال:” نحن ندرك أن مصر لديها مصالحها، لكن لا يمكن أن تأتي مصالحها على حساب حقوقنا. لسنا عدوانيين، ولكن لن نقبل بالظلم التاريخ أما عن إريتريا، فقال بصوت أقرب إلى المرارة:”إريتريا دولة جارة وشقيقة، وشعبها قريب جدًا منّا، ونتقاسم معهم الجغرافيا والتاريخ. لكن للأسف، فإن بعض السياسات الإريترية الأخيرة أوحت برغبة في تحجيم الدور الإثيوبي بدلاً من التكامل معه. لا نعلم السبب، لكننا نأمل أن تتغير هذه الرؤية في القريب“.

وفي لقاءٍ خاصٍّ مع زَّاهِدِ الهَرَرِي، نَائِبِ مُدِيرِ قناة ملوك النِّيلِ وَالدِّبْلُومَاسِيَّةِ الرَّقْمِيَّةِ، تَحَدَّثَ فِيهِ لصحيفة “العلم مؤكدًا أن “المعركة الحقيقية اليوم هي معركة وعي وسيادة إعلامية”. وأوضح أن إثيوبيا ليست فقط أمام تحدي بناء السد، بل أمام تحدٍ أكبر يتمثل في “بناء سردية وطنية تقاوم الضغوط الخارجية، والتشويه الإعلامي، والتدخلات الناعمة”.

واضاف ان النقاش حول السد لم يعد مقتصرًا على المياه والطاقة، بل تمدد إلى ميدان أوسع، هو البحر الأحمر.

وقال ان أديس أبابا ترى أن اعتمادها الكامل على موانئ الجيران – خصوصًا جيبوتي – يهدد أمنها القومي، ويدفعها للتفكير في خيارات بديلة.

واشار الي ان الربط بين مياه النيل والبحر الأحمر ليس عبثًا، بل يعكس فهمًا إثيوبيًا متقدمًا بأن المستقبل الجيوسياسي سيتحدد في نقاط الالتقاء بين المياه الداخلية والممرات البحرية. وفي هذا السياق، يتحول سد النهضة إلى جزء من رؤية أوسع للسيادة القومية.

و بحسب زاهد  فإن الخطاب العربي – وخصوصًا في بعض الفضائيات الخليجية والمصرية – يقدم صورة مغلوطة عن إثيوبيا، وكأنها دولة عدوانية تسعى لحجز المياه. وأضاف: “نحن لا نحتجز الماء، بل نولد الكهرباء. لا نمنع النيل من الوصول إلى أحد، بل نمنع الفقر من الوصول إلى أطفالنا.”

واعتبر زاهد زيدان أن إثيوبيا تعيش اليوم لحظة تأسيس حاسمة، وأن السد ليس نهاية الطريق بل بدايته. “نحتاج إلى حماية المنجزات إعلاميًا، بقدر ما نحتاج إلى حمايتها عسكريًا واقتصاديًا”،.

كما دعا إلى تعزيز الإعلام الإفريقي وتطويره لمواجهة الهيمنة الغربية والعربية على السردية الإخبارية في القرن الإفريقي، مؤكدًا أن “من لا يروي قصته، سيُروى له ما ليس فيه”.

 

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai