عمر حاجي
شهدت إثيوبيا مؤخرًا تحولًا حضريًا يتجاوز البناء والإسفلت، بل هو إعادة تصور للمساحة العامة مع التركيز على الإنسان. ومن أبرز الأمثلة على هذا التحول ممر أنبسا غراج- جوكروز- وساحة غورو الذي افتُتح مؤخرًا في أديس أبابا. وحوّل هذا التطور ما كان في السابق طريقًا مكتظًا ومزدحمًا وعرضة للحوادث إلى ممر حضري منظم وشامل يُولي الأولوية لاحتياجات السكان والمسافرين وأصحاب الأعمال الصغيرة والزوار على حد سواء.
ويمتد ممر أنبسا غراج إلى ساحة غورو عبر جوكروز، وهو الآن رمز للتخطيط الحضري الإثيوبي الحديث، بعد أن كان يعاني من اختناقات مرورية وتقاطعات فوضوية، أصبح الآن يتميز بطرق مستوية جيدًا، وممرات مخصصة لمختلف وسائل النقل، وأماكن عامة آمنة. ويتضمن المشروع ممرًا للمشاة بطول 8 كيلومترات، ومسارًا للدراجات بطول 4 كيلومترات، ومواقف سيارات منظمة، ومحطات لسيارات الأجرة والحافلات، ودورات مياه عامة، ونوافير، وملاعب للأطفال، وأكثر من 870 متجرًا موحدًا. وهذه التحسينات ليست مجرد إضافات تقنية، بل تعكس تحولًا في التفكير، ومن التركيز على المركبات إلى التركيز على المواطن في النمو الحضري.
وافتُتح الممر رسميًا بحضور رئيس الوزراء الدكتور أبي أحمد وعمدة أديس أبابا أدانيش أبيبي. وقد أبرزت زيارتهما للمنطقة التزام الحكومة بتصميم مساحات تخدم الناس من جميع الخلفيات ومناحي الحياة. وأشاد رئيس الوزراء أبي بالممر لتحويله منطقة كانت تعاني من مشاكل في السابق إلى نموذج يُحتذى به في سهولة الوصول والشمول. وقد لاقت كلماته صدى لدى آلاف السكان الذين بدأوا بالفعل يشعرون بفوائد هذا التطوير، ليس من حيث تحسين النقل فقط، بل في تحسين جودة الحياة التي يجلبها أيضا.
مشروع أنبيسا غراج- جوكروز- ساحة غورو ليس قصة نجاح معزولة، بل هو جزء من مبادرة أوسع لتطوير ممرات تتشكل بثبات في أديس أبابا، وبشكل متزايد في مدن إثيوبية أخرى. وهذه الممرات ليست مجرد طرق، بل هي شبكات مصممة بعناية تربط الناس والخدمات والتجارة والترفيه. وإنها تعكس فهمًا عميقًا بأن المساحات الحضرية يجب أن تكون مناسبة للجميع، وليس للسائقين فقط بل للشركات الكبيرة.
ولم يقتصر هذا الممر الجديد على تبسيط حركة المرور، بل خلق فرص عمل دائمة وفتح آفاقًا جديدة للعديد من السكان. وأصبح لدى صغار البائعين وأصحاب المتاجر وسائقي سيارات الأجرة والشباب مساحات منظمة وكريمة للعمل والنمو. وقد مكّنت المتاجر الموحدة الشركات الصغيرة من الازدهار في بيئات أنظف وأكثر أمانًا وجاذبية. وتوفر هذه المساحة التجارية المنظمة الاستقرار للشركات التي كانت تعمل سابقًا بشكل غير رسمي، وتساعد في دعم الأسر في جميع أنحاء المدينة. كما شجع المشروع على استخدام وسائل النقل غير الآلية، مما قلل من الازدحام وخفض التلوث، وهو ما يُعدّ مكسبًا للبيئة والصحة العامة.
وقبل إعادة تطويره، كان الطريق الواصل بين مرآب أنبيسا وساحة غورو من أصعب الطرق في أديس أبابا. وكان معروفًا بازدحامه المروري وكثرة حوادثه. ومع تطوير البنية التحتية، بما في ذلك مواقف الحافلات وسيارات الأجرة، تشهد المنطقة الآن حركة مرورية أكثر تنظيمًا للأشخاص والمركبات. ولم يقتصر التصميم الجديد على تحسين السلامة على الطرق فحسب، بل جعل المدينة أكثر ملاءمة للعيش وجاذبية للسكان والزوار على حد سواء.
وأكدت رئيس البلدية السيدة أدانيش أبيبي على أن إعادة التطوير وفرت آلاف الوظائف، وذلك لأن الممر يضم مساحات تجارية واسعة ومرافق ترفيهية وخدمات تتطلب صيانة وإدارة مستمرة. وهذا دليل واضح على أن التنمية الحضرية، عندما تُنفذ على النحو الصحيح، لا تُغير مظهر المدينة فحسب، بل تُغير أيضًا طريقة معيشتها وتنفسها. وإنها تخلق فرصًا، وتعزز الكرامة، وتعزز التنمية المجتمعية على المدى الطويل.
وقد كانت رسالة رئيس الوزراء أبي خلال حفل الافتتاح مؤثرة بشكل خاص، حيث دعا المدينة والمدن الفرعية الأخرى إلى تبني نهج مماثلة، مع إعطاء الأولوية للناس في جميع جوانب التخطيط الحضري. وتعكس دعوته رؤية وطنية شاملة لإنشاء مدن لا تقتصر على كونها حديثة فحسب، بل تشمل الجميع وتراعي العدالة. وتتماشى هذه الرؤية مع هدف الحكومة الأوسع المتمثل في إعادة هيكلة الحياة الحضرية والريفية لتكون أكثر استجابة لاحتياجات الناس اليومية.
كما تُبذل جهود التجديد الحضري في المناطق الريفية، حيث بدأ تطوير الممرات يُحدث فرقًا حقيقيًا. في هذه المناطق، وتُجدد استثمارات البنية التحتية المجتمعات المحلية، وتُحسّن الوصول إلى الأسواق والخدمات، وترفع مستوى المعيشة. ورغم أن الممرات الريفية قد تبدو مختلفة عن نظيراتها الحضرية، إلا أن المبدأ الأساسي يبقى كما هو: ويجب أن تكون التنمية مُركزة على الناس، وسهلة الوصول، وكريمة.
وأن فكرة تطوير الممرات في حد ذاتها ليست جديدة، لكن طريقة تطبيقها في إثيوبيا طموحة وشاملة على نحو فريد. في العديد من البلدان، يميل تطوير الممرات إلى إعطاء الأولوية للمنفعة الاقتصادية، مع التركيز على سرعة وكفاءة حركة السيارات والشاحنات. وعلى النقيض من ذلك، يتسم نهج إثيوبيا بطابع اجتماعي عميق. فهو يُنشئ مساحات للمشي وركوب الدراجات والراحة واللعب وممارسة الأعمال التجارية. ويمزج بين النقل والتجارة والترفيه في تصميم واحد مدروس. على سبيل المثال، يُعد ممر المشاة في الممر أكثر من مجرد رصيف. إنه مكان تتجول فيه العائلات في المساء، ويمشي فيه كبار السن بأمان، ويتنقل فيه أطفال المدارس بخوف أقل من الحوادث. يشجع مسار الدراجات على ثقافة تنقل أكثر صحةً وصديقةً للبيئة. تمنح الساحات وملاعب الناس سببًا للبقاء والتواصل، وليس مجرد المرور. كما تُمثل هذه المساحات العامة نقاط تجمع غير رسمية للمجتمع، مما يُعيد الشعور بالتماسك الاجتماعي الذي غالبًا ما يضيع في المدن سريعة النمو.
لقد حوّلت النوافير والمساحات الخضراء والإضاءة الحديثة شوارع كانت في السابق باهتة وخطرة إلى مساحات جميلة وجذابة. وهذه الميزات ليست سطحية، بل تعكس التزامًا بالكرامة الحضرية. عندما تستثمر مدينة في الجماليات، فإنها ترسل رسالة، أنت تستحق الجمال في حياتك اليومية. هذه الرسالة قوية، لا سيما في المناطق التي لطالما أُهمل سكانها أو أُغفلوا في خطط التنمية. ويُذكّر مشروع الممر أيضًا بأن التنمية الحضرية الناجحة تتطلب تعاونًا بين مختلف مستويات الحكومة.
وقد أتاح التعاون بين مكتب رئيس الوزراء وإدارة مدينة أديس أبابا ومختلف إدارات المدن الفرعية مشروع أنبيسا- جوكروس- ساحة غورو إمكانية التنفيذ. يُعد هذا التعاون أساسيًا لضمان تمويل هذه المشاريع وتنفيذها واستدامتها بشكل جيد. وإن إمكانات تطوير الممرات للتوسع إلى مدن أخرى هائلة. تواجه مدن مثل دري دوا، وبحر دار، وأداما، وهواسا، وغوندار، ومقلي تحديات حضرية يمكن معالجتها من خلال مشاريع مماثلة. ولكل مدينة احتياجاتها وسياقها الخاص، لكن يمكن تطبيق المبادئ الأساسية- السلامة، وسهولة الوصول، والتجارة، والشمول على نطاق واسع. وبذلك، يمكن لإثيوبيا أن تضع معيارًا جديدًا للتنمية الحضرية الأفريقية: معيارا لا يقتصر على محاكاة النماذج العالمية، بل يبتكر بناءً على الاحتياجات المحلية والقيم الاجتماعية.
وما تعلمناه من مشروع ممر أنبيسا غراج – جوكروز – ساحة غورو هو أن البنية التحتية لا تقتصر على الطرق والأسمنت فحسب، بل تتعلق بالناس، كيف يتحركون، ويعيشون، ويتواصلون، وكيف ينمون. وعندما يشعر المواطنون بالأمان، ويتوفر للأطفال أماكن للعب، وتزدهر الشركات الصغيرة، وتكون الأحياء نظيفة وجميلة، فإن ذلك يُحدث تغييرًا ليس في مظهر المدينة فحسب، بل في كيفية عملها وطريقة عيشها. بالطبع، لا يوجد مشروع كامل. ولا تزال الصيانة تُمثل تحديًا بالغ الأهمية. وتتطلب المراحيض العامة، والإضاءة، والملاعب، والمساحات التجارية عناية دورية.
ولذا، يجب على إدارات المدن الاستمرار في تخصيص الموارد والكوادر اللازمة للحفاظ على هذه المرافق في أفضل حالاتها. كما أن مشاركة المجتمع في صيانة هذه المساحات المشتركة ستكون بالغة الأهمية. يجب أن يُترجم الفخر العام إلى رعاية عامة. وهناك حاجة أيضًا، لضمان أن تظل مشاريع الممرات المستقبلية ميسورة التكلفة وسهلة الوصول. كما يجب أن يكون الهدف دائمًا خدمة أوسع شريحة من المجتمع، وليس الميسورين فقط. وهذا يتطلب عناية فائقة بالتسعير، والموقع، والتصميم. فالتنمية الشاملة لا تقتصر على من يستفيد من المساحة، بل تشمل أيضًا من يستطيع تحمل تكاليف البقاء والازدهار فيها.
على الرغم من هذه التحديات، يُعد نجاح ممر أنبيسا نموذجًا مُقنعًا يُحتذى به في مشاريع أخرى. إنه دليل على أن التنمية الحضرية، عند تطبيقها بشكل صحيح، قادرة على الارتقاء بمجتمعات بأكملها. ويمكنها تحويل الشوارع غير الآمنة إلى مساحات عامة نابضة بالحياة. ويمكنها أيضًا خلق فرص العمل، ودعم الشركات، وتحسين الصحة والسلامة. وجمع الناس أيضا في مساحات وتجارب مشتركة، مما يجعل المدن أكثر من مجرد أماكن للعيش، بل أماكن للانتماء.
وتشهد أديس أبابا، كغيرها من مدن العالم النامي، نموًا سريعًا، ومع النمو تأتي الضغوطات على البنية التحتية، والخدمات، والأماكن العامة. ويوفر تطوير الممرات حلاً ذكيًا وقابلًا للتطوير لبعض هذه الضغوطات بمواصلة الاستثمار في البنية التحتية التي تُولي اهتمامًا خاصًا بالإنسان. وتُرسّخ إثيوبيا مكانة مدنها ليس كأماكن للسكن والتجارة فحسب، بل أيضًا كمنارات للتحضر الأفريقي الحديث. ومع تطلعنا إلى المستقبل، فليُلهمنا هذا المشروع المزيد من الابتكار والتعاون والتركيز على النمو الشامل. وليُذكرنا بأن كل طريق وممشى نُشيّده هو انعكاس لقيمنا. كيف ننظر إلى شعبنا وكيف نتخيل مستقبلنا. إن ممرات إثيوبيا ليست مجرد مسارات عبر الفضاء، بل إنها مسارات نحو العدالة والكرامة والازدهار المشترك.