عمر حاجي
أجرت إثيوبيا إصلاحات جوهرية في قطاعها العسكري والدفاعي في السنوات الأخيرة، متحولةً من مستورد للأسلحة إلى منتج دفاعي محلي ناشئ. وقد نتج هذا التحول عن رغبة في الاعتماد على الذات من ناحية تكنولوجيا وتعزيز الأمن الوطني. ومن خلال التركيز على الاكتفاء الذاتي في الإنتاج العسكري، تعمل إثيوبيا على تقليل اعتمادها على الموردين الأجانب، وتعزيز قدراتها الدفاعية الوطنية، وترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في صناعة الدفاع الأفريقية.
ويمثل الافتتاح الأخير لشركة اسكاي وين للصناعات الجوية وتوسيع مجمع هوميتشو لهندسة الذخيرة معلمين رئيسيين في مسيرة إثيوبيا نحو تحقيق هذه الرؤية. ويمكن إرجاع جهود البلاد نحو الاعتماد على الذات عسكريًا إلى إدراك نقاط الضعف الناجمة عن الاعتماد على الموردين الأجانب للمعدات والذخيرة الدفاعية. واجهت إثيوبيا تاريخيًا مثل العديد من الدول الأفريقية، تحديات استيراد معظم معداتها العسكرية، بما في ذلك الأسلحة النارية والذخيرة والزي العسكري والأحذية. وخلقت التأخيرات والتعقيدات المتأصلة في عمليات المشتريات العسكرية الدولية تحديات تشغيلية كبيرة، لا سيما عند الحاجة إلى إمدادات عاجلة. وقد أدركت الحكومة أن الاعتماد على الواردات لا يُرهق الموارد المالية فحسب، بل يُشكل أيضًا عيوبًا لوجستية واستراتيجية. قد تستغرق عملية شراء الإمدادات العسكرية من الشركات المصنعة الأجنبية شهورًا، وأحيانًا عامًا كاملاً.
ويؤدي ذلك، إلى تأخير الوصول إلى المعدات الأساسية، مما خلق فجوة في جاهزية الدفاع الوطني، لا سيما في أوقات المخاوف الأمنية المتزايدة. وكانت إثيوبيا، شأنها شأن عديد من الدول الأخرى، عُرضة لحالة عدم اليقين وبطء وتيرة المشتريات الدفاعية الدولية. ونتيجةً لذلك، شرعت البلاد في خطة طويلة الأجل لتطوير قدرتها على الإنتاج العسكري. كان الهدف الرئيسي هو تقليل الاعتماد على شركات تصنيع الأسلحة الأجنبية، وتعزيز الأمن الوطني، وتحفيز النمو الاقتصادي من خلال تطوير صناعة دفاع محلي وقوي. وكان افتتاح شركة اسكاي وين للصناعات الجوية، وهي منشأة حديثة مُخصصة لتصنيع الطائرات بدون طيار للاستخدام المدني والعسكري، إنجازًا بارزًا في الإصلاح العسكري.
وأكد رئيس الوزراء أبي أحمد، خلال افتتاح شركة اسكاي وين للملاحة الجوية، على أهمية هذا التطور، مشيرا إلى أن الطائرات المصنعة محليًا بدون طيار كانت أمرًا لا يمكن تصوره في السابق قبل بضع سنوات فقط. يمثل إنتاج الطائرات بدون طيار، وخاصة في بلد اعتمد تاريخيًا على الموردين الأجانب للتكنولوجيا العسكرية، خطوة تحويلية في قطاع الدفاع الإثيوبي.
إن تطوير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في إثيوبيا ليس رمزًا للتقدم فحسب، بل هو أيضًا شهادة على قدرة البلاد المتنامية على تصميم وبناء تقنيات عسكرية متقدمة. وتم تجهيز الطائرات بدون طيار المصنعة في شركة اسكاي وين للملاحة الجوية بقدرات مختلفة، بما في ذلك المراقبة والاستطلاع والتطبيقات القتالية.
وتم تصميم وبناء طائرات بدون طيار من قبل محترفين إثيوبيين شباب، مما يُظهر قدرة البلاد المتزايدة على رعاية وتطوير قوة عاملة ماهرة قادرة على المنافسة على الساحة العالمية. ذلك، ما أكد عليه، رئيس الوزراء أبي أحمد على أن إنشاء شركة اسكاي وين للملاحة الجوية لا يتعلق بالتقدم التكنولوجي فحسب، بل أيضًا الفخر الوطني والسيادة. لأن إنتاج الطائرات المسيّرة محليًا، لم تعد إثيوبيا تعتمد على المصنّعين الأجانب في هذه التقنيات الحيوية. علاوة على ذلك، فإنها لا تقتصر هذه الطائرات على الاستخدام داخل حدود إثيوبيا فحسب، بل تُمثّل أيضًا فرصةً للبلاد لتصدير هذه المنتجات عالية التقنية إلى دول أخرى، مما يُعزّز مكانتها كلاعب رئيسي في صناعة الدفاع الإقليمية.
وشدد رئيس الوزراء أبي للحفاظ على هذا التقدم على ضرورة البحث والابتكار المستمرين وتوسيع نطاق السوق الإثيوبية. وتدرك الحكومة أن تحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي في مجال الدفاع يتطلب استثمارًا مستمرًا في البحث والتطوير، إلى جانب التركيز على تحسين إنتاج التقنيات التكميلية مثل أجهزة الاستشعار الذكية. وستكون هذه الجهود حاسمة لتعزيز قدرات الطائرات بدون طيار وغيرها من التقنيات العسكرية المصنعة في إثيوبيا. إلى جانب التقدم المحرز في تصنيع الطائرات بدون طيار، قطعت إثيوبيا خطوات كبيرة في إنتاج الذخيرة المحلية. فحتى ثلاث إلى أربع سنوات مضت، كانت إثيوبيا، مثل العديد من الدول الأفريقية، تعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجاتها من الذخيرة. ولم يمثل هذا الاعتماد على الموردين الخارجيين للذخيرة تحديات مالية فحسب، بل شكّل أيضًا مخاطر تشغيلية. ومع ذلك، سمحت التطورات الأخيرة في صناعة الدفاع في البلاد لإثيوبيا بإنتاج ذخيرتها الخاصة، بما في ذلك الرصاصات من العيارين الصغير والمتوسط.
وينتج مجمع هوميتشو لهندسة الذخيرة، الذي تم توسيعه كجزء من الإصلاحات العسكرية الأوسع في إثيوبيا الآن مجموعة واسعة من الذخيرة، بما في ذلك ذخيرة الأسلحة الصغيرة وقذائف المدفعية. كما أن المنشأة مجهزة بتكنولوجيا عسكرية متطورة، ويعمل بها متخصصون مهرة ومدربون على تشغيل أحدث معدات التصنيع. وقد مكّن هذا الاستثمار في إنتاج الذخيرة لإثيوبيا من تلبية متطلباتها الدفاعية المحلية، مع ترسيخ مكانتها كمورد محتمل لدول أفريقية أخرى. وفي غضون ثلاثة أشهر فقط، حققت إثيوبيا عائدات تزيد عن 30 مليون دولار أمريكي من صادرات الذخيرة، مما يُظهر الإمكانات الاقتصادية لقطاعها الدفاعي المحلي.
وقد أثبت قرار تصدير الذخيرة جدواه المالية، حيث أصبحت إثيوبيا الآن قادرة على تزويد دول أفريقية أخرى بإمدادات عسكرية حيوية، مما يقلل اعتمادها على الموردين الأجانب، ويعزز البنية التحتية الدفاعية الإقليمية. ولم تُقلل القدرة على إنتاج الذخيرة محليًا من اعتماد إثيوبيا على مُصنّعي الأسلحة الأجانب فحسب، بل حسّنت أيضًا أمن البلاد من خلال ضمان حصول قواتها المسلحة على إمدادات ثابتة وموثوقة من الذخيرة. ويمثل توسيع مجمع هوميتشو لهندسة الذخيرة خطوة حاسمة نحو هدف إثيوبيا المتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي عسكريًا. كما يمثل تحول البلاد من مستورد للسلع العسكرية إلى منتج لأسلحتها وذخيرتها الخاصة تحولًا كبيرًا في استراتيجيتها الدفاعية.
ويتجلى التزام الحكومة بالاعتماد على الذات في نجاح إنشاء مرافق تصنيع دفاعية، مثل اسكاي وين للطيران، ومجمع هندسة هوميتشو للذخيرة لا تقلل هذه التطورات من اعتماد إثيوبيا على الموردين الأجانب فحسب، بل تخلق أيضًا فرصًا اقتصادية جديدة، مثل توليد الإيرادات من صادرات الأسلحة. بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار والذخيرة، شرعت إثيوبيا أيضًا في إنتاج معدات عسكرية رئيسية أخرى، بما في ذلك الأسلحة النارية والزي الرسمي والأحذية. وقد خفف الإنتاج المحلي لهذه العناصر العبء المالي المرتبط باستيرادها، مما سمح لإثيوبيا بتخصيص مواردها بشكل أفضل للاحتياجات الملحة الأخرى. وقد رحبت قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية بهذا التحول، التي تدرك قيمة الاكتفاء الذاتي في تعزيز الجاهزية العسكرية للبلاد.
وأعرب المشير برهانو جولا، رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، عن أن الإنتاج المحلي للمعدات العسكرية لم يقلل القيود المالية فحسب، بل سمح أيضًا بمرونة أكبر في التخطيط والعمليات الدفاعية. غالبًا ما كان استيراد السلع العسكرية ينطوي على تأخيرات طويلة، مما يشكل تحديًا عند الحاجة إلى المعدات في الحالات العاجلة. وبفضل قدرات الإنتاج المحلية، تستطيع إثيوبيا الآن ضمان الوصول في الوقت المناسب إلى الإمدادات العسكرية الحيوية، مما يوفر لها ميزة استراتيجية في أوقات الصراع أوعدم الاستقرار. لقد وضعت الإصلاحات العسكرية والتقدم المحرز في الإنتاج الدفاعي المحلي للبلاد كنموذج يُحتذى به للدول الأفريقية الأخرى التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على مُصنّعي الأسلحة الأجانب.
واجهت العديد من الدول في جميع أنحاء القارة تحدياتٍ في شراء المعدات العسكرية من موردين خارجيين. والتي تشمل تحديات ارتفاع التكاليف، وطول فترات الانتظار، واحتمالية عرقلة العوامل السياسية أو الاقتصادية لسلسلة التوريد. ويُقدم النجاح في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الدفاعي دروسًا قيّمة للدول الأفريقية الأخرى.
ومن خلال الاستثمار في قدرات التصنيع المحلية، يُمكن للدول تعزيز جاهزيتها العسكرية، وخفض تكاليف الدفاع، وخلق فرص اقتصادية جديدة. علاوة على ذلك، يُمكن لقطاع الدفاع المُنتَج محليًا أن يُساعد في ضمان توافر المعدات العسكرية بسهولة أكبر، مما يُقلل من التحديات اللوجستية المُرتبطة بالمشتريات الدولية. وقد بشرت جهود الإصلاح العسكري بعهد جديد من الاعتماد على الذات والأمن الوطني. ولم تُقلل قدرة البلاد على تصنيع الطائرات المُسيّرة والذخيرة وغيرها من المعدات العسكرية من اعتمادها على الموردين الأجانب فحسب، بل وضعت إثيوبيا أيضًا كقوة مُتنامية في قطاع الدفاع الأفريقي. ومع استمرار البلاد في توسيع قدراتها الإنتاجية المحلية، ستتمكن من تلبية احتياجاتها الدفاعية بشكل أفضل والمساهمة في استقرار المنطقة. وبفضل استثماراتها المستمرة في البحث والابتكار وتوسيع السوق، تسير إثيوبيا بخطى ثابتة لتصبح لاعبًا رائدًا في صناعة الدفاع العالمية، مُقدمةً بذلك مثالًا يُحتذى به للدول الأفريقية الأخرى.