جوهر أحمد
بعد سنوات من الجهود المكثفة والحثيثة يبدو أن طموح إثيوبيا للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يكتسب زخمًا كبيرًا. وتشير الجهود الدبلوماسية الأخيرة إلى سعيٍ مُتجدد لإتمام انضمام البلاد، مما قد يُحقق فوائد اقتصادية كبيرة.
لطالما كان سعي إثيوبيا للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية هدفًا راسخًا، عززته علاقاتها المتقطعة مع المنظمة. ومع ذلك، فقد أعطى وزير التجارة والتكامل الإقليمي هذه المبادرة أولويةً حاليًا، مُحددًا هدفًا طموحًا يتمثل في تحقيق العضوية بحلول عام 2026.
ومن المعروف أن عضوية منظمة التجارة العالمية ستوفر للمصدرين الإثيوبيين وصولًا مضمونًا إلى أسواق الدول الأعضاء الأخرى، مما يُقلل من الحواجز التجارية مثل التعريفات الجمركية والحصص. وهذا من شأنه أن يُحفز الصناعات المُوجهة نحو التصدير ويُنوّع سلة صادرات البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، من المُرجح أن تجذب بيئة تجارية مستقرة وقابلة للتنبؤ، تُسهّلها قواعد منظمة التجارة العالمية، المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد. ويكتسب المستثمرون الثقة لعلمهم بأن استثماراتهم محمية بنظام قائم على القواعد، مما يعزز النمو الاقتصادي طويل الأجل.
وأن الالتزام باتفاقيات منظمة التجارة العالمية يتطلب من إثيوبيا تعزيز قوانينها ولوائحها التجارية، وتعزيز الشفافية والقدرة على التنبؤ. وهذا من شأنه أن يعزز مناخ الأعمال العام ويخفف من العقبات البيروقراطية.
ولدى اكتسابها العضوية في منظمة التجارة العالمية، ستتمتع إثيوبيا بإمكانية الوصول إلى آلية تسوية المنازعات التابعة للمنظمة، مما يوفر منصة لتسوية النزاعات التجارية مع الدول الأعضاء الأخرى بطريقة عادلة ونزيهة.
وفي السياق نفسه، يمكن لعضوية منظمة التجارة العالمية أن تُسهّل اندماج إثيوبيا في سلاسل القيمة العالمية، مما يُمكّن الشركات من المشاركة في شبكات الإنتاج الدولية والوصول إلى التقنيات المتقدمة. ومن خلال الوصول إلى الأسواق العالمية وتحسين حوكمة التجارة، من المتوقع أن يُساعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية إثيوبيا على تنويع اقتصادها، وتقليل اعتمادها على عدد قليل من الصادرات الرئيسية، وبناء قدرتها على الصمود في وجه الصدمات الاقتصادية العالمية.
وإدراكا لهذه الفوائد العديدة خطت إثيوبيا خطوات واسعة نحو الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، حيث اختتم فريقها التفاوضي، بقيادة كبير المفاوضين الدكتور كاساهون غوفي، مؤخرًا الاجتماع الخامس لمجموعة عمل منظمة التجارة العالمية في جنيف. وقد حددت وزارة التجارة والتكامل الإقليمي هدفًا طموحًا لإتمام عملية الانضمام بحلول المؤتمر الوزاري الرابع عشر لمنظمة التجارة العالمية في الكاميرون عام 2026.
وخلال اجتماع جنيف، أجرت إثيوبيا مناقشات حاسمة مع شركاء التنمية الرئيسيين، وحصلت على التزامات ثابتة بالمساعدة المالية والفنية. وأكد الوزير كاساهون على جدوى هذه المحادثات، التي استندت إلى مفاوضات سابقة. وصرح قائلًا: “لقد اختتمنا مفاوضاتنا بنجاح واتفقنا على عقد الاجتماع السادس لمجموعة العمل في يوليو من هذا العام”. وأضاف: “نحن ملتزمون بإكمال استعداداتنا اللازمة للانضمام إلى أسرة منظمة التجارة العالمية في الاجتماع الوزاري الرابع عشر في الكاميرون عام 2026”.
وأكد الشركاء الرئيسيون، ومنهم البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، والهند، والصين، وصندوق الاستثمار الأوروبي، ومركز التجارة العالمي، التزامهم بدعم إثيوبيا طوال عملية الانضمام. وقد تجلى هذا الدعم الدولي القوي بوضوح في الدعم الذي عبّرت عنه أكثر من 19 دولة خلال حفل الافتتاح، كما أوضح الوزير كاساهون على منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحثّ الوزير كاساهون الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على تسريع مفاوضات الوصول إلى الأسواق الثنائية، مؤكدًا التزام إثيوبيا بفتح قطاعي التجارة والاستثمار أمام الكيانات الأجنبية، إلى جانب مبادرات الخصخصة الجارية. وأكد مجددًا أن عضوية منظمة التجارة العالمية من المتوقع أن تحقق فوائد عديدة لإثيوبيا، بما في ذلك تحسين الوصول إلى الأسواق، وتعزيز العلاقات التجارية، وتحديث قطاعي الخدمات والزراعة، وغيرهما من القطاعات الحيوية.
وخلال الكلمة التي ألقتها مؤخرًا المديرة العامةالدكتورة نغوزي أوكونجو إيويالا حول “حشد الاستثمار والتمويل الأفريقيين لتحقيق رؤية أجندة 2063″، سلّطت الضوء على التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه القارة، مشيرةً إلى أن أفريقيا تخسر أكثر من 88 مليار دولار سنويًا بسبب المعاملات المالية غير المشروعة، وأكثر من 12 مليار دولار من الصيد غير المشروع.
وأكدت الدكتورةأوكونجو إيويالا أن هذه التدفقات المالية غير المشروعة، إلى جانب الأنشطة غير القانونية المتعلقة بالهجرة والتجارة، تعيق بشدة التقدم الاقتصادي لأفريقيا. وأقرت بالبيئة الجيوسياسية الصعبة، التي تُعيق بشكل أكبر تحقيق أهداف التنمية للقارة المحددة في أجندة 2063. وقالت: “نتعاون مع منظمة التجارة العالمية والمنظمات الإقليمية والقارية ذات الصلة لمعالجة هذه القضايا على المستوى الشعبي”.
ويُذكر أنه قبل عام، في الاجتماع الذي جمع السفير مسغانو أرغا، وزير الدولة للشؤون الخارجية، ومايكا أوشيكاوا، مديرة قسم الانضمام في منظمة التجارة العالمية، كان التركيز واضحًا: تسريع مسيرة إثيوبيا نحو عضوية منظمة التجارة العالمية. وأكد السفير مسغانو التزام الحكومة الإثيوبية السياسي الراسخ واستعدادها لإتمام المفاوضات الفنية على وجه السرعة. وأكد أن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ليس مجرد إجراء بيروقراطي، بل هو حجر الزاوية في التحول الاقتصادي الأوسع لإثيوبيا.
وصرح السفير مسغانو خلال الاجتماع: “الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية أمر محوري لأجندة الإصلاح الاقتصادي في إثيوبيا. نحن ملتزمون بإكمال المفاوضات الفنية اللازمة بسرعة وكفاءة”.
ويتجلى هذا الالتزام بوضوح في التعديلات السياسية الهامة والقرارات الجذرية التي طُبّقت في قطاعي التجارة والمالية في إثيوبيا. وصُممت هذه الإصلاحات لملاءمة الإطار الاقتصادي للبلاد مع معايير منظمة التجارة العالمية، مما يُسهّل عملية انتقال أكثر سلاسة. وقد اتخذت الحكومة الإثيوبية خطوات لتحرير سوقها، وتحسين الشفافية التنظيمية، وتعزيز حماية الملكية الفكرية، وهي جميعها عناصر أساسية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
يُضيف موقع إثيوبيا كلاعب اقتصادي رئيسي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ثقلاً استراتيجياً لسعيها للانضمام. ويؤكد المسؤولون أن عضوية إثيوبيا لن تُفيد اقتصادها فحسب، بل ستُعزز أيضاً مكانة منظمة التجارة العالمية ونفوذها في المنطقة.
وأقرت المديرة مايكا أوشيكاوا بالتقدم الذي أحرزته إثيوبيا، وأكدت مجدداً التزام أمانة منظمة التجارة العالمية بتقديم المساعدة اللازمة. وتعهدت بمواصلة الدعم لتسريع عملية الانضمام، مُسلّطةً الضوء على الطابع التعاوني للمفاوضات الجارية.
و أكد وزير التجارة والتكامل الإقليمي الإثيوبي، كاساهون غوفي، أن إثيوبيا حصلت على دعم 19 دولة والبنك الدولي للإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية خلال الاجتماع الخامس لفريق العمل الإثيوبي المعني بالانضمام إلى المنظمة.
وأوضح الوزير، في مؤتمر صحفي، أن مشاركة إثيوبيا في الاجتماع كانت ناجحة، مشيرًا إلى أن التطورات الإيجابية في المفاوضات عززت فرص البلاد في الانضمام إلى المنظمة.
وأشار الوزير إلى أن إثيوبيا ستواصل مسار المفاوضات، حيث من المقرر عقد اجتماعين إضافيين لفريق العمل في يوليو ونوفمبر المقبلين، ومن المتوقع أن تنضم إثيوبيا إلى المنظمة خلال الاجتماع الوزاري الرابع عشر لمنظمة التجارة العالمية، المقرر انعقاده في الكاميرون في فبراير 2026، بحسب الوزير.
وأكد الوزير أن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها إثيوبيا حظيت بتقدير منظمة التجارة العالمية والدول الأعضاء، مما يعكس تقدم البلاد في مواءمة سياساتها التجارية مع معايير المنظمة.
وأشار الوزير أيضًا إلى أن العديد من الدول تنظر إلى إثيوبيا، التي يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي ٢٠٦ مليارات دولار، وتتمتع باقتصاد سريع النمو، حيث سيخلق انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية فرصًا سوقية كبيرة للدول الأعضاء.
وأشار أيضًا إلى أن بعض الدول خضعت لعمليات تفاوض مكثفة، امتدت لأكثر من ١٢ جولة، قبل الحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية.
وأوضح أن الفوائد المحتملة لانضمام إثيوبيا إلى منظمة التجارة العالمية تشمل العمل في سوق عالمية مستقرة.
ولاشك أن سعي إثيوبيا المتسارع للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، إلى جانب الدعم الدولي القوي الذي حظيت به، يعتبر خطوة هامة نحو دمج اقتصادها في النظام التجاري العالمي. وأن التزام البلاد بتحرير التجارة والإصلاح الاقتصادي، إلى جانب التصدي للتحديات التي حددها المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، يُهيئها لفرص نمو وتطور محتملة خلال السنوات القادمة.