أضواء علي المنتدي الصيني الأفريقي المنعقد بالعاصمة الصينية بكين

يوسف ريحان

 

تولي جمهورية الصين الشعبية أهمية كبري للدول النامية وفي مقدمتها القارة الافريقية ذات الموارد الطبيعية الضخمة التي لم تستغل بعد بالصورة المثلي مما يصدق معه وصفها بالأرض البكر.

هذه الأهمية تظهر بصورة واضحة في منتدي التعاون الصيني الأفريقي الذي تأسس في أكتوبر من العام 2000م والذي ينعقد في العاصمة بكين في الرابع من شهر ديسمبر الحالي وخاتما فعالياته في اليوم السادس منه.

علاقات الصين بالقارة الافريقية علاقات قديمة تجذرت بصورة أكبر منذ وقت مبكر كانت تعاني فيه الكثير من البلدان من ويلات المستعمر الذي غزا العالم وتقاسم خيراته بين الدول الأوربية وبني نهضته الصناعية علي استغلال موار الغير، فشكلت تلك الحالة تضامنا لا إراديا بين الشعوب المستعمرة وأنشأ علاقات لمناهضة الإستعمار والتشجيع علي الاستقلال بين تلك الدول علي الرغم من بعد المسافات الفاصلة بين جغرافيتها مترامية الاطراف.

وان كانت تلك العلاقة قد نشات في السابق إلا أنها لم تنقطع بل حافظت علي الود القديم وجددت علاقاتها الراهنة ورسمت خطط للمستقبل في اطار علاقة ثنائية استراتيجية لتعاون في شتي المجالات.

التعاون الثنائي الصيني الافريقي:

ربما هنالك سؤال يطرح نفسه عن كنه التمدد الصيني في قارات العالم حتي أصبح يؤرق مضاجع الغرب ويثير حفيظته، هذا التمدد الذي اجتاح مناطق تعتبر مناطق نفوذ أروبي وأمريكي قديم؟

والإجابة علي هذا السؤال تتلخص في الذكاء والتفرد الصيني في إنشاء علاقات إستراتيجية مع دول القارة تقوم علي الشراكة الذكية بين التكنلوجيا والأيدي العاملة ذات الخبرة الصينية وأصحاب الأرض الغنية بالموارد في أفريقيا دون أن تتاثر هذه العلاقة بالتفاعلات السياسية الداخلية ودون التدخل لصالح طرف وإن كان علي رأس السلطة مما يضرب مصداقيتها ويجعلها طرف قد تنقطع حبال التعاون معه وفق تفاعلات قد تفضي إلي تغير ميزان القوي لصالح طرف ما مستقبلا.

وهذه استراتيجية جيدة للتعامل تمتعت بثقة الاطراف الداخلية كافة وفيها بعد استراتيجي للمصالح مرتبط بالشعوب كونها العنصر الثابت الغير متغير في ظل تغير الانظمة.

والرسالة الصينية الضمنية في هذه الاستراتيجية التنموية في افريقيا تسعي بصورة اساسية لتحقيق هدف مهم هو تنمية الأرض التي يستفيد منها الإنسان وتحرك عجلة الإنتاج وتدرب الأيدي العاملة وتخرجها من دائرة البطالة والفقر وتساهم في توطين التكنولوجيا مما يؤدي في آخر المطاف الي إضعاف إرادة حمل السلاح وضرب إستقرار الدول كونها عالجت الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تلك الحالة التي يكون في العادة الأسباب المؤدية إليها يفرضها سؤال التنمية التي أصبحت بهذا التعاون الصيني الأفريقي البناء من السهولة الاجابة عليه من الناحية العملية.

ومما يدلل علي الاهتمام الصيني بافريقيا تلك الميزانيات التي رصدت لتغطي التعاون الثنائي بينهما والتي بلغت وفق الإعلام الصيني الرسمي في التجارة الثنائية بينهما في النصف الاول من هذا العام 2024م ما قدره 167.8 مليار دولار.

الصين في كل شبر من أفريقيا:

في زيارة سابقة لي من المملكة العربية السعودية الي دولة كينيا عبر مطار اديس ابابا الدولي وكان ذلك في نهاية العام 2016م ومعلوم أن الطيران الاثيوبي هو الاكبر عددا والاكثر تحليقا في القارة السمراء والرابط بين عواصمها والكثير من مدنها، قد لاحظت في فترة وجودي التي بلغت الأربع ساعات في المطار وقتها تواجدا صينيا لافتا للنظر، وكنت كلما اسمع النداء للتوجه للطائرة لاي عاصمة أو وجهة افريقية أكاد أحصي ما لا يقل عن عشرة أفراد من دولة الصين متوجهين لمنطقة ما في القارة الافريقية كلها بدون استثناء، وذلك مؤشر قوي علي مدي هذا التعاون المثمر القائم بين الطرفين ويؤكد كذلك علي رسوخ القدم الصيني في القارة وعلي مدي ثقة القارة فيه علي الرغم من أن الفترة التي اشرت إليها حتي العام الحالي 2024م قد شهدت توترات كبيرة في القارة وتغيرت فيها حكومات وأنظمة إلا أن هذا التواجد لم يتأثر إلا في حدود ضيقة إقتضته الإضطرابات الأمنية التي أوقفت هذا التعاون إضطرارا علي أمل استئناف نشاطه مجددا عند تحسن الأوضاع الأمنية كما تناقلته أخبار تغطية القمة في السودان نموذجا.

إيجابيات الشراكة مع الصين:

حدث تململ كبير في القارة الافريقية من الشركاء التقليدين سواء كانوا اروبين او امريكان، فمعلوم ان كثير من مناطق النفوذ الفرنسي قد فقدت الكثير من المناطق التقليدية (النيجر وبوركينا فاسو ومالي وافريقيا الوسطي) والتي استبدلت الشراكة معها بشركاء جدد أكثر موثوقية كروسيا والصين في ظل العشر سنوات الماضية.

ولم يتوقف ذلك التعاون فقط علي الشراكات الإقتصادية التي من ضمنها الخروج من الإتحاد النقدي للفرنك الافريقي، إنما بلغ درجة من عدم الرغبة لامست التعاوني الثقافي المتعلق باللغة الفرنسية وإستبدالها باللغات المحلية أو الانجليزية كلغات رسمية بديلة (وإن إعترضت تلك المحاولات صعوبات التنفيذ علي المدي القريب)، إلا أنها فيما يبدوا اعتمدت علي رمزية الإستياء والكراهية للهيمنة الفرنسية عليها.

ولم تكن امريكا بافضل حالا من سالفة الذكر فرنسا بل كانت سباقة في أن تفقد مناطق نفوذ كانت تتمتع فيها بعلاقات وطيدة وكانت لها مساهمات مهمة في إكتشاف البترول منذ بواكير خمسينيات القرن العشرين المنصرم في السودان.

وقد قاد لفض هذه الشراكات مع الغرب عموما وأمريكا وفرنسا علي وجه الخصوص تلك العلاقة القائمة علي التعقيد والمرتبطة بالتدخلات الغير حميدة في الشأن الداخلي للدول لم تراعي فيها مصلحة الشعوب ولم تراجع فيها تلك السياسات رغم طول المدة التي استغرقتها والتي استخدمت فيها سياسة غير مفيدة هي سياسة (الجزرة والعصا) والتي اثبتت فشلها مما أدت في آخر المطاف إلي إستحداث شراكات جديدة مع الصين وروسيا والتي أثبتت التجربة أنها الأفضل لقدرتها علي تحقيق درجات مقبولة في القارة الافريقية علي المستويين التنموي والمعيشي.

ختاما:

يبدوا أن التحولات في القارة الافريقية تسير بخطي ثابتة في الاتجاه صوب الصين وروسيا بالإعتماد علي الكثير من الأسباب الموضوعية التي اقتضتها الكثير من المنعطفات والتجارب السابقة التي أدت إلي هذا التقارب الكبير، وفي ظل عدم تقدم الغرب عموما خطوات للأمام نحو أفريقيا وفي ظل إستمرار هذا التردد فالرهان علي الصين وروسيا يصبح من الضروري والملح في المرحلة المقبلة، وهذا يستدعي تفكير جديد لتطوير هذه الشراكة بحيث يرتفع فيها حجم التبادل التجاري ويزداد فيها حجم المشاريع القائمة في افريقيا وأن تلتزم فيها دول القارة باستحداث معادلات تضمن المزيد من الاستقرار السياسي الذي يخلق أرضية لاستدامة هذه الشراكة لتحقيق المزيد من الإستغلال الأمثل لموارد القارة بطريقة عادلة تراعي مصالح الطرفين الصيني والافريقي.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai