د/ طارق عبد النبى محمد على
باحث وأكاديمى
زين أهل الحبشة تاريخهم العريق بمآثر ومناقب عظيمة بل نقشوهاعلى صفحات الكتب وأمهات المراجع لكى لا يغيرها الزمن ولاتمحوها الذاكرة بل أضاءوا سيرتهم التاريخية بمصابيح وقناديل لاتطفؤها رياح من يعبثون بالحقائق ومن يزيفون التاريخ.
لقد أصطفى الخالق عز وجل أهل الحبشة دون غيرهم من الشعوب للقيام بأدوار تاريخية وإنسانية ودينية عظيمة لما يعلمه فيهم من فضائل الصفات وكرائم الخلال.
ومامن إنسان قط تطأ قدماه أرض الحبشةألا وتستعيد ذاكرته هذه الأدوار العظيمة والتى يأتى فى مقدمتها التعايش والتسامح الدينى بين طائفتى المسلمين والمسيحيين بل ومنذ عهد مضى نشر أهل الحبشة ثقافة التعايش والتسامح بينهم على قمم الجبال وبين السهول والوديان بل ملأوا بها الحواضر من القرى والأرياف والمدن .
وذلك لتعزيز التفاهم بينهم والإحتفاء بالتنوع والوحدة وإذا أدرنا عجلة التاريخ إلى الوراء نجد فى أستقبال الملك النجاشى وقساوسته للمهاجرين المسلمين فى أرض الحبشة ذروة وقمة التعايش والتصالح والتسامح.
وتمثل عبارة الملك النجاشى ( إن هذا والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ) البذرة الأولى والبواكير الحقيقية للتعايش والتسامح الدينى فى أثيوبيا.
شاءت الأقدار أن أقيم فى هذا البلد المضياف وبين هذا الشعب العريق الطيب ثلاث سنوات لاحظت فيها بنفسى مظاهر لهذا التعايش والتسامح الدينى بين الطائفتين تتمثل فى احترام كل طائفة لطقوس وعبادات الطائفة الأخرى من غير سخرية أو أنتقاص .
كما شاهدت حسن الجوار والإحترام المتبادل بين الجارين المسلم والمسيحى ومشاركة كل واحد للأخر فى مناسباته الدينية والأجتماعية بكل أريحية وطيب نفس ويتوج كل ذلك بالزيارات المتبادلة وتفقد الأحوال.
أما إذا جئنا للأعياد الدينية فأمرها عجب فنجد كل طائفة تهنئ الأخرى وتبارك لها المناسبة بل المشاركة فيها تعبيرا عن الإلفة والمحبة والسلام مما يساعد على التماسك والترابط الإجتماعى.
ومما لفت إنتباهى أثناء تجوالى فى أسواق وأحياء مدينة أديس أبابا أصوات المدائح النبوية والتى يطلق عليها الأثيوبيين ( المنظومة ) وهى عبارة عن أنشودة أسلامية صوفية تحمل قيم التراحم والتسامح والمحبة خاصة فى ليالى رمضان وذكرى المولد النبوى الشريف .
وعلى الجانب الاخر تصدح أنغام ( المزمور ) فيمتزج الصوتان فى الفضاء مؤكدان على التآلف والمحبة بين الطائفتين.
فى ختام موضوعى هذا أؤكد أن التعايش والتسامح الدينى فى أثيوبيا أضحى أنموذجا يحتذى به بين دول العالم أجمع بل أعتبره أحد أهم ممسكات الوحدة الوطنية فى هذا البلد العريق المضياف.