سمراي كحساي
أعلن رئيس الوزراء الدكتور آبي أحمد عزم إثيوبيا افتتاح سد النهضة رسميًا في سبتمبر المقبل، بعد نهاية موسم الأمطار، موجّهًا دعوة لحكومتي السودان ومصر للمشاركة في هذه المناسبة التي وصفها بالتاريخية.
الخطوة تعكس تطورًا مهمًا في مسار مشروع ظل لسنوات في قلب التفاعلات الإقليمية، وتفتح الباب – من منظور دبلوماسي – لقراءة دقيقة تجمع بين إدراك الواقع الجديد والبحث عن فرص تفاهم مستقبلي يخدم المصالح المشتركة لدول حوض النيل الشرقي.
دعوة إثيوبية… بين الدلالات السياسية وفرص التواصل
ويقول الكاتب السوداني عمار العركي انه من حيث الشكل، تمثل الدعوة تعبيرًا عن انفتاح إثيوبي نحو محيطها الإقليمي، وهي خطوة تستحق التقدير كجزء من نهج سياسي يسعى – على ما يبدو – إلى تهدئة التوتر وفتح صفحة جديدة مع دولتي المصب. أما من حيث التوقيت، فإن اختيار لحظة الافتتاح الرسمي كمناسبة جامعة يحمل بعدًا رمزيًا، لكنه لا يُغني عن التفاهم الفني والقانوني المطلوب لضمان التشغيل العادل والمستدام للسد.
السودان… مقاربة عقلانية تراعي السيادة وتحفّز التعاون
واضاف العركي ان علي السودان التعامل مع هذه الدعوة وفقا لقاعدة المصالح الوطنية والسيادة الكاملة على قراره المائي والاقتصادي، مع الحفاظ على أجواء إيجابية تساعد في خلق بيئة حوار هادئ وبنّاء مع إثيوبيا.
ويمكن للسودان أن ينتهج موقفًا متوازنًا يجمع بين المشاركة الرمزية أو الفنية في فعالية الافتتاح، دون أن تُفهم كموافقة ضمنية على السياسات الأحادية في إدارة الموارد المائية، وهو ما قد يُعزز من فرص بناء الثقة، دون التفريط في الحقوق أو المواقف التفاوضية.
مصر والسودان… تنسيق ضروري لا يتعارض مع الانفتاح
واشار العركي الي انه في هذا السياق، لا يعني انفتاح السودان تجاه المبادرات الإثيوبية بالضرورة تباعدًا عن مصر، بل العكس؛ يمكن للسودان أن يلعب دورًا في جسر الهوة بين الموقفين عبر طرح مبادرات مشتركة لإعادة المفاوضات إلى مسار عقلاني، بما يراعي الشواغل الفنية العادلة لجميع الأطراف.
وقال إن التنسيق مع القاهرة في هذا الظرف لا يمسّ استقلالية القرار السوداني، بل ينسجم مع حقيقة أن نهر النيل لا يعرف الحدود السياسية، وأن استقراره لا يتحقق إلا بتعاون توافقي بعيد عن الإملاءات أو الحسابات الضيقة.
واختتم العركي حديثه قائلا:” بين رمزية الافتتاح وأبعاده السياسية، وبين تحديات الملف المائي وحساسيته، تظل فرصة بناء الثقة بين السودان وإثيوبيا قائمة. المطلوب فقط هو مقاربة مرنة وحكيمة، تستند إلى المبادئ الثابتة للسودان في حماية مصالحه، وتتجنب التصعيد، وتفتح نوافذ للتعاون الإقليمي الذي يُعد اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى”.
من جهته، يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد أن “تأسيس قوات دفاعية إثيوبية تحت اسم ’فيلق النهضة‘ يؤكد حرص إثيوبيا على حماية سد النهضة من أي تهديدات محتملة سواء من الداخل أو الخارج”.
ويشير إلى أن “سد النهضة الإثيوبي يعتبر جزءاً مهماً من الأمن المائي القومي لإثيوبيا والإقليمي حيث حمايته تضمن الفوائد الإقليمية لإثيوبيا والسودان ومصر “.
ويضيف، ” أرى أنه ينبغي على إثيوبيا مطالبة دولتي المصب بأن تسهما كذلك في التكاليف المالية لحماية السد لأنهما مستفيدتان من تنظيم وتدفق مياه النيل الأزرق”.
ويوضح أحمد “هناك نماذج ناجحة لبعض الدول التي تتعاون في تقاسم تكاليف تشغيل وصيانة وحماية السدود لتعزيز المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة للأنهار العابرة، ومنها الهند وباكستان، وكندا والولايات المتحدة اللتين تتعاونا في إدارة الموارد المائية المشتركة، بخاصة في الأنهر التي تشكل الحدود بين البلدين. أبرز مثال على ذلك هو نهر كولومبيا، حيث توجد معاهدة لتطوير السدود وتقاسم فوائد الطاقة والسيطرة على الفيضانات. وأيضاً هناك تعاون في إدارة نهر سانت لورانس، الذي يعد جزءاً من الحدود بين كندا والولايات المتحدة”.
و بين رمزية الافتتاح، وتحديات الملف المائي، وديناميكيات الأمن الإقليمي، تلوح فرصة حقيقية لإعادة تشكيل العلاقة بين إثيوبيا ودولتي المصب.
فرصة تقوم على إدراك أن مستقبل نهر النيل – كمصدر حياة وأداة تنمية – لن يُبنى على سياسات فرض الأمر الواقع، ولا على العناد الدبلوماسي، بل على قواعد الحوار، واحترام الحقوق، وتوزيع المنافع بطريقة عادلة.